باريس – (رياليست عربي): كلما وجدت أحد الاقتصاديين من العاملين في المؤسسات المالية العالمية والدولية أو الإقليمية، ومن يطلقون على أنفسهم خبراء مال وأعمال واقتصاد من نتاج هذا العصر “الاقتصاد الفنكوشي”، يحضر بخاطري على التو فيلم “البيضة والحجر” للفنان الراحل أحمد ذكي، وهو فيلم من تأليف المبدع محمود أبو زيد: والذي يروي قصة أستاذ فلسفة يضطر بسبب ظروفه المعيشية الصعبة للعيش في شقة فوق سطح بناية في حي شعبي، حيث يؤمن سكانه جميعًا بالسحر والشعوذة، وكان الساكن السابق “عم سباخ” الذي لعب دوره الفنان القدير الراحل “محمد السباعي” قد اشتهر في الحي بكونه يمارس السحر والدجل والشعوذة والقدرة على التنبؤ بالمستقبل وصنع المعجزات، فهو يلعب على أحلامهم البسيطة والطبيعية، من الزواج وإنجاب الأولاد، وغيرها من احتياجات إنسانية يحلم بها الغالبية العظمى من الناس الفقير منهم والغني، ويعيش سكان الحي البسطاء على اعتقاد أن مشاكلهم ناتجة عن السحر، وأن الحل الوحيد لها هو السحر أيضًا. يحاول الأستاذ المثقف إقناعهم بأنهم يعيشون في وهم كبير، وأن مشاكلهم سببها ظروف حياتية يمكن تفسيرها بالعقل والمنطق. لكنه يواجه صعوبة في إقناعهم، إذ يعتقدون أنه يرفض مساعدتهم (باعتباره خليفة للمشعوذ) لأنهم فقراء ولن يستطيعوا دفع المال.
والسيد “المبروك”، بطل الفيلم “أحمد ذكي” (الأستاذ المثقف: أحمد ذكي)، من خلال دراسته للفلسفة وعلم الاجتماع، واحتكاكه بهذه الطبقة الاجتماعية الهشة في المجتمع المصري، يدرك أنه من المستحيل إقناعهم بأن مشاكلهم ناتجة عن ظروف مادية تخضع للعقل والمنطق، لأنه يدرك أن الإطار الفكري الذي يعيشون فيه لا يسمح لهم برؤية الحقيقة إلا كما يتصورون ويحلمون.
فيقرر أن يتعامل معهم على طريقتهم وثقافتهم، في البداية بدافع الفضول والمغامرة، ثم من باب مساعدتهم عبر استخدام بعض أساليب علم النفس وعلم الاجتماع، دون أن يكون هدفه تحصيل المال. ولكن سرعان ما يفتح أمامه باب “مغارة علي بابا”، ويبدأ المال والشهرة يتدفقان عليه، مما يحقق له الثراء والقوة، بل وأصبح زبائنه من الأغنياء وصفوة المجتمع بدلاً من الفقراء والمعدمين.
وهذا الفيلم هو ما ينطبق على أحد خبراء الاقتصاد يدعي ويروج للحلول والبرامج الإصلاح الاقتصادي والمالي التي تقدمها المؤسسات المالية والتمويلية دولية النشاط: فهو يقوم بدور عم سباخ أو مبروك في الفيلم، يلعبون على أوتار وأحلام الفقراء والغلابة والمحتاجين والمعدمين، الذين يطلبون عيشة كريمة، يعيشون على تحقيق هذا الأمل لهم ولغيرهم من ملايين البشر، وللأسف نجد أن هناك عشرات بل مئات يصفقون ويروجون لهؤلاء المشعوذين، الذين يستخدمون عبارات ومصطلحات “كلمات حنجورية” مثل التنمية المستدامة، والاقتصاد الأخضر أو علاج وحلول للتضخم وعلاج المديونيات، تحت مسمى “نادي الجنوب” (كما قال الفنان الكبير عادل إمام في أحد أفلامه: شحات تزوج شحاته، خلفوا شحات صغير) وغيرها من المسميات مع نطقها باللغة الإنجليزية “فهي عدة وأدوات الشغل” تمامًا كما فعل الفنان القدير الراحل: أحمد مظهر في فيلم “العتبة الخضراء” (والذي كان يرتدي ملابس فخمة ويصرف ببذخ) عندما قام ببيع الترام ومطافي العتبة لمبروك “الراحل إسماعيل ياسين” القروي الساذج.
عزيزتي عزيزي، صاحب ومتخذ القرار انتبه جيدًا لهؤلاء الدجالين والمشعوذين “خبراء الاقتصاد الجدد” للأسف كلهم عم سباخ انتماؤهم لتلك المنظمات والمؤسسات المالية العالمية يحصلون منها على آلاف بل ملايين الدولارات مقابل تسويق وترويج الوهم استغلالاً لظروف الناس والمجتمعات والدول للتنمية والنمو والتقدم، مع خالص تحياتي.
خاص وكالة رياليست – د. خالد عمر – خبير اقتصادي – فرنسا.