بعد عشرات القمم والمحادثات والقرارات الدولية حول سوريا، توصلت كل من الحكومة السورية والمعارضة السورية، إلى حل موضوع تشكيل اللجنة الدستورية طبقا لقرار مجلس الأمن الدولي 2254 من العام 2015، ووضع الحجر الأول نحو إنهاء الحرب المفروضة على البلاد منذ أكثر من ثمان سنوات.
يبدو أن القمة الثلاثية الأخيرة في العاصمة التركية أنقرة، قد قُطِفَت ثمارها، إذ كان ملف اللجنة الدستورية على طاولة البحث بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيريه الروسي فلاديمير بوتين، والإيراني حسن روحاني، إلا أن هذه القمة لم تكن الأولى التي بحثت هذا الملف، ففي مؤتمر الحوار الوطني السوري في مدينة سوتشي الروسية في العام 2018، تم الاتفاق بين الدولة السورية و الإتحاد الروسي وتركيا إلى جانب الأمم المتحدة، تشكيل لجنة لمراجعة دستور سوريا. وكان عدد اللجنة المتفق عليها 150 شخصا، 50 شخصا من قبل الحكومة السورية، و50 من جانب المعارضة، والـ 50 الأخيرة يقررهم المبعوث الخاص للأمم المتحدة.
والسؤال المطروح هنا، لماذا تأخر هذا الاتفاق كل هذه المدة؟
إن النقطة الخلافية الأبرز كانت في أن نية المعارضة أن يتم تغيير كامل الدستور السوري الحالي، الأمر الذي قوبل برفض الدولة السورية، حيث وافقت فقط على تعديل الدستور الحالي لا تغييره، كما كان هناك خلافات حول تسمية أعضاء اللجنة الدستورية من جانب المعارضة، ووضع شروط أقرب للتعجيز منها إلى إيجاد حل ينهي الأزمة ويوقف الحرب في سوريا.
فجاء إعلان أنطونيو غويتريش، الأمين العام للأمم المتحدة، تشكيل اللجنة الدستورية لسوريا، والعمل على إعادة صياغة الدستور السوري ضمن عملية انتقال سياسي، إلى جانب التوقف الفوري عن شن هجمات ضد أهداف مدنية، وتفعيل الجهود داخل الأمم المتحدة لدعم وقف إطلاق النار، الأمر الذي رأت فيه الأمم المتحدة أنه إنجازا رسخ مساعيها وتترجم في هذا الإعلان بعد كل هذه السنوات. طبقا لوكالات إخبارية.
فتشكيل وتسمية أعضاء اللجنة السورية، يعتبر في نظر البعض أنه إنتصارا سياسيا بعد كل هذه المدة، إلا أن الواقع مغاير تماما، فمنذ محادثات أستانا الأولى حول سوريا وقمم جنيف والمؤتمرات الدولية حول سوريا، ومساعي كل من محمد الدابي وكوفي عنان ثم الأخضر الإبراهيمي وستيفان دي ميستورا والأخير غير بيدرسون، لم تفلح جهودهم السابقة في إنهاء مسار المعارك على الأرض، فضلا عن الهُدن المخروقة دائما من قبل التنظيمات الإرهابية المسلحة، فخطواتهم وخططهم كانت تصطدم دوما برغبات الدول الكبرى، والإنحيازات الإقليمية وتعنت اطراف على حساب أخرى.
فهذا الإنتصار بحسب تعبير غويتريش، سيصطدم حاليا بموضوع إنشاء المنطقة الآمنة الخارجة عن إرادة الأمم المتحدة ودون موافقتها ولا يوجد قرار أممي حولها، وسيصطدم أيضا بمسألة التواجد الأمريكي والتركي الغير شرعيين في الأراضي السورية، فضلا عن مسألة اللاجئين السوريين، العقبة الأكبر بإعتراف الأمم المتحدة نفسها، فالعوائق كثيرة وتحتاج إلى وقت طويل، فلو كان تعديل الدستور هو الحل، لما كان هناك أزمة عندما طالبت المعارضة بإلغاء قانون الطوارئ في بداية الأحداث في العام 2011.
لم يأتِ مجلس الأمن على ذكر أي من هذه العوائق، أو تخصيص جلسات حولها، ولم يفرد غويتريش أي حل مستقبلي بخصوصها، ما يعني أن أول الغيث قطرة، والأزمة السورية لم تنتهِ مع هذا الإعلان، وهذا الإنجاز صغير قياسا بحجم الدمار الذي ألحق بسوريا.