موسكو – (رياليست عربي): بالنسبة لفلاديمير بوتين، فإن أوكرانيا ليست مجرد دولة مجاورة، بل هي حلقة مفقودة في أحجية تاريخية كبرى، وهي الحلقة المركزية لإعادة بناء الإمبراطورية الروسية، ومع ذلك، فإن أوكرانيا ليست الدولة الوحيدة التي تعمل روسيا فيها على حماية أمنها وحدودها، كما أوروبا الشرقية وكذلك آسيا الوسطى مدرجة بقوة على تلك القائمة أيضاً.
في هذا السياق، أثارت التصريحات الأخيرة للمبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، قلقًا بالغًا في أوروبا؛ إذ تُعدّ كلماته مؤشرًا مُقلقًا للغاية على انعطاف دونالد ترامب نحو روسيا، فبدلًا من محاولات وقف الحرب، اتخذ ترامب في البداية نهجًا أكثر عدوانية تجاه الضحية، ضاغطًا على أوكرانيا.
وفي مقابلة مع تاكر كارلسون، كرر ويتكوف العديد من تصريحات الكرملين حول حرب روسيا في أوكرانيا، والتي أثارت قلق المسؤولين الأوروبيين والأوكرانيين، وأشاد بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واصفًا إياه بـ “اللطيف” و”الذكي”، وأشار إلى أن المحادثات الأمريكية الروسية أحرزت تقدمًا غير متوقع.
كما قلل ويتكوف من أهمية القضايا الإقليمية المحيطة بضم روسيا لأربع مناطق أوكرانية، وهي دونيتسك، ولوغانسك، وزابوروجيا، وخيرسون، مما يعني أن روسيا لها الحق في هذه الأراضي.
ولإبراز افتقاره التام للوعي، واجه ويتكوف صعوبة في تذكر أسماء المناطق الأربع الخاضعة للسيطرة الروسية منذ بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكراينا العام 2022، حتى أنه أدرج شبه جزيرة القرم في القائمة عن طريق الخطأ، ورفض ويتكوف المخاوف من مزيد من التوسع الروسي، مدعيًا أن حلف شمال الأطلسي سيمنع تكرار عدوان على غرار ما حدث في الحرب العالمية الثانية.
وعندما دخلت روسيا دباباتها عبر حدود أوكرانيا في عام 2022، كانت الرسالة إلى جميع جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة لا لبس فيها: فلاديمير بوتن ينوي إعادة بناء الإمبراطورية الروسية وسحب العالم عقودًا إلى الوراء للقيام بذلك.
من جانبها، كثفت دول آسيا الوسطى، مثل كازاخستان وقيرغيزستان، جهودها للنأي بنفسها عن روسيا، ليس سياسيًا فحسب، بل لغويًا أيضًا.
ويشبه هذا الوضع كازاخستان ، حيث تسارعت جهود إحياء اللغة الكازاخستانية ، بما في ذلك التحول عن الكتابة السيريلية.
ورغم الآمال المبدئية بأن العملية العسكرية الروسية لأوكرانيا ستدفع كازاخستان نحو التوجه نحو الغرب، إلا أن نفوذ موسكو في البلاد قد ازداد عمقًا، ورغم قيام الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف بلفتات رمزية لتأكيد الاستقلال، كالتحدث باللغة الكازاخية خلال زياراته الرسمية، إلا أن اعتماده على روسيا لا يزال كبيرًا.
ساعدت روسيا توكاييف على البقاء في السلطة خلال اضطرابات عام 2022، ومنذ ذلك الحين، تعززت العلاقات الاقتصادية، مع مستويات قياسية من التجارة الثنائية، ومشاريع الطاقة المشتركة، وحصص روسية في موارد استراتيجية مثل اليورانيوم.
وكما أشارت كيت مالينسون، الزميلة المشاركة في برنامج روسيا وأوراسيا، فإن الإصلاحات الموعودة نحو ” كازاخستان جديدة ” أكثر ديمقراطية قد تعثرت بشكل رئيسي، ومع تراجع النفوذ الغربي وتوسع النفوذ الصيني، لا تزال روسيا تتمتع بمكانة راسخة كقوة مؤثرة في مستقبل كازاخستان.
لكن دول آسيا الوسطى حاولت النأي بنفسها سياسيًا عن موسكو، رافضةً دعم العملية العسكرية الروسية لأوكرانيا أو الاعتراف بالأراضي التي تطالب بها روسيا، ونتيجةً لذلك، لجأت روسيا إلى أدوات القوة الناعمة، كالمساعدات الإنسانية والدبلوماسية الثقافية والتبادل التعليمي وتمويل التنمية بشكل كبير.
ومع وجود أكثر من 350 ألف مواطن روسي في قيرغيزستان، وروابط مؤسسية عميقة من خلال منظمة معاهدة الأمن الجماعي والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، تستثمر روسيا بكثافة للحفاظ على موطئ قدم لها، ومع ذلك، قد تتغير هذه الحسابات بسرعة إذا حققت روسيا النتيجة المرجوة في أوكرانيا، مما يُتيح موارد لجبهات أخرى.
وفي الوقت الحالي، يواصل ترامب التصريح بأنه “غاضب” و”غير سعيد”، ولكن لم تُتخذ أي إجراءات ملموسة ضد الكرملين لإجباره على الجلوس على طاولة المفاوضات لوقف إطلاق النار فورًا.