رياليست عربي│ أخبار و تحليلات

Русский/English/العربية

  • أخبار
  • خبراؤنا
  • حوارات
  • الآراء التحليلية
لا توجد نتائج
اقرأ كل النتائج
رياليست عربي│ أخبار و تحليلات
  • أخبار
  • خبراؤنا
  • حوارات
  • الآراء التحليلية
لا توجد نتائج
اقرأ كل النتائج
رياليست عربي│ أخبار و تحليلات

عملية أجاكس: الصراع على السلطة والنفط في إيران.. سقوط مصدق وعودة الشاه

يعتبر الكثير من المحللين السياسيين حول العالم أن التدخل الأمريكي في إيران للإطاحة بمصدق عام 1953 أحد أهم أسباب اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979، وسيطرة التيار الديني الأصولي عليها

محمد سيف الدين محمد سيف الدين
مايو 4, 2022, 11:00
الآراء التحليلية
رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق.صورة.رياليست

رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق.صورة.رياليست

القاهرة – (رياليست عربي): “إن جريمتي الوحيدة هي تأميم صناعة النفط الإيراني، وتخليص البلاد من شبكة الاستعمار والنفوذ السياسي والاقتصادي لكُبرى الإمبراطوريات على وجه الأرض”.

تلك الكلمات لا تزال عالقة في أذهان المعمرين من الشعب الإيراني، ومن عاصروا حقبتي الملكية والجمهورية في البلاد، يتردد صداها من حين لآخر في مسامع كل إيراني راوده حلم أن يعيش ذات يوم في ظل حكومة ديقراطية ليبرالية حقة، فتحول هذا الحلم إلى واقع كابوسي في ظل حكومة ديكتاتورية “توتاليتارية” ثم ثيوقراطية.. إنها كلمات رئيس الوزراء الإيراني «محمد مصدق» أثناء دفاعه عن نفسه أمام محاكمة صورية أعدت له قائمة من الاتهامات؛ تتصدرها تهمة الخيانة العظمى!!


رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق

يعد الدكتور محمد مصدق (1882-1967) رجل القانون، والمناضل الوطني، الشخصية السياسية الأبرز في تاريخ إيران الحديث؛ تمتع بشهرة واسعة شرقًا وغربًا، وحظي بشعبية جارفة في إيران لم يحظ بها حُكامها على مدار تاريخها المعاصر. ومصدق هو أول رئيس وزراء منتخب ديمقراطيًا في عهد الشاه محمد بهلوي، وقبل هذا المنصب حمل حقائب وزارية عديدة؛ كحقيبة وزارة الدفاع في عهد الشاه محمد بهلوي، وحقيبتي وزارتي المالية والخارجية في عهد الشاه أحمد القاجاري، فضلًا عن انتخابه أكثر من مرة نائبًا في البرلمان الإيراني في فترات متفاوتة. 

وكان مصدق من الساسة الإيرانيين ذوي التوجهات القومية، وربما يكون الزعيم الإيراني الوحيد صاحب الخلفية الليبرالية الذي استطاع أن يجمع في ركابه أطياف الشعب الإيراني المختلفة. وترجع شهرته الكبيرة سواء داخل إيران أو خارجها إلى قراره التاريخي بتأميم صناعة النفط عام 1951، وهو القرار الذي أحدث ضجة كُبرى على الصعيدين المحلى والدولي، وجعل اسم مصدق متداولًا في المحافل ووسائل الإعلام العالمية، واختارته حينها المجلة الأمريكية “تايم” Time ليتصدر غلافها باعتباره “شخصية العام” Person of the Year. ومنذ ذلك الوقت أصبح مصدق رمزًا من رموز النضال الوطني ضد الاستعمار والإمبريالية في دول العالم الثالث التي كانت تسعى إلى نيل الحرية والاستقلال.

وإذا كان قرار تأميم النفط الإيراني قد حفر اسم مصدق بحروف من ذهب على جبين التاريخ، فإنه حفر في الوقت نفسه مثواه الأخير، فقد زلزل هذا القرار القوى الطامعة في النفط الإيراني آنذاك بريطانيا والولايات المتحدة، مما جعلهما يتفقان سويًا على إزاحة مصدق عن المشهد السياسي الإيراني في انقلاب مشين دبرته المخابرات البريطانية والأمريكية عام 1953.

وتُعرف عملية الإطاحة بمصدق في الولايات المتحدة بالاسم الكودي Operation Ajax “عملية أجاكس”، وقد مثلت هذه العملية نقطة تحول كبيرة في السياسية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط والعالم أجمع، حيث إنها أول عملية انقلاب على “حكومة شرعية” تقوم بها الولايات المتحدة خارج حدودها، وهو المبدأ الذي أرسته الإدارة الأمريكية منذ ذلك الوقت حتى الآن، وغدا نموذجًا يُحتذى به في سبيل حماية مصالحها في المنطقة، سواء بالتدخل العسكري السافر مثلما حدث في فيتنام، وأفغانستان، والعراق، أو بتدبير عمليات استخباراتية مثلما حدث في كوبا، وتشيلي، والكونغو، وغيرها.

الخلفية التاريخية

كانت إيران خلال سنوات الحربين العالميتين الأولى والثانية مرتعًا تتصارع عليه القوى المتحاربة (دول الحلفاء ودول المحور)، نظرًا لموقعها الجيوسياسي، وثرواتها الطبيعية الوفيرة، وفي مقدمتها النفط. ويرجع بداية الوجود الأجنبي في إيران إلى “العصر القاجاري”، فقد اتبع الحكام القاجاريون خاصة في عهدي ناصر الدين شاه، ومظفر الدين شاه سياسة مستبدة تقوم على منح الأجانب امتيازات لا حصر لها بشروط مجحفة ومبالغ زهيدة، بهدف تنفيذ أهداف فردية منوطة بهؤلاء الحكام، مما مهد السبيل أمام الدول الطامعة في ثروات إيران كي تستولي عليها، وتخترق النظام السياسي والنسيج الاجتماعي للبلاد دون عناء. وقد استحوذت على أغلب هذه الامتيازات إمبراطوريتا العالم آنذاك بريطانيا، وروسيا القيصرية – الاتحاد السوفيتي فيما بعد – وهو ما جعل المفكر المستنير والأديب الإيراني الشهير “عبد الرحيم طالبوف”، في صورة أدبية ساخرة تنضح بالمرارة والاشمئزاز من استنزاف ثروات إيران وخيراتها على أيدي الأجانب، يشبه بلاده في ذلك العصر بامرأة ضرعها مترع باللبن، تضع أحد ثدييها في فم بريطانيا، والثدي الآخر في فم روسيا حتى تشبع نهمهما اللامتناهي، وتلبي متطلباتهما المتنامية.

وقد استمر الوجود الأنجلو – سوفيتي في إيران حتى النصف الأول من العصر البهلوي، بل بلغ الأمر بالإنجليز والروس أنهم أقدموا على احتلال إيران عام 1941 بسبب ميل رضا شاه بهلوي إلى الألمان، وقلقهم على مصالحهم السياسية والاقتصادية في البلاد، فاقتحموا الأراضي الإيرانية، واستخدموها جسرًا للتزود بالعتاد والسلاح أثناء الحرب العالمية الثانية إلى أن تحقق لهم النصر، وهنا ظهر في صدارة المشهد الأمريكيون باعتبارهم قوة جديدة تسعى هي الأخرى إلى وضع قدم لها في إيران حتى تحقق مصالحها وأهدافها في المنطقة، فقد لعبت الولايات المتحدة آنذاك دورًا محوريًا في مد الحلفاء بالسلاح، وقدمت مساعدات مالية وعسكرية للحكومة الإيرانية عقب انتهاء الحرب وجلاء القوات الأجنبية عن أراضيها، فأصبحت في نظر الشاه حديث العهد محمد بهلوي حليفة بلاده المستقبلية، والساعد القوي الذي سيحرر رقبته من قبضة الإنجليز والروس.

الشاه محمد بهلوي آخر ملوك إيران

امتياز دارسي وأزمة النفط الإيراني

ترجع أزمة النفط الإيراني إلى العصر القاجاري، ففي 28 مايو عام 1901 منح مظفر الدين شاه حق التنقيب عن النفط جنوبي إيران واستثماره إلى رجل الأعمال البريطاني “ويليام دارسي” William D’Arcy لمدة 60 سنة، في مقابل أن يدفع دارسي 20 ألف جنيه إسترليني للشاه، و16% من إجمالي أرباح الشركة سنويًا للحكومة الإيرانية. مع بدايات عام 1908 شرع البترول في التدفق من حقل نفتون – مسجد سلیمان حاليًا – الذي يعد أقدم حقل بترول في منطقة الشرق الأوسط. وفي مطلع عام 1909 باع دارسي حصته إلى “شركة بورما أويل” Company Burmah Oil البريطانية بمبلغ 203 ألف جنيه إسترليني، و900 ألف سهم، وفي 14 أبريل من العام نفسه أسست شركة بورما شركة جديدة باسم “شركة النفط الأنجلو – فارسية” Anglo-Persian Oil Company باعتبارها فرعًا من فروعها، برأس مال يبلغ مليون جنيه إسترليني، وعلى هذا النحو أصبحت الحكومة البريطانية تمتلك 51% من أسهم الشركة، وقد تغير اسم هذه الشركة فيما بعد إلى “شركة النفط الأنجلو – إيرانية” Anglo-Iranian Oil Company، بعد أن أصدر رضا شاه بهلوي مرسومًا عام 1935 بتغيير اسم (فارس) إلى (إيران) في جميع المكاتبات والمعاملات الرسمية للدولة.

رجل الأعمال البريطاني ويليام دارسي

وفي عام 1928 ألغى رضا بهلوي الامتيازات الأجنبية، وأعلن عقد اتفاقيات تجارية جديدة مع الدول صاحبة هذه الامتيازات، وكان امتياز دارسي من بينها، مما أثار غضب بريطانيا واحتجاجها، فسعت الحكومة الإيرانية إلى إجراء مفاوضات مع شركة النفط الأنجلو – فارسية، لتعديل شروط الامتياز الممنوح لها، لكن الشركة رفضت ذلك، ثم استأنفت إيران المفاوضات عام 1931 بغرض زيادة حصتها من أرباح البترول بعد أن انخفضت من مليون و300 جنيه إسترليني عام 1930 إلى 300 ألف جنية إسترليني عام 1931، نظرًا لادعاء الشركة البريطانية انخفاض أسعار النفط عالمياً، فأعلن رضا شاه في 12 يناير 1932 إلغاء امتياز دارسي من جانبه بسبب ما جلبه من أضرار اقتصادية على إيران، وأكد استعداد حكومته منح امتياز جديد للشركة البريطانية لكن بشروط أخرى تصون مصالح الوطن. 

أعلنت الشركة البريطانية رفض قرار الحكومة الإيرانية الخاص بفسخ عقد الامتياز القائم بين الطرفين وإبرام عقد جديد، وفشلت جميع مفاوضات الشركة مع الشاه في إرجاعه عن قراره، فرُفعت القضية إلى مجلس عصبة الأمم عام 1932، واستمرت جلسات المجلس والمفاوضات بين ممثلي الحكومة الإيرانية والشركة البريطانية إلى أن انتهى الأمر إلى عقد امتياز جديد في 28 أبريل 1933، أصبحت إيران بموجبه تحصل على 20% من إجمالي أرباح الشركة سنويًا، واقتصر نطاق عمليات التنقيب عن البترول على 100 ألف ميل، بدلًا من 400 ألف ميل كما كان مدرجًا في الامتياز القديم، وتعهدت الشركة بدفع 4 شلنات للحكومة الإيرانية عن كل طن يُصدّر من النفط، وسمحت الشركة بوجود محاسب إيراني دائم لمراقبة الأرباح، وتعهدت أيضًا بتدريب كوادر إيرانية على القيام بالأعمال النفطية خارج البلاد. وفي مقابل ذلك، دفعت الحكومة الإيرانية مليون جنيه إسترليني تعويضًا للشركة، وزادت مدة الامتياز 30 عامًا، أي أصبح ينتهي في عام 1993 بدلًا من عام 1962، وحصلت الشركة على حق شراء الأراضي، وبناء السكك الحديدية والموانئ والمطارات، وإنشاء خطوط التلغراف، وبناء محطات إذاعية، كما حصلت على حق توفير شرطة خاصة بالشركة، وتشييد مدارس خاصة بها.

وعلى الرغم من أن الاتفاق الجديد ضم بنودًا مجحفةً شأنه شأن الاتفاق القديم، إلا أنه ظل سارياً بين الحكومة الإيرانية والشركة البريطانية حتى منتصف الأربعينيات، لكن بسبب خرق الشركة عددًا من بنود الاتفاق، وسوء معاملتها للموظفين الإيرانيين، وانخفاض أجورهم بنسبة كبيرة عن زملائهم الإنجليز، واتهام الشركة للموظفين الإيرانيين بالشيوعية والانتماء لحزب الجماهير “حزب توده” بسبب مطالبتهم بحقوقهم المادية والوظيفية، تجددت الخلافات مرة أخرى بين الشركة والحكومة الإيرانية ممثلةً في الجبهة الوطنية “جبهه ملى ايران” بقيادة الزعيم الإيراني “محمد مصدق”.

مصدق وتأميم النفط الإيراني

كان محمد مصدق أحد الوجوه الوطنية البارزة في عصر الشاه محمد بهلوي، فقد استطاع أثناء عضويته في البرلمان الإيراني أن يؤسس الجبهة الوطنية عام 1949، ونادى من فوق منصتها بإطلاق الحريات، وتنفيذ القانون وفقًا للدستور، وتأميم صناعة النفط في إيران، مما حقق له شعبية واسعة، واكسبه قاعدة جماهيرية كبيرة بين فئات الشعب الإيراني المختلفة، حيث انضم إلى هذه الجبهة المفكرون المستنيرون، والمثقفون، والليبراليون، والمدرسون، والطلاب، والأعيان، والتجار، والعمال، والحرفيون، هذا فضلًا عن انضمام واحد من أبرز رموز المؤسسة الدينية آنذاك المرجع الشيعي “أبي القاسم الكاشاني”، ومؤيديه من التيار الديني.

مصدق بين مؤيديه

وقد نجحت الجبهة الوطنية في تنظيم مظاهرات ضخمة تجوب شوارع إيران، مما أثار قلق الشاه محمد بهلوي من تأزم الأوضاع، وخوفه من الإطاحة به، فأضطر إلى الموافقة على تعيين محمد مصدق رئيسًا للوزراء في 19 أبريل 1951 بعد فوزه بأغلبية الأصوات في البرلمان، في محاولة منه لامتصاص غضب الشعب والمعارضة. وفي 30 من أبريل قدم مصدق مشروع قانون تأميم صناعة النفط، وفي 1 مايو وقعه الشاه. وكان أول نتائج هذه الخطوة أن الشركة البريطانية توقفت عن دفع التزاماتها للخزانة الإيرانية، مما أدى إلى عدم صرف رواتب العديد من موظفي الشركة، وفي 26 مايو أقامت الحكومة البريطانية دعوى قضائية ضد إيران في محكمة العدل الدولية في لاهاي، فقضت المحكمة في 5 يوليو بعودة إنتاج النفط كما كان الحال سابقًا، وفي 31 يوليو توقف تكرير البترول، وفي سبتمبر عرضت بريطانيا النزاع على منظمة الأمم المتحدة، وتوجه مصدق بنفسه إلى مجلس الأمن كي يعرض قضية بلاده، وفي 16 أبريل 1952 قطع مصدق العلاقات الدبلوماسية مع بريطانيا، ومع حلول ربيع عام 1953 تدهورت الأوضاع الاقتصادية في إيران بشكل ملحوظ، وزادت معدلات البطالة.

وبعيداً عن قرار تأميم النفط، فقد اتخذ مصدق عددًا من القرارات الأخرى قلصت من سلطة الشاه، وأثارت قلق الإنجليز والأمريكيين، فبدأوا يفكرون في الإطاحة به.

سعى مصدق عقب توليه منصب رئاسة الوزراء إلى اتخاذ حزمة من القرارات على الصعيد الداخلي لتعزيز سلطة مؤسسات الدولة، وتحجيم السلطة المطلقة للشاه محمد بهلوي، في خطوة نحو تحويل نظام الحكم في إيران إلى ملكية دستورية فعليًا وليس قوليًا كنظام الحكم في المملكة المتحدة، فعلى الرغم من صراع مصدق مع الشاه، إلا أنه لم يكن يريد الإطاحة به، لكنه كان يريد تحديد سلطته بالدستور والبرلمان.

وفي هذا الإطار أعاد مصدق جميع الأراضي التي صادرها الشاه لنفسه وللعائلة الملكية، إلى ملكية الدولة، واستقطع نسبة كبيرة من ميزانية العائلة الملكية وضمها إلى ميزانية وزارة الصحة، ومنع الشاه من الاتصال المباشر بالدبلوماسيين الأجانب. كما أجبر مصدق شقيقة الشاه التوأم الأميرة “أشرف بهلوي” على مغادرة البلاد بسبب شخصيتها المسيطرة على أخيها، وتدخلها السافر في شؤون الحكم، وهجومها الحاد على الحكومة. ووضع مصدق أيضًا الجمعيات الخيرية التابعة للعائلة الملكية تحت إشراف الحكومة، واستقطع نسبة من ميزانية الجيش وضمها إلى خزانة الدولة، وأقال من الجيش القادة المواليين للشاه، وطبقًا للدستور، جعل تولي المناصب العسكرية من صلاحيات الحكومة وليس من صلاحيات الملك، حتى يضمن ولاء الجيش للدولة وليس لشخص الملك، وبهذا جرد مصدق الشاه محمد بهلوي من سلطته المطلقة.

وتحالف مصدق كذلك مع التيار اليساري المتمثل في حزب توده الشيوعي لاكتساب الجماهير المنضوية تحت لوائه، وتحقيق نوع من توازن القوى بين ضغوط الشاه من الداخل، وبريطانيا وأمريكا من الخارج، أي أنه لم يكن يريد إحلال الروس محل الإنجليز والأمريكيين كما توهموا. ووضع أيضًا خطة للإصلاح الزراعي وتحديد الملكية الزراعية، وعمل على استقطاب العناصر الليبرالية البعيدة عن التوجهات الأيديولوجية سواء سياسية أو دينية في الحكومة.

على الرغم من وجاهة القرارات التي اتخذها مصدق، وانحيازها إلى الطبقات المتوسطة والدنيا، وهم النسبة الأكبر في إيران، إلا أنها أثارت غضب أطراف أخرى، فطبقة الملاك تضررت من خطة الإصلاح الزراعي وتحديد الملكية الزراعية. واستشعرت طبقة رجال الدين أن مصدق يريد إزاحتها عن المشهد السياسي، خاصة أنهم كانوا في خلفيته طوال الوقت بسبب جذبه للعناصر الليبرالية في الوزارة. أما الجبهة الوطنية بجميع أطيافها فكانت تعارض تعاون مصدق مع حزب توده، مما أحدث انقسامًا داخل الجبهة بين مصدق والقوى المتحالفة معه، فأفتى عدد كبير من رجال الدين بأن مصدق (معاد للشريعة الإسلامية)، وبأنه يسعى إلى إقامة (ديكتاتورية اشتراكية)، وأعلن الكاشاني معارضته له، وانسحب من الجبهة الوطنية بعد أن رشح نفسه رئيسًا للبرلمان في محاولة لجني ثمار تأييده لمصدق، واتهم أنصار مصدق بأنهم يحولون دون توليه المنصب، في حين اتهمه أنصار مصدق ببيع القضية الوطنية لمصلحة الشاه.

