باريس (رياليست – عربي): يقترب عام 2022 من الانتهاء، حيث كان مليء بالتوترات الإفريقية- الفرنسية، بدءاً من التظاهرات الرافضة للوجود الفرنسي في القارة، ووصولاً إلى انسحاب قواتها امن عدة دول في القارة.
منذ أن تولَّى إيمانويل ماكرون رئاسة فرنسا عام 2017، جعل إفريقيا جزءاً أساسيّاً من سياسته الخارجية. ففي وقتٍ مبكرٍ مِن رئاسته، كشف ماكرون أن اهتمامه بإفريقيا يتجاوز شؤون المستعمرات الفرنسية السابقة
ماذا حدث؟
هيمنة فرنسا بدأت تتراجَع على العديد من الأصعدة تدريجياً في إفريقيا، لكنها لا تزال تُواصِل الكفاح لتعزيز هذا النفوذ عن طريق دعمها للانقلابات والتدخلات العسكرية، وذلك في الوقت الذي تتصاعد فيه الحركات الشعبية ضد التدخلات الغربية عامَّةً، والوجود الفرنسي خاصَّةً.
في يناير 2022، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في خطاب أمام نواب البرلمان الأوروبي بستراسبورغ، الشركاء الأوروبيين إلى “تحالف جديد” مع القارة الإفريقية. وأعلن ماكرون الذي ترأست بلاده الاتحاد الأوروبي في النصف الأول مِن العام الجاري، تنظيم قمة أوروبية إفريقية في فبراير لإعادة بناء الشراكة بين القارتين، من حيث الاستثمارات والصحة والأمن.
وعلى وقع تلك الجهود الحثيثة من فرنسا لإعادة توطيد العلاقات مرة أخرى مع القارة الإفريقية، تجدر الإشارة لأسباب تهاوي النفوذ الفرنسي في القارة، والذي تعود جذوره إلى ما قبل الرئيس ماكرون بعقود، حيث يُمكن الإشارة إلى الحقبة الاستعمارية. ففي السنوات الأولى التي أعقبت استقلال تلك الدول عن فرنسا التي احتلتها على مدى عقود، حافظت باريس على شبكةٍ مُكثَّفةٍ من الاتصالات بنخب وقيادات إفريقية في علاقات استهدفت حماية المصالح المشتركة، مع قليل مِن الاهتمام بحقوق الإنسان أو الشفافية.
كما يعد التغيُّر الجذري الحاصل على كُلِّ المستويات الفكرية والسياسية والاقتصادية في إفريقيا مِن أسباب تراجع النفوذ الفرنسي بها، فما حدث في مالي وبوركينا فاسو يُمثِّل بعض أوجه التمرُّد في وجه فرنسا، في حين أن العديد مِن الأفارقة يتحدَّثون في الوقت الراهن عن توحيد الصفوف في وجه فرنسا.
ويعي ماكرون خطورة تلك التحركات، لذلك يسعى جاهدًا إلى تجديد العلاقات بين باريس والدول الإفريقية، خاصّةً بعد توتر العلاقات مع مالي والتنافس الشديد مع روسيا ودول أخرى حول الشراكات الاقتصادية والأمنية والعسكرية مع القارة السمراء.
وتشمل الخطوة المقبلة التي يمكن أن تستغلها فرنسا المجال التكنولوجي والتعاون الاستراتيجي، خاصَّةً أن باريس قررت عدم التدخُّل في الشؤون الداخلية للكاميرون وبنين والعمل على الملفات والمصالح المشتركة، بعيداً عن التدخُّل في طبيعة الأنظمة الاستبدادية ومحاولة تغييرها.
تحتل إفريقيا منذ القرن التاسع عشر الأولوية رقم 1 في السياسة الفرنسية، لأسباب كثيرة ومنها:
- تعزيز مرتبة فرنسا في الأمم المتحدة بكثرة الدول التابعة إليها.
- استباحة الموارد الطبيعية الاستراتيجية.
استراتيجية الخريف
رغم الجهود التي بذلها ماكرون فإن استراتيجيته الخاصَّة بالشراكة المتبادلة مع إفريقيا عبر إعادة التواصُل الدبلوماسي بين كل الأطراف سعيًا لمحو آثار الاستعمار الفرنسي في تلك الدول، لم تنجح.
ففي ظل الاهتمام القوي من الصين بالقارة السمراء، فشلت استراتيجية باريس التي قامت على ضخ المزيد من المساعدات ودفع العلاقات بين الفرنسيين والأفارقة على أساس روحٍ مِن الشراكات، ولم تحقق هدفها الخاص بتعميق العلاقات الاقتصادية والأمنية بشكلٍ كافٍ، وهو ما استدعى تطوير استراتيجية ماكرون للعلاقات الفرنسية مع الدول الإفريقية.
ومِن بين أسباب فشل استراتيجية باريس في إفريقيا، هو سياستها الأمنية في منطقة الساحل، بالإضافة إلى عدم وضع طرق فعالة للقضاء على التطرُّف.
ولذلك تعدّ الجهات الفرنسية استراتيجية جديدة عن الوجود العسكري الفرنسي في إفريقيا، أسمتها فرنسا “دعم أنظمة الحكم الرشيد”، سيتم تقديمها إلى ماكرون خلال الشهر الحالي، وتُحاول فرنسا من خلالها ونتيجة التنافس الروسي في مالي أن تجد بديلاً عقب اكتمال انسحاب “قوة البرخان” عن طريق تكثيف وجودها في دولة النيجر المجاور.
وهو ما انعكس على زيارات مسؤولين قبل زيارة ماكرون الأخيرة لإعادة تشكيل القوات في المنطقة الأكثر تهديدًا للمصالح الغربية، وتزايد المخاوف بخصوص التهديد المتزايد للدول الساحلية في غرب إفريقيا.
كما يعمل ماكرون على إزالة الإرث الاستعماري من خلال تناول مبادرة “فارم” التي أطلقها الاتحاد الأوروبي بالتعاون مع الاتحاد الإفريقي في مارس الماضي لزيادة الإنتاج الزراعي ومواجهة تبعات الأزمة الغذائية في القارة.
وكذلك سمح ماكرون بإعادة 26 قطعة من الكنوز الملكية لأبومي (جنوب) إلى بنين كانت نهبتها القوات الاستعمارية الفرنسية في 1892.
خاص وكالة رياليست.