دمشق – (رياليست عربي): لعبة بوكر روسية، بطلها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي اتخذ مساراً واضحاً لجهة تبنيه خيار الحرب ضد أوكرانيا، الأمر الذي يُمكن وضعه، في إطار تحدٍّ واضح للإرادات الأمريكية والغربية، والذين بدورهم يحاولون تأطير الخيارات الروسية، عبر التلويح بالعقوبات، لزيادة تكلفة أي مغامرة عسكرية، على غرار ما حدث في جورجيا والقرم.
فلاديمير بوتين، وضع الخيار العسكري في قائمة أولوياته، ليس لأن الخيارات الدبلوماسية استُنفذت، وفشلت في تحقيق المصالح الروسية، ليلجأ إلى القوه بهدف انتزاع ما يريد، لكن يبدو أن بوتين دُفع إلى خيار الحرب من قبل الغرب، الذي أغلق باب التسويات مبكراً مع موسكو، وفي ذات الإطار، يُمكن القول بأن الروس والغرب دُفعا معاً بهذا الاتجاه، بعدما رفعا سقف شروطهما. فبالنسبة لموسكو أصبح قرار الحرب أقل ضرراً من قرار التراجع، وأما الغرب فباتت المواجهة أقل ضرراً من تلبية مطالب موسكو غير الواقعية، بحسب توصيفات الساسة الأوربيين.
في ذات السياق، فإنه من المبكر القول، بأن بوتين وقع في المصيدة الأوكرانية، وإن كان قرار الحرب تنطوي في بعض جزئياته بوادر تسرع روسي، لكن في العمق، ومن زاوية الخطوات الاستباقية، فقد شكل قرار الحرب في الجوهر والمضمون، تعطيلاً غربياً أمريكياً للضغوط تجاه موسكو، الأمر الذي سيُعطى بوتين مزيداً من الوقت، من أجل فرض تغيير كبير في الوقائع الميدانية، وربطها بما يريده سياسياً، ولكن بالرغم من غياب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والناتو، لا يبدو بوتين المندفع عسكرياً قادراً على استغلال فرصته وحسم المعركة مبكراً.
دليل ما سبق، وضمن استراتيجية الحروب، فإن بوتين يتجنب الخوض في حرب المدن، فهو يعلم جيداً، أن الدخول إلى كييف ستكون له نتائج قد لا تتحملها موسكو، فالتكاليف قد ترقى إلى تسجيل خسائر كبيرة، والأرجح أن الرأي العام في موسكو، لن يتقبل تلك الخسائر، كما أنه أيضاً يرفض إزهاق أرواح المدنيين في كييف، أو أي مدينة أُخرى، كما أن إحتلال العاصمة الأم للعرق السلافي، ومهد كنيسته وتدميرها، سيجعل التسوية مع أي سلطة أوكرانية تفرضها موسكو مستقبلا مستحيلة، وستواجه برفض شعبي، وسيعزز الانقسام بين بعض أطراف الشرق وبقية الأوكران، وهذا أقرب إلى حرب أهلية.
من هنا يظهر جلياً، رهان القيادة الروسية على الجيش الأوكراني، لتجنب الوقوع في حقل ألغام تكتيكية واستراتيجية، فالمأزق الروسي سيتسع إذا تأخر الحسم خصوصاً إذا صمدت العاصمة كييف، أو أجبرت الروس على دخولها بالقوة، ما يعني أن الجيش لن يستسلم وسيخوض معاركه دفاعاً عن المدن الأوكرانية، ما يجعل ما تسميه موسكو انتصاراً تكتيكياً أشبه بهزيمة استراتيجية. فاحتلال كييف دون السيطرة على كامل التراب الأوكراني، سيسمح للجيش الأوكراني الحفاظ على مناطق تحت سيادة الدولة، وهذا قد يدفع موسكو إلى قرار الاحتلال الكامل، ما يتطلب وقتا طويلا وكلفة مادية مرتفعة.
ضمن ما سبق، يُمكن القول، بأن معضلة أوكرانيا، تكمن في الجغرافيا التي فُرضت عليها، لتكون ضحية دوامة لا متناهية من الصراعات، فكلما استعانت بالمظلة الأطلسية زادت التهديدات الروسية لها، خاصة أن موسكو تعتبر توسيع حلف الناتو شرقاً، هو تهديد لأمنها القومي على غرار التهديد الكوبي للولايات المتحدة، وذلك إبان الحرب الباردة.
وبالتالي، فإن مأساة أوكرانيا تكمن أيضاً في عدم إحساسها باستعداد الدول الغربية لحمايتها بما يكفي، حيث تنتقد العراقيل التي توضع أمام رغبتها في الانضمام إلى الناتو أو تزويدها بمنظومات أسلحة متطورة. وهنا يحضر قوياً، ما قاله الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينكسي، في حوار لصحيفة لاريبوبليكا، والذي اتهم بشكل خاص ألمانيا التي تمنع حسب رأيه، تسليم بلاده أسلحة دفاعية. وقال موضحا منعتنا ألمانيا مؤخرًا من الحصول على شحنات بنادق مضادة للطائرات المسيرة وأنظمة مضادة للقنص في إطار التعاون مع حلف شمال الأطلسي، وهي أسلحة دفاعية بحتة.
ختاماً، لا يبدو أن الثلج سيطول أكثر من أسابيع قليلة، ليظهر المرج واضحاً.
خاص وكالة رياليست – أمجد إسماعيل الآغا – إعلامي وكاتب سياسي سوري.