انقلاب 28 مُرداد 1332ش/ 19 أغسطس 1953م (عملية أجاكس)

بدأ الإنجليز والأمريكيون يخططون للإطاحة بمصدق، وكل منهما له دوافعه الخاصة، فالإنجليز يريدون استعادة امتيازهم النفطي، والأمريكيون في إطار حربهم الباردة مع الروس عقب الحرب العالمية الثانية يريدون تحجيم النفوذ الشيوعي في العالم، خاصة في الدول المرتبطة بالمصالح الأمريكية، هذا فضلًا عن أطماعهم في الاستحواذ على حصة من النفط الإيراني، فقد عرضوا على مصدق الدخول كشريك له ثقله في شركة النفط، وتسوية الأزمة القائمة بين إيران وبريطانيا، لكن مصدق رفض. وقد طرح الأمريكيون هذا الاقتراح مرتين؛ الأولى في عهد الرئيس “هاري ترومان” Harry Truman، والثانية في عهد الرئيس “دوايت أيزنهاور” Dwight Eisenhower، لكن دون جدوى، ووصل الأمر إلى أن أيزنهاور حذر مصدق صراحةً بأن الولايات المتحدة ستجمد مساعداتها المالية والعسكرية لإيران، إذا لم يقدم تسويات بترولية مرضية لجميع الأطراف، ومتضمنة حماية المصالح الأمريكية أمام النفوذ الشيوعي المتنامي في إيران بسبب تعاونه مع حزب توده، لكن مصدق لم يرضخ لهذا التهديد، بل قابله بتكثيف تعاونه مع حزب توده، وأفرج عن المعتقلين السياسيين الشيوعيين، وعمل على صدور أحكام براءة في قضايا سياسية اُتهم فيها شيوعيون، وسمح بإعادة صدور صحيفة الشعب “مردم” الناطقة باسم الحزب مرة أخرى. وعلى هذا النحو استشعر الإنجليز والأمريكيون القلق على مصالحهم في إيران من بقاء مصدق في السلطة، واتفقا على تنظيم انقلاب يطيح به، قادته ونفذته الولايات المتحدة.

مصدق والرئيس الأمريكي ترومان

كانت بريطانيا أول من فكر في عملية الإطاحة بمصدق، ولكن حينما طرحها رئيس الوزراء البريطاني “ونستون تشرشل” Winston Churchill على الرئيس الأمريكي ترومان لم يتحمس لها، فترومان كان من مؤيدي الحركات الوطنية الساعية إلى الحرية والاستقلال كجبهة مصدق، كما أنه لم يحبذ تدخل بلاده في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. لكن الموقف الأمريكي قد تغير كُليًا عقب انتخاب أيزنهاور رئيسًا للولايات المتحدة، وتولي الأخوين “جون وألان دالاس” John & Allen Dulles منصبي وزير الخارجية، ومدير المخابرات، فكلاهما كان من أشرس مقاتلي الحرب الباردة، ويعتبران العالم ساحة “حرب أيديولوجية”، ومن وجهة نظرهما فإن أي دولة لا ترتبط بتحالف صريح مع الولايات المتحدة تعد (عدوًا محتملًا)، وبالتالي اعتبرا إيران (عدوًا مستقبليًا). ونظرة الأخوين دالاس للعالم هي النظرية التي بنت عليها الولايات المتحدة سياستها الخارجية منذ ذلك الوقت، ولا تزال تتبعها حتى الآن. على أية حال عقب تولي أيزنهاور مقاليد الحكم في 20 يناير 1953، أعطى الضوء الأخضر للأخوين دالاس حتى يتعاونا مع البريطانيين في عملية الإطاحة بمصدق.

الرئيس الأمريكي أيزنهاور ورئيس الوزراء البريطاني تشرشل

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا.. لماذا لم يقم البريطانيون بتنفيذ عملية الانقلاب على مصدق وحدهم، وسعوا إلى إشراك الأمريكيين معهم؟ الحقيقة أن هناك عدة أسباب يجمعها عامل واحد..

كان البريطانيون يعتريهم القلق من تنفيذ عملية الانقلاب على مصدق وحدهم خشيةً من غضبة الروس، واتخاذهم رد فعل عنيف، فقد يظن الاتحاد السوفيتي أن بريطانيا تريد إحكام قبضتها على أركان الدولة الإيرانية مع الإتيان بحكومة موالية لها، مما يهدد المصالح السوفيتية في البلاد، وعليه فقد يلجأ الروس إلى بند إرسال قواتهم إلى الأراضي الإيرانية في ظل ظروف معينة طبقًا لمعاهدة الصداقة المبرمة بين إيران والاتحاد السوفيتي عام 1921، وهو البند نفسه الذي استند إليه الروس والإنجليز حينما أقدموا على احتلال إيران عام 1941. وعلى هذا تكون بريطانيا قد وضعت نفسها في تحدي مباشر مع الاتحاد السوفيتي. أما الأمريكيون فقد أصبحوا عقب الحرب العالمية الثانية قوة لا يستهان بها، ولاعبًا رئيسًا في الساحة الإيرانية، ولهم مصالحهم الخاصة، وقد يظنون كما يظن الروس، ويتخذون إجراءات أحادية إزاء الإطاحة بمصدق على يد بريطانيا.

وبناءً على هذه المعطيات، أدرك البريطانيون أن إشراك الأمريكيين في عملية الانقلاب على مصدق أمر ضروري، سيوفر لهم الحماية اللازمة أمام الروس، لأن الاتحاد السوفيتي لن يدخل في مواجهة مباشرة مع تحالف أنجلو – أمريكي. وبعيدًا عن أزمة النفط الإيراني، فإن الموقف السياسي البريطاني – الأمريكي أكثر اتفاقًا واتساقًا تجاه القضايا الدولية من الموقف السوفيتي، ولديهما هدف مشترك، ويحركهما حافز واحد، ألا وهو احتواء التوسع الجيوسياسي السوفيتي (الشيوعي) في العالم عقب الحرب العالمية الثانية – وفقًا لمبدأ ترومان Truman Doctrine – فبرؤية أكثر اتساعًا لعملية الإطاحة بحكومة مصدق، نستطيع القول إنها إحدى جولات الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، والصراع السرمدي بين القوى الشرقية والغربية.

مخطط الانقلاب

تُعرف عملية الانقلاب على مصدق في بريطانيا باسم Operation Boot “عملية التمهيد”، أما في الولايات المتحدة فتُعرف بالاسم الكودي Operation Ajax “عملية التطهير”، وكذلك اسم TPAJAX Project “مشروع تصفية حزب توده”. و”أجاكس” هو اسم منظف منزلي، تنتجه شركة “كولجيت – بالموليف” Colgate-Palmolive Company. أما حرفا (TP) في بداية الاسم الآخر فهما الاختصار الإنجليزي لـ “حزب توده” Tudeh Party.

العميل الأمريكي دونالد ويلبر

وضع مخطط الانقلاب اثنان من العملاء المحنكين وذوي الخبرة بالشأن الإيراني؛ أحدهما أمريكي، ويدعى “دونالد ويلبر” Donald Wilber، وكان عالم آثار ومهندسًا معماريًا في الشرق الأوسط، أدى خدمته العسكرية في إيران أثناء الحرب العالمية الثانية كعميل لـ “مكتب الخدمات الاستراتيجية” Office of Strategic Services (OSS) – الذي حُل عقب الحرب العالمية الثانية، وأُسست بدلًا منه وكالة المخابرات المركزية (CIA) Central Intelligence Agency – كما عمل مستشارًا للمخابرات الأمريكية في تخصص “الحرب النفسية”. وفي عام 1952 قضى 6 أشهر يدير مكتب “النشاط السياسي” التابع للمخابرات الأمريكية بطهران، وهي مَهمة جعلته يتعرف عن قرب إلى الأحزاب السياسية والعسكرية المؤيدة لمصدق والمعارضة له.

العميل البريطاني نورمان داربيشاير

أما الآخر فهو عميل جهاز المخابرات السرية البريطاني The Secret Intelligence Service (MI6) نورمان داربيشاير Norman Darbyshire، وكان مطلعًا على التحولات السياسية في إيران بحكم عمله عدة مرات هناك، وعندما قطع مصدق العلاقات مع بريطانيا، وتم غلق السفارة في طهران، وترحيل رعاياها، انتقل مقر مكتب المخابرات البريطانية إلى قبرص، وتولى داربيشاير رئاسته، وفي هذا المكتب تم التخطيط للإطاحة بمصدق.

قامت خطة الانقلاب على مصدق على عدد من النقاط الأساسية؛ يتم تنفيذها بشكل متزامن، ورُصد لها في ذلك الوقت مبلغ مليون دولار، وكانت على النحو التالي:

  • يتلاعب العملاء السريون عن طريق وسائل متعددة بالرأي العام، ويعملون على تأليب أكبر عدد ممكن من الإيرانيين ضد مصدق، مما يسفر عن خلق حالة من العداء الشعبي تجاه حكومته والارتياب منها. وتهدف هذه الحملة إلى تصوير مصدق في صورة الفاسد، والمؤيد للشيوعية، والمعادي للشريعة الإسلامية، والساعي إلى تحطيم الروح المعنوية للجيش الإيراني.
  • يشن المجرمون هجمات منظمة على الزعماء الدينيين في مقابل حصولهم على أموال، مما يجعل الأمر يبدو وكأن مصدق ومؤيديه وراء هذه الهجمات.
  • يعمل الجنرال “فضل الله زاهدي” الذي اختارته الولايات المتحدة ليخلف مصدق في منصبه، على إقناع أكبر عدد ممكن من الضباط حتى يستعدوا لأي تدخل عسكري قد يكون مطلوبًا لإتمام الانقلاب.
  • ينظم آلاف المتظاهرين المأجورين صبيحة يوم الانقلاب مظاهرة حاشدة ضد حكومة مصدق، فيضطر البرلمان تحت الضغط الشعبي أن يقيل الحكومة في تصويت (شبه قانوني). وإذا أبدى مصدق أو مؤيدوه أية مقاومة، تلقي وحدات الجيش بقيادة زاهدي القبض عليهم، ثم تستولي على مقرات القيادة العسكرية، وأقسام الشرطة، ومكاتب الهواتف والتلغراف، ومحطات الإذاعة، والبنك الوطني، والمنشآت الحيوية.
الجنرال فضل الله زاهدي

وقد وقع اختيار الأمريكيين على الجنرال زاهدي، لأنه كان يكره الإنجليز، بسبب اعتقالهم له خلال الحرب العالمية الثانية بتهمة موالاته للألمان، وتحفظهم عليه في فلسطين حتى نهاية الحرب، مما يجعل وجوده على رأس الحكومة الإيرانية الجديدة بعد الانقلاب أمرًا مريحًا للإدارة الأمريكية، فزاهدي سيظل مدينًا للأمريكيين بالولاء، لأنهم من أتوا به على رأس الحكومة، وبالتالي سيمهد لهم السبيل لمد نفوذهم بشكل أكبر في إيران، ويحمي مصالحهم أمام الإنجليز.

