القاهرة – (رياليست عربي): أعلنت أسطورة الغناء الإيراني ونجمة موسيقى البوب “جوجوش (گوگوش)” البالغة من العمر 73 عاماً يوم الخميس 13 سبتمبر 2023، في رسالةٍ مصورةٍ نشرتها عبر حساباتها الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان “الفصل الأخير”، عن آخر جولة غنائية لها واعتزال الساحة الفنية.
وخاطبت جوجوش جمهورها في هذا المقطع المصور قائلة: “جولة اعتزالي من موطن موهبتي (المسرح)؛ حيث المكان الذي شاطرتكم فيه أحلى ذكريات حياتي منذ بداية مشواري، حتى إنني قيَّمتُ نفسي وتعرفتُ عليها من طريقة نظراتكم إلى أن حلقتُ عاليًا”.
وأضافت جوجوش: “لقد كان قرارًا عاقلًا لكنه صعب مثل العديد من القرارات الصحيحة. ربما إذا كان الأمر بيدي، فما كنتُ اِعتزلتُ، وجئتُ إلى رؤيتكم مرة أخرى، وتوجهتُ إلى المدن التي اعتليتُ فيها خشبة المسرح طوال 23 سنة، وواصلتُ مسيرتي معكم. لذا فأنا ممنونة وممتنة لكم أيضًا. سوف ألتقي بكم حتى أغني لكم بكل ذرة في كياني أجمل أغانينا الإيرانية لآخر مرة. سأذهبُ إلى رؤيتكم مشتاقة ومتوترة، ولكن محبة أيضًا يا مَن سافرتم معي منذ البداية، أو سافرتم معي من كل مكان طيلة 70 عامًا.. يا مَن وهبتم فنانتكم (جوجوش) عمرًا ثانيًا.. يا مَن شاهدتموني وسمعتموني”.
وختمت جوجوش رسالتها قائلةً: “عسى أن تكون آخر محطة لنا في زمنٍ لم أكن قد ولدتُ فيه بعد، لكن قمر (الملوك) كانت تشدو.. عسى أن تكون آخر محطة في هذا الفصل هي محطة الحرية لصوت المرأة الإيرانية كي يحل يوم الحرية لإيران وللإيرانيين.. الآن ودائمًا حتى النصر.. امرأة، حياة، حرية”.
وعلقت جوجوش على الرسالة المصورة بأن جولتها الغنائية الأخيرة سوف تبدأ يوم 23 سبتمبر في إحدى مدن كاليفورنيا الشمالية، وتمنت أن يأتي يومًا وتنتهي هذه الجولة في إحدى مدن إيران الشمالية حيث موطنها الأم.
وقد تضمنت رسالة جوجوش حنينًا إلى الماضي؛ حينما كانت المرأة الإيرانية تتمتع بحريتها، ولم يُكمم فوها أو يُخرس صوتها، فقد تمنت جوجوش أن تكون آخر محطة لها في زمن المطربة الإيرانية الشهيرة “قمر الملوك فازيري (قمر الملوك وزيرى 1905: 1959) الملقبة بـ “عندليب الغناء الإيراني”، وهي أول امرأة إيرانية تعتلي مسرحًا دون حجاب، وتغني في “الفندق الكبير” بطهران على الملأ عام 1924، وكانت وقتها تبلغ 19 عامًا.
وتعد قمر الملوك واحدةً من أشهر المطربات الإيرانيات في مجال الغناء التراثي، وقد استطاعت من خلال هيمنتها على هذا اللون الغنائي أن تدشن بشجاعةٍ كبيرةٍ حركةً ثوريةً في سبيل حصول المرأة الإيرانية على بعضٍ من حقوقها المسلوبة في بلادها.
كما تضمنت الرسالة المصورة تضامن جوجوش مع المرأة الإيرانية في نضالها ضد النظام القائم، وأملها في أن يحل يومًا تنال فيها إيران وشعبها الحرية، حيث ختمت الرسالة بالشعار الشهير “امرأة، حياة، حرية (زن، زندگی، آزادى)”.
وكانت جوجوش قد أطلقت يوم 15 سبتمبر أغنية “يا ابن وطني (هموطن)” عبر قناتها الشخصية على موقع “اليوتيوب”، بالتزامن مع الذكرى الأولى لوفاة الفتاة الإيرانية كُردية الأصل “مهسا أميني” في 16 سبتمبر 2022، بعد أن اعتقلتها “شرطة الأخلاق” بتهمة ارتداء الحجاب بصورة “غير مثالية”، وأوسعتها ضربًا أدى إلى إصابتها بسكتة دماغية أودت بحياتها.
أغنية “هموطن” من ألحان وتوزيع “رِزا روحاني (رضا روحانى)”، وهي غنوة حماسية تآزر الشعب الإيراني في صموده أمام النظام الحالي، وتبشر بغدٍ أفضل، وتأتي في إطار العديد من أعمال جوجوش الغنائية الداعمة للحراك الشعبي في إيران ضد الحكومة.
أثار خبر اعتزال جوجوش ردود أفعال واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي بين عشاقها ومعجبيها من جميع أنحاء العالم، وكذلك بين عدد كبير من الفنانين الإيرانيين، وانهالت على الرسالة المصورة آلاف التعليقات متضمنةً عبارات حب وتقدير للمطربة الإيرانية الكبيرة، وأيضًا عبارات حزن وأسف لابتعادها عن الأضواء.
من المقرر أن تشمل جولة جوجوش الأوروبية 6 حفلات؛ أُجريت أول حفلة يوم السبت 23 سبتمبر في مدينة “سان خوسيه” San Jose بولاية كاليفورنيا الأمريكية وسط حضور حاشد من محبيها، وتعقبها الحفلة الثانية يوم السبت 30 سبتمبر في العاصمة السويدية “ستوكهولم” Stockholm، ثم الحفلة الثالثة يوم الاثنين 2 أكتوبر في مدينة “هانوفر” Hannover الألمانية، وبعدها الحفلة الرابعة يوم الجمعة 6 أكتوبر في العاصمة النمساوية “فيينا” Vienna، ثم الحفلة الخامسة يوم الأحد 8 أكتوبر في مدينة “شتوتجارت” Stuttgart الألمانية، وأخيرًا الحفلة السادسة يوم الأحد 24 ديسمبر في مدينة “لاس فيجاس” Las Vegas الأمريكية.
جدير بالذكر أن الصحفي والناقد الموسيقي الإيراني “بِهمن بابا زاده” كان قد نشر في أبريل 2022 تغريدةً له على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” –إكس حاليًا– زعم فيها “أن السيدة جوجوش تعاني منذ فترة طويلة من مرض الباركنسون (الشلل الرُّعاش)، وقد وصلت الآن في صراعها مع هذا المرض إلى مرحلة جديدة تؤثر على أحبالها الصوتية أيضًا، لكنها غير مستعدة مطلقًا إلى الحديث عن مرضها حتى يومنا هذا”.
لم يذكر “بابا زاده” مصدر ادعائه أو مزيدًا من التفاصيل. ومن ناحية أخرى لم تعلق جوجوش على هذه التغريدة، كما أنها لم تنفها أو تؤكدها، والتزمت الصمت، لكن ما يفتح مجال التساؤل حول صحة التغريدة إن جوجوش لم تتطرق إلى سبب الاعتزال في رسالتها المصورة، بل ألمحت إلى أنها مضطرةٌ إلى اتخاذ هذه الخطوة.
على أية حال تمثل هذه جولة الغنائية وداع المطربة الإيرانية المخضرمة لجمهورها العريض حول العالم، سواء من الإيرانيين أو غير الإيرانيين محبي صوتها الماسي، بعد مسيرة فنية طويلة تصل إلى 70 عامًا، شهدت نجاحات وانكسارات، وتألقًا تحت الأضواء حينًا وابتعادًا عنها حينًا آخر.
گوگوش (جوجوش): شادية الألحان
ولدت “فائقة آتَشين” Faegheh Atashin الشهيرة فنيًا باسم “گوگوش” Googoosh ابنة “صابر إبراهيم آتشين” و”نسرين صُبحي نوري” في 5 مايو 1950 بمنطقة “سر تششمة (سرچشمه)” في العاصمة الإيرانية طهران، وهي تنحدر من عائلة أذربيجانية نزحت إلى إيران إبان خضوع “جمهورية أذربيجان الحالية” إلى حكم الاتحاد السوفيتي (جمهورية أذربيجان الاشتراكية السوفيتية 1920: 1991)، وفي الثانية من عمرها انفصل أبواها.
أما عن سبب شهرة “گوگوش” بهذا الاسم، فوفقًا لما تذكره هي بنفسها في حديثها مع الصحفية والمذيعة الإيرانية الكبيرة “هُما إحسان” عام 2005، أن أباها كان قد انتقى لها هذا الاسم، لكن إدارة السجل المدني امتنعت عن تسجيله في شهادة الميلاد بسبب غرابته، وطلبت من أبيها أن يختار اسمًا إيرانيًا أو عربيًا، وفي النهاية اختاروا لها اسم “فائقة”، لكن ظل الجميع في المنزل والأماكن غير الرسمية يخاطبونها باسم “گوگوش”.
وقيل إن “گوگوش” اسمٌ أرمنيٌ يُسمى به الذكور لا الإناث، ويعني “قوي”، وكانت مرضعة گوگوش الأرمنية تناديها به. وقيل أيضًا إنه اسمٌ أذربيجانيٌ، ويعني بالتركية الآذرية “صقر الصيد”. لكن بعد بحث دقيق من جانبي، اتضح أن “گوگوش” اسم فارسي خالص يتكون من مقطعين؛ المقطع الأول (گو) بمعنی (قائل)، والمقطع الثاني (گوش) أو (گوشی) بمعنى (لحن موسيقي) أو (مفتاح ضبط الأوتار في الآلات الموسيقية)، وبهذا يرادف المقطعان مجتمعان معًا “شادية الألحان”، وهو اسم يتسق مع صوت گوگوش العذب قلبًا وقالبًا.
رحلة جوجوش فی عالم الفن
المسيرة الفنية لجوجوش تشبه إلى حد كبير المسيرة الفنية للنجمة المصرية المحبوبة “لبلبة”، فكلاهما احترفتا الفن في سن صغيرة، ومضتا مجمل عمريهما في محراب الفن، والفارق بينهما أن جوجوش ترکت التمثیل وسطع نجمها في عالم الغناء، أما لبلبة فقد تركت الغناء وتألقت في عالم التمثيل.
كان “صابر آتشين” والد جوجوش له فضل كبير في تشكيل هوية ابنته الفنية وثقل موهبتها، فقد كان فنانًا استعراضيًا يقدم عروضًا بهلوانية وكوميدية على مسارح طهران قبل دخوله عالم السينما، وكان يصطحب جوجوش معه كي تشاركه في هذه العروض.
بدأت موهبة جوجوش في الغناء والاستعراض تظهر وهي في الثالثة من العمر، حيث شرعت في تقليد المطربات والراقصات المحترفات ببراعة شديدة. ولما بلغت سن الخامسة أي عام 1955، بدأت تشارك أبيها في عروضه البهلوانية حتى أصبحت بطلة العرض الأساسية، وتتقاضى ضعف أجره. قدمت جوجوش أول تجربة غنائية لها عام 1958 من خلال المشاركة بالغناء في البرنامج الإذاعي الشهير آنذاك “صباح الجمعة معكم (صبح جمعه با شما)” الذي كان يُبث عبر أثير الإذاعة الإيرانية، وكانت وقتها تبلغ 8 سنوات.
وتقول جوجوش في حوارها مع الكاتبة والصحيفة الإيرانية “هُما سَرشار” عام 2022 عن هذه الفترة من حياتها: “إن أبي له تأثير إيجابي وسلبي عليَّ، لكن تأثيره الإيجابي كان أكبر من السلبي. تأثيره السلبي هو أنه لم يكن على دراية جيدة بتربيةٍ طفلةٍ صغيرةٍ، فقد كان له روح فنان، وأعتقدُ أن أبي إذا لم يكن موجودًا، ولم يصحبني إلى المسرح، ويجعلني أمثل معه على خشبة المسرح، ربما كنتُ اليوم طبيبة نفسية لأنني كنتُ أتوق إلى الذهاب للجامعة كي أصبح طبيبة نفسية. تأثير أبي السلبي في تلك المرحلة تحول فيما بعد لصالحي، لهذا السبب أنا ممتنة له”.
سنوات التألق قبل الثورة الإيرانية
نجمة السينما
بدأت جوجوش مشوارها في عالم التمثيل وهي طفلة صغيرة تبلغ من العمر 10 سنوات، وكان أول أفلامها “الخوف والأمل (بيم واُميد)” من تأليف وإخراج الإيراني عراقي الأصل “جورج عوبديا” عام 1960، ثم شاركت أباها في تمثيل بعض الأفلام.
تألقت جوجوش على شاشة السينما الإيرانية من خلال عدد من الأدوار الناجحة، ووصلت إلى ذُروة شهرتها كنجمة سينمائية لامعة في أفلام: “مَمَل الأمريكي (ممل آمریکایی)” من تأليف وإخراج “شابور غريب (شاپور قریب)”، و”ليلة الغرباء (شب غريبان)” من تأليف وإخراج “محمد دِلجو”، و”رفيق السفر (همسفر)” من تأليف وإخراج “مسعود أسد اللهي”، وجميعها أُنتجت عام 1975، ثم فيلم “شهر العسل (ماه عسل)” من تأليف وإخراج “فِريدون جوليه (فريدون گُله)”، وشارك في كتابته “صدر الدين إلهي”، وتم إنتاجه عام 1976.
لعب دور البطولة أمام جوجوش في أفلام “مَمَل الأمريكي، ورفيق السفر، وشهر العسل”، الممثل الإيراني المعروف “بِهروز فوسوغي (بهروز وثوقي)”، وخلال هذه الفترة أُضرمت شرارة الحب بين الاثنين وتزوجا، لكن هذه الزيجة لم تستمر سوى سنة واحدة.
من أبرز أعمال جوجوش على الشاشة الفضية، فيلم “بىتا” عام 1972، وهو من تأليف الكاتبة “جولي ترغی (گُلی ترقی)” وإخراج “هاجير داريوش (هژیر داریوش)”، وبطولة عزت الله انتظامي، وسنا زیائیان (سنا ضيائيان)، ومَهین شَهابي، وبارفانة معصومي (پَروانه معصومی).
حصلت جوجوش عن دورها في هذا الفيلم على جائزة أفضل ممثلة دور أول من مهرجان “سِپاس” السينمائي؛ وهو مهرجان إيراني غير حكومي كان يُقام قبل الثورة بالتعاون مع وزارة الثقافة والفنون (وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي حاليًا).
تدور الأحداث الفيلم، حول الفتاة “بيتا (جوجوش)” التي ترعى أباها المريض، لكن أمها لا تعبأ بأمرهما. بيتا تحب صحفيًا مستنيرًا يُدعى “كوروش (سنا زيائيان)”، لكن كوروش لا يبادلها المشاعر نفسها. بعد وفاة والد بيتا وسفر كوروش إلى الخارج، تتشح الدنيا بأثواب السواد في عينيّ بيتا، وتُجبر على الزواج برجلٍ لا تحبه. بعد فترة من الوقت تعرف بيتا أن كوروش قد عاد إلى البلاد، فتذهب إليه، لكنه يرفضها للمرة الثانية، وينصحها بأن تفكر في أسرتها. هذه الليلة كانت الأقدار تخبئ لبيتا مصيرًا لم تكن تتوقعه.
قدمت جوجوش 28 فيلمًا؛ كان آخرها فيلم “طوال الليل (در امتداد شب)” عام 1977، وهو من تأليف وإخراج “بارفيز صياد (پرویز صیاد)”، وبطولة سعيد كانجراني (سعید کنگرانی)، ومحبوبة بیات، وجهانجير فروهر (جهانگیر فروهر)، ومليحة نظري، وناصر ممدوح. حقق هذا الفيلم نجاحًا جماهيريًا كبيرًا، حيث يعتبر الأعلى إيرادًا في تاريخ السينما الإيرانية قبل الثورة.
تدور أحداث الفيلم حول المغنية والممثلة المشهورة “بارفانة (جوجوش)” المتيم بها شاب جامعي يُدعى “باباك (سعيد كانجراني)”. باباك يتوق إلى رؤية نجمته المفضلة، فيراسلها متمنيًا أن تلقاه. تحقق بارفانة أمنية باباك، وتذهب إلى لقائه، وبعد أن تتعرف عليه عن قرب وتمضي معه فترة من الوقت تقع في حبه، لكنها تعرف من أم الشاب أنه مصاب بمرض اللوكيميا (سرطان الدم). تقرر بارفانة أن تصحب باباك إلى الخارج حتى يُعالج. حينما يستقل الحبيبان الطائرة، ويضع باباك رأسه على كتف بارفانة، يلفظ أنفاسه الأخيرة.
نجمة موسيقى البوب
قدمت جوجوش أول أغنية خاصة بها عام 1968؛ وهي “قصة وفاء (قصه وفا)” بتوقيع الشاعر “إيرج جَنتي عطايي” والملحن بارفيز مغاصدي (پَرویز مقَصدى)”، كما شرعت في تقديم فقرات غنائية بكُبرى ملاهي طهران.
قدم الشاعران الغنائيان “شَهيار غنبري (شهيار قنبرى)” و”أردلان سَرفراز”، والملحنون “حسن شماعي زاده”، والشقيقان “مانوتشهر وناصر تششم آذر (منوچهر وناصر چشم آذر)”، و”فاروجان هاخبانديان (واروژان هاخباندیان)”، و”أندرانیك أساطوریان” البارزون آنذاك، أجمل أغاني جوجوش وأكثرها نجاحًا في مسيرتها الفنية، مما جعل منها نجمة أغاني البوب الأولى في إيران، ودفع أغلب مطربات هذا اللون الغنائي إلى تقليد أسلوبها.
وصلت جوجوش إلى أوج شهرتها في مجال الغناء خلال حقبة السبعينيات، وتخطت شهرتها حدود إيران إلى الدول الناطقة بالفارسية مِثل طاجيكستان وأفغانستان وأوزبكستان، كما وصلت إلى عدد من الدول الآسيوية مِثل تركيا وأذربيجان، وبعض دول الشرق الأوسط خاصة الخليج، وأصبح لها الكثير من المعجبين في هذه البُلدان. مع مرور الوقت أصبحت جوجوش رمزًا للفن الإيراني حول العالم، ومهدت الطريق إلى غيرها من الفنانين الإيرانيين حتى تتخطى شهرتهم حدود بلادهم.
إلى جانب الاستماع إلى أغانيها ومشاهدة أفلامها، غدت جوجوش أيقونة تقلدها نساء إيران في طراز الملابس “الفساتين والتنانير القصيرة”، وطريقة تصفيف الشعر “الشعر القصير” المعروفة باسم “تسريحة جوجوش”. أغلب تسريحات الشعر القديمة مصنفة حاليًا باسم “جوجوش”.
كان من المقرر أن يُغني المطرب الإيراني المشهور “أفشين مُغدم (افشين مقدم)” أغنية “الرحيل (هجرت)” من كلمات “شهيار غنبري”، وألحان وتوزيع “ناصر تششم آذر”، لكن بسبب وفاة أفشين في حادثةٍ، قامت جوجوش بغنائها. يعتبر بعض نقاد الموسيقى الإيرانية أن “الرحيل” واحدة من أروع الأعمال الغنائية في تاريخ الموسيقى الإيرانية.
أغنية “حكاية سمكتين (قصه دو ماهى)” من أشعار “شهيار غنبري”، وألحان “باباك أفشار (بابک افشار)”، وتوزيع “فاروجان” واحدةٌ من أنجح أغاني جوجوش، ويعتبرها عدد كبير من النقاد بداية الشعر الغنائي الحديث في إيران.
أبرز الألبومات والأغاني
من أبرز ألبومات جوجوش في تلك الفترة: نافذتان “دو پنجره” عام ۱۹۷۰، المستنقع “مُرداب” عام 1971، الجبل “کوه” عام 1972، حكاية سمكتين “قصه دو ماهى” عام 1974، الجسر “پُل” عام 1975، فصل جديد “فصل تازه” عام 1976، نصفي الضائع “نیمه گُمشده من” عام 1977، وغيرها. ضمت هذه الألبومات مجموعة من أجمل أغاني جوجوش وأشهرها في حِقبة ما قبل الثورة، ولا يزال الإيرانيون يرددونها حتى الآن مثل:
غريب مألوف “غریب آشنا”، أنا وأنت “منو تو”، أنا وعصافير البيت “منو گُنجشکای خونه”، الصحراء “کویر”، الطريق “جاده” من كلمات “أردلان سرفراز” وألحان “حسن شماعي زاده”. رفيق السفر “همسفر” من كلمات إیرج جنتي عطایی” وألحان “فاروجان”. “مخلوق” من كلمات “منصور طهراني” وألحان “حسن شماعي زاده”. “مرهم” من كلمات “أردلان سرفراز” وألحان “فرید زولاند”. زهرة بلا مزهرية “گُل بیگُلدون” من كلمات “هوشنج توفيغي (هوشنگ توفیقی) وألحان “بارفيز مقاصدي”، مجاش “نمیاد” من كلمات “آراش سِزافار (آرَش سِزاوار)” وألحان “حسن شماعي زاده”.
إلى جانب كل الأغنيات السابقة، تظل الغنوة الأيقونية “صيحة العشق (لقد أتيتُ): فرياد عشق (من آمدهام)” علمًا على جوجوش، وجوجوش علمًا عليها، فقد ذاع صيتها شرقًا وغربًا، وتُرجمت إلى العديد من اللغات الأجنبية كان من بينها العربية. الأغنية من كلمات “بابا طاهر”، وألحان الموسيقار الأفغاني “جليل زولاند” الذي استلهم لحنها من الموسيقى الفولكلورية الأفغانية.
الغناء بلغات مختلفة
إلى جانب الفارسية، غنت جوجوش بالعديد من اللغات الأخرى كالإنجليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية والعربية، كما شاركت في العديد من المهرجات الموسيقية الدولية، ففي عام 1971 حصلت على الجائزة الأولى من “مهرجان كان الموسيقى” عن غنائها عدد من الأغاني الفرنسية مثل “العودة إلى المدينة” Retour de la ville، و”اِنصت إلى صيحة أحبكَ” J’entends Crier Je T’aime. وفي عام 1973حققت نجاحًا مبهرًا من خلال أداء 12 أغنية بالإيطالية والإسبانية في “مهرجان سان ريمو الموسيقي” بمدينة “سان ريمو” San Remo الإيطالية؛ كان أبرزها وأشهرها الأغنية الإسبانية “منذ فترة طويلة” Desde hace tiempo. وهذه الأغنية قد أُدرجت في قائمة أفضل 10 أغان بأمريكا اللاتينية عام 1973. وكانت المطربة الإيطالية الشهيرة “ميلفا” Milva قد شدت بالنسخة الإيطالية من هذه الأغنية في العام نفسه تحت عنوان “فترة طويلة جدًا” Da troppo tempo، وأصدرتها في ألبوم “نجاحات ميلفا” I Successi Di Milva عام 1977.
