بدءاً من الاغتصاب والعلاقات غير المشروعة، مروراً بالاعتقاد بالخرافات، انتهاءاً بالتشدد الدينى والاضطراب النفسى تصحبنا الطفلة الصغيرة “پریناز” فى رحلة إلى عالم مثير، نكتشف خلالها وجهاً آخر للمجتمع الإيرانى الذى يتأرجح بين التطرف الدينى والانفلات الأخلاقى، بسبب ما يلقاه من قمع وما يُفرض عليه من قيود من قبل حكومته المتشددة.
يعد “پریناز” Parinaz واحداً من الأفلام الملفتة للنظر والمثيرة للجدل التى قدمتها السينما الإيرانية خلال السنوات الأخيرة، وهو من تأليف وإخراج “بهرام بهرامیان”، وسيناريو وحوار “بابك كايدان”، وإنتاج “محمد نجيبى”. قامت ببطولة الفيلم الممثلة الإيرانية الكبيرة “فاطِمة مُعتمِد آریا”، وإلى جوارها كل من؛ طناز طباطبایی، ومشجان بیات، وشبنم قلى خانى، وفرهاد آئيش، وحمید فرخ نجاد، وحسن نجاریان، وأمیر حسین فتحی، والطفلة مریم زارعی، وفى دور صغير “مصطفی زمانی” الذى حقق فيما بعد شهرة كبيرة وصيتاً واسعاً داخل إيران وخارجها، بعد قيامه بدور سيدنا “يوسف” فى المسلسل الإيرانى الشهير “يوسف پيامبر”، أى “يوسف النبى”، أو كما يُعرف فى العالم العربى باسم “يوسف الصديق”.
تم انتاج الفیلم عام 2010، ولكنه أوقف لمدة 7 سنوات، حيث عرض عام 2017. ويُذكر أن اسم الفيلم كان فى البداية “زِيبندِة”، ثم تغير إلى “پریناز”.
قصة الفیلم
تبدأ أحداث الفيلم بمشهد صادم وغیر مسبوق على شاشة السينما الإيرانية، خاصة مع القيود التى فرضها النظام الإيرانى عقب الثورة على صناعة السينما بصفة خاصة وحرية الإبداع بصفة عامة، وهو مشهد اغتصاب “كِيان” لـ “خُورشِيد”، حيث نكتشف فيما بعد أن كيان هو زوج “أفسر”، صديقة خورشيد التى تعيش فى منزلهما. وبعد هذا المشهد مباشرة نصطدم بمشهد آخر وهو موت – وربما انتحار – خورشيد المأساوى، حيث تسقط من أعلى سطح المنزل وهى تجمع الغسيل!!.
پریناز فی منزل فَرخُندِة
بعد انتهاء مراسم الدفن التى لم يحضرها سوى أفسر وزوجها، تقرر أفسر اصطحاب الفتاة الصغيرة “پریناز”، ابنة خورشيد، إلى خالتها السيدة “فَرخُندِة”، الشقيقة الكبرى لخورشيد، وهى امرأة متوسطة العمر، عزباء، وحيدة، متشددة دينياً، قاسية القلب، مولعة بالنظافة، تسيطر عليها أفكار متناقضة وهواجس ذهنية، وتعانى من اضطرابات نفسية. ترفض فرخندة استضافة الفتاة فى منزلها، وندرك من خلال الحديث القصير الذى يدور بينها وبين أفسر، أن پریناز نتاج علاقة “غير مشروعة”، لذا ترفض الخالة استقبالها وتعتبرها “فتاة نجسة”. تترك أفسر الفتاة أمام منزل فرخندة وتذهب، فتضطر الخالة إلى إدخال پریناز إلى المنزل، ولكن تعاملها معاملة جافة، وتسعى بشتى الطرق للتخلص منها وتركها فى الشارع أکثر مرة، إلا أن پریناز فى كل مرة تعود إليها بطريقة أو بأخرى، وبمرور الوقت تعتاد فرخندة على وجودها.
پریناز المبروکة!!