واتفق البريطانيون والأمريكيون على أن تتولى المخابرات الأمريكية تنفيذ عملية الانقلاب على مصدق، فكُلف بإدارتها والإشراف عليها رئيس إدارة الشرق الأدنى وآسيا في المخابرات الأمريكية “كيرميت روزفلت. جونيور” Kermit Roosevelt. Jr، وهو حفيد الرئيس الأمريكي الأسبق “ثيودور روزفلت” Theodore Roosevelt.

كيرميت روزفلت رئيس إدارة الشرق الأدنى وآسيا في المخابرات الأمريكية

وعلى هذا النحو اكتملت أركان الانقلاب، ولكن بقي أهم ركن فيه؛ ألا وهو الحصول على موافقة الشاه محمد بهلوي، وتوقيع مرسومي عزل مصدق من منصب رئيس الوزراء، وتعيين الجنرال فضل الله زاهدي خلفًا له. وعلى الرغم من أن توقيع الشاه على هذين المرسومين ليس قانونيًا، لأن عزل أو تعيين رئيس الوزراء في إيران لا يتم إلا بموافقة البرلمان طبقًا للدستور، لكن الإدارة الأمريكية كانت تعلم أن احترام السلطة الملكية تقليد عتيق لدى الشعب الإيراني، وظهور هذين المرسومين أمام الجميع سيعطي الانقلاب سمةً شرعيةً، وهو ما جعل توقيعهما من قبل الشاه عاملًا أساسيًا في إنجاح الانقلاب، وتهدئة الشارع الإيراني في حالة وقوع أية احتجاجات مضادة.

ولتحقيق هذه المَهمة أرسل كيرميت إلى الشاه محمد بهلوي مندوبين نيابة عنه، حتى يتبينا هوى الشاه حيال عملية الانقلاب ويؤثرا عليه. كان المندوب الأول شقيقة الشاه الأميرة “أشرف بهلوي”، وكانت امرأة قوية الشخصية، ولها تأثير كبير على الشاه، فضلًا عن كرهها الشديد لمصدق بسبب إجبارها على مغادرة إيران. والثاني الكولونيل “هربرت نورمان شوارزكوف” Herbert Norman Schwarzkopf، وكان خلال الحرب العالمية الثانية المستشار الأمني للحكومة الأمريكية في إيران، ثم تولى تدريب قوات الشرطة الإيرانية، لذا يحظى باحترام الشاه وتقديره، لكن مندوبي كيرميت فشلا في دفع الشاه على حسم موقفه إزاء العملية، مما استدعى سفر كيرميت بنفسه إلى إيران ومقابلة الشاه وجهًا لوجه.

وصل كيرميت طهران سرًا في 19 يوليو 1953، وقضى نحو أسبوعين في فيلا استأجرها له أحد العملاء الأمريكيين، يرتب عملية الإطاحة بمصدق، فالتقى بمجموعة من العملاء الإيرانيين واسعي الحيلة؛ ومن بينهم “الأخوة رشيديان” – سيف الله، وقدرت الله، وأسد الله – المتعاونين مع المخابرات الأمريكية منذ فترة الأربعينيات. وقد استطاع هؤلاء العملاء خلال سنوات عديدة بناء شبكة سرية من الساسة، وضباط الجيش، ورجال الدين، والصحفيين، وعصابات الشوارع المواليين لهم، وهي الشبكة التي بدأت تشن حملات مغرضة ضد مصدق في المساجد، والصحف، والشوارع، والميادين، والمؤسسات الحيوية في الدولة حتى توجه الرأي العام ضده. مع حلول شهر أغسطس كانت إيران تضرم في نار الفتنة، فقد نظم المتظاهرون المأجورون احتجاجات ومسيرات تندد بمصدق، وهم يحملون صور الشاه، ويرددون شعارات مؤيدة له، ووصل هجوم الصحف على مصدق إلى مستوى غير مسبوق من الحدة والعنف، واتهمته بالميول الشيوعية، ومعادة الشريعة الإسلامية، والتخطيط للإطاحة بالملك.  

على هذا النحو استطاع كيرميت أن يوجه دفة الساحة الإيرانية نحو الانقلاب على مصدق، وبقي أمامه الحصول على مرسومي الإقالة والتعيين، فذهب إلى لقاء الشاه محمد بهلوي في القصر، وأخبره بأنه جاء ممثلًا عن حكومتي بريطانيا وأمريكا لتنفيذ عملية الإطاحة بمصدق حتى لا تتحول إيران إلى دولة شيوعية، وهو أمر لن يسمح به الغرب مطلقًا، لكن الشاه أعرب له عن قلقه من الإقدام على هذه الخطوة، واعتبرها مغامرة غير محسوبة العواقب، نظرًا لما يتمتع به مصدق من شعبية كبيرة في الشارع الإيراني. وفي هذا الصدد يذكر كيرميت أن الإدارة الأمريكية كانت على يقين أن الأمور حينما تصل في إيران إلى حد المواجهة الصريحة والمباشرة بين الشاه ومصدق، فإن الجيش والشعب سيقفان إلى جانب الشاه وليس مصدق.

مرسوم تعيين الجنرال زاهدي في منصب رئيس الوزراء بخط الشاه محمد بهلوي

والحقيقة كان الشاه محمد بهلوي مترددًا إزاء الموافقة على عملية الإطاحة بمصدق، وهو بطبعه ليس رجلًا مغامرًا أو ذا قرارات جريئة، فقد وصفه كيرميت بـ “المتردد العنيد”، لكن بعد لقاءات شبه يومية وأحاديث مطولة، وافق محمد بهلوي على توقيع المرسومين، إلا أنه أشترط أن يغادر طهران حرصًا على سلامته وسلامة زوجته الإمبراطورة “ثُريا إسفندياري”، واتفق مع كيرميت أن يتوارى هو والإمبراطورة في كوخ صيد تملكه العائلة الملكية بالقرب من مدينة “رامسَر” على ساحل بحر قزوين، حيث يوجد مطار قريب، فإذا حدثت أية مشاكل، سيرحل مع زوجته بالطائرة إلى بغداد.

انطلاق ساعة الصفر

كان من المقرر أن يُنفذ الانقلاب مساء السبت 15 أغسطس 1953، وقد اختار كيرميت الجنرال “نعمت الله نصيري”، قائد الحرس الملكي، لتنفيذه، نظرًا لتأييده للشاه وكراهيته لمصدق، لكن استطاع العقيد “مشيري”، الأمين العام للتنظيم العسكري لحزب توده، أن يكشف أمر الانقلاب، فقام الجنرال “محمد تقي رياحي”، رئيس أركان الجيش الإيراني الموالي لمصدق، بإلقاء القبض على الجنرال نصيري. وفي صباح اليوم التالي انساب صوت مصدق عبر أثير إذاعة طهران معلنًا إخماد محاولة انقلاب نظمها الشاه بالتعاون مع عناصر أجنبية. وسرعان ما انتشرت الوحدات العسكرية الموالية للحكومة في شوارع طهران، وأُلقي القبض على المتآمرين، واختبأ البعض الآخر، ورُصدت مكافأة مالية لمن يدلي بمعلومات عن مكان زاهدي، وتوارى عملاء المخابرات الأمريكية في السفارة الأمريكية والمنازل الآمنة التابعة لها.

لما سمع الشاه محمد بهلوي بيان مصدق قاد طائرته ومعه زوجته مسرعًا إلى بغداد، وفور وصوله أعلن أنه لم يكن متورطًا في محاولة الانقلاب، لكنه أقال مصدق بسبب انتهاكه الصارخ للدستور، ومن هناك استقل هو والإمبراطورة طائرة نفاثة تابعة للخطوط الجوية البريطانية متجهين إلى روما. أما كيرميت فقد أبرق إلى واشنطن بما حدث، فأمرته المخابرات الأمريكية بمغادرة إيران فورًا، لكنه أخبرهم بأنه لن يرحل قبل أن ينفذ ما جاء من أجله.

وقد عول كيرميت على نجاح محاولته الثانية في تنفيذ الانقلاب على 3 أمور؛ أولًا: إن زاهدي لا يزال حرًا، ولديه علاقات متشعبة في الجيش الإيراني، وعلى استعداد لفعل أي شيء حتى يجلس على كرسي رئيس الوزراء. ثانيًا: وجود شبكة ضخمة مترامية الأطراف من العملاء الإيرانيين تم تجنيدهم، ودُفعت لهم مبالغ ضخمة، وعلى استعداد أن ينشروا الإشاعات في كل مكان، ويتلاعبوا بالساسة، ورجال الدين، والرأي العام، ويؤثروا عليهم، ويحشدوا المتظاهرين المأجورين. ثالثًا: لا يزال مرسوما إقالة مصدق وتعيين زاهدي الموقعان من الشاه في حوزة كيرميت، وهو ما يعطي الانقلاب سمةً شرعيةً، ومع وصول المرسومين إلى أكبر عدد من الصحف المحلية والأجنبية، وقطاعات الجيش، وفئات الشعب، سيبدو الأمر أن مصدق المنقلب على الشاه وليس العكس.

بناءً على المعطيات الجديدة، أعاد كيرميت ترتيب أوراقه، فقام بإخفاء زاهدي في منزل العميل الإيراني أسد الله رشيديان، ووضع خطة جديدة تعتمد على حشد مظاهرات مؤيدة لحكومة مصدق، وأخرى معارضة لها، مما يؤدي إلى انقسام الشارع الإيراني إلى فريقين متضادين، فتعم البلاد الفوضى، ويضطر الجيش إلى التدخل من أجل إقرار الأمن، وهو الوضع الذي سيطيح حتمًا بحكومة مصدق.

مع حلول يوم الثلاثاء 18 أغسطس كانت المظاهرات تجتاح أرجاء العاصمة طهران، واندفع آلاف المتظاهرين يمزقون صور الشاه، ويقتحمون المكاتب التابعة له، غير مدركين وقوعهم تحت تأثير المخابرات الأمريكية، وفي غمرة ذلك انضم إليهم الثوار الشيوعيون والوطنيون المتحمسون. وفي اليوم نفسه دبر كيرميت بالاتفاق مع السفير الأمريكي في طهران آنذاك “لوي هندرسون” Loy Henderson مكيدة خبيثة، أسهمت بشكل كبير في نجاح خطة الانقلاب، فقد ذهب هندرسون إلى زيارة مصدق كي يبحث معه ما يحدث في إيران، وخلال اللقاء حذر السفير الأمريكي مصدق إذا لم يعد النظام إلى الشوارع، ويوقف هجمات المتظاهرين على الرعايا الأمريكيين والمؤسسات التابعة للحكومة الأمريكية في طهران، فإن المساعدات المالية والعسكرية التي تقدمها واشنطن إلى إيران، سيتم تجميدها، ولن يعترف البيت الأبيض بمصدق رئيسًا لوزراء إيران.

ويبدو أن مصدق لم يكن على علم بأن الولايات المتحدة وراء كل ما يحدث في إيران، وكان يظن أن بريطانيا هي المسؤولة عن محاولة الانقلاب، حيث أصدر أوامره إلى العميد “محمد دفتري”، رئيس شرطة طهران، كي يضع حدًا للمظاهرات، وذلك على خلاف تعليماته السابقة بعدم التعدي على حق المواطنين في التظاهر والتعبير عن الرأي. كما أصدر قرارًا بحظر التظاهر، وطلب من زعماء الأحزاب الموالية للحكومة أن يدعوا الجماهير المؤيدة لها إلى البقاء في المنازل وعدم المشاركة في المظاهرات.

وعلى هذا النحو سقط مصدق في الفخ الذي نصبه له الأمريكيون، وكان قراره بالتصدي للمظاهرات المؤيدة له ومنع أنصاره من النزول إلى الشارع أكبر خطأ ارتكبه، فقد ترك الشارع مرتعًا للمتظاهرين المأجورين، تنادي بإسقاطه وعودة الشاه وفقًا للمخطط الأمريكي. أما العميد محمد دفتري الذي أوكل إليه مصدق مهمة فض المظاهرات، فكان مؤيدًا للشاه ومقربًا لزاهدي، فلما نزل الشارع قمع المتظاهرين المؤيدين لمصدق، وساند المتظاهرين المأجورين.

المظاهرات المؤيدة للشاه

في صباح يوم الأربعاء 19 أغسطس بدأت خطة كيرميت تؤتي ثمارها بمساعدة العملاء الإيرانيين وتحركاتهم في الشارع الإيراني، فقد احتشد المتظاهرون، والمجرمون، ورجال عصابات الشوارع، والبلطجية المأجورون، ومجموعة كبيرة من قوات الشرطة بقيادة العميد دفتري، ومجموعة أخرى من الزعماء الدينيين وأتباعهم، يتصدرهم المرجعان الشيعيان “أبو القاسم الكاشاني”، و”محمد البهبهاني”، متجهين إلى وسط العاصمة، وكان يتقدم كل هؤلاء مصارعو الزورخانه (بيت القوة) الأشداء، ضخام الجثة، وهم يحملون الهراوات، والسكاكين، ويهتفون: «فليحيا الشاه، والموت لمصدق». والزورخانه هو مكان يشبه النادي الرياضي في فارس القديمة، كان يمارس فيه الإيرانيون نوعًا من المصارعة التراثية. وبموجب مرسومي عزل مصدق وتعيين زاهدي الموقعين من الشاه اللذين تم توزيعهما في جميع أنحاء البلاد، انضم عدد كبير من ضباط الجيش متوسطي وصغار الرتب، والمدنيين غير الموجهين أو المُحرضين، إعمالًا بمبدأ الملك يأمر فيطاع، وهو ما أضفى مظهرًا شرعيًا على المظاهرات كما توقع كيرميت.

القوات العسكرية الموالية للشاه في شوارع طهران

مع انقضاء النهار امتلأت ميادين طهران بالحشود الغفيرة، وهاجم عدد من المتظاهرين مباني حكومية، وأُضرّمت فيها النيران، وهاجم عدد آخر مبنى وزارة الخارجية، ومقري القيادة العامة للجيش والشرطة، وتبادل الطرفان إطلاق الرصاص، وسقط عشرات القتلى، وأُطلق سراح المتآمرين في محاولة الانقلاب الأولى، ومن بينهم الجنرال نصيري رئيس الحرس الملكي، فشرع في تنظيم صفوف الحرس الملكي حتى يتعاونوا مع المتمردين.

منزل مصدق بعد القصف

وفي أثناء ذلك توجهت الوحدات العسكرية المتمردة إلى منزل مصدق، وبدأت تقصفه بالمدفعية الثقيلة، وفي الداخل أقام الضباط المواليون لمصدق التحصينات اللازمة لصد الهجوم، ولكن بعد ساعتين من القتال وسقوط العديد من القتلى، اقتحمت فرقة من الضباط المتمردين المنزل، فوجدوه خاليًا. وكان مصدق قد فر من المنزل من سور الحديقة الخلفي. وتوجه عدد من الضباط المتمردين إلى محطة الإذاعة، وقطع أحدهم البث معلنًا سقوط حكومة مصدق، وتولي الجنرال فضل الله زاهدي منصب رئيس الوزراء، وعودة الملك إلى البلاد في القريب العاجل. بعد فترة وجيزة توجه زاهدي بنفسه إلى الإذاعة، وخاطب الشعب الإيراني باعتباره رئيس الوزراء الشرعي للبلاد وفقًا لأوامر الشاه. كما استولت الوحدات العسكرية والشرطية الموالية لزاهدي على مكاتب التلغراف، وراحت ترسل إلى أنحاء البلاد كافة، معلنةً سقوط حكومة مصدق، وتولت وحدات أخرى القبض على الجنرال محمد تقي رياحي رئيس أركان الجيش الموالي لمصدق.

الجنرال زاهدي في مكتب التلغراف
الشاه محمد بهلوي في روما يتلقى تلغراف نجاح الانقلاب

في صباح يوم الخميس 20 أغسطس تصدر خبر سقوط حكومة مصدق عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم، وكانت الرواية المتواترة في أغلب الصحف والجرائد أن الطبقات الدنيا قادت انقلابًا مفاجئًا ضد ضباط الجيش المؤيدين لحكومة مصدق، وهم يرددون هتافات مؤيدة للشاه. وكان زاهدي قد اتخذ من نادي الضباط مقرًا مؤقتًا له، فاستدعى الجنرال “نادر باتمانقلیچ” الذي قدم مساعدات كبيرة في سبيل إنجاح الانقلاب، وعينه في منصب رئيس أركان الجيش الإيراني، وأمره بقمع كل المظاهرات المؤيدة لمصدق، وإغلاق الحدود، وتطهير الجيش والشرطة من أنصار مصدق. ثم أصدر زاهدي أمرًا باستبدال جميع المحافظين المؤيدين لمصدق، وعرض مكافأة مالية لمن يدلي بمعلومات عن مكان مصدق، وأبرق إلى الشاه محمد بهلوي حتى يعود، وكان الشاه قد علم بنجاح الانقلاب عن طريق المراسلين الصحفيين في روما. وعلى الجانب الآخر كان مصدق يعلم أنه لن يستطيع الاختباء فترة طويلة، فاتصل بزاهدي، واتفق معه على تسليم نفسه، وأخبره بمكان اختبائه، فأرسل زاهدي إليه فرقة بقيادة باتمانقليچ كي تحضره من مكمنه إلى نادي الضباط.

في تمام الساعة 11 و17 دقيقة من صباح السبت 22 أغسطس هبطت طائرة الشاه محمد بهلوي في طهران، وكان في استقباله الجنرالات زاهدي، ونصيري، وباتمانقلیچ، والمرجع الشيعي الكاشاني، والسفير الأمريكي هندرسون، فحياهم الشاه، ثم توجه بالتحية إلى الجماهير الغفيرة التي كانت في استقباله، وتهتف باسمه. وبهذا عاد الشاه متوجًا على عرش البلاد بعد أن فر منها منقلبًا على الحكومة الشرعية للبلاد.

الشاه محمد بهلوي يصل طهران

بعد عدة أيام أمر زاهدي بنقل مصدق من جناحه الذي أودع فيه في نادي الضباط، إلى السجن الحربي، حيث قضى به 10 أسابيع ريثما تعد لائحة الاتهامات الموجهة له، ولما أصبحت جاهزة، أُحيل مصدق إلى محكمة عسكرية بتهمة الخيانة العظمى، لرفضه تنفيذ فرمان الشاه بالعزل، وتحريض الناس على الصعيان المسلح. ويذكر محامي مصدق “جليل بزُرگمهر” أن المحاكمة لم تتمتع بالحد الأدنى من شروط الحيادية، ومع ذلك فقد دافع مصدق عن نفسه بقوة مؤكدًا أن فرمان العزل جزء من محاولة الانقلاب، ويُعتبر غير قانوني، لأن رئيس الوزراء في إيران لا يمكن إقالته إلا بتصويت على سحب الثقة منه في البرلمان. لكن الحكم بالإدانة كان أمرًا مفروغًا منه، فقضت المحكمة بسجن مصدق مدى الحياة، ثم خُفف الحكم إلى 3 سنوات، تعقبها إقامة جبرية مدى الحياة. قضى مصدق مدة العقوبة بأكملها، وبعد الإفراج عنه عام 1956، اُقتيد إلى منزله بريف “أحمد آباد”؛ وهو المنفى الذي عاش فيه وحيدًا ما تبقى من عمره حتى وافته المنية في 5 مارس 1967 بعد معاناة مع مرض سرطان الحلق.

وكان مصدق قد طلب في وصيته أن يُدفن في مقبرة “ابن بابويه” بطهران بجوار قبور من ماتوا وهم يدافعون عن حكومته أثناء اشتباكات يوليو 1952، لكن الشاه رفض خشيةً من تحول قبره إلى مركز للمعارضة، فقرر أقاربه أن يدفنوه في أحمد آباد دون إجراء أية مراسم جنائزية. وقد أوصى مصدق ألا يقيموا له نصبًا تذكاريًا، أو شاهدًا على القبر، فلبوا رغبته، وهو حاليًا يرقد أسفل المكان الذي كان يومًا ما غرفة طعامه.

ظلت الأسرة البهلوية تطلق على انقلاب 19 أغسطس “انتفاضة 19 أغسطس”، وتحتفي به باعتباره “عيد وطني”، وعقب الثورة الإيرانية عام 1979، سُجل في التقويم الإيراني باسم “انقلاب 19 أغسطس الأمريكي”.

مصدق أثناء دفاعه عن نفسه في المحكمة

اتفاقية الكونسورتيوم

بعد عودة الشاه محمد بهلوي إلى إيران، واستقرار الأوضاع في البلاد، حاولت شركة النفط البريطانية استعادة امتيازها القديم، لكن واجهت معارضة شديدة من قبل الرأي العام الإيراني، كما أن الحكومة الجديدة بزعامة زاهدي لم تسمح لها بذلك، وبناءً على الاتفاق المسبق بين الشاه والولايات المتحدة بخصوص تعزيز المصالح الأمريكية في إيران، بعد أن لعبت الولايات المتحدة دورًا محوريًا في عملية الإطاحة بمصدق، حُل اتفاق 1933، وعُقد اتفاق جديد عام 1954 لمدة 25 عامًا، حصلت بموجبه الولايات المتحدة على غنيمتها من النفط الإيراني.

الشاه محمد بهلوي يصافح زاهدي

وقد عُرف هذا الاتفاق باسم “الكونسورتيوم” The Consortium، وهو اتحاد دولي متشكل من 8 شركات متعددة الجنسيات، تتولى إدارة امتياز النفط الإيراني، وكانت هذه الشركات ونسب أسهمها في الاتفاق الجديد على النحو التالي:

  • الشركة البريطانية للبترول The British Petroleum Company plc (شركة بي بي BP plc حاليًا)، وقد حصلت عل 40% من مجمل الأسهم.
  • الشركات الأمريكية: ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا Standard Oil of California (شركة شيفرون Chevron حاليًا، وهي إحدى الشركات العملاقة المسيطرة على قطاع الطاقة عالميًا)، وجولف أويل Gulf Oil، وتكساكو Texaco (وكلاهما ملك شركة شيفرون مع الاحتفاظ باسمهما تجاريًا)، وستاندرد أويل أوف نيويورك Standard Oil of New York (شركة موبيل Mobil حاليًا)‏، وستاندرد أويل أوف نيوجرسي Standard Oil of New Jersey (شركة إكسون موبيل ExxonMobil حاليًا)‏، وقد حصلت على 40% من مجمل الأسهم.
  • الشركة البريطانية هولندية الأصل “رويال داتش شيل” Royal Dutch Shell (المعروفة باسم شيل حاليًا)، وقد حصلت على 14% من مجمل الأسهم.
  • الشركة الفرنسية للبترول Compagnie française des pétroles (شركة توتال إنرجيزTotalEnergies SE  حاليًا)، وقد حصلت على 6% من مجمل الأسهم.

وتعهدت الشركات غير البريطانية بدفع مليار دلار للشركة البريطانية مقابل نصيبها من الامتياز. وعلى الرغم من  أن هذه “الشركة المتحدة” كانت تدار من قبل الأجانب، فقد ظلت محتفظة بالاسم الذي أطلقه عليها مصدق عند التأميم “الشركة الوطنية الإيرانية للنفط (شرکت ملی نفت ایران)”، في محاولة من الشركات الأجنبية للحفاظ على مظهر التأميم، وتقبل وجودها في إيران من قبل الشعب. وقد وافقت الشركة المتحدة على مناصفة الأرباح السنوية مع الحكومة الإيرانية، ولكن دون مراجعة حساباتها من قبل الإيرانيين، أو انضمام إيرانيين إلى مجلس إدارة الشركة.

ظلت اتفاقية الكونسورتيوم ساريةً في إيران حتى عام 1979، لكن الشاه محمد بهلوي أعلن عدم تجديد العقد لمدة 15 عامًا أخرى، وقام بتأميم صناعة النفط. وكان هذا القرار بداية نهاية سنوات العسل بين الشاه وأمريكا.

مصدق يُبعث بعد وفاته

عندما اشتعل فتيل الثورة الإيرانية في عام 1979، قام الشاه محمد بهلوي بتعيين “شابور بختيار” في منصب رئيس الوزراء، وكان شابور يتولى منصب نائب وزير العمل في حكومة مصدق، فعقب توليه رئاسة الوزراء مباشرة، قام بزيارة قبر مصدق في أحمد آباد، وألقى هناك خطبةً، تعهد فيها بالإخلاص لمبادئ  مصدق، وشكل حكومة معظم أعضائها من مؤيدي الجبهة الوطنية، ووضع صورة مصدق خلفه وهو يخاطب الصحفيين. لكن محاولة الشاه لم تسفر عن نتيجة، وأطاحت الثورة بعرشه إلى الأبد.

عقب الثورة الإيرانية أُطلق اسم محمد مصدق على المدرسة الثانوية بأحمد آباد، والشارع الرئيس بطهران الذي كان يُسمى سابقًا شارع “بهلوي”، وصدر طابع تذكاري تخليدًا لذكراه. وفي 5 مارس 1979 الموافق الذكرى السنوية الثانية عشرة لوفاة مصدق تدفق حشد ضخم من الجماهير على أحمد آباد، وكان هذا الحشد واحدًا من أكبر التجمعات الشعبية عقب الثورة، فاضطر بعض الناس إلى إيقاف سياراتهم على بعد عدة أميال، وقطع بقيتهم المسافة سيرًا على الأقدام، وتزعم الحشد أول رئيس إيراني بعد الثورة “أبو الحسن بني صدر” مُثنيًا على مصدق. لكن هذا التقدير لم يستمر طويلًا، فقد أصبحت “علمانية” مصدق مكروهة من قبل نظام الملالي (الديني المتشدد) مثلما كانت “ديمقراطيته” مكروهة من قبل النظام الملكي (المدني الديكتاتوري). وأدرك الملالي مثلما أدرك الشاه قبلهم أن السماح للإيرانيين بالاحتفاء بمصدق سوف يؤدي حتمًا إلى المطالبة بتشكيل حكومة تؤمن بمبادئه القومية والليبرالية، وهو أمر لن يسمحوا به مطلقًا، لذا عملوا على طمس ذكراه، فتغير اسم الشارع إلى “ولي عصر” – أحد ألقاب “محمد بن الحسن بن علي المهدي” الإمام الثاني عشر عند الشيعة الاثنى عشرية – ترسيخًا لمبادئ الحكومة الثيوقراطية التي تسيدت المشهد الثوري.

منزل مصدق في ريف أحمد آباد

إزاحة النقاب عن عملية أجاكس

ظلت عملية “أجاكس” قيد السرية إلى أن قامت المجلة الأمريكية “ذا ساترداي إيفيننج بوست” The Saturday Evening Post عام 1954 بنشر بعض التفاصيل عن عملية الإطاحة بمحمد مصدق.

وفي أعقاب الثورة الإيرانية، أصدر “كيرميت روزفلت” كتابه الشهير “الثورة المضادة: الصراع من أجل السيطرة على إيران” Countercoup: The Struggle for the Control of Iran عام 1979، حيث يروي فيه عملية الإطاحة بحكومة مصدق، وتفاصيلها، ودوره المحوري فيها. وقد أحدث الكتاب ضجة كُبرى عقب نشره، وقامت الحكومة الأمريكية بمصادرته، لكن الكتاب وجد طريقه إلى إيران وعدد كبير من بلدان العالم، وتم تداوله على نطاق واسع طيلة هذه السنوات. وفي عام 2015 ظهرت ترجمته الفارسية على يد الباحث والمترجم “محسن عسكري جِهَقي” تحت عنوان “الانقلاب؛ مذكرات كيرميت روزفلت عن انقلاب 28 مُرداد (کودتا؛ خاطرات کرومیت روزولت از کودتای بیست و هشت مرداد)”.

خريطة 1 توضح تحركات المتظاهرين المأجورين في شوارع طهران خلال الانقلاب

وفي الذكرى الستين من انقلاب 19 أغسطس، أي في عام 2013، أزاحت “وكالة المخابرات المركزية” النقاب عن وثائق سرية توضح دورها القيادي في هذا الانقلاب، حيث يرد في جزء من الوثائق أن “الانقلاب الذي أطاح بحكومة مصدق والجبهة الوطنية، تم بقيادة وكالة المخابرات المركزية، وفي إطار السياسية الخارجية للولايات المتحدة”. كما ترد إشارات إلى الرمز “تي بي أجاكس” TPAJAX الاسم الكودي لانقلاب 19 أغسطس. وتتضمن هذه الوثائق أيضًا مذكرات “كيرميت روزفلت” مهندس عملية الإطاحة بمصدق الذي زار طهران قبل أيام من وقوع الانقلاب.

