بعد انتخابات استثنائية شهدتها إيران عقب وفاة الرئيس “إبراهيم رئيسي” في حادث سقوط مروحيته وتحطمها بشكل غامض في 19 من مايو الماضي، نجح المرشح الإصلاحي “مسعود بزشکیان (پِرِشکیان)” Masoud Pezeshkian في وضع قدميه على عتبة مؤسسة الرئاسة الإيرانية “مكتب الباستور”، وبات الرئيس التاسع في تاريخ الجمهورية الإسلامية.
جاء فوز بزشكيان بعد جولتين انتخابيتين، استطاع في الأولى أن يتصدر قائمة المرشحين كافة، وفي الثانية أن يفوز على منافسه الأصولي “سعيد جليلي” بالحصول على 16 مليونًا و384 ألفًا و403 أصوات بنسبة 53.6% من إجمالي عدد الأصوات، بينما حصل جليلي على 13 مليونًا و538 ألفًا و179 صوتًا بنسبة 44.34% من إجمالي عدد الأصوات.
وكانت الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة الإيرانية الرابعة عشرة قد جرت يوم الجمعة 28 يونيو بين أربعة مرشحين، كان “مجلس صيانة الدستور” قد أقر تأهلهم إلى خوض الماراثون الانتخابي؛ وهم: محمد باقر قاليباف رئيس مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان الإيراني)، ومصطفى بور محمدي وزير الداخلية الأسبق والأمين العام لجمعية علماء الدين المجاهدين، وسعید جلیلي عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام (مجمع تحديد مصالح النظام) وممثل المرشد الأعلى “عليّ خامنئي” بالمجلس الأعلى للأمن القومي، ومسعود بزشكيان النائب البرلماني الحالي ووزير الصحة الأسبق. لكن لم يستطع أي مرشح منهم الحصول على أكثر من 50% من أصوات الناخبين، فوفقًا للمادة 117 من الدستور الإيراني، يجب أن يحصل المرشح الفائز على أغلبية مطلقة، أي ما يزيد عن 50% من أصوات الناخبين، وإذا لم يتسن هذا الأمر، تُجرى جولة الإعادة بين المرشحيِّن الأعلى تصويتًا في الجولة الأولى.
على هذا النحو جرت الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية يوم الجمعة 5 يوليو بين بزشكيان وجليلي المرشحيِّن الحائزين على أعلى نسبة تصويت في الجولة الأولى، حيث كان الأول قد حصد 10 ملايين و415 ألفًا و191 صوتًا بنسبة 42% من إجمالي عدد الأصوات، بينما حصد الثاني 9 ملايين و473 ألفًا و298 صوتًا بنسبة 39% من إجمالي عدد الأصوات.
وقد بلغ عدد الأصوات المفرزة في مراكز الاقتراع داخل إيران وخارجها خلال الجولة الأولى 24 مليونًا و535 ألفًا و185 صوتًا، أي ما يعادل 40% ممن لهم حق التصويت من الإيرانيين البالغ عددهم 61 مليونًا و452 ألفًا و321 شخصًا –مواليد يونيو 2006، وما قبلهم وفقًا لما صرح به المتحدث الرسمي باسم لجنة الانتخابات المركزية مُحسن إسلامي– وهذه النسبة أضعف نسبة مشاركة في تاريخ الجمهورية الإسلامية؛ وهي نفسها النسبة التي شهدتها الانتخابات الرئاسية السابقة عام 2021، وجاءت بـإبراهيم رئيسي رئيسًا للجمهورية. أما جولة الإعادة فقد بلغ عدد الأصوات المفرزة في مراكز الاقتراع داخل إيران وخارجها 30 مليونًا و530 ألفًا و157 صوتًا، أي ما يعادل 49.8%، وبذلك تكون نسبة المشاركة في جولة الإعادة قد شهدت ارتفاعًا ملحوظًا عن نظيرتها الأولى.