أما عن الغناء بالعربية، فتذكر جوجوش في حوارها مع الإعلامية الكويتية “غادة الرزوقي” في مايو 2023 على هامش حفلتها الأخيرة بدولة الكويت، أنها تعشق صوت المطربة اللُبنانية الكبيرة “فيروز” منذ نعومة أظفارها، وتهوى الاستماع إلى أغنياتها، فغنت لها 3 أغنيات؛ “حبيتك بالصيف” من كلمات وألحان “الأخوين رحباني”، و”زوروني كل سنة مرة” من كلمات “محمد يونس القاضي” وألحان فنان الشعب “سيد درويش”، و”بنت الشلبية” من التراث العربي. وكانت جوجوش قد شدت بالأغنيات الثلاث في بغداد عام 1977 أثناء إحيائها حفلة غنائية بمناسبة ذكرى الثورة العراقية. وتقول جوجوش إنها قدمت إلى العراق ضمن وفد فني ضم عددًا من الفنانين والموسيقيين الموفدين من قبل الإذاعة الإيرانية، وكان رئيس الجمهورية وقتها “أحمد حسن البكر” ونائبه “صدام حسين”.
أصدرت جوجوش قبل الثورة الإيرانية 11 ألبومًا بإجمالي 120 أغنية، إلى جانب عدد كبير من الأغاني الفردية. وبعيدًا عن مجالي الغناء والتمثيل، توَّجت جوجوش عام 1974 ملكة جمال إيران بناءً على تصويت الجمهور.
العلاقة بالأسرة البهلافية (پهلوى)
كانت جوجوش من المطربات المقربات إلى الأسرة البهلوية الحاكمة في إيران قبل الثورة، وكانت تُدعى إلى إحياء الحفلات الخاصة بالبلاط الملكي، ففي عام 1976 أحيت حفلةً للجنود الإيرانيين الرابضين على جبهة القتال في سلطنة عُمان إبان ثورة “ظفار”، حيث كان السلطان “قابوس بن سعيد” قد طلب من شاه إيران “محمد رزا بهلافي (محمد رضا پهلوی)” آنذاك المساعدة العسكرية ضد الثوار الشيوعيين في إقليم “ظفار” الواقع جنوبي سلطنة عُمان. كما غنت جوجوش عام 1977 في حفل عيد ميلاد ولي العهد الإيراني “رضا بهلوي” بحضور الشاه وزوجته الشَهبانو “فرح ديبا”.
جوجوش لا تزال على علاقة طيبة بالشهبانو فرح ديبا وابنها رضا بهلوي، ويتقابل ثلاثتهم في العديد من المحافل العامة الخاصة بالإيرانيين خارج إيران، كما تحضر الشهبانو حفلات جوجوش في الولايات المتحدة –محل إقامتها الحالي– من حين لآخر.
أسرة جوجوش
كان لدى جوجوش شقيق أصغر منها يُدعى “فِريدون”، وكانت تحبه حبًا جمًا، ومقربةً منه منذ الطفولة، لكنه كان يعاني من مرض روماتيزم القلب، فتوفى على إثر إصابته بسكتة قلبية في 10 أكتوبر 1976، وكان يبلغ وقتها 24عامًا. كما لديها 3 إخوة من أبيها، وأخ وأخت من أمها.
عقب الثورة الإيرانية، سافر والد جوجوش “صابر آتشين” إلى إسطنبول، واستأنف نشاطه الفني هناك، وفي 24 يناير 1987 توفى على المسرح وهو يؤدي أحد عروضه، فنُقل جثمانه إلى إيران، ودُفن في مقابر جنة الزهراء (مقابر طهران العامة) في القطاع رقم 96، الصف رقم 349، المقبرة رقم 22. أما أمها “نسرين صُبحي نوري” فقد توفيت في 3 أبريل 2003 بالولايات المتحدة ودُفنت هناك.
الحياة الزوجية
تزوجت جوجوش 4 مرات. كانت المرة الأولى عام 1967 من “محمود غُرباني (محمود قربانى)” الملاكم وصاحب فندق وملهى “ميامي” –سيمُرغ حاليًا– الذي كان يعد من أشهر الفنادق والملاهي الليلية في طهران قبل الثورة. أنجبت جوجوش منه ابنها الوحيد “كامبيز”، ثم انفصلا بعد 6 سنوات عام 1972. خلال فترة الزواج، لعب “غرباني” دورًا هامًا في صناعة اسم جوجوش وانتشارها الفني في حِقبة الستينيات. وفي عام 1975 تزوجت من الممثل الإيراني المعروف “بهروز فوثوغي”، وكانا وقتها أشهر ممثلين متزوجين في إيران. لم تستمر هذه الزيجة سوى 14 شهرًا، حيث تم الطلاق عام 1976. وفي عام 1979 تزوجت من رجل الأعمال وصاحب شركات التأمين “هُمايون مصداغي (هُمايون مِصداقى)”، ثم انفصلت عنه بعد 6 سنوات عام 1985. أما الزيجة الرابعة والأخيرة فكانت من المخرج الإيراني المشهور “مسعود كيميايي”؛ وهي الزيجة الأطول في حياة جوجوش، حيث استمرت 14 سنة من عام 1991 حتى عام 2005.
عقب الثورة الإيرانية، سافر “كامبيز” نجل جوجوش بصحبة أبيه إلى فرنسا، ثم توجه إلى الولايات المتحدة، حيث يعيش في لوس أنجلوس حاليًا، ولديه ابنان “دارا” و”مايا”. كان كامبيز يدير شركة حراسات خاصة، ثم توجه إلى الغناء، وتعاون مع مغني البوب “شُهرام كاشاني” المقيم في لوس أنجلوس في أكثر من عمل. ويُقال إن كامبيز من أوائل مَن قدموا موسيقى الهيب هوب الإيرانية من خلال ألبوم “شوكولاتة (شُكُلات)” عام 2009، وحقق نجاحًا ملحوظًا في هذا اللون الغنائي.
سنوات الانزواء بعد الثورة الإيرانية
بعد اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979 وقيام “الجمهورية الإسلامية” في البلاد، طرأت تغيُّرات جَذرية على جميع المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها، وكان الفن من أبرز هذه المجالات التي طالتها رياح التغيير وعبثت بملامحها. فقد مُنعت موسيقى البوب وغناء النساء في الأماكن العامة، وفُرضت قيودٌ شديدةٌ على كل الأشكال الفنية من موسيقى وغناء وتمثيل وغيرها، مما دفع أغلب الفنانين الإيرانيين إلى الهجرة من إيران. کانت جوجوش في الولايات المتحدة آنذاك، لكنها فضلت العودة إلى بلادها والانزواء، حيث تقول في حديثها مع الإعلامية الإيرانية “هُما إحسان” عن معاناتها خلال سنوات الثورة الأولى: “قبل فترة وجيزة من قيام الثورة، ذهبتُ إلى رؤية ابني في فرنسا، لكن الأحداث المتلاحقة قبل الثورة حالت دون عودتي إلى إيران، ثم ذهبتُ إلى لوس أنجلوس بدعوةٍ من المطربة (پوران) حتى أحيي ليلةً بمناسبة افتتاح ملهى هناك، فامتدت الليلة الواحدة إلى 9 ليال، وعلى عكس الاتفاق، لم أتقاض أجرًا، فعلقتُ في لوس أنجلوس حائرًا، مفلسةً، دون جواز سفر، ثم قدمتُ إلى نيويورك بمساعدة صديقٍ، ومكثتُ هناك لمدة شهرين ونصف الشهر. كل هذا جعلني أعود إلى إيران على الرغم من إدراكي لكل المخاطر”.
عقب عودة جوجوش من الولايات المتحدة، اُستدعيت إلى محكمة الثورة عدة مرات، واُستجوبت في نيابة سجن “إيفين (اِوين)” الخاص بالمعتقلين السياسيين، وظلت هناك لمدة شهر إلى أن أُطلق سراحها، لكن لم يُسمح لها أو لغيرها من المطربات وكذلك المطربين من الظهور في أية مراسم عامة.
على الرغم من القيود التي فرضها النظام الإيراني على الفن والفنانين، ظلت أعمال جوجوش الغنائية المسجلة والمصورة متاحة بوفرة وسهولة ومتداولة على نطاق واسع في إيران، مما ضاعف من معجبيها، وزاد من شعبيتها. مع انتخاب الرئيس الإصلاحي “محمد خاتمي” عام 1997، رُفعت الكثير من القيود المفروضة على الفنون، وسُمح لبعض المطربات بالغناء في محافلٍ تحضرها النساء فحسب، لكن جوجوش لم تكن من بينهن. كما لم يعد امتلاك وسائط موسيقية وغنائية يمثل مشكلة لصاحبها، ومع ذلك ظل الإنتاج الموسيقي وإصداره وتوزيعه في الأسواق الإيرانية محظورًا حتى ذلك الوقت.
العودة إلى الأضواء
بعد 21 عامًا من الصمت والانزواء والابتعاد عن الأضواء، تمكنت جوجوش من إصدار جواز سفر ومغادرة إيران عام 2000. ويذكر “أكبر خوش كوش” أحد رجال وزارة المخابرات الإيرانية في ذلك الوقت أن خروج جوجوش من إيران تم باطلاعٍ من الجهات الأمنية، كما يذكر المخرج الإيراني “مسعود كيميايي” –زوج جوجوش آنذاك– أنها رحلت عن البلاد بموافقة وزير الثقافة والإرشاد الأسبق “عطاء الله مُهاجراني”. وقد قيل وقتها إنها سافرت إلى كندا بحجة تصوير فيلم سينمائي.
بعد رحيل جوجوش عن إيران، استأنفت نشاطها الفني بإصدار ألبوم “زَرَادشت (زُرُتشت)”. هذا الألبوم سُجل جزءٌ منه في إيران سرًا، واُستكمل تسجيله في كندا ووُزع بها. كتب أشعار الألبوم “مسعود كيميايي” باسم مستعار “نُصرت فَرزانه”، ولحنها “باباك أميني (بابک امینی) بالاشتراك مع “باباك بايت (بابَک بايت)” وجوجوش. حقق الألبوم نجاحًا كبيرًا بين معجبي جوجوش داخل إيران وخارجها، ومثَّل عودةً قويةً للنجمة الإيرانية المحبوبة بعد سنوات طويلة من الاختفاء والانزواء والاحتجاب والحجاب.
أغلب أغاني الألبوم حملت أحاسيس الغربة والحنين إلى الوطن، أما أغنية “زُرُتشت” المسمى بها الألبوم، فكانت كمرثية ترثي إيران وشعبها لما آلت إليه الأحوال، من خلال استدعاء شخصية من شخصيات بلاد فارس القديمة ألا وهو “زُرُتشت” مؤسس الديانة الزرداشتية. هذه الأغنية لحنتها جوجوش بنفسها، ووزعها “باباك أميني”.
شرعت جوجوش في الوقوف على خشبة المسرح مرة أخرى، وأقامت جولة غنائية واسعة أُطلق عليها “جولة العودة” في عدد من الدول الأوروبية والأمريكية، استهلتها بكندا، ثم الولايات المتحدة، واُستقبلت بترحاب حار وغير مسبوق من قبل الجاليات الإيرانية والناطقة بالفارسية المقيمة في هذه الدول. بلغ عدد حفلات جوجوش ما بين عامي 2000/ 2001 فقط، أي عقب خروجها من إيران مباشرًا، 27 حفلة في دول أوروبا وأمريكا الشمالية.
عقب انتهاء حفلات جوجوش استقر بها المقام في الولايات المتحدة، ولم تعد إلى إيران مطلقًا، حيث تعيش حاليًا في ولاية كاليفورنيا الأمريكية.
تُعد عودة جوجوش إلى الساحة الغنائية بعد الثورة، مرحلة التوهج والنضج الفني والتعامل مع أجيال مختلفة من الشعراء والملحنين والموزعين سواء المخضرمين أو الشباب، وكذلك اختبار تجارب فنية جديدة بعيدة عن القالب الكلاسيكي الذي اعتادت عليه جوجوش.
عقب ألبوم “زرادشت” توالت أعمال جوجوش الغنائية؛ ففي عام 2004 أصدرت ألبوم “آخر خبر (آخرين خبر)” من أشعار “شهيار غنبري”، و”زویا زاکاریان”، وألحان “مِهرداد آسِماني”، و”باباك أميني”. وفي عام 2005 أصدرت ألبوم “اللائحة (مانيفست)” من أشعار “شهيار غنبري” وألحان وتوزيع “مهرداد آسماني”.
ضم ألبوما “آخر خبر” و”اللائحة” مجموعة من أغاني جوجوش المميزة والناجحة بعد العودة؛ كان أشهرها: غزال الحب “آهوى عشق”، القلب الرقيق “دِلکوک”، أنقذني “نجاتم بدِه”، الحب يعني كل شيء “عشق يعنى همه چیز”.
في عام 2008 أصدرت جوجوش ألبومًا مشتركًا مع الملحن والمطرب “مهرداد آسماني” بعنوان “ليلة بيضاء (شب سِپید)”. أعادت جوجوش في هذا الألبوم تقديم 3 أغنيات من أشهر أغانيها بتوزيعات جديدة في مدلي “وليفي الجميل (همصداى خوبم)” وهي: رفيق السفر “همسفر” من كلمات “إيرج جنتي عطايي” وألحان “فاروجان”، أنا وأنت “منو تو” و”همصدا” من كلمات “أردلان سرفراز” وألحان “حسن شماعي زاده”. هذا بالإضافة إلى أغنيتها البديعة “طلاق” من كلمات “أردلان سرفراز” وألحان “مانوتشهر تششم آذر”. هذه التوزيعات الجديدة وضع نوتها الموسيقية الفنان الألماني المعروف “أندي جي” Andy Gee.
إلى جانب الأغنيات القديمة، ضم الألبوم غنوتين جديدتين، وهما: أشك “شک میکنم”، وليلة بيضاء “شب سپید” من كلمات “شهيار غنبري” وألحان “مهرداد آسماني”.
لقي هذا الألبوم نجاحًا واستحسانًا كبيرين من قبل معجبي جوجوش، ومثَّل نوعًا من الحنين إلى الماضي وتجديد نجاح عدد من الأغاني المحبوبة والمشهورة لجوجوش
في عام 2010 أصدرت جوجوش ألبوم “المقياس الأخضر (حجم سبز)” الذي شهد بداية تعاونها المثمر والمكثف مع الشاعر والمنتج الموسيقي الشاب “رها اعتمادي” إلى جانب مجموعة من الشعراء والملحنين الإيرانيين المخضرمين.
قدمت جوجوش في هذا العمل أشكالًا موسيقيةً معاصرةً ومتنوعةً، حيث تقول: “لقد سعيتُ في هذا الألبوم إلى أن يضم أغنيات لشعراء وملحنين مختلفين”.