وقد رُفعت السرية عن وثائق عملية أجاكس بموجب “قانون حرية المعلومات” في الولايات المتحدة The Freedom of Information Act (FOIA)-USA، وهي جزء من مجموعة وثائق وتقارير أكبر تُسمى “الصراع على إيران” The Battle for Iran، جمعها في منتصف السبعينيات مؤرخو وكالة المخابرات المركزية للاستخدام المحلي فحسب.

خريطة 2 توضح انضمام الوحدات العسكرية والعملاء السريين المواليين للشاه إلى الانقلاب

وقد نُشرت وثائق عملية أجاكس على موقع “أرشيف الأمن القومي الأمريكي” The National Security Archive، وصفحات المجلة الأمريكية “فورين بوليسي” Foreign Policy. وعلى هامش هذه الوثائق كتبت فورين بوليسي: “لقد قامت المخابرات الأمريكية والبريطانية بعملية متشعبة ومعقدة بشكل متزامن، تهدف إلى تنفيذ انقلاب 19 أغسطس، وذلك عن طريق استخدام آلتهما الدعائية لتشويه صورة مصدق السياسية، ورشوة بعض أعضاء البرلمان الإيراني، وتجنيد القوات العسكرية، وتنظيم مسيرات واحتجاجات شعبية”.

وأثناء الإعلان عن هذه الوثائق السرية، طلب البريطانيون من الأمريكيين ألا ينشروا أية وثائق ترد بها إشارة مباشرة إلى دور جهاز المخابرات السرية البريطاني في الانقلاب، وتظهر الوثائق المنشورة أن الجانب الأمريكي قد استجاب لطلبهم، مما جعل دور البريطانيين في الانقلاب مهمشًا، ويُنسب دائمًا إلى الأمريكيين، خاصة أن كيرميت أعاد تخطيط الانقلاب من جديد بعد فشله في المرة الأولى. ويبدو أن البريطانيين قد أرادوا الحفاظ على علاقتهم شبه الطبيعية مع الإيرانيين في ظل التوترات التي تشوبها من حين لآخر.

خريطة 3 توضح انتشار الدبابات الموالية للشاه في شوارع طهران

وكانت هذه الوثائق قد نُشرت لأول مرة عام 1981، ولكن أجزاءها المهمة لم تكن متاحة للجمهور، بما في ذلك الجزء الثالث المسمى “العملية السرية” Covert Action المتعلق بشرح عملية الانقلاب، وكذلك الإشارات المباشرة إلى الاسم الكودي للانقلاب TPAJAX.

وفي 15 يونيو 2017 أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية لأول مرة كتاب الوثائق المتعلقة بانقلاب 19 أغسطس. وكانت وزارة الخارجية قد نشرت عام 1989 كتاب الوثائق الخاصة بالعلاقات الأمريكية – الإيرانية في عهد الرئيس “أيزنهاور”، لكن الكتاب لم يتضمن الوثائق المتعلقة بالانقلاب، مما أثار انتقادات عديدة. ولهذا السبب كلف الكونجرس الأمريكي وزارة الخارجية عام 1992 بنشر تاريخ الدبلوماسية الأمريكية بصورة شاملة ودقيقة وموثقة، كما وافقت وزارة الخارجية على نشر النسخة الكاملة من العلاقات الأمريكية – الإيرانية في حقبة الخمسينيات من القرن الماضي؛ وهي النسخة التي تم إصدارها عام 2017.

خريطة 4 توضح اقتحام منزل مصدق من قبل القوات المناهضة له

وخلال الستينيات فُقدت بعض وثائق وكالة المخابرات المركزية المتعلقة بالانقلاب. وتدعي وكالة المخابرات أنه لم يكن لديها مساحة كافية في أرشيفها الأمني للاحتفاظ بها. وكتبت وكالة المخابرات في مقدمة إحدى الوثائق الخاصة بعام 1954: “كان واضح في نهاية عام 1952 أن حكومة مصدق لن تستطيع التوصل إلى تسوية بترولية مع الدول الغربية التي لها مصالح في إيران. وكان الهدف من عملية أجاكس الإطاحة بحكومة مصدق، واستعادة مكانة الشاه وسلطته، واستبدال حكومة مصدق بحكومة تدير إيران بسياسات بناءة”. ووفقاً للوثيقة “كان الانقلاب يهدف أيضًا إلى الإتيان بحكومة إيرانية، تستطيع الدول الغربية الاتفاق معها حول سوق النفط”.

وزيرة الخارجية الأمريكية سابقاً مادلين أولبرايت

وبعد مرور 47 عاماً على انقلاب 19 أغسطس، اعترفت الولايات المتحدة رسمياً باشتراكها فيه، ففي 18 مارس 2000 قالت وزيرة الخارجية الأمريكية “مادلين أولبرايت” Madeleine Albright في حكومة الرئيس “بيل كلينتون” Bill Clinton خلال كلمة ألقتها في حضور عدد من الإيرانيين المقيمين بالولايات المتحدة: “في عام 1953 لعبت الولايات المتحدة دورًا مهمًا في تنظيم عملية الإطاحة برئيس الوزراء الإيراني ذي الشعبية الجارفة محمد مصدق، وكانت إدارة أيزنهاور تعتقد أن أفعالها تبررها دوافع استراتيجية، ولكن من الواضح أن هذا الانقلاب أحدث نكسة في التطور السياسي لإيران، وليس من المستغرب أن العديد من الإيرانيين مازالوا مستائين من التدخل الامريكي في شؤونهم الداخلية”.

الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما

كما اعترف الرئيس الأمريكي الأسبق “باراك أوباما” Barack Obama بشكل غير مباشر بدور بلاده في الإطاحة بحكومة مصدق، فقد قال في 4 يونيو 2009 في سياق خطابه إلى العالم الإسلامي الذي ألقاه تحت عنوان “بداية جديدة” A New Beginning من قاعة الاحتفالات الكُبرى بجامعة القاهرة: “لقد لعبت الولايات المتحدة أبان الحرب الباردة دوراً في الإطاحة بالحكومة الإيرانية المنتخبة ديمقراطياً”، وذلك في إشارة غير مباشرة منه إلى دور بلاده في الإطاحة بحكومة مصدق.

وزير الخارجية البريطاني الأسبق جاك سترو

وكان وزير الخارجية البريطاني الأسبق “جاك سترو” Jack Straw هو المسؤول البريطاني الوحيد الذي اعترف بدور بلاده في عملية الإطاحة بمصدق، وذلك بعد تقاعده عن العمل السياسي، فقد صرح سترو عام 2008 على هامش مشاركته في مراسم افتتاح معرض “إيران في عهد عباس شاه” الذي أقيم في لندن: “إن احتلال إيران من قبل بريطانيا، والولايات المتحدة، والاتحاد السوفيتي خلال الحرب العالمية الثانية، وكذلك التدخل الأنجلو – أمريكي للإطاحة بحكومة مصدق المنتخبة ديمقراطياً عام 1953 من الأخطاء البريطانية”.

ختاماً، أولاً: محمد مصدق

على الرغم من أن محمد مصدق كان متحدثًا بليغاً، وخطيباً مفوهاً، ويتمتع بكاريزما عالية، جعلته محط إعجاب الساسة في الشرق والغرب، وعقب قيامه بتأميم صناعة النفط في إيران، أصبح قدوة يقتدي به قادة العالم الثالث وزعماؤه في نضالهم ضد الاستعمار والحكم الديكتاتوري، إلا أنه كان يفتقر إلى الدهاء السياسي، ولم يتقن التلاعب بالأوراق وإدارتها لصالحه، ولم يسع إلى تصيد الفرص واقتناصها، واستغلال الآخرين من أجل تحقيق أهدافه، حيث كان رجلًا مثاليًا، صادقًا، حالًما، يراعي التقاليد الدبلوماسية، ولا يتوقع الغدر من الطرف الآخر، مما جعله ينظر إلى قضية تأميم النفط الإيراني من منظوره الأحادي فحسب، دون النظر إلى هذه القضية من منظور الزعماء الغربيين القائم أولاً وأخيراً على المصالح المشتركة والأهداف الخاصة، فالنفط الإيراني من وجهة نظر مصدق كان قضيةً وطنيةً، وحقاً شرعياً لبلاده، لا يحق لأحد تحت أي مسمى أن يتقاسمه أو يتعدى عليه. ومن هذا المنطلق رفض مصدق عقد أية تسوية مع الإنجليز، يحصل بموجبها على امتيازات جديدة، وظل متشبثاً برأيه، في حين لو أن أي زعيم آخر مكانه كان سينتهز الفرصة، ويعقد اتفاقًا جديدًا، يخرج به منتصراً على خصمه، خاصة أن مصدق كان آنذاك في أوج قوته، فقد تربع على كرسي رئيس الوزراء بضغط شعبي، يسانده زعماء الجبهة الوطنية ومؤيدوها داخليًا، والرئيس الأمريكي ترومان خارجيًا.

أما إذا أتينا إلى منظور الزعماء الغربيين أو بالأحرى “الأمريكيين” إلى قضية تأميم النفط الإيراني، سنجد أنهم كانوا يربطون هذه القضية بمواجهة تنامي النفوذ الشيوعي في إيران جراء تعاون مصدق مع حزب توده، وأصبح “النفط والشيوعية” بالنسبة لهم وجهين لعملة واحدة، و”مصدق وحزب توده” عدوين في جسد واحد، فبعد الحرب العالمية الثانية، شرعت حرب أخرى – الحرب الباردة – بين قوتي العالم الجديد؛ الاتحاد السوفيتي شرقًا، والولايات المتحدة غربًا، لم يحارب فيها الطرفان بعضهما وجهًا لوجه، ولم يغر أحدهما على حدود الآخر، لكن تحول العالم بأسره إلى ساحة حرب بينهما من أجل مد النفوذ وبسط السيطرة والتحكم في مصير العالم، حيث عمل الأمريكيون على محاصرة الروس في مناطق نفوذهم، واستئصال الفكر الشيوعي من العالم، وحشد حلفاء لهم في دول أوروبا الغربية، والشرق الأوسط. وفي المقابل عمل الروس على دعم الحركات الشيوعية حول العالم خاصة في دول أوروبا الشرقية، وأمريكا اللاتينية، وجنوب شرق آسيا. وخلال هذه الحرب غير المعلنة أنفق الطرفان أموالًا طائلةً على التسليح، وخلق ميليشيات موالية لهما، وتجنيد وكلاء يحاربون نيابة عنهما في مناطق نفوذهما.

