موسكو – (رياليست عربي): من الواضح أن الأحداث الأخيرة غير متكافئة ولكن من المحتمل جداً أن يكون فيها بعض الارتباط الداخلي، فما هي أبرز النقاط التي سيبحثها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره التركي رجب طيب أردوغان؟
بالنسبة لصفقة الحبوب، فمن الممكن أن تحدث تحولات غير متوقعة على الإطلاق في مصيرها، ولكن لا جدوى من التنبؤ بما قد يصبح حقيقة في المستقبل القريب، خاصة وأنه تم الإعلان عن مؤتمر صحفي في أعقاب المفاوضات بين الرئيسين.
ومع ذلك، فإن صفقة الحبوب بحد ذاتها مؤشر على استعداد أطراف الصراع الحالي للتوصل إلى حلول وسط وحتى مفاوضات، وبهذا المعنى، تلعب تركيا دور الوسيط المقبول لدى كل من موسكو وكييف، خاصة وأن أردوغان أعلن استعداده مراراً لتولي دور الوسيط وتقديم كل الدعم الممكن، بما في ذلك تنظيم مفاوضات مباشرة مع أوكرانيا، لكن من الواضح أن مبادرة تركيا “السلمية” كوسيط في الصراع الروسي الأوكراني مشروطة، حيث أن أنقرة هي التي ضغطت من أجل تعيين رستم عمروف، كبديل عن وزير الدفاع السابق أليكسي ريزنيكوف.
ومن المنطقي الافتراض أن أردوغان سيتكهن مرة أخرى بموضوع المضائق، مما يهدد بتعطيل إمدادات القوات الروسية في سوريا، مع الأخذ في الاعتبار مسار أنقرة المؤيد لبريطانيا بشكل عام في البحر الأسود – القوقاز (مع التركيز على كاراباخ) – منطقة بحر قزوين، كما من المرجح أن يقوموا بقياس الوضع من أجل فهم موقف روسيا واستعداد بوتين للدخول في “حملة الشتاء” في أوكرانيا، وفي المقابل، ستكون ورقة روسيا الرابحة الرئيسة في المفاوضات هي مبادرتها بشأن بحر قزوين وتعزيز الممر اللوجستي بين الشمال والجنوب المؤدي إلى إيران مع إمكانية الوصول إلى منطقة الخليج، على الرغم من أنه من الممكن أن يكون هذا أيضاً موضوعاً للتحقيق بالنسبة لأنقرة.
هناك نقطة مهمة، وهي تزامن تغيير وزير الدفاع الأوكراني، أليكسي ريزنيكوف، وتعيين رستم عمروف، المثير للاهتمام، لدى رستم عمروف علاقة غير مباشرة بالجيش، وهو من تتار القرم ولد في أوزبكستان، وعمل كمدير أعلى في شركة الهاتف المحمول الأوكرانية لايف سيل – lifