من الصعب أن يصف المتابعون البيئة التفاوضية حول ملف أزمة سد النهضة الأثيوبي العظيم بأنها إيجابية وسلسة وقد تخرج بإتفاق مرضي للأطراف، لذا من الأنسب وصفها بالمُعقدة والمتغلبة والمتقلبة والغامضة في المواقف، ومايؤكد تعقيد البئية التفاوضية هو إستمرار المفاوضات لمدة قاربت العقد، ومازالت الأطراف تتحاور حول نقاط أساسية كخطط الملء والتشغيل والإتفاق الذي يلزم الأطراف وألية فض المنازعات التي قد تنشب مستقبلاً، وكأن السد لم يكن موجوداً من قبل.
وأما مايشير الى صفة التغلب والتقلب هو عدم وضوح الرؤية لدى الطرفين المتأثرين من إنشاء هذا السد أي دولتي المصب مصر والسودان، إذ تخرج أصوات أحياناً تقلل من التأثير الذي سينجم عن السد، وأصوات أخرى تُضخم من الأثر، فضلاً عن تغلب المواقف الأثيوبية من خلال إظهار مواقف أحياناً توصف بالمراوغة لتحقيق أعلى المكاسب من خلال التشنج في المواقف، والتفاوض من أجل التفاوض ليس من أجل الوصول إلى تفاهمات مُرضية للأطراف الأخرى.
نلاحظ بأن التصرفات الأثيوبية وإنخراطها في الماريثون التفاوضي في عواصم مختلفة من العالم وإظهارها لمرونة مخادعة حسب توصيفات بعض المراقبين والتي ألصقت سمة الغموض في مواقفها وعدم حجية قناعاتها وروايتها التي صاغتها عندما أعلنت إنشاء السد في العام 2011، حيث إدعت القيادة الأثيوبية مراراً وتكراراً أن غايتها الاساسية من إنشاء السد هي توليد الكهرباء لشعبها الذي يعاني من عدمها، ولا تريد الإضرار بأي طرف ولكن السعة التخزينية للسد البالغة مقدارها 74 مليار متر مربع، فضلاً عن عدد التوربينات التي ستدخل الخدمة قليل ما يؤكد بأن النية الأساسية هي إستغلال المياة كأداة سياسية لإبتزاز دولتي المصب أي مصر والسودان.
المسار التفاوضي الذي جُرب لمدة عقد كامل مازال يعد الخيار الأنسب لحل هذه المسألة حسب التصريحات الصادرة عن أطراف الازمة والجهات المراقبة له، وبالتالي ستواصل المفاوضات سيرها تارة بمبادرات أحادية وتارة تحت مظلة منظمات اُممية أو دول فاعلة في المنظومة الدولية، الى أن تفضي الى إتفاق يرضي الجميع ويُوزع المضار بين الاطراف حتى تتجنب المنطقة سيناريوهات غير محبذة لدى كل الدول المعنية بالازمة.
وبالتالي المفاوضات التي أُجريت تحت إشراف الإتحاد الافريقي وإن لم تحقق مبتغاها الا أنها أسهمت في تفعيل دور منظمة الإتحاد الأفريقي لحل الأزمة، فضلاً عن كسرة الجمود الذي إعترى العلاقات بين أطراف الازمة ومحاولة إعادة الثقة بين الدول المعنية بالازمة بعد أن ساد جو ملبدة بسحب سواد النوايا وفقدان الثقة.
وبالرغم من الروح المتفائلة لدى الجانب السوداني والتي حملته الى إطلاق تصريحات إيجابية حول نتائج المفاوضات، الا أن النقاط الخلافية المثارة تعتبر مهمة وعظيمة عظم السد حسب متابعين، ولذلك نلاحظ بأن المواقف متشنجة الى درجة بعيدة، وهذا جعل كل القيادات في العواصم الثلاثة مضغوطة شعبياً وبالنتيجة تسبب في تعقيد الازمة أكثر مما ينبغي.
وعليه القمة المصغرة التي عقدت يوم الثلاثاء الموافق 21/تموز/2020 بين قادة دول أعضاء مكتب رئاسة الدورة الحالية للإتحاد الافريقي وأطراف الأزمة والتي قرر من خلالها مواصلت الاطراف للمفاوضات، لا نستطيع أن نؤكد بأنها ستنهي الخلاف القائم وتحسم القضايا الخلافية من خلال إلزام الاطراف بوثيقة تنظم عملية ملء وتشغيل السد، وبالتالي ستلجا القاهرة إلى مجلس الأمن الدولي وتطلب منه الإنخراط بصورة أقوى والتأكيد بأن المفاوضات لم تفضي الى نتائج مرضية وأن الجانب الاثيوبي هو من يعرقل المفاوضات من خلال تشنجه في المواقف.
إبراهيم ناصر- باحث بمركز أنقرة لدراسة الأزمات والسياسيات (أنكاسام)، خاص لــ”رياليست”