في تصريحات واضحة لا تحتمل التأويل او التخمين ،كشفت السلطات الايرانية عن المغزى خلف زيارة رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان السبت 12 اكتوبر 2019 الى طهران بطلب مباشر وواضح من المملكة العربية السعودية ورغم ان تصريحات سبقت الزيارة لعمران خان كشف فيها عن انه يتمنى الا تحدث حروب اخرى في منطقة الشرق الاوسط وان دولته تسعى الى ايجاد تفاهمات بين الرياض وطهران ، لكن الاخيرة جاءت كلماتها قاطبة، وقالت ان المملكة العربية السعودية تريد التفاوض معها.
باكستان ، وفقا لعلاقاتها المتينة مع المملكة العربية السعودية ، من الممكن ان نطلق عليها الحديقة الخلفية للرياض ، في المنطقة، فضلا عن ذلك فهي تتمتع ايضا بعلاقات متينة وقوية مع كل من واشنطن وطهران ولذلك فقيامها بدور الوسيط بين الخصمين الشهيرين في الشرق الاوسط ، امر متفهم ومقبول من كافة الاطراف وقد سبق زيارة عمران خان الى ايران ، والسعودية ، زيارة اخرى لم يتم الكشف عنها لوفد رفيع المستوى من مسؤولين باكستانيين الى البلدين طرفي الصراع في المنطقة لتهيئة المناخ لهذه المحاولة، لاجراء مفاوضات وايجاد حلول لملفات باتت معقدة كما الحال في ملف اليمن ومضيق هرمز والوجود الايراني في العراق وسوريا ولبنان وكلها ملفات بطبيعة الحال تزعج الرياض.
طرح الحديث عن المفاوضات في الوقت الحالي يأتي بطبيعة الحال بعد الخسائر الضخمة التي منيت بها السعودية بعد استهداف شركة ارامكو النفطية الشهر الماضي والتي تسبب في خفض انتاجية الرياض الى النصف تقريباً ، حيث انخفض انتاجها من النفط الى 5 مليون برميل يوميا وهو نصف الانتاج اليومي الذي يصل الى 10 مليون برميل نفط ، وتبع ذلك اتهامات من جانب المملكة لايران بمسؤوليتها عن ذلك ، ونفي الاخيرة وخروج جماعة الحوثي في اليمن للاعلان عن مسؤوليتها. فضلاً عن كثير من الملفات الاخرى العالقة بين البلدين والاتهامات المتبادلة بينهما منذ سنوات ، وبالتالي يرى البعض ان ابداء البلدين الرغبة الايجابية في بدء المفاوضات، ان ذلك ربما يؤذن بتهدئة الصراع الحالي بينهما والذي في كثير من الاوقات يصتبغ بصبغة طائفية من اجل دغدغة مشاعر”الجماهير المتدينة” من الطرفين والمؤيدين لكلا البلدين وسبق ايضاً زيارة عمران خان الى ايران والرياض لمناقشة تفاصيل المبادرة المزعومة، قيام الرئيس الايراني حسن روحاني بطرح مبادرة ايرانية في خطابه بالجمعية العمومية للامم المتحدة الشهر الماضي قال فيها انه يمد يد الحوار والسلام الى دول منطقة الخليج بالأخص لانهاء الصراع الحالي.
ماسبق بعضاً من التفاصيل التي يجب المرور عليها للنظر في مدى امكانية باكستان وعمران خان على النجاح في “التكليف” الذي يقوم به لتهيئة الاجواء لبدء حوار بين الرياض وطهران. في البداية لابد من التأكيد على أن الحوار بين ايران والمملكة العربية السعودية ، هو في الأساس حوار بين ايران والولايات المتحدة الامريكية، خاصة وان كافة الملفات العالقة بين طهران والرياض ، هي في الاساس ملفات تهم واشنطن وتتبناها جنبا الى جنب مع المملكة العربية السعودية ضد الجمهورية الايرانية وعلى رأسها الملف النووي، والذي طالما طالبت السعودية مرارا وتكرارا بإنهاء مشروع ايران النووي بزعم الرغبة في انهاء المشروعات النووية في الشرق الاوسط بالكامل، بالاضافة الى الملف النووي والذي تنتفع من خلاله واشنطن بضخ الاسلحة التي تجلب لها مليارات الدولارات من الجانب السعودي ولذلك فليس من مصلحة دونالد ترامب على الاقل في الوقت الحالي انهاء الصراع السعودي الحوثي في اليمن رغم حالة”الكارثية” التي وصلت اليها البلاد في هذه اللحظات.