كتب كلمات الأغاني كل من: أردلان سرفراز، مسعود کیمیایي، کوروش سمیعي، زویا زاکاریان، رها اعتمادي، ولحنها كل من: حسن شماعي زاده، فرید زولاند، باباك أميني.
من أجمل أغاني الألبوم: صوت الحب الأول “صدای سبز عشق”، حديقة بلا أشجار “باغ بىبرگ”، أبكي أم لا أبكي “گُریه کنم یا نکنم”، قلبي يريد “دلم خواست”، أنا الإيرانية نفسها “من همون ايرانم”.
في عام 2011 جلست جوجوش على كرسي لجنة التحكيم في برنامج مسابقة المواهب “أكاديمية جوجوش الموسيقية (آکادمی موسیقی گوگوش)” إلى جوار عازف البيانو وقائد الأوركسترا “هومان خلعتبري (هُومَن جَلعتبرى)”، وعازف الجيتار والملحن والمغني “باباك سعيدي (بابک سعیدی)”.
ظهر من هذا البرنامج 3 مواسم، فاز بالموسم الأول “سُروش طهراني”، وفاز بالموسم الثاني “مِهران آتش”، وفازت بالموسم الثالث “أرميا”. قدم حلقات البرنامج الشاعر “رها اعتمادي”، ونقلتها على الهواء مباشرة شبكة “أنا وأنت (منوتو)” على مدار 3 سنوات حتى عام 2013؛ وهي شبكة تليفزيونية تبث إرسالها من لندن منذ أكتوبر 2010. لقي البرنامج استحسان الجمهور، وكان يعتمد على مشاركة المواهب الإيرانية المقيمة في بريطانيا.
شدت جوجوش في آخر حلقة من الموسم الأول بصحبة المتسابقين على خشبة المسرح بأغنية “الكلام ده (يه حرفايى). كتب كلمات الأغنية “رها اعتمادي”، ولحنها ووزعها وشارك في غنائها وعزفها على الجيتار “باباك سعيدي”. تعد هذه الأغنية واحدةً من أجمل أغاني جوجوش في تلك الفترة.
في عام 2012 أصدرت جوجوش ألبوم “المعجزة (اِعجاز)”؛ وهو يُعد من أجمل ألبوماتها بعد العودة إلى الساحة الغنائية، من حيث الكلمات والألحان والتوزيع وتنوع القوالب الموسيقية، وأكثرها نجاحًا على المستوى الجماهيري والنقدي.
شهد هذا الألبوم تعاون جوجوش مع مجموعة من شباب الشعراء والملحنين لأول مرة من داخل إيران وخارجها، حيث كتب كلمات الأغاني كل من: باباك روزبه، روزبه بماني، رها اعتمادي، باباك صحرايي، ولحنها كل من: حسن شماعي زاده، شوبرت أفاكيان (شوبرت آواکیان)، علي رضا أفكاري، باباك سعيدي.
ضم الألبوم قصيدة لشاعر الصوفية الأشهر مولانا “جلال الدين الرومي (1207: 1273)”؛ وهي “من غيري وغيرك (بى من و تو)”، وضعت ألحانها جوجوش بنفسها، وقام بتوزيعها “شوبرت أفاكيان”؛ وكانت هذه هي المرة الأولى التي تغني فيها جوجوش من أشعار مولانا.
من الأغاني الملفتة للنظر في هذا الألبوم “أنت متعرفش (نمىدونى)”، كتب كلماتها الشاعر “باباك روزبه”، واُقتبس لحنها عن الفولكلور الأوزبكي. هذا اللحن كانت قد تغنت به مطربة أوزبكستان الأولى “يولدوز أوسمونوفا” Yulduz Usmonova منذ بضعة سنوات بالفارسية أيضًا لكن بكلمات مختلفة، وحمل اسم “لا تفعل (نمىكُنى)”.
صورت جوجوش كل أغاني الألبوم بطريقة الفيديو كليب، وتعتبر هذه الكليبات من أجمل الأعمال المصورة في تاريخ جوجوش الفني، حيث إنها تروي حكايات واقعية وتصور حالات إنسانية. الفوضى “هياهو”، لا تقل وداعًا “نگو بدرود”، نقطة النهاية “نقطه پایان”، المعجزة “اعجاز”، من غيري وغيرك “بى من و تو”… من أجمل أغاني الألبوم المصورة.
في عام 2014، شدت جوجوش مع المطرب الإيراني المخضرم “إبراهيم حامدي” الشهير بـ “إبي” بأغنية “الحنين (نوستالژی)” وصوراها بطريقة الفيديو كليب. لاقى الدويتو إعجاب عشاق المطربين، وأسفر هذا التعاون الفني عن قيام جوجوش وإبي بجولة غنائية مشتركة بعنوان “الحنين”، أعاد فيها غناء اثنتين من أشهر أغنياتهما بطريقة الدويتو؛ وهما: مين هيمسح دموعك “کی اشکاتو پاک میکنه” لإبي، ونافذتان “دو پنجره” لجوجوش.
نجاح الجولة الغنائية المشتركة، وما حققته من أصداءٍ إيجابيةٍ واسعةٍ، دفعت جوجوش عام 2017 إلى إعادة توزيع أغنية “نافذتان” بأسلوبٍ حديثٍ مع الحفاظ على هویة لحنها القديم، وصورتها بطريقة الفيديو كليب. وضع توزيع الأغنية الجديد الملحن والموزع الموسيقي الشاب “نيكان إبراهيمي”، وكان الفنان الكبير “فاروجان” مَن قام بتوزيع الأغنية القديم. هذه الأغنية من تأليف وتلحين الثنائي “أردلان سرفراز” و”حسن شماعي زاده”.
في عام 2015 أصدرت جوجوش ألبوم “صورة خاصة (عكس خصوصى)”، وتعاونت فيه مع الشعراء: زویا زاکاریان، باباك صحرایی، عباس هاجير (عباس هژیر)، ماهشيد بوزروجي رجایی (مهشید بزرگى رجایی)، محمد فريد ناصري، مينا جلالي. والملحنين: فاروجان، نیکان إبراهیمي، باباك أميني، تورج شعبان خاني، رضا روحاني، صادق نوجوکي.
شهد هذا الألبوم تعاون جوجوش مع مجموعة من الشعراء والملحنين الشباب؛ بعضهم تعاملت معهم لأول مرة، والبعض الآخر تعاملت معهم في أعمال سابقة. من الأغاني المميزة في الألبوم: عشق، يا عزيزي “داداشى”، صورة خاصة “عكس خصوصى”.
ضم ألبوم “صورة خاصة” آخر لحن وضعه الفنان “فاروجان” قبل وفاته، وهي أغنية “كم كان جميلًا (چه زیبا بود)” من كلمات “زویا زاکاریان”، وتوزيع “تيجران ساكيان (تیگران ساکیان)”. فاروجان يعتبر من أكثر الموسيقيين الذين تعاملت معهم جوجوش، حيث لحن ووزع لها ما يقرب من 50 أغنية.
أعادت جوجوش في هذا الألبوم غناء أول أغنية تغنت بها في بداية حياتها؛ وهي “قصة وفاء (قصه وفا)”. الأغنية من تأليف “إيرج جنتي عطايي”، وألحان وتوزيع “بارفيز مغاصدي”، وكانت جوجوش قد غنتها أول مرة عام 1968. وضع توزيع الأغنية الجديد الملحن والموزع الشاب “نيكان إبراهيمي”.
كما أعادت غناء الأنشودة الإيرانية المشهورة “طائر السحر (مُرغ سحر)”؛ وهي من نظم الشاعر “تقي الله بَهار (1886: 1951)” الملقب بـ “ملك الشعراء”، وألحان الموسيقار وعازف التار “مرتضى ني داوود”.