وبعد فوز مسعود بزشكيان بالانتخابات الرئاسية مباشرة، شارك عبر حسابه الرسمي على موقع “إنستجرام” صوة متحركة تسطع بها شمس، وكتب أسفلها “شكرًا إيران”، وأعقب هذا الشكر بعبارة “خادم الشعب الإيراني؛ مسعود بزشكيان”، وهي عبارة طالما رددها خلال مناظراته المتلفزة. كما كتب رسالتين عبر حسابه الرسمي على منصة “إكس”، خاطب في الأولى الشعب الإيراني، وأعرب عن امتنانه في الثانية لمنسقي حملته الانتخابية، حيث جاء في الرسالة الأولى: “شعب إيران العزيز، لقد انتهت الانتخابات، وهذه بداية صحبتنا الجديدة. أمامنا طريق عسير لن يُمهد إلا بتعاونكم واتحادكم وثقتكم. أمدُ يدي إليكم، وأقسمُ بشرفي أنني لن أدعكم وحدكم في هذا الطريق، فلا تدعوني وحدي”.
أما الرسالة الثانية فقال فيها: “ألثمُ أيدي كل الأشخاص ذوي الشغف والجلد والإصرار الذين بذلوا جهودًا مضنيةً في مقراتي الانتخابية بأقل الإمكانيات مراعين المبادئ والمُثل. أعلمُ كذلك أن الشعب ممتن إلى جهودكم المتواصلة والتطوعية. أنا ممتن بشكل خاص إلى الشباب ذوي الحماسة والهمة الذين جاءوا خادمين بحبٍ وإخلاصٍ (من أجل إيران) –شعار حملة بزشكيان الانتخابية– وأضاءوا بصحبة الشعب بصيصًا من الأمل والثقة في المستقبل”. وكانت وجهة بزشكيان الأولى، لقاءه بالمرشد الأعلى “عليّ خامنئي”، ثم ذهابه إلى ضريح الإمام “الخُميني” بمقبرة “جنة الزهراء” في مدينة “الرِي” وسط جمعٍ من مؤيديه وأنصاره، حيث جدد تعهده بأيديولوجيات مؤسس الجمهورية الإسلامية، وألقى أول خطبه الرئاسية مستهلها بهذا الشكر: “يجب أولًا أن أتوجه بالشكر إلى القائد عليّ خامنئي، فإن لم يكن موجودًا، لا أعتقدُ أن اسمي كان سيخرج من صناديق الاقتراع”. ثم تطرق إلى أحاديثه أثناء حملته الانتخابية قائلًا: “لم أقطعُ أي عهدًا لا يمكن الوفاء به”. ودعا كذلك مؤيدي منافسه في الانتخابات سعيد جليلي قائلًا: “لقد انهت المنافسة الآن، وحان وقت الرفقة، هيا نتعاضد معًا حتى نبني وطننا”.

وكان المرشح الأصولي “سعيد جلیلي” ممثل المرشد الأعلى في المجلس الأعلى للأمن القومي، يحظى بدعمٍ كبيرٍ من المؤسسات السيادية في إيران، لكن بعد فوز بزشكيان أعلن الحرس الثوري أنه سيتعاون مع حكومة بزشكيان الجديدة.
وعلى جانب آخر اتهم عدد من مؤيدي جليلي وباقي المرشحين الأصوليين في الانتخابات الرئاسية بعضهم بعضًا بأنهم كانوا سببًا في خسارة هذه الانتخابات، ولم ينجحوا في تكتل الناخبين حولهم.
ووفقًا لما صرح به المتحدث الرسمي باسم مجلس إدارة البرلمان الإيراني “عليّ رضا سليمي”، أن مراسم حلف بزشكيان اليمين الدستورية كرئيس للجمهورية ستُقام في أوائل أغسطس القادم. وقبل حلف اليمين، يجب أن يُنفذ أمر رئاسة الجمهورية للرئيس المنتخب على يد “عليّ خامنئي”. كما سيعقد البرلمان أواخر الشهر الحالي جلسة قصيرة بخصوص السيد بزشكيان من أجل استقالته من البرلمان كونه أحد نوابه الحاليين.