وكان مصدق يعتقد أن صراعه مع شركة النفط البريطانية ليس له علاقة بالصراع المحتدم بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، في حين أن صُناع القرار في واشنطن وموسكو كانوا وما زالوا يرون أن كل الأحداث العالمية جزء من الحرب الدائرة رحاها بينهما من أجل السيطرة على العالم، لذا لا نغالى إذا قلنا إن مصدق لم يحسن تقدير الموقف عندما ظن أن بإمكانه الفصل بين قضية تأميم النفط الإيراني رغم عدالتها، وبين الصراع المحتدم بين الأمريكيين والروس.

استطاع مصدق لفترة من الوقت أن يوحد تحت لواء الجبهة الوطنية تيارات سياسية وأطياف اجتماعية متباينة الأفكار والتوجهات؛ شيوعيين، وليبراليين، ومفكرين، ومثقفين، وطلاب، وتجار، وعمال، ورجال دين، وحاول من خلالهم أن يقود عموم الشعب الإيراني نحو الحرية والديمقراطية والحياة الدستورية. لكن هذه السلسلة المعقدة شكلًا ومضمونًا سرعان ما تفككت حلقاتها، وبدلًا من أن تشتد صلابةً، وتشكل طوقاً حصيناً يصون مصالح البلاد، ويحميها من التدخلات الأجنبية، راحت كل حلقة تقولب المصلحة الوطنية داخل مصالحها الخاصة، وتخلت عن هدفها الأسمى والأبقى “مصير الدولة الإيرانية”، فكان من الممكن أن تشكل الجبهة الوطنية درعًا يردع أية محاولة انقلاب على الحكومة الشرعية للبلاد، لكن ما حدث كان العكس.

والحقيقة أن مصدق المؤمن بالأفكار القومية كان يسعى من خلال جمع هذه الأطياف السياسية المتنوعة والمتباينة معًا إلى توحيد صفوف الإيرانيين على قلب رجل واحد، وعلى هدف واحد، وظن أن الجميع ينظرون إلى الوطن من منظوره المثالي، ويغلّبون مصلحة الوطن على مصالحهم الخاصة، لكن الواقع أثبت العكس تمامًا، فهذا المزيج المتنوع انقسم على بعضه بعضًا، وتحالف ضد بعضه بعضاً، فقد عارضت الجبهة الوطنية تعاون مصدق مع الشيوعيين، ورجال الدين عارضوا إزاحتهم من المشهد السياسي بسبب أن مصدق استعان بالليبراليين في الوزارة، والمرجع الشيعي أبو القاسم الكاشاني انسحب من الجبهة بعد أن رفض أعضاؤها انتخابه رئيسًا للبرلمان، فانقلب على مصدق منحازًا إلى الشاه.

ثانياً: عملية أجاكس

أحدثت عملية أجاكس شرخًا عميقًا في بنية العلاقة بين واشنطن وطهران، لا يزال أثره باقياً حتى الآن، فقد أثارت عملية الإطاحة بحكومة مصدق موجة من البغض والعداء في إيران تجاه الولايات المتحدة، وأخذت هذه الموجة تتصاعد مع تغلغل النفوذ الأمريكي في مفاصل الدولة حتى وصلت إلى ذُروتها خلال الثورة الإيرانية عام 1979، وهو ما جعل عددًا من الطلاب الإيرانيين أثناء الثورة وتحديدًا في 4 نوفمبر يقتحمون مبنى السفارة الأمريكية في طهران، ويستولون عليها، محتجزين البعثة الدبلوماسية، بسبب موافقة الولايات المتحدة على دخول الشاه محمد بهلوي إلى أراضيها لتلقي العلاج، حيث شك الثوار حينها أن الأمريكيين يخططون لعودة الشاه مثلما حدث عام 1953، مما دفعهم إلى مهاجمة السفارة الأمريكية كنوع من الضغط على الحكومة الأمريكية إذا خططت لقلب الأحداث الجارية في إيران آنذاك. وهذا المنطق الذي فكر به الثوار يفسر حالة الكراهية وتوجس الخداع والغدر الدائمين من قبل الحكومات الإيرانية المتعاقبة تجاه سياسات الإدارة الأمريكية وخطواتها على الصعيد الخارجي.

اقتحام السفارة الأمريكية في طهران من قبل المتظاهرين الإيرانيين خلال ثورة 1979

يعتبر الكثير من المحللين السياسيين حول العالم أن التدخل الأمريكي في إيران للإطاحة بمصدق عام 1953 أحد أهم أسباب اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979، وسيطرة التيار الديني الأصولي عليها، فإن كان الأمريكيون قد أسقطوا حكومة مصدق خوفاً من تنامي النفوذ الشيوعي في إيران، أو تحولها إلى صين أو كوريا ثانية في المنطقة، فقد تسببوا في صعود تيار ديني متشدد إلى سُدة الحكم، مَثَل وما زال يمثل تهديداً على الولايات المتحدة ودول المنطقة بأسرها، حيث سعى هذا التيار منذ توليه مقاليد الحكم في إيران إلى تصدير الثورة الدينية، ومد النفوذ الشيعي إلى العالم العربي.

بسقوط حكومة محمد مصدق تكون قد سقطت أول حكومة شرعية منتخبة في إيران، تؤمن بالمبادئ الديمقراطية، وتكفل الحريات العامة، وتقوم على العدل والمساواة واحترام الآخر.. ربما لو ظلت قائمة، ربما لو ما تدخلت الولايات المتحدة لإسقاطها، ربما لو استطاع الشاه ومصدق أن يتوصلا إلى قاعدة مشتركة يقفان عليها، وينطلقان منها إلى تسوية مرضية لجميع الأطراف، ربما لو تصرفا بشيء من الحكمة لأصبحت إيران دولة أخرى على عكس ما نراها اليوم..

خاص وكالة رياليست – دراسة تاريخية – تحليلية – د. محمد عمر سيف الدين – مصر.

أهم المصادر والمراجع:

  • آمال السبكي: تاريخ إيران السياسي بين ثورتين
  • عبدالرحيم طالبوف: مسالک المحسنین
  • استفن کینزر: همهٔ مردان شاه (کودتای آمریکایی و ریشه‌های ترور در خاورمیانه)، ترجمهٔ حسن (رضا) بليغ
  • کرومیت روزولت: کودتا (خاطرات کرومیت روزولت از کودتای بیست و هشت مرداد)، ترجمهٔ محسن عسكرى جهقى
  • سیا به دست داشتن در کودتای 28 مرداد اعتراف کرد، https://www.bbc.com/persian/iran/
  • آمریکا مجموعه اسناد کودتای 28 مرداد را منتشر کرد، https://www.bbc.com/persian/iran
  • چرا برایان هوک نقش آمریکا در کودتای 28 مرداد را انکار می‌کند؟، https://www.iranintl.com
  • CIA Confirms Role in 1953 Iran Coup, National Security Archive, https://nsarchive.gwu.edu
  • الصور الواردة بالمتن من الموقع الإيراني (فراديد) Faradeed، وأرشيف الأمن القومي الأمريكي
محمد مصدقالثورة الإيرانيةإيرانروسياالولايات المتحدةبريطانياالأمم المتحدةالاتحاد السوفيتيعملية أجاكسرضا شاه بهلوي
الموضوع السابق

“أمريكا تضع السكين على رقبة ألمانيا”.. رؤية أستاذ علاقات دولية في برلين

الموضوع القادم

مصر.. سيدة تعيد الأذهان لقصة مدلك السادات الذي جنده “الموساد”

مواضيع مشابهة

صورة.إزفستيا
الآراء التحليلية

تصاعد الأزمة الأوكرانية.. ترامب يهدد روسيا بعقوبات قاسية وزيادة الدعم العسكري لأوكرانيا

يوليو 12, 2025
صورة.تاس
الآراء التحليلية

روبيو يرعى مفاوضات مع حلفاء الناتو لنقل أنظمة “باتريوت” الدفاعية إلى أوكرانيا

يوليو 11, 2025
صورة. orientxxi.info
الآراء التحليلية

د. خالد عمر: استقبال وفد من أئمة أوروبا في القدس

يوليو 10, 2025
صورة. apa-inter
الآراء التحليلية

التحول الكبير: بين احتضار النظام القديم ومخاض ولادة الجديد

يوليو 10, 2025
صورة.ريا نوفوستي
الآراء التحليلية

ما نتائج قمة البريكس في البرازيل وما هي التوقعات من رئاسة الهند؟

يوليو 9, 2025
وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف" يتوسط ممثلي مجموعة (5+1) عقب التوقيع على الاتفاق النووي عام 2015
الآراء التحليلية

د. محمد سيف الدين: سناب باك: إيران والعودة إلى المربع صفر!!

يوليو 8, 2025
مواضيع شائعة
مواضيع شائعة

كل الحقوق محفوظة و محمية بالقانون
رياليست عربي ©️ 2017–2025

  • من نحن
  • مهمة وكالة أنباء “رياليست”
  • إعلان
  • سياسة الخصوصية

تابعنا

لا توجد نتائج
اقرأ كل النتائج
  • أخبار
  • خبراؤنا
  • حوارات
  • الآراء التحليلية

Русский/English/العربية