تبدأ مجموعة من الأحداث الخارجة عن المألوف وغير العادية فى الحدوث بالتزامن مع ظهور پریناز فى المنطقة التى تعيش فيها فرخندة، فالصبى الأبكم ابن “حكيمة” صديقة فرخندة وجارتها، بعد لعبه مع پریناز ینطق فجأة!!.. وبعد عدة أيام يستيقظ أهالى المنطقة على وجود “أرجوحة” أمام منزل فرخندة، يسعد بها الجميع ويبدأون فى اصطحاب أبنائهم إلى هناك للعب بالأرجوحة. شيئاً فشيئاً يعتقد أهالى المنطقة أن پریناز فتاة “مبروكة”، حيث يبدأ الجميع فى التوافد على منزل فرخندة من كل مكان، طمعاً فى فك الكروب والشفاء من الأمراض المستعصية. يجن جنون فرخندة وتطرد الجميع من منزلها، وتقوم بحرق الأرجوحة واصطحاب پریناز إلى السوق ليلاً وتتركها هناك، ولكن هذه المرة تختفى پریناز ولا تعود إلى فرخندة مرة أخرى.
ظهور والد پریناز
بعد مضى فترة من الوقت تأتى أفسر مع زوجها وبصحبتهما “والد پریناز” إلى منزل فرخندة، لأخذ الفتاة كى تعيش مع أبيها، وهنا نكتشف أن والد پریناز معاق ذهنياً، وكل ما يريده هو العثور علی ابنته، ولكن فرخندة تخبرهم بأنها لا تعرف شيئاً عن پریناز وتغلق الباب فى وجوههم.
ينتهى الفيلم بمشهد “مرموز” تظهر فيه پریناز جالسة على كتفى أبيها سعيدة، وهو يسير بها فرحاً فى السوق المزدحم بالباعة والمارة، حيث تركتها خالتها ذات ليلة، وفى خلفية المشهد ينساب إلينا صوت فرخندة حزيناً حائراً، وهى تتحدث عن بحثها عن پریناز فى کل مكان، ولكن دون جدوى.
أسباب منع الفيلم:
ظهر فيلم “پریناز” إلى النور عام 2010، ولكن “مجلس التصريح بالعرض”، المكلف بمنح الأفلام الإيرانية ترخيص العرض، أوقف الفيلم، بسبب رفضه ظهور شخصية المرأة المتدينة “فرخندة” التى لعبتها “فاطمة معتمد آريا”، وهى لديها هواجس ذهنية واضطرابات نفسية، وأعلن وقتها أن لا يمكن إظهار مثل هذه الصورة للمرأة المتدينة على شاشة السينما، لأنه من المفترض ألا يشعر الشخص المتدين بأى هواجس ذهنية أو يعانى من اضطرابات نفسية!!.. وفى نهاية الأمر قام المخرج بهرام بهراميان بإجراء بعض التغييرات على أحداث الفيلم وحذف عدد من المشاهد، مع وضع شارة تحذيرية على أفيش الفيلم بألا يُسمح لمن هم دون 16 عاماً بمشاهدته، حيث عُرض “پریناز” فى آواخر عام 2017، أى بعد ۷ سنوات من إنتاجه عام 2010.
والحقيقة لم يكن ظهور شخصية المرأة المتدينة التى تعانى من هواجس ذهنية واضطرابات نفسية هو السبب الأساسى لوقف الفيلم، أو بالأحرى السبب الحقيقى وراء ذلك، فتطرق الفيلم إلى موضوعات مثل الاغتصاب وإنجاب طفلة من علاقة غير مشروعة وعرض بعض من التناقضات الفكرية فى المجتمع الإيرانى الذى دائماً ما تضفى عليه حكومته هالة من الورع والتدين، كان بمثابة صفعة كبرى على وجه النظام الإيرانى الذى يسعى منذ قيام الثورة إلى تعزيز الحافز والهاجس الدينيين لدى المجتمع.
معارضة فاطمة معتمد آريا للنظام الإيرانى
بالإضافة إلى ذلك، تعد معتمد آريا، بطلة الفيلم، أحد الوجوة السينمائية المعارضة فى إيران، حيث واجهت العديد من المضايقات من قبل النظام الإيرانى بسبب مواقفها السياسية المناهضة له. وکان من أبرز هذه المضايقات منعها من العمل فى الحقل السينمائى لمدة 4 سنوات بسبب دعمها لـ “مير حسين موسوى”، وذلك عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية عام 2009، وهى الانتخابات التى فاز بها الرئيس الأصولى “محمود أحمدى نجاد” بفترة رئاسية ثانية أمام منافسه الإصلاحى موسوى، حيث أعلن موسوى حينها أن نتائج الانتخابات تم تزويرها لصالح نجاد. وعلى خلفية ذلك اجتاحت الشوارع الإيرانية مظاهرات مليونية، قامت بقمعها السلطات بالقوة، ولقى خلالها مئات الأشخاص مصرعهم، وألقى القبض على آلاف الأشخاص الآخرين. وقد عُرفت هذه المظاهرات باسم “جنبش سبز”، أى “الحركة الخضراء”، نسبة إلى “اللون الأخضر” الذى اتخذه موسوى شعاراً له فى هذه الانتخابات.
وكانت معتمد آريا من بين السينمائيين الإيرانيين الذى أعلنوا دعمهم لموسوى والحركة الخضراء، من خلال الظهور فى “فيلم دعائى”، كما حضرت مهرجان “كان” السنمائى الدولى فى مايو عام 2010 بدون حجاب، وهى ترتدى وشاحاً ومعصماً خضراوين، دعماً لموسوى والحركة الخضراء، مما ترتب عليه منعها من السفر خارج إيران ثانية وكذلك منعها من العمل فى الحقل السنمائى لمدة 4 سنوات. وفى 7 يناير 2012 تم استدعاؤها إلى النيابة العامة التابعة لسجن “إيفين”، وهو سجن خاص بالمعتقلين السياسيين فى إيران، للتحقيق معها فى واقعة الظهور فى فيلم دعائى يؤيد موسوى، وكذلك دعمها للحركة الخضراء فى الحوارات الصحفية واللقاءات التليفزيونية، حيث قضت النيابة العامة التابعة لهذا السجن بدفع معتمد آريا كفالة نقدية قدرها 50 ألف تومان. وقد استمر منع معتمد آريا من العمل فى الحقل السينمائى حتى شتاء عام 2013، أى بعد انتهاء الفترة الرئاسية لـ “أحمدى نجاد” وبداية الفترة الرئاسية لـ “حسن روحانى” الرئيس الإيرانى الحالى.
وبناء على ذلك أعتقدُ أن موضوع الفيلم وقيام ممثلة معارضة للنظام الإيرانى مثل معتمد آريا ببطولته قد حال دون عرض هذا الفيلم.
نقد الفيلم وتحليله:
يعد “پریناز” واحداً من الأفلام المتميزة التى قدمتها السينما الإيرانية خلال السنوات الأخيرة، ساهم فی نجاحه عدد من العناصر، بدءاً من السيناريو والحوار الذى صاغه بحبكة قوية “بابك كايدان”، وصولاً إلى الممثلين الذين تم اختيارهم بعناية شديدة؛ وعلى رأسهم الممثلة المحنكة “فاطمة معتمد آريا”، ثم المايسترو الذى قاد هذا العمل “بهرام بهراميان”.
واقع الشعب الإيرانى
دارت أحداث الفيلم فى أحد المناطق النائية والجبلية بالعاصمة الإيرانية طهران، حيث نرى نماذجاً مختلفة من أفراد الشعبى الإيرانى، قلما يظهرون على شاشة السينما، أو بالأحرى دائماً ما يرفض النظام الإيرانى ظهورهم على شاشة السينما أو على نطاق الإعلام المرئى، علی الرغم من أن هؤلاء الأفراد هم الأغلبية العظمى من الشعب الإيرانى الذى يعانى من الجهل والفقر وضيق العيش، نتيجة السياسات الداخلية والخارجية للنظام الحاكم.