الإصلاحي في مواجهة الأصوليين
كان مسعود بزشكيان المرشح الإصلاحي الوحيد الذي أقر مجلس صيانة الدستور تأهله إلى انتخابات الرئاسة الإيرانية، إلى جانب سعيد جليلي ومحمد باقر قاليباف ومصطفى بور محمدي المنتمين إلى التيار الأصولي. حظي بزشكيان بدعم رموز التيارين الإصلاحي والاعتدالي، وفي مقدمتهم الرئيسين الأسبقين “محمد خاتمي”، و”حسن روحاني”، ورئيس البرلمان الأسبق “مهدي كرّوبي” الذي يعيش منذ سنوات قيد الإقامة الجبرية.
مَثل بزشكيان أهالي مدينة تبريز في البرلمان الإيراني 5 دورات، كما تولى منصب نائب رئيس البرلمان مرة واحدة، وتولي أيضًا منصب وزير الصحة والعلاج والتعليم الطبي في حكومة الرئيس “محمد خاتمي” الثانية. كان بزشكيان من معارضي نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2009 التي فاز بها الرئيس الأصولي “محمود أحمدي نجاد” بولاية ثانية، وشابها عمليات تزوير واسعة. كما رشح نفسه في الانتخابات الرئاسية عام 2021، لكن مجلس صيانة الدستور لم يوافق على ترشحه.

يأتي فوز بزشكيان بالانتخابات الرئاسية في خِضَمِ أحداثٍ جسامٍ تمر بها إيران والعالم أجمع من حروب وأزمات اقتصادية وتوترات إقليمية ودولية.
يعقد الكثيرون آمالًا كبيرةً على بزشكيان في إحداث نوع من التغيير في السياسة الإيرانية سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، حيث ينتظر الشعب الإيراني منه حل الأزمات الاجتماعية والاقتصادية المتجذرة في البلاد منذ سنوات كرفع العقوبات الدولية، وخفض معدلات الفقر والبطالة، وإطلاق الحريات العامة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ورفع مستويات المعيشة. بينما ينتظر العالم منه تعاملًا أكثر مرونة في عدد من الملفات الدقيقة محل الخلاف والجدال بين إيران والدول الكُبرى كالبرنامجين النووي والصاروخي، ونفض اليد من دعم الميليشيات الشيعية في المنطقة مثل الحوثيين وحزب الله اللبناني، وتحسين علاقة طهران مع الغرب.
وفي هذا الصدد، كان بزشكيان قد أعلن خلال حملته الانتخابية، أنه على استعداد إلى إجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة حول إحياء الاتفاق النووي وحل القضايا العالقة مع الغرب، لكن هذا الأمر بات أمنيةً بعيدة المنال في ظل وجود تكهنات تُشير إلى فوز “دونالد ترامب” بانتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة خاصة بعد المناظرة المتلفزة الأخيرة بينه وبين الرئيس الحالي “جو بايدن”. هذا بالإضافة إلى سعي بزشكيان إلى انفتاح إيران على العالم في مجالات التجارة والصناعة والاستثمار، وترسيخ التعددية السياسية وتعزيز الحريات العامة في البلاد.
منح بزشكيان بولوجه “مكتب الباستور” قُبلة الحياة إلى التيار الإصلاحي، وأعاده إلى المعترك السياسي مرة أخرى، بعدما آل نجم هذا التيار إلى الأفول، وفقد قدرًا كبيرًا من شعبيته في الشارع الإيراني بسبب إخفاقات حكومة “حسن روحاني” المتعاقبة، مما أدى إلى سيطرة التيار الأصولي على أركان الحكم إبان حكومة الرئيس الراحل “إبراهيم رئيسي”.
يُذكر أن “جبهة الإصلاحات” كانت قد رشحت كل من “عباس آخوندي”، وزير الطرق والتنمية الحضرية في حكومة حسن و”إسحاق جهانکیري (جهانگیری)” النائب الأول لروحاني، و”مسعود بزشكيان” لخوض الانتخابات الرئاسية، لكن مع استبعاد كل من آخوندي وجهانكيري، أصبح بزشكيان الخيار الوحيد أمام الإصلاحيين على الرغم من أنه يعتبر نفسه “أصوليًا إصلاحيًا”، حيث قال في حديث له بجبهة الإصلاحات: “أنا أصولي، وهذه مبادئٌ نود الإصلاح من أجلها”.
بالحديث عن أصولية مسعود بزشكيان ذات الميول الإصلاحية، تجدر الإشارة إلى أمرين:
أولًا: من النقاط الملفتة للنظر في حملة بزشكيان الانتخابية هو اختيار “اللون الأخضر” شعار الحملة، وهذا الاختيار له دلالة مُهمة، لأنه اللون نفسه الذي اختاره المرشح الإصلاحي “مير حُسين موسوي” خلال حملته الانتخابية في الانتخابات الرئاسية عام 2009، وبعدما أظهرت النتائج فوز الرئيس الأصولي “محمود أحمدي نجاد” بولاية ثانية، وأعلن موسوي وقتها أن الانتخابات زُورت لصالح منافسه الأصولي، اندلعت مظاهرات حاشدة في جميع أنحاء إيران، قادها مؤيدو موسوي متخذين من اللون الأخضر رمزًا لهم، فيما عُرفت هذه المظاهرات باسم “الحركة الخضراء”.
اختيار اللون الأخضر من قبل بزشكيان أعاد إلى الأذهان صور المتظاهرين، وهم يفرعون شعارات طغى عليها اللون الأخضر، ومنح الإيرانيين بارقة أمل في أن يخطو بزشكيان على درب موسوي وأقرانه من الإصلاحيين الذين لا يزالون محل احترام الإيرانيين وموضع ثقتهم.
ثانيًا: بعد أيام قليلة من الإعلان عن فوز بزشكيان بالانتخابات الرئاسية، تصدرت الصحف الإيرانية مانشيتات؛ “بزشكيان هو الفرصة”، “بزشكيان رمز التغيير”، “الإصلاحات مجددًا” في إشارة إلى حكومة الرئيس الأسبق “محمد خاتمي” الموسومة باسم “حكومة الإصلاحات”. هذا بالإضافة إلى قيام خاتمي نفسه بزيارة بزشكيان في منزله وتهنئته بالفوز في الانتخابات. وقد بث التلفزيون الإيراني يوم الأحد 7 يوليو، في سابقة هي الأولى من نوعها، صورًا تجمع خاتمي وبزشكيان في منزل الأخير دون الإشارة إلى اسم الرئيس الأسبق. محمد خاتمي محظورًا من الظهور الإعلامي منذ عدة سنوات بسبب دعمه لمظاهرات “الحركة الخضراء”.
عناوين الصحف الإيرانية وزيارة خاتمي لبزشكيان وظهور صورته على شاشة التلفزيون الإيراني بعد سنوات من الحظر الإعلامي، دليل على وجود تغيير في سياسة الدولة على الصعيد الداخلي، والتصالح مع رجالات الماضي المغضوب عليهم. هذا بالإضافة إلى اِصطِفاف أغلب قيادات حكومتي محمد خاتمي وحسن روحاني حول بزشكيان، وفي مقدمتهم عرَّاب الاتفاق النووي ووزير الخارجية الأسبق “محمد جواد ظريف” ظل بزشكيان الأمين طوال فترة حملته الانتخابية خلال المؤتمرات الشعبية والتجمعات الجماهيرية والبرامج الحوارية والحلقات النقاشية، مما يجعلنا نحدس بمضي بزشكيان على خُطى الرئيسين الأسبقين، وبالتالي وجود موافقة ضمنية من قبل النظام على ذلك.

لا يُخفى على أحد أن المرشد الأعلى “عليّ خامنئي” هو رأس السُلطة في إيران وحاكمها الأوحد، ووجود رئيس أصولي أو إصلاحي لن يُغيّر كثيرًا في المعادلة الإيرانية، لكن ما ستشهده الفترة القادمة هو حدوث نوع من التهدئة في الشارع الإيراني، وإتباع نهج مرن مع دول المنطقة مثلما حدث إبان حكومتي خاتمي وروحاني.
