موسكو – (رياليست عربي): تشهد الأجواء النووية الإيرانية تطوراً جديداً مع إعلان طهران موافقتها على مواصلة الحوار مع الدول الأوروبية، في خطوة قد تشكل منعطفاً مهماً في المسار التفاوضي المتعثر منذ أشهر. هذا القبول الإيراني يأتي بعد سلسلة من التصريحات المتبادلة والاتصالات السرية التي جرت على مدار الأسابيع الأخيرة، في محاولة لكسر الجمود الذي سيطر على الملف النووي منذ انهيار مفاوضات فيينا الأخيرة.
المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، أكد في مؤتمر صحفي أن بلاده “ستواصل الحوار البناء مع مجموعة E3 المكونة من فرنسا وألمانيا وبريطانيا”، معرباً عن توقعاته بأن تؤدي هذه المحادثات إلى “اتفاق متوازن يحفظ الحقوق النووية المشروعة لإيران وفقاً لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية”. وأضاف كنعاني أن طهران “تنتظر من الجانب الأوروبي إظهار النوايا الحسنة بالمقابل”، في إشارة واضحة إلى مطالب إيران برفع بعض العقوبات الاقتصادية كشرط مسبق لأي تقدم في الملف النووي.
هذا التطور الدبلوماسي يأتي بالتزامن مع زيارة سرية قام بها المبعوث الأوروبي إنريكي مورا إلى طهران الأسبوع الماضي، حيث التقى بعدد من المسؤولين الإيرانيين رفيعي المستوى، بمن فيهم نائب وزير الخارجية علي باقري كني، الذي يشرف على الملف النووي. مصادر دبلوماسية أوروبية كشفت أن هذه الزيارة ركزت على بحث “إطار زمني جديد” لاستئناف المفاوضات، مع مناقشة “خطوات بناء الثقة” التي يمكن أن تسبق العودة إلى طاولة المفاوضات.
على الأرض، تشير تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن إيران واصلت تخصيب اليورانيوم بنسبة 60% في منشأة فوردو تحت الأرض، وهي نسبة قريبة من درجة التخصيب اللازمة لصنع الأسلحة النووية التي تبلغ 90%. كما أظهرت صور الأقمار الصناعية نشاطاً غير عادي في مجمع ناتانز النووي، حيث يبدو أن إيران تقوم بتوسيع قدراتها في تخصيب اليورانيوم باستخدام أجهزة الطرد المركزي المتطورة من طراز IR-6.
في المقابل، يرى محللون أن قرار طهران الموافقة على مواصلة الحوار مع أوروبا قد يعكس رغبة إيرانية في تخفيف الضغوط الدولية، خاصة في ظل التدهور الاقتصادي الحاد الذي تعانيه البلاد بسبب العقوبات الأمريكية والأوروبية المشددة. فالعملة الإيرانية (الريال) فقدت أكثر من 60% من قيمتها خلال العام الماضي، بينما تجاوز معدل التضخم 50%، مما تسبب في أزمات معيشية خانقة للمواطنين.
من جهة أخرى، أعربت الولايات المتحدة عن موقف حذر من هذه التطورات، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية: “نرحب بأي جهد دبلوماسي جاد، لكننا نصر على أن إيران يجب أن تظهر التزاماً حقيقياً بالعودة إلى الاتفاق النووي الأصلي”. وأضاف أن واشنطن “ستواصل سياسة الضغط القصوى” حتى تثبت طهران نواياها السلمية عبر “إجراءات ملموسة وليس مجرد وعود”.
في السياق الأوروبي، أعلنت الدول الثلاث (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) في بيان مشترك أنها “ترحب بالخطوة الإيرانية الإيجابية”، لكنها شددت على أن “الكلمات يجب أن تترجم إلى أفعال”. ودعت الدول الأوروبية طهران إلى “وقف التصعيد النووي فوراً” و”التعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، كشرطين أساسيين لأي تقدم في المفاوضات.
الخبراء الاستراتيجيون يختلفون في تقييمهم لهذا التطور، حيث يرى بعضهم أن إيران تبحث عن مخرج من الأزمة الاقتصادية عبر فتح قنوات اتصال مع أوروبا، بينما يحذر آخرون من أن طهران قد تستخدم المفاوضات كغطاء لمواصلة تقدم برنامجها النووي. ويشير تحليل حديث لمركز دراسات الشرق الأوسط في لندن إلى أن إيران “تمارس دبلوماسية المماطلة” بينما تواصل تراكم مخزونها من اليورانيوم المخصب.
المشهد الحالي يطرح العديد من الأسئلة حول مستقبل الملف النووي الإيراني، خاصة في ظل التصريحات المتباينة من الأطراف المختلفة. فبينما تبدو إيران مستعدة للحوار، فإنها تواصل تصعيدها النووي على الأرض. وبينما تظهر أوروبا حماساً لاستئناف المفاوضات، تبقى الولايات المتحدة متشككة في النوايا الإيرانية. هذا الوضع المعقد يجعل من الصعب التنبؤ بما إذا كانت هذه الخطوة ستمهد الطريق فعلاً لعودة المفاوضات الشاملة، أم أنها ستكون مجرد جولة أخرى من المماطلة الإيرانية في لعبة كسب الوقت.
