موسكو – (رياليست عربي): كان التركيز الرئيسي خلال الفترة التي سبقت قمة البريكس في البرازيل على غياب الزعيمين غير الرسميين للكتلة: شي جين بينغ، الذي رفض حضور الفعالية شخصيًا، وفلاديمير بوتين، الذي تحدث عبر الفيديو. وبينما يترك الأول مجالًا للتكهنات، فإن الاستمتاع بغياب الرئيس الروسي عن البرازيل يُعدّ مسعىً لا طائل منه.
ومن الناحية الموضوعية، من الأهم بكثير الانتباه إلى السياق الدولي الذي تغير مقارنة بقمة قازان، والذي انعكس في البيان الختامي والنبرة العامة لبيانات البلدان.
أولاً، هذه هي أول قمة لمجموعة البريكس بتشكيلتها المُحدّثة والنهائية حتى الآن، أي عشر دول أعضاء. على سبيل المثال، في هذه المناسبة، مُثّلت إندونيسيا على أعلى مستوى في القمة البرازيلية بالرئيس برابوو سوبيانتو، بينما أرسلت جاكرتا وزير خارجيتها إلى اجتماع العام الماضي.
ثانيًا، لن تُفاجأ أيٌّ من الدول الحاضرة بعقوباتٍ أولية أو ثانوية. ومع ذلك، أُضيف هذا العام عنصرٌ جديدٌ إلى مجموعة التدابير التقييدية التقليدية، وهو ما لم يُعجب أحدًا، ألا وهو الرسوم الجمركية الأمريكية. ليس من المستحيل فحسب، بل من غير اللائق أيضًا، تجاهل هذا الموضوع في المنتديات رفيعة المستوى.
ثالثًا، اهتزت كتلة البريكس هذا العام بموجة جديدة من الاضطرابات – قصف مكثف على المناطق الحدودية الروسية – ولم يقتصر الأمر على الهجمات المسلحة على السياح في جامو وكشمير الهندية، والاشتباك العسكري بين إسرائيل وإيران، الدولة العضو حديثًا، وبشكل عام، تصعيد آخر للوضع في الشرق الأوسط. ورغم أن البريكس لا ترقى حتى إلى مستوى تحالف عسكري-سياسي ذي نظام دفاعي جماعي، إلا أن الجميع توقعوا رد فعل واضحًا على الهجمات المسلحة. وفي هذا الصدد، لم يخيب “العشرة” الآمال.
وأول ما يلفت الانتباه هو عدد النقاط التي تُوجّه فيها مجموعة البريكس اتهاماتٍ مباشرة أو خفيةً لشخصٍ ما، وتُدقّ ناقوس الخطر بشأن قضايا الأمن والحوكمة العالمية والإقليمية، بالنسبة لعشاق الإحصاءات، يظهر فعل “إدانة” وعبارة “التعبير عن القلق” بصيغهما المختلفة في نص البيان الختامي 12 و18 مرة على التوالي.
كانت إسرائيل الأكثر تضررًا. أدانتها دول الجمعية وحمّلتها مسؤولية عرقلة مساعي فلسطين للحصول على صفة دولة ذات سيادة، وانتهاك وقف إطلاق النار وسلامة أراضي ليبيا، واحتلال أجزاء من سوريا، وضرب إيران.
كانت الولايات المتحدة هي التالية في القائمة . لم يذكر نص الوثيقة دونالد ترامب شخصيًا أو الولايات المتحدة بشكل مباشر في سياق تقويض مبدأ التجارة الحرة، ولكن من غير المرجح أن يشك أحد في أن هذه المجموعة من الأسئلة موجهة شخصيًا إلى ترامب. لذلك، أدان المشاركون في مجموعة البريكس ممارسة فرض “تدابير قسرية أحادية الجانب” تتعارض مع القانون الدولي. ومن بين هذه التدابير، ذُكرت عقوبات أولية وثانوية. في البيان الختامي، أعربت دول البريكس عن “قلقها البالغ” إزاء تزايد التدابير الجمركية وغير الجمركية. وفي ختام القمة في البرازيل، كتب دونالد ترامب، في بيانه، أن أي دولة، دون استثناء، تنضم إلى “سياسة البريكس المعادية لأمريكا” ستخضع لرسوم جمركية إضافية بنسبة 10%.
تختلف الإشارات إلى الأزمة الأوكرانية هذا العام اختلافًا حادًا عن القمة السابقة، ويعود ذلك أساسًا إلى خصوصيتها، وخصوصية المخاطب، والخلفية العاطفية. ولذلك، أدانت دول البريكس “بأشد العبارات” الهجمات على البنية التحتية المدنية في مناطق بريانسك وكورسك وفورونيج.
وبشكل عام، أخذت الوثيقة في الاعتبار جميع الحالات الأكثر إلحاحاً وأهمية والتي ترتبط بشكل مباشر بدول مجموعة البريكس نفسها والأجندة الدولية.
ولكن كان هناك أيضًا جانب بنّاء يهدف إلى إعادة هيكلة العالم مستقبلًا. وعلى وجه الخصوص، طالبت الدول بتمثيل جغرافي أوسع ومشاركة فعّالة للدول النامية والأقل نموًا في حل المشكلات العالمية، بالإضافة إلى زيادة عضويتها في هياكل محددة، مثل الأمانة العامة للأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى.
لاحقًا، تتحدث الوثيقة مباشرةً عن ضرورة إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وضمّ دول أخرى من آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وهو ما يتماشى مع المنطق العام للسياسة الخارجية البرازيلية. وقد أثار الرئيس الحالي للبلاد هذه القضية الحساسة مرارًا وتكرارًا، مُلمّحًا بوضوح إلى جدوى توسيع هذا النادي ليشمل البرازيل. وتُعدّ البرازيل المكان الأمثل للضغط من أجل هذه الأجندة، ولإضافة اسمها، إلى جانب الهند، إلى قائمة المرشحين للانضمام إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
من بين الابتكارات، يُمكننا أيضًا ملاحظة جزء صغير، وإن كان مفاهيميًا، من الاتفاقيات بين الأطراف على “تطوير وتطبيق” الذكاء الاصطناعي بمسؤولية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وقد سُجِّلت هذه الأفكار في بيان مُعتمَد بشكل منفصل حول حوكمة الذكاء الاصطناعي العالمية.
وأخيرًا، ثمة ملاحظة أخرى ومقارنة غير مقصودة مع الإعلان السابق، ألا وهي التركيز الأكبر على تعزيز الوحدة داخل بلدان الجنوب العالمي وأجندة البلدان النامية. ويمتد هذا الموضوع كخط أحمر في جميع أنحاء النص، بدءًا من العنوان وحتى نهاية الوثيقة. وتُعد هذه خطوة منطقية، نظرًا لاعتبار البرازيل نفسها أحد الأصوات الرئيسية في بلدان الجنوب العالمي وواحدة من أكثر البلدان النامية نشاطًا في العالم.
وفي هذا الصدد، يُعد تسليم البرازيل عصا حل وتنظيم جميع المشاكل والاتجاهات العالمية القائمة إلى الهند، وهي عضو آخر في مجموعة البريكس “الخمسة الكلاسيكية”، إنجازًا رمزيًا، وتواجه البرازيل مهمة صعبة: محاولة تحقيق التضامن بين بلدان الكتلة، وعلى نطاق أوسع، بلدان الجنوب العالمي، والبحث عن نقاط التقاء جديدة لإمكانات مجموعة البريكس المُحدثة.