خلاصة القول، يُنسب إلى الإصلاحيين إنجازات ملموسة على أرض الواقع لا يمكن غض البصر عنها، فإلى محمد خاتمي يرجع الفضل في تحسين علاقة إيران بدول المنطقة وتدشين نظرية “حوار الحضارات”، أما حسن روحاني فيكاد يكون الرئيس الإيراني الوحيد الذي استطاع صياغة إطار توافقي مع الولايات المتحدة والدول الغربية، وأبرم الاتفاق النووي مع القوى الكُبرى بعد سنوات طويلة من مفاوضات غير مجدية.
أما إذا أردفنا حديثنا بالتطرق إلى المظاهرات والاحتجاجات الإيرانية، فإنها ستظل تعصف بالبلاد من حين لآخر سواء كانت تحت مظلة حكومة أصولية أو حكومة إصلاحية؛ طالما أيديولوجية النظام الحاكم “ولاية الفقيه” ترفض الاستماع إلى صوت المعارضة، وترى نفسها في منزلة الأنبياء والأئمة المعصومين المنزهين عن اقتراف الآثام والخطايا. هذه ليست مشكلة النظام الثيوقراطي فحسب، لكنها مشكلة أي نظام لا يقبل الاعتراض عليه، ويرى نفسه في مرتبة تسمو عن الجميع حتى من يعيشون في كنفه، وكانوا سببًا في الإتيان به ورفعه فوق رءوسهم.
محطات في حياة مسعود بزشكيان
الوعود الانتخابية: من الإصلاح الاقتصادي إلى الانفتاح على العالم
استندت حملة مسعود بزشكيان الانتخابية على تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المتوازنة والإصلاح الاقتصادي. فقد وعد بزشكيان أنه سيمهد مسارات النمو الاقتصادي من خلال تدشين نظام اقتصادي نزيه ومكافحة الفساد. ويرى أن إصلاح الهيكل الاقتصادي بالدولة وإتاحة قاعدة مناسبة لاستثمار سيعملان على توفير فرص عمل وخفض معدلات البطالة، لكن لم يوضح بزشكيان كيف سيفي بهذه الوعود في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية في البلاد!!
وعلى صعيد السياسة الخارجية، يسعى بزشكيان إلى الحد من التوتر بين إيران ودول العالم، واستعادة الدبلوماسية القائمة على التعاون والتفاعل البناء مع دول المنطقة. ويقول منافسوه الأصوليون إن بزشكيان يريد مواصلة سياسات حكومة حسن روحاني (الفاشلة) من وجهة نظرهم.

وكان إصلاح النظام الصحي، وتحسين جودة الخدمات الطبية، وخفض تكاليف العلاج، وتطوير المنظومة التعليمية، ورفع كفاءة المدارس والجامعات، من وعود بزشكيان الانتخابية أيضًا.
كما تعهد بزشكيان بأنه سيبذل قصارى جهده من أجل إصلاح نظام حجب الإنترنت حتى يُعِيد آلاف الشركات العاملة في الفضاء الإلكتروني إلى عجلة الاقتصاد؛ وهي شركات يعمل بها ملايين الإيرانيين في جميع أنحاء البلاد.
ويولي بزشكيان اهتمامًا خاصًا بالقضايا البيئية، وتعهد بتنفيذ برامج شاملة تهدف إلى حماية البيئة والحفاظ عليها، وتحقيق تنمية مستدامة.
أما عن المرأة الإيرانية، فيرى بزشكيان أن المرأة يجب أن تكون قادرة على لعب دورٍ نشطٍ ومتساوٍ مع الرجل في جميع المجالات السياسية والاقتصادية الاجتماعية. وقال عن تعنيف النساء غير الملتزمات بالحجاب الإجباري: “لو هناك امرأة لا تريد ارتداء الحجاب، أعلينا أن نضربها؟ لم نتمكن من إرشاد النساء حتى تلك السن، وأنفقنا أموالاً طائلةً على المراكز الدينية؛ فهل يمكننا تقوَّيمهن بهذه الأساليب؟ أتعتقدون أن النساء سيُقوَّمن بضربهن والقبض عليهن؟ إن الانسان يشعر بالخجل حين يري بعضًا من هذه الممارسات”.
من رُّواق المستشفى إلى المعترك السياسي
ولد مسعود بزشكيان في 29 من سبتمبر عام 1954 بمدينة “مهاباد” بمحافظة “أذربيجان الغربية” لأب تركي آذَري وأم كُردية، ويبلغ حاليًا من العمر ٧٠ عامًا. بعد انتهاء دراسته الثانوية في مدينة “أُورميَّة”، التحق بجامعة تبريز للعلوم الطبية، وتخرج في قسم الطب، ثم تخصص في فرع الجراحة العامة وجراحة القلب.
تولى بزشكيان رئاسة جامعة تبريز للعلوم الطبية من عام 1994 حتى عام 2000، كما تقلد منصب نائب وزير الصحة والعلاج والتعليم الطبي في الحكومة الأولى للرئيس “محمد خاتمي”، ثم منصب وزير الصحة في حكومته الثانية خلفًا للطبيب “محمد فَرهادي”.

بعد عامين من حمل حقيبة وزارة الصحة، قام البرلمان الإيراني باستجواب بزشكيان على خلفية تعيينات في الوزارة، ومشكلات في الأدوية، وبطاقات التأمين الصحي، والرحلات الخارجية. وخلال هذه الجلسة دفاع نائب رئيس البرلمان آنذاك “بِهزاد نبوي” عن الأداء الوظيفي للسيد بزشكيان، وقال: “إن مشكلات الكادر الصحي والعلاجي متجذرة، وليست لها صلة بسنتي جلوس بزشكيان على كرسي الوزارة”.
نائب رئيس البرلمان واقتراح توزيع المخدرات من قبل الحكومة
بعد عامين من المناصب الحكومية خلال فترة رئاسة “محمود أحمدي نجاد”، ترشح بزشكيان عام 2007 نائبًا عن مدينة “تبريز” مركز محافظة أذربيجان الشرقية، واستطاع حجز مقعد له في البرلمان الإيراني على مدار دوراته التاسعة والعاشرة والحادية عشرة والثانية عشرة، كما فاز بأغلبية ساحقة بمقعد النائب الأول لرئيس البرلمان خلال الدورة العاشرة ممثلًا عن “كتلة الأمل” المشكلة من الإصلاحيين، وذلك على الرغم من أن بزشكيان لم يكن له موقفٌ واضحٌ من تمثيل الإصلاحيين خلال الصراعات السياسية الدائرة في الدولة.
خلال الشهور الأولى من انعقاد الدورة الثامنة من البرلمان الإيراني، دافع بزشكيان عن ساحة “سلمان خُدادادي” نائب مدينة “مَلِكان” الواقعة بمحافظة أذربيجان الشرقية. وكان خطاب اعتماد السيد خُدادادي قد نفى اتهامه باغتصاب الفتاة “زهراء نويد بور” في لجنة التحقيق بالبرلمان.
أثناء جلسة مغلقة بالبرلمان، أنشد بزشكيان بيتًا من إحدى غزليات الشاعر الشهير “حافظ الشيرازي” يقول: “الوُعَّاظ المتجلون على المنابر وأمام المحاريب، عندما يختلون بأنفسهم يفعلون من الأمور الأعاجيب”، مما أثار امتعاض النائب ورجل الدين “روح الله حُسينيان” الشهير بـ “خِسرو خوبان”، واقترح سحب الثقة من بزشكيان.

كان بزشكيان يقول أثناء توليه منصب نائب رئيس البرلمان: “طالما الحكومة الإيرانية لا تورد المواد المخدرة، فلن نستطيع التصدي للإدمان”، ويقول بزشكيان وفقًا لمقترحه الذي يبدو غريبًا: “إذا تمكنت الحكومة من تولي مهمة توريد المواد المخدرة، فسوف نتمكن من علاج الأشخاص المحتاجين إلى الدواء بسهولة”. لكن مسؤولًا رفيع المستوى في الشرطة الإيرانية رفض هذا المقترح مؤكدًا استحالة تحقيقه على أرض الواقع.