نظم “بهار” هذه الأنشودة بعد فترة قصيرة من انتهاء موجات الثورة الدستورية ووصول “رضا شاه بهلوي” إلى سدة الحُكم في إيران، لذا فهي تعكس الروح الثورية للشعب الإيراني والأبعاد السياسية والاجتماعية للبلاد في تلك الفترة. تروي الأنشودة حوارًا بين شاعر وطائر سحر. يطلب الشاعر من الطائر أن يغرد بصوت عال حتى يحطم بآهاته المجمرة قضبان قفصه، ويشدو بنغمة الحرية من أجل جموع البشر، فيقول له الطائر: إن ظلم الظالم وجور الصياد قد أطاحا بعشه في مهب الرياح، فيناجي الشاعر ربه قائلًا: فلتجعل ليلنا الحالك صباحًا مشرقًا…
صنف “ني داوود” أنشودة “طائر السحر” في مقامي “ماهُور وشور” الإيرانيين، وأُنشدت لأول مرة عام 1927. تهافت المغنون الإيرانيون على غناء هذه الأنشودة على مدار العقود المختلفة، وكانت أول من ترنمت بها مطربة الأغاني التراثية “مُلوك زرابي (مُلوك ضرابي)” في خريف عام 1927، ثم توالى المغنون؛ بعضهم حافظ في أدائه على النمط الكلاسيكي للأنشودة والبعض الآخر خلع عليها حُلَّةً جديدةً. الأداء الرائع والقدير لأستاذ الغناء الإيراني الراحل “محمد رضا شجريان”، جعل الأنشودة ترتبط باسمه كأنها أحد أعماله الخاصة، ولم يتغن بها أحد سواه.
غنت جوجوش الأنشودة بأسلوبها الخاص وأضفت عليها لمسة عصرية من خلال التوزيع الموسيقي الأخاذ الذي قام به الملحن وعازف الجيتار “باباك أميني” دون أن يخل بهوية التصنيف الأصلي.
في أواخر عام 2017، بدأت جوجوش جولة موسيقية ناجحة في عدد من البُلدان الأوروبية، غنت فيها مجموعة من أجمل أغانيها التي كتبها ولحنها رفقاء دربها “أردلان سرفراز، وحسن شماعي زاده، ومانوتشهر تتشم آذر”، لذا أُطلق على هذه الجولة “مثلث الذكريات (مثلث خاطرهها)”. شارك جوجوش في غناء بعض الأغاني شماعي زاده والمطرب والملحن الإيراني الكبير “مارتيك (قرة خانیان)”، وصاحبها في قيادة الأوركسترا والعزف على البيانو الموسيقار “مانوتشهر تششم آذر”.
أسفرت هذه الجولة عن أغنية بالعنوان نفسه، كتبها “سرفزاز”، ولحنها وشارك في غنائها مع جوجوش “شماعي زاده”، ووزعها “نيكان إبراهيمي”.
خلال عامي 2018 و2019 قدمت جوجوش حفلات مشتركة مع المطرب والملحن الإيراني “مارتيك” لاقت إعجابًا كبيرًا وقوبلت باستقبالٍ حارٍ من قبل معجبيها.
في عام 2018 بدأت جوجوش في تعاونها الفني مع الشاعر والملحن والمطرب المخضرم “سيافاش غومايشي (سياوش قُمَيشى)” من خلال أغنية “40 عامًا (چِهل سال)”؛ وهي أغنية سياسية تندد بحكم الجمهورية الإسلامية في إيران. أطلقتها جوجوش في الذكرى الأربعين من تأسيس الجمهورية الإسلامية. كتب كلمات الأغنية “رها اعتمادي”، ولحنها وشارك في غنائها “غومايشي”، ووزعها “إلياس شيرزاد”.
كان التعاون الثاني بين جوجوش وغومايشي هو أغنية “شاهد” من كلمات “رها اعتمادي” وتوزيع “إلياس شيرزاد”، وهي أغنية نقدية تستعرض في صور تعبيرية ما آل إليه الإنسان من أحوال غير إنسانية.
أما التعاون الثالث والأخير بين جوجوش وغومايشي، فكان عام 2021 من خلال ألبوم “21 (بيست و يک)”. كتب كلمات الأغاني “رها اعتمادي”، ولحنها “غومايشي”، ووزعها “إلياس شيرزاد”، وهو آخر ألبومات جوجوش الغنائية.
بلغ عدد ألبومات جوجوش بعد عودتها إلى الساحة الغنائية 8 ألبومات ضمت 70 أغنية، وإلى جانب هذه الألبومات، أطلقت جوجوش خلال السنوات الأخيرة على قناتها الشخصية على موقع “اليوتيوب” عددًا من الأغاني الفردية، وقامت بتصويرها بطريقة الفيديو كليب، كان من أبرزها وأجملها: “یا له من مکان رائع (عجب جايى)”، من كلمات الشاعر الشاب “ميلاد أفشين” وألحان “حسن شماعي زاده”، حب موفق “عشق كمياب” من كلمات الشاعرة الشابة “باران تافريشي (باران تَفرِشى)” وألحان “مارتيك”، ألمي (درد من)” من كلمات الشاعرة الشابة “مونا بورزويي (مونا بُرزویی)، وألحان وتوزيع “باباك سعيدي”.
بالتزامن مع رأس السنة الشمسية في إيران (عيد النوزور) الموافق 21 مارس، فيما يُعرف لدينا بأعياد الربيع وبدء اعتدال الطقس، أطلقت جوجوش في مارس 2022، أغنية “يا مدلل (نازتكه)”؛ وهي أغنية إيرانية مشهورة من كلمات وألحان وغناء الفنان الراحل “ناصر عبد اللهي” كان قد غناها عام 2002، وتمتاز بنكهة جنوبية كلامًا ولحنًا. أعاد توزيع الأغنية “باباك سعيدي”، وصُورت بطريقة الفيديو كليب في مدينة (بندر عباس) الواقعة جنوبي إيران على ساحل الخليج بين (إيران والإمارات). بعض المشاهد تظهر فيها جوجوش وهي تتجول على شاطئ البحر، ويبدو أنها صورت في الإمارات أو دولة شاطئية، أما المشاهد الأخرى المصوَّرة في بندر عباس فلا تظهر فيها بطبيعة الحال.
كل مَن يستمع إلى الأغنية أو يشاهد الكليب الخاص بها يلاحظ أن الإيقاع الموسيقي وطريقة الرقص وطراز الملابس متشابه جدًا مع النمط الخليجي نظرًا للحدود المتاخمة. تعتبر “يا مدلل” هي آخر أعمال جوجوش المصورة.
حفلات دُبي ومسارح العالم
بعد رحيل جوجوش عن إيران، واستقرارها في الولايات المتحدة، اعتادت طيلة هذه السنوات أن تقيم كل عام تقريبًا حفلةً في دُبي، وتعتبر حفلاتها من أغلى الحفلات التي تقام في دولة الإمارات، حيث تتراوح أسعار التذاكر ما بين 300 دولار إلى 1000 دولار. يحرص الكثيرون من عشاق جوجوش ومحبوها في إيران والدول الناطقة بالفارسية كأفغانستان وطاجيكستان وأوزبكستان والجاليات الإيرانية المقيمة في دول الخليج على السفر إلى الإمارات من أجل حضور حفلاتها، حيث يصل عدد الحاضرين في بعض الحفلات إلى أكثر من 30 ألف متفرج.
إلى جانب حفلات دُبي، وقفت جوجوش على أكبر المسارح في أوروبا وأمريكا؛ كان من أشهر “ماديسون سكوير جاردن” Madison Square Garden في نيويورك، و”أفيتشي أرينا” Avicii Arena في ستوكهولم، و”سكوتيا بانك أرينا” Scotiabank Arena في تورنتو، و”قاعة ألبرت الملكية” The Royal Albert Hall في لندن، و”هولیوود بول” The Hollywood Bowl، و”مسرح الطاووس” Peacock Theater في لوس أنجلس.
جوجوش: بنت إيران Googoosh: Iran’s Daughter
قام المخرج الأمريكي إيراني الأصل المقيم في نيويورك “فرهاد زماني” عام 2000 بإنتاج فيلم وثائقي عن جوجوش حمل عنوان “جوجوش: بنت إيران” Googoosh: Iran’s Daughter، تناول فيه بزوغ نجم جوجوش في عالم الفن، ثم ابتعادها عن الأضواء في أعقاب التغيُّرات السياسية والاجتماعية والثقافية في إيران بعد الثورة.
ويذكر “فرهاد أنه كان مشغولًا بكتابة سیناریو الفيلم في نيويورك عندما سمع من أمه أن جوجوش ستغادر إيران حتى تحيي عدة حفلات في الخارج. وفي أواخر عام 2000، أي بعد 21 عامًا من الصمت، أقامت جوجوش أول حفل لها خارج إيران، وكان فرهاد أحد الحاضرين في هذا الحفل، لكنه لم يكن قد التقى جوجوش أو تعرف إليها عن قرب آنذاك.
عُرض هذا الفيلم في “مركز جين سيسكل السينمائي” The Gene Siskel Film Center في شيكاغو، ومركز “لينكولن للفنون المسرحية” Lincoln Center for the Performing Arts في نيويورك. كما فاز بجائزة أفضل فيلم من “مهرجان فانكوفر السينمائي الدولي” Vancouver International Film Festival بكندا.
في عام 2004، أعاد “زماني” كتابة فيلمه مرة أخرى بعد عودة جوجوش إلى الساحة الغنائية، وقامت شركة “فرست ران فيتشرز” First Run Features بتوزيعه عالميًا
گوگوش: أصدق الألقاب
على مدار 70 عامًا ما بين البداية والتألق والاحتجاب والعودة، قدمت جوجوش 19 ألبومًا بإجمالي 190 أغنية، بالإضافة إلى عدد كبير من الأغاني المنفردة والثنائية. لا تزال هذه الأعمال –خاصة ما قبل الثورة الإيرانية– محفورة في ذاكرة الشعب الإيراني، كما لا يزال دورا بيتا و”بارفانة” في فيلمي “بىتا”، و”در امتداد شب” عالقين في أذهان الجمهور، إلى جانب أدوار أخرى من مسيرة سينمائية موفقة يبلغ عددها 28 فيلمًا.
تتمتع جوجوش بصوت متفرد؛ له شخصية وهوية خاصة به لا تتشابه مع سائر المطربات الإيرانيات سواء المخضرمات أو الجديدات. هو صوت صاف، نقي، جلي كنبع الماء الجاري، لم يشخ أو تطرأ عليه تغييرات كثيرة مع مرور السنوات، بل ازداد حلاوة وطلاوة واتسع مداه.
وفقًا لمقاييس علم الأصوات، ربما يكون صوت جوجوش ليس أقوى صوت نسائي في تاريخ الغناء الإيراني أو أقوى صوت بين مطربات جيلها مِثل “هايدة” أو مَهَستي أو “حُميرا” صاحبات الحَنجَرات الأوبرالية، لكنه صوت عذب الإيقاع، واضح الرنين، حينما تسمعه يطرق أبواب قلبكَ، ويقبع به، ويظل يصدح في كيانك دون انقطاع.
وجوجوش ليست صوتًا جميلًا فحسب، لكنها كتلة من المشاعر والأحاسيس، تعبر بصوتها، وملامح وجهها، وحركات جسدها عما تشدو به من كلمات ومعان، فتبهجك حينًا، وتحزنك حينًا آخر. رغم مرور كل هذه السنوات لا تزال جوجوش تؤدي على المسرح رقصتها الشهيرة بيديها وكتفيها وهي تغني رائعتها “من آمدهام” كأنها تلك الفتاة اليافعة ذات العشرين ربيعًا.
إلى جانب هذا الصوت الجميل والإحساس المرهف، حباها الله عز وجل أيضًا وجهًا ملائكيًا، هادئ الملامح، مليح التقاسيم، له جماله الخاص، يجعلك تهوى رؤيته وتأنس به.
جوجوش هي المطربة الإيرانية صاحبة المسيرة الفنية الأطول والأكثر استمرارية بين مطربات جيلها، وواحدة من أواخر المطربات الباقيات من زمن الشاه. خاضت معارك كثيرة، هُزمت في بعضها وانتصرت في بعض آخر. وما يثير الانبهار في مسيرتها هو قدرتها على البقاء والاستمرار طيلة هذه السنوات، فقد تركت جوجوش الساحة الغنائية لمدة 21 عامًا، تغيرت فيها أشياء عدة، وظهر مغنون عديدون، وطرأت مستجدات كثيرة على صناعة الموسيقى، وكان من الممكن أن ينسى الجمهور جوجوش خاصة مع وجود جيل جديد من الشباب لم يكن قد سمع عنها أو استمع إلى أعمالها. كان من الممكن ألا تستطيع مجاراة التطور الموسيقي، وتؤول عودتها بالفشل، لكنها استطاعت الرجوع بقوة والوقوف على أرض صلبة والاستمرار في نجاح وتألق لمدة ۲۳ عامًا.
عادت جوجوش إلى (المسرح) موطن موهبتها كما تقول وهي تبلغ الخمسين من عمرها، بعد ما فقدت أجمل سنوات شبابها وهي قابعة في المنزل متوارية عن الأنظار، لكنها كانت في نظر محبيها تلك الفتاة الصغيرة الموهبة، وكانت في نظر نفسها أيضًا هي ذات الفتاة.
تحظى جوجوش بشعبية كبيرة داخل إيران وخارجها، وربما تكون المطربة الإيرانية الوحيدة التي تخطت شعبيتها حدود إيران، وأصبح لها جمهور عريض في دول أوروبية وأمريكية وآسيوية وعربية، قد لا يدرك معاني أغانيها أو يفهمهما، لكنه يعشق صوتها وإيقاعات موسيقاها. كثيرون من العرب يحبون جوجوش ويستمعون إلى أغانيها، ولا يزالون يذكرون زيارتها إلى عدد من البُلدان العربية أثناء حكم الشاه. أما الإيرانيون فينظرون إلى جوجوش كأنها أحد ملوك فارس العظماء، نظرًا لمسيرتها الفنية الحافلة والمليئة بالصعاب والمشاق. لقبها محبوها بالعديد من الألقاب كان أبرزها؛ “أسطورة الغناء الإيراني، سيدة الغناء الإيراني، ملكة موسيقى البوب الإيرانية،ديڤا الغناء الإيراني، أيقونة الفن الإيراني، صوت إيران”، لكن يظل أجمل هذي الألقاب وأكثرها تداولًا على ألسنة معجبيها “حورية الموسيقى الإيرانية”، أما أصدق تيك الألقاب –من وجهة نظري– بعد إزاحة الغموض عن معنى اسم “گوگوش” هو “شادية الألحان”، فاسم “گوگوش” الذي اشتهرت به “فائقة آتشين” هو أكثر هذه الألقاب تعبيرًا عنها وعن مشورها الفني؛ اسم اختارته لها الأقدار، لم تعلم حاملته أن نصيبًا كبيرًا منه سيكون لها.. الآن تودع جوجوش جمهورها تاركةً تراثًا مميزًا في تاريخ الموسيقى الإيرانية سيظل يُعزف بنغماتٍ “جوجوشية”.
خاص وكالة رياليست – د. محمد سيف الدين – دكتوراه في الأدب الشعبي الفارسي، وخبير في التاريخ والأدب الإيراني – مصر.