دمشق – (رياليست عربي): تعتبر التنمية الاقتصادية من المواضيع الحيوية التي شغلت اهتمام الباحثين والممارسين في حقل الاقتصاد الإسلامي. حيث تسعى العديد من الدراسات إلى استكشاف مفهوم التنمية من منظور إسلامي، مشددةً على الشمولية والتكاملية التي يفرضها هذا المنظور. ومع ذلك، هناك حاجة ملحة لفهم السياقات التاريخية والاجتماعية المتعلقة بالتنمية، والتي قد تُغفل في النقاشات الحالية. تهدف هذه الورقة إلى تناول الأدبيات المتعلقة بالتنمية الاقتصادية في الاقتصاد الإسلامي بصورة نقدية، مع التركيز على ضرورة تحسين إدارة النشاط التنموي في الدول الإسلامية.
مفهوم التنمية الاقتصادية في الاقتصاد الإسلامي:
يُعرّف مفهوم التنمية الاقتصادية في الاقتصاد الإسلامي بأنه عملية شاملة تهدف إلى تحسين جودة الحياة للمجتمع، بما يتماشى مع القيم والمبادئ الإسلامية. ويتضمن ذلك تحسين الظروف المعيشية، وتعزيز العدالة الاجتماعية، وتحقيق الاستدامة البيئية. يُعتبر الإسلام أن التنمية ليست مجرد نمو اقتصادي، بل تشمل أيضًا التنمية الروحية والاجتماعية والثقافية.
استراتيجيات التنمية الحالية:
تتضمن الأدبيات الاقتصادية الإسلامية العديد من الاستراتيجيات التي تدعو إلى تبني نماذج تنموية تعتمد على الشريعة الإسلامية. ومع ذلك، فإن هذه الاستراتيجيات غالبًا ما تُعاني من غموض وعدم وضوح في التطبيق العملي. على سبيل المثال، تجربة *البنك الإسلامي للتنمية* الذي يسعى إلى تمويل المشاريع التنموية في الدول الأعضاء، ولكن يواجه تحديات في تقييم آثار هذه المشاريع على المدى الطويل.
نقد المنهج السائد:
تعاني الأدبيات الحالية من نقص في تناول الجوانب التاريخية والاجتماعية التي تؤثر على العملية التنموية في الدول الإسلامية. حيث يجب أن تشمل المناقشات التاريخية كيفية تأثير الفترات التاريخية المختلفة على التنمية، وكيفية تأثير التغيرات الاجتماعية والسياسية على الأداء الاقتصادي. على سبيل المثال، أثبتت تجربة “تركيا” أنها تمكنت من تحقيق نمو اقتصادي كبير من خلال تحسين إدارة المؤسسات العامة وتبني سياسات اقتصادية متكاملة، مما ساعدها على تجاوز الأزمات الاقتصادية.
القيم الإسلامية والتنمية الاقتصادية:
تشير هذه الورقة إلى أنه لا يوجد تناقض بين القيم الإسلامية والقيم المطلوبة للنمو والتنمية الاقتصادية. القيم مثل العدالة، والمشاركة، والتعاون، والشفافية تتماشى مع مبادئ التنمية المستدامة. على سبيل المثال، توضح تجربة “الإمارات العربية المتحدة” كيف يمكن دمج القيم الإسلامية في الاستراتيجيات التنموية من خلال مبادرات مثل “مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للابتكار” التي تعزز من روح التعاون والابتكار.
الأسباب وراء الأداء الضعيف:
تشير الأبحاث إلى أن الأداء الضعيف للدول الإسلامية في مجال التنمية الاقتصادية يعود إلى عدة عوامل، أبرزها:
1. ضعف إدارة النشاط التنموي: تحتاج الدول الإسلامية إلى تحسين كفاءة إدارة المشاريع التنموية، وتعزيز الشفافية والمساءلة. على سبيل المثال، تجربة “مصر” في تنفيذ مشاريع التنمية المستدامة واجهت تحديات بسبب نقص التنسيق بين الجهات الحكومية.
2. الفساد: يعد الفساد من أكبر العوائق التي تواجه التنمية، حيث يؤثر سلبًا على توزيع الموارد واستثمارها بشكل فعّال. تشير تقارير مثل “مؤشر مدركات الفساد” إلى أن العديد من الدول الإسلامية تعاني من مستويات عالية من الفساد، مما يعوق جهود التنمية.
3. عدم التوافق بين السياسات: هناك حاجة إلى تنسيق أفضل بين السياسات الاقتصادية والاجتماعية لتحقيق الأهداف التنموية. تجربة “باكستان” تظهر كيف أن السياسات المتضاربة أدت إلى فشل في تحقيق الأهداف التنموية.
4. نقص في التعليم والتدريب: يجب تعزيز التعليم والتدريب لتمكين الأفراد من المشاركة الفعّالة في عملية التنمية. على سبيل المثال، برنامج *التعليم الفني والمهني* في “الأردن” يبرز أهمية تطوير المهارات العملية لتلبية احتياجات سوق العمل.
الدعوة إلى توحيد المؤسسات الإسلامية:
بدلاً من المناداة بإستراتيجية إسلامية واحدة للتنمية، تدعو هذه الورقة إلى توحيد المؤسسات الإسلامية في إطار استراتيجية تنموية شاملة. يجب أن تشمل هذه الاستراتيجية:
1. تعزيز التعاون بين الدول الإسلامية: من خلال تبادل المعرفة والخبرات والموارد. مثال على ذلك هو “منظمة التعاون الإسلامي” التي تعمل على تعزيز التنسيق بين الدول الأعضاء في مجالات التنمية.
2. تطوير برامج تعليمية متكاملة: تركز على المهارات اللازمة للتنمية الاقتصادية. تجربة “السعودية” في رؤية 2030 تُظهر كيف يمكن للبرامج التعليمية أن تعزز من المشاركة الاقتصادية.
3. تشجيع الابتكار وريادة الأعمال: من خلال إنشاء بيئات داعمة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة. تجربة “المغرب” مع “برنامج “المقاول الذاتي” تبرز كيفية دعم ريادة الأعمال وتحسين فرص العمل.
4. تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص: لتحقيق استثمارات فعالة ومستدامة. تجربة “قطر” في استثمارات البنية التحتية تُظهر كيف يمكن للقطاع الخاص أن يلعب دوراً محورياً في التنمية.
ختاماً، تتطلب التنمية الاقتصادية في الدول الإسلامية مقاربة شاملة تأخذ بعين الاعتبار السياقات التاريخية والاجتماعية. يجب أن تُدمج القيم الإسلامية في الاستراتيجيات التنموية الحديثة، مع التركيز على تحسين إدارة النشاط التنموي. إن توحيد الجهود بين المؤسسات الإسلامية وتطوير استراتيجيات متكاملة يمكن أن يسهم في تحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية.
خاص وكالة رياليست – د. ياسين العلي – باحث وخبير اقتصادي – سوريا.