البيوت الإيرانية التقليدية التى لا تحوى من الأثاث سوى الأبسطة والوسائد الأرضية، الملابس التقليدية البسيطة البعيدة كل البعد عن مظاهر الحداثة والتمدن، الشوارع الجبلية الوعرة، الأسواق الشعبية المسقوفة، الوجوه التى حُفرت عليها خطوط البؤس والشقاء، كل هذه التفاصيل تشير إلى واقع الحياة التى يعيشها معظم أفراد الشعب الإيرانى، بعيداً عن رغد دائرة الملالى وأعضاء الحكومة والطبقات الثرية والمقربة من النظام.
الاغتصاب والعلاقات غير المشروعة
ناقش الفيلم عدداً من القضايا الهامة فى المجتمع الإيرانى، كان أولها قضية “الاغتصاب”، وهى قضية مازالت تحتل فيها المرأة دور المذنب وليس الضحية، خاصة فى ظل المجتمعات “الذكورية” التى دائماً ما تدين المرأة مثل المجتمع الإيرانى.
كما ألقى الفيلم الضوء فى عجالة شديدة على قضية “اغتصاب فتيات الشوارع”، وهى من الآفات الاجتماعية المنتشرة فى إيران، ففى أحد المرات التى تركت فيها فرخندة پریناز فی الشارع، تلجأ الفتاة إلى محل “زكريا”، صانع الدراجات، فيستغل حاجة الفتاة الصغيرة إلى المأوى والمأكل، ويحاول الاعتداء عليها، لولا تدخل “قدرت”، بائع السجائر، الذى رآه مصادفة، حيث يعنفه ويعيد الفتاة مرة أخرى إلى فرخندة.
وفى ركاب هذه القضية، أشار الفيلم إلى قضية الإنجاب من علاقة غير مشروعة، ونظرة المجتمع الإيرانى لمثل هذه العلاقات، خاصة من قبل أهل المرأة التى تنزلق فى هذا النفق المظلم، فنرى فرخندة ترفض استضافة ابنة شقيقتها، لأنها تعتبر هذه الفتاة “ابنة سِفاح”، فإن كانت خورشيد قد أخطأت فى الدخول فى علاقة غير مشروعة؛ فما الذنب الذى اقترفته ابنتها البريئة حتى تؤخذ بذنب أمها؟.
الاعتقاد بالخرافات
من بين القضايا الأخرى التى استعرضها الفيلم، من خلال توافد الناس من كل مكان على منزل فرخندة أملاً فى مساعدة پریناز الفتاة المبروكة، من وجه نظرهم، هى قضية “الاعتقاد بالخرافات” التى تنبع من انتشار الجهل والبدع، فلم يفكر أهالى المنطقة التى دارت فيها أحداث الفيلم، للحظة واحدة أن كل ما حدث من أمور غير مفهومة بالتزامن مع ظهور پریناز، قد حدث بمحض الصدفة، فالصبى الأبكم ربما قد تماثل إلى الشفاء، والأرجوحة التى وجدوها أمام منزل فرخندة ربما قد وضعها شخص ما هناك.. لم يحاول أحد البحث عن تعليل علمى أو تبرير منطقى لما حدث، وكان الأسهل والأيسر للجميع أن يبتدعوا خرافة ويصدقوها، وهو ما ينم عن جهلهم شديد.
على أية حال إن الاعتقاد بالأمور الخارجة عن المألوف من أجل فك الكروب والشفاء من الأمراض المستعصية التى تعجر عن شفائها الأدوية، مازال أمراً نراه حولنا فى عدد كبير من الدول النامية والمتقدمة، وهو اعتقاد للأسف الشديد لا ينحصر على الطبقات الأمية فى المجتمع فحسب، بل قد يمتد كذلك إلى الطبقات المتعلمة والمثقفة فى ظل ظروف خاصة واستثنائية.