في ربيع عام 2018 أثناء جلسة استجواب وزير التعاون والعمل والرخاء الاجتماعي “عليّ ربيعي” بالبرلمان الإيراني، قال بزشكيان دفاعًا عنه في إشارة إلى قذف مسؤولي الحكومة وأفراد أسرهم بالاتهامات: “حينما كنتُ وزير الصحة، كانوا يقولون إن أبنائي يعيشون في الخارج، وابنتي تستقل سيارة BMW. في حين أن أبنائي لم يسافروا إلى الخارج، ولم يمتلكوا سيارةً آنذاك، ولم يستخدموا حتى سيارة الوزارة”.
بناءً على ما سلف ذكره، نستطيع القول إن مسعود بزشكيان وأفراد أسرته لديهم سجل نزيه في القضايا الاقتصادية حتى الآن، حيث إنهم قد ناؤوا بأنفسهم عن الزلل في مستنقع الفساد المالي والتربح غیر المشروع المنزلق به زمرة كبيرة من كبار المسؤولين الإيرانيين.
انتقاد التنكيل بمعارضي نتائج انتخابات 2009
عقب الإعلان عن نتائج انتخابات الرئاسة الإيرانية عام 2009 التي فاز بها الرئيس الأصولي “محمود أحمدي نجاد” بولاية ثانية، وشابها عمليات تزوير واسعة وفقًا لما أعلنه منافسه الإصلاحي “مير حُسين موسوي”، اندلعت مظاهرات حاشدة في جميع أنحاء البلاد، أخمدتها الحكومة الإيرانية بالبطش والقوة مخلفةً ورائها عدد كبير من القتلى والجرحى والمعتقلين السياسيين.
في أعقاب هذه المظاهرات، انتقد مسعود بزشكيان خلال كلمته بالبرلمان الإيراني التعامل العنيف مع المتظاهرات، مما أحدث جلبةً كبيرةً في البرلمان، استمرت عدة دقائق، تصاعدت خلالها صيحات الاعتراض من حناجر النواب الأصوليين.
استحضر بزشكيان خلال كلمته أقوالًا من عهد الإمام “عليّ بن أبي طالب” إلى “مالك الأشتر” حينما ولاه على مصر عن مراعاة حقوق الأمة والاحتراز من سفك الدماء دون وجه حق أو من أجل صون مُلكٍ وسُلطانٍ.
انتقد رئيس البرلمان آنذاك “غُلام عليّ حداد عادل” كلمة بزشكيان قائلًا: “كان عليه أن يراعي معايير النزاهة، ويتحدث عن إدانة معارضي نتائج الانتخابات أيضًا”.
الانتخابات الرئاسية: من التسجيل والانسحاب إلى رفض التأهل والإقرار
رشح مسعود بزشكيان نفسه في أخر أيام تسجيل أسماء المرشحين في انتخابات رئاسة الجمهورية عام 2013، ثم انسحب لاحقًا بعدما سجل “أكبر هاشمي رفسنجاني” اسمه. كما رشح نفسه ثانيةً في انتخابات عام 2021، لكن مجلس صيانة الدستور رفض تأهله إلى خوض الانتخابات.
كرر بزشكيان المحاولة مرة ثالثة في الانتخابات المبكرة التي جرت هذا العام عقب وفاة الرئيس “إبراهيم رئيسي” في حادث سقوط مروحيته، ووفق في الحصول على موافقة مجلس صيانة الدستور.
في أوائل العام الحالي، رفضت الهيئة التنفيذية المركزية للانتخابات بوزارة الداخلية ترشح بزشكيان في انتخابات البرلمان الإيراني، ثم وافق مجلس صيانة الدستور على ترشحه فيما بعد. وكانت الهيئة التنفيذية قد رفضت ترشح بزشكيان وفق بند “عدم الالتزام بالجمهورية الإسلامية”. اعتبر بزشكيان الموافقة على ترشحه ترتبط نوعًا ما بتوجيهات المرشد الأعلى “عليّ خامنئي” منتقدًا نهج الهيئة التنفيذية في التعامل مع المرشحين.
خاص وكالة رياليست – د. محمد سيف الدين – دكتوراه في الأدب الشعبي الفارسي، وخبير في التاريخ والأدب الإيراني – مصر