فضلا عن ذلك ، فالرياض تريد تقليص دور ايران في سوريا بشكل كبير وهو بطبيعة الحال لا يرقى لرضى الجمهورية الاسلامية والتي ترى ان وجودها في سوريا هو حماية للبلاد من التنظيمات المتطرفة التي “ترعاها” الرياض كما تزعم طهران، ومن اسرائيل . لذلك فالتفاؤل بمحاولات عمران خان لانجاح محاولات الحوار بين الرياض والجمهورية الاسلامية ، ليس له محل من الاعراب لأسباب كثيرة على رأسها:
1. ان من شروط ايران للبدء في التفاوض مع المملكة العربية السعودية ، هو التوافق على طرد القوات الامريكية من منطقة الخليج بالكامل؛
2. الشرط الثاني ، هو اقرار الرياض واعترافها بالفشل في قتال الحوثيين في اليمن واعلان حالة الاستسلام والانسحاب الكامل من اليمن ثم بدء الحوار؛
3. وقف دعم الرياض لما تقول ايران انها “جماعات متطرفة” في سوريا؛
4. التوصل الى اتفاق حماية لمضيق هرمز يعتمد على قوات الدول الخليجية والقوات الايرانية؛
5. عدم مطالبة الرياض بوقف مشروع ايران النووي؛
6. وقف الدعم السعودي لما تقول ايران انها المعارضة الايرانية في الخارج وبعض الاطراف في الداخل.
وبالتالي الجميع هنا امام شروط تكاد تكون مستحيلة التحقيق من جانب السعودية ، بالاضافة الى انها غير منطقية الطرح من جانب الجمهورية الاسلامية، التي باتت تتعامل مع المنطقة كما لو كانت كـ”الشرطي” الذي يمارس كل اشكال ” القوة” و “التبجح” دون الاكتراث او الاهتمام بردود الافعال حول تصرفاته ، خاصة تلك التي استهدفت الملاحة في مضيق هرمز وتسببت في توترات اقليمية ودولية خطيرة في الأسابيع القليلة الماضية لذلك فرغم ان تصريحات عمران خان تصب في أن البلدين يرحبان بجهود الحوار والمفاوضات ، لكن في الواقع فالسعودية وايران لا يرغبان في اي شكل من اشكال الحوار ، ولن يتعدى الامر سوى تصريحات اعلامية المستهدف منها جمهورهما الداعم لهما في المنطقة، فطبيعة الصراع التاريخية بين البلدين لن تسمح على الاطلاق ان يجلسا على طاولة المفاوضات سواء بشكل مباشر او عن طريق وسطاء، وتأزم ملف اليمن بهذه “الكارثية” لن يسمح بتهيئة الأجواء على الاقل على المستوى القريب في تحقيق اي نتائج ايجابية تتعلق ببدء محاولات للحوار او التفاوض.
فضلا عن ان تصلب الموقف الامريكي من الملف النووي الايراني ونشاط الجمهورية الاسلامية العسكري الخارجي في دول الجوار سوف يعقد الأمر بشكل اكبر على الاقل في ظل ادارة الرئيس الامريكي الحالي دونالد ترامب الذي يتخذ موقفاً متشددا من المشروع النووي الايراني ولا يرغب في تكرار تجربة نظام باراك اوباما الرئيس السابق مع الإيرانيين ، والذي يرى ترامب ان طهران استطاعت ” استغفال” اوباما ونجحت في تطوير برنامجها النووي بعيدا عن رقابة واشنطن مستفيدة من توقيع الاتفاق النووي في 2015 بمباركة الولايات المتحدة الامريكية.
محمود شعبان- باحث بجامعة اسطنبول ايدن بتركيا، خاص لوكالة أنباء “رياليست”