فرخندة.. والاضطراب النفسى
مثلت شخصية “فرخندة” التى جسدتها “معتمد آريا” ببراعة شديدة، نموذجاً للمرأة التى تعانى من الهواجس الذهنية؛ عيناها الجامدتان الشاردتان المملؤتان بالحيرة، ملامح وجهها الحادة القاسية، خطواتها السريعة المضطربة، حديثها الدائم مع نفسها، هوسها المرضى بالنظافة، ارتداؤها للقفازات أثناء الغسيل أو التنظيف، بسطها للمفارش البلاستيكية فوق سجاد المنزل حتى لا تطأ پریناز التى تعتبرها “رجساً” أرض منزلها الطاهر، كل هذا التفاصيل التى تكررت طوال الفيلم، أظهرت مدى الاضطراب النفسى الذى تعانى منه “فرخندة”، والصراع الذى يحتدم داخلها، بين ما یضمر فی نفسها وما تحاول إظهاره للآخرين، فعلى الرغم من تشددها الدينى، إلا أنها تشاهد الأفلام، وتتابع مباريات كرة القدم، وتدخن السجائر، وترفض بقاء الفتاة الصغيرة لأنها “ابنة سِفاح”، ولكن تقلق عليها فى الغياب!!..
كل هذه التناقضات التى بدت كوضوح الشمس على شخصية فرخندة، هى تناقضات تعانى منها شريحة كبيرة من المجتمع الإيرانى، دائماً ما تتأرجح بين ما تود القيام به وما يجب عليها القيام به، أو بالأحرى بين ما تختاره بمحض إرادتها وما يُفرض عليها من قبل الآخر، خاصة فى ظل نظام يهتم فقط بالمظهر الخارجى للفرد دون الاكتراث بجوهره، مما ينجم عنه السقوط فى براثن التشويش الفكرى والصراع النفسى.
پریناز وحلمها البرئ
على الرغم من الصعوبات التى واجهتها الفتاة الصغيرة “پریناز” التى قامت بأدائها الطفلة الموهوبة “مريم زارعى”، من فقدان الأم وغياب الأب والعيش مع خالتها خشنة الطبع، لم تتخل مطلقاً عن حلمها البرئ الذى يجمعها بأبيها وأمها فى بيت واحد؛ ترسم فوق أصابع يدها الصغيرة وجهها ووجهى والديها، وتحدثهما متمنية أن يجتمعوا سوياً. عزوف پریناز عن الكلام، حالة الخوف والهلع التى تفترس ملامحها طوال الوقت، إصابتها بالتبول اللاإرادى إذا ما وبختها خالتها أو تعرضت لموقف صعب، كل هذه التفاصيل التى رسمها “بهراميان” بدقة متناهية، جسدت للمشاهد مدى المعاناة التى تعيشها هذه الطفلة الصغيرة جراء ذنب لم ترتكبه.
كيف يتحايل المخرجون الإيرانيون على الرقابة؟
مشهد الاغتصاب الذى بدأ به الفيلم، يجعلنا نتوقف كثيراً أمام ذكاء المخرجين الإيرانيين ومدى تصرفهم فى تصوير مثل هذه المشاهد ومعالجتها على شاشة السينما، من أجل الهروب من مقص الرقابة الإيرانية المتشددة واعتراضها الدائم. ففى المشهد نرى كيان يتربص بخورشيد وهى على وشك الخروج من الحمام، حيث يهجم عليها ممسكاً بعباءتها، ويجذبها نحوه بالقوة كى تنصاع إليه، إلى أن يغلق عليهما الباب. فى هذا المشهد لم يلمس کیان خورشید مباشرة، وربما يكون المخرج قد استبدل الممثلة “شبنم قلى خانى” برجل من أجل تصوير المشهد، فالمشاهد لا يستطيع تمييز الشخص المغطى بالعباءة، خاصة بعدما جذب كيان خورشيد من رأسها، حيث توارى وجهها أسفل العباءة، ولم يعد ظاهراً للمشاهد سوى جسداً مغطى بشكل كامل؛ يصارع الشخص الذى يجذبه إليه.
