دمشق – (رياليست عربي): أطبقت الولايات المتحدة على العالم الجديد منذ حل مشكلة الصواريخ الكوبية وقبلها إجهاض مفهوم الثورة في أمريكا الجنوبية، وأنجز كينيدي الحل السلمي ثم تم اغتياله حتى تعود التوليتاريا العسكرية التي استثمرت وجه الدبلوماسية على أكمل وجه، فتعود لواجهة الحكم بين قطبي سباق النفط وسباق التسلح لأن السيطرة تتطلب توازن الرعب ونفوذ الثروة، ودون المرور بنتائج ما تلا ذلك من تبعات استنزاف حرب النجوم التي أثمرت عن سقوط الاتحاد السوفيتي والمحور الموازي له في أوروبا بلعبة الديمقراطية ذاتها التي فتحت الحرب في آسيا وإفريقيا لاحقاً والتي تستمر حتى اللحظة.
أ. ميس الكريدي – عضو اللجنة الدستورية المصغرة عن المجتمع المدني
وهكذا فالعالم القديم، أوروبا التي شاخت حتى في وصولها إلى أقصى ما يمكن من تقدم فلم يعد هناك المزيد يمكن منحه لسياساتها فقد بلغت كل الإنجازات وبقيت بريطانيا تحاول أن تشكل جزيرة لبقايا الراديكالية التي تحافظ على وجه انكلترا كزعامة سياسية مكرسة بانتصار العسكرية المفاوضة التشرشلية والتي ثبّتت علاقات الديموغرافيا.
بالأفيون الذي وزعته على شعوب مستعمراتها وعادات الطبقات الارستقراطية المرتبطة بها ذهنياً بشكل أو بآخر وماعدا ذلك توابع تامة في السياسة الخارجية (ألمانيا وفرنسا) خاضعة للقوة الجديدة في العالم الجديد.
ورغم فظاظة الولايات المتحدة في قذف بريطانيا خارج الأسوار في مرحلة مابعد (بل كلينتون وتوني بلير)، حيث دخل بلير مع جورج بوش إلى العراق و من ثم أخرجت بريطانيا خالية الوفاض من العراق، إلا أن تلك الراديكالية مازالت تحفظ ماء وجهها حتى اللحظة.
وتلك المقدمة مفادها الوصول إلى الخيارات التي تشبه رقصة الموت التي اختارتها ألمانيا وفرنسا على اعتبار أنهما قائدتان في حلف شمال الأطلسي عبر دعم الربيع العربي على اختلاف الأسباب لكل منهما ليتضح أن الوزن تحدده الوظيفة بالنسبة للولايات المتحدة وبذلك يكون الإسلام السياسي “السني” حصراً هو حصان طروادة للمرحلة القادمة، حيث تركيا بعد استبعاد من يرون في فواصل الحدود الديموغرافيّة استقراراً أي بينهم وبين إيران (الشيعية) أصبحت تحقق البعد المثالي لتكريس المحور “السني”، على خط طريق الحرير الصيني أو أي طريق اقتصادي آخر للصين.
ولذلك فالحرب “السنية – الشيعية” ليست غاية ولكنها ضرورة لإبقاء العالم الاسلامي في حالة اضطراب وتفكك على الدوام وكذلك لعزل الجمهورية الإسلامية الإيرانية عبر صراعات دائمة داخلاً وخارجاً لأهمية موقعها بين الشرق الأدنى والأوسط والأقصى خوفاً من تحولها إلى عامل استقرار للمنطقة مما يشكل ضربة للمخطط الأمريكي والتي تشعل حرب إعلامية وفعلية لتقنع العالم بعكس ذلك.
كما أنها تريد تفكيك علاقة إيران مع روسيا بأي شكل لكشف ظهر روسيا في الشرق من خلال الضغط على موسكو بالحالة الإسلامية السياسية “السنية” والتي في تاريخ روسيا القيصرية أضعفت الحكم واستنزفته تماماً وعادت في العهد الروسي بعد الاتحاد السوفيتي للمهمة ذاتها وما تزال حتى اليوم القنبلة الموقوتة الجاهزة والتي نشهد إرهاصاتها الآن، وأقول إرهاصات لأنها البداية.
المطلوب عالمياً للمواجهة في حرب استنزاف عالمية قد يكون لابد منها تحالف روسي – صيني “سبق وتحدثنا عنه”.
العسكر والتكنولوجيا
كلا الدولتين تعلمان أن هذه ستكون شرارة البدء بحرب الاستنزاف العالمية التي تريدها الولايات المتحدة الأمريكية لذلك ما تزال حتى اللحظة بالإطار الدبلوماسي والاقتصادي، لعلم الدولتين بأن الإسلام السياسي “السني” سيحارب بالوكالة عن الولايات المتحدة بدءاً من أفغانستان التي اعتبر البعض خروج الولايات المتحدة منها هزيمة لها بينما هو تكتيك بعدما تركوا أطنان من الأسلحة والإرهاب الجاهز لحرب الجميع تحت ستار معاداة أمريكا، وأمريكا في الشمال البعيد المسيطر على كل العالم الجديد النائي عن صراعات العالم القديم وذو الحدود الديموغرافية المقطوعة مع ذلك العالم القديم (آسيا – إفريقيا – أوروبا)، وأما المعضلة السورية فتكمن في عدة قضايا جوهرية:
أولاً، القيادة الأرثودوكسية الدينية في سورية: هذا ما يفسر العمل الحثيث على تهجير مسيحيي سورية ومن ثم محاولة إلحاقهم بقسد التابعة للولايات المتحدة في شرق الفرات بعد تفكيك العراق ومآسي السريان والآشوريين بين الدولتين وتهجير قرى الخابور وما إلى ذلك من تفاصيل.
ثانياً، ضرب العلاقات الروسية – الإيرانية بأي شكل عبر محاولة يائسة وأقول يائسة لأنها تحمل مقتلاً سياسياً لكلا الدولتين، من خلال زج روسيا عبر المحاور المتدخلة من إسرائيل إلى الخليج بمفاوضات تحت شعار تفكيك الوجود الإيراني في سورية لإتمام التسوية والتي لعبت الدولة السورية دوراً مهماً في كشف المخطط وفضحه والتمسك بمحور تحالفاتها رغم التدمير الممنهج الذي كان يريد نزعها بالكامل عن خريطة العالم لإسقاط دورها في ربط المحورين الإقليمي والدولي والتصعيد الحاصل حصيلة نجاح سورية في فضح المخطط فالعلاقات الروسية – السورية ثابتة والإيرانية – السورية أيضاً، ومؤخراً توجهت الصين إلى الإفصاح الواضح بخطوات متقدمة.
ولعل ضرب ميناء اللاذقية هو نتيجة لذلك الإفصاح.
خاص وكالة رياليست – أ. ميس الكريدي – كاتبة سوريّة – عضو اللجنة الدستورية المصغرة عن المجتمع المدني .
