إن إنسحاب بعض القوات الأمريكية من شمال سوريا بشكل مفاجئ من شمال سوريا، بالتزامن مع إطلاق تركيا للعملية العسكرية “نبع السلام”، يُقرأ على أن هناك إتفاقا ما بين الجانبين، وفي ذات الوقت، تخلي واشنطن عن الأكراد، الشريك الرئيس لها طيلة سنوات الأزمة السورية، لتُترَك الأمور للمصير المخطط له.
العمل العسكري الثالث
عٌقب تهاوي المناطق السورية بيد الفصائل الإرهابية في بداية الحرب على سوريا، ووسط ضبابية شديدة للوضع الميداني، دخلت أنقرة بثقلها في الملف السوري وأعلنت موقفها مع الطلقة الأولى في هذه الحرب، لتتبنى سياسية معادية للدولة السورية، من خلال فتح حدودها أمام الفارين والنازحين والإرهابيين ذهاباً وإيابا، فكانت العملية الأولى لها “درع الفرات” والثانية “غصن الزيتون” والثالثة الحالية “نبع السلام”، ضد الأكراد، على الرغم من عدم ذكر حوادث طوال سنوات الحرب بإتجاه الداخل التركي، إلا أن اللافت أنه ومع إقتراب الجيش السوري مدعوما بالقوات الروسية من تحرير إدلب ومحيطها، خرجت معلومات بحسب مصادر مطلعة تتحدث عن مفاوضات بين الجانبين السوري والكردي، وبين الكردي والتركي، في شمال شرق سوريا، إلا أن مفاجئة إنسحاب بعض القوات الأمريكية وإستهجانها للعمل العسكري ظاهريا، يدلل على أن لواشنطن أهداف غير معلنة لعل أبرزها الزج بأنقرة في الشرق ردا على عصيان الرئيس أردوغان لأوامر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حيال صفقة الإس 400 الروسية، فجاء الانسحاب بعد ضمان الإدارة الأمريكية للأكراد بأنهم يستطيعون الدخول في هذه المعركة بعد التدريب من الخبراء الأمريكيين إلى جانب الإغداق عليهم بكل أنواع العتاد والأسلحة.
تهديد و وعيد
على خلفية التنديد الدولي الواسع وتحديدا من أوروبا، هدد الرئيس أردوغان الغرب بفتحه الحدود أمام ما يقارب 3.6 مليون نازح بسبب تسميتهم للعملية العسكرية بالإجتياح، الأمر الذي رفضته الإدارة التركية وإعتبرته إنقلاب عليها ما أجبر أردوغان على التهديد المباشر في وقت اعتبر أن وجود تركيا في حلف شمال الأطلسي، يحتّم عليهم مساعدته في هذه العملية، على إعتباره شريك لهم وتملك بلده قاعدة جوية لهم “أنجرليك”، إلا أن الموقف الأوروبي جاء متشددا خصوصا من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي طالب بوقف العدوان بأقرب وقت حسب تصريحات له على وكالة الأنباء الفرنسية فرانس برس. في حين أن النرويج كانت قد علقت توريد الأسلحة إلى تركيا على خلفية العملية العسكرية ضد الأتراك. أما الإتحاد الروسي لم يذكر موقفا واضحا إزاء العملية، فقط أعلن تفهمه الخجول نوعا ما في قلق أنقرة مع مراعاة سيادة ووحدة الأراضي السورية.
لن تكون نزهة
من هنا، إن الرئيس الأمريكي وإن إتخذ منحىً يختلف عن نظرائه السابقين في تعاطيه مع الملفات الدولية، لكنه كما أسلفنا زج بالجيش التركي في معركة إستنزاف لن تكون سهلة متجنبا الدخول أو المواجهة معها، إلا أنه لم يعطها الضوء الأخضر للنجاح، بل أعطاها قنبلة موقوتة ستنفجر في أي لحظة، لأن الأكراد قوة متمترسة في الحرب ولها باع طويل في قتال داعش وغيره، فلن تكون هذه المعركة أسوة بالمعارك التركية السابقة، في حال إختارت القوات الكردية المواجهة وحيدة، أما في حال تم التعاون مع القوات السورية سيكون ذلك بمثابة سحب صمام الأمان لتلك القنبلة وستتفلت الأمور من يد تركيا تدريجيا، في حين تتقاطع معلومات عن الرد الروسي الدبلوماسي عبر مسعى لإقامة مؤتمر حوار سوري – كردي في موسكو يقطع الطريق على التمادي التركي إن وضع الطرفان يدهما سويا.
يبقى فصل القول، إن شمال شرق سوريا لن يكون سهل للنظام التركي وبعيدا عن فرضيات التقسيم المطروحة لن تحقق تركيا أياً من طموحاتها حتى وإن كسبت المعركة فستلقى مصير التمرد المشابه لما يقوم به حزب العمال الكردستاني في الداخل التركي منذ عقود.