أبطال پریناز
من الممكن اعتبار فيلم پریناز من أفلام البطل الأوحد، فالفيلم بأكمله يدور حول السيدة فرخندة وعلاقتها بابنة شقيقتها پریناز، وأغلب الشخصيات التى ظهرت فى الفيلم، اقتصر دورها على بلورت هذه العلاقة وتبسيطها حيناً وتعقيدها حيناً آخر.
وفق المخرج “بهرام بهراميان” فى اختيار أغلب الممثلين؛ وعلى رأسهم الممثلة الإيرانية الكبيرة “فاطمة معتمد آريا” التى برعت فى أداء دور “فرخندة”، المرأة المتشددة دينياً التى تعانى من الاضطراب النفسى، والحقيقة إن التفاصيل التى أضافتها معتمد آريا إلى الدور من ملامح متجهمة وعيون شاردة وهوس بالنظافة وحديث دائم مع النفس قد أعطت للشخصية بُعداً وعمقاً كبيرين، ويبدو أن كل هذه التفاصيل كانت من إبداعها الخاص.
كان اختيار الطفلة مريم زارعى لأداء دور “پریناز” صائباً جداً، والفتاة رغم صغر سنها فى ذلك الوقت، أدت الدور بإتقان شديد وسلاسة ملفتة للنظر، وهو ما ينم عن موهبتها الكبيرة.
شبنم قلى خانى فى دور “خورشيد” شقيقة فرخندة، مشجان بيات فى دور “أفسر” صديقة خورشيد، أمير حسين فتحى فى دور “كيان” زوج خورشيد، طناز طباطبایی فى دور “حكيمة” جارة فرخندة، فرهاد آئيش فى دور “كرامت” زوج حكيمة، حسن نجاريان فى دور “قدرت” بائع السجائر، حميد فرخ نجاد فى دور “زكريا” صانع الدراجات، مصطفى زمانى فى دور “والد پریناز”، جميعهم كانوا اختيارات موفقة، وإن كانت مساحة أدوارهم الصغيرة محددة الأطر مقارنة بدورى فرخندة وپریناز لم تتح لهم فرصة كبيرة لإظهار قدراتهم التمثيلية.
پریناز فیلم جید ولكن..
نظراً للتغييرات التى أجراها بهراميان على الفيلم، بالإضافة إلى المشاهد التى قام بحذفها، حتى يتثنى له عرض الفيلم بعد قرار وقفه، أحدث هذا الأمر خللاً كبيراً فى الأحداث؛ فنحن لا نعلم أى شىء عن تاريخ الشخصيات وما هى الدوافع وراء ما قامت به من أفعال.. لِمَ انفصلت الشقيقتان فرخندة وخورشيد عن بعضهما بعضاً؟.. لماذا لم تتزوج فرخندة رغم تقدمها فى العمر؟، ولماذا تعيش بمفردها؟، وما السبب وراء إصابتها بالاضطراب النفسى؟،.. لِمَ أقامت خورشيد علاقة غير مشروعة مع شخص معاق ذهنياً؟، وكيف تعرفت عليه ولماذا اختفى؟.. لِمَ عاشت خورشيد مع ابنتها فى منزل صديقتها؟، ولِمَ لم تعيش فى منزل مستقل؟.. لماذا لم يتم اكتشاف ما حدث لخورشيد على يد كيان زوج صديقتها، وظل أمر اغتصابها طى الكتمان؟.. كل هذه التساؤلات التى ظلت حتى نهاية الفيلم بلا إجابات واضحة، أضفت غموضاً كبيراً على الأحداث، وأصابت المشاهد بحيرة شديدة.. ولكن على الرغم من ذلك استطاع بهراميان، انطلاقاً من كونه مؤلف الفيلم ومخرجه، أن يطرح عدداً من القضايا الشائكة التى قلما تُطرح على شاشة السينما الإيرانية، وأعتقدُ أن الفيلم لو كان قد ظهر إلى النور فى نسخته الأصلية، لما خرج بهذا الشكل المشوش، حيث بدى كلوحة جميلة، ولكن تفتقر إلى الألوان!!..
محمد سيف الدين- دكتوراه فى الأدب الشعبى الفارسى، خاص لوكالة”رياليست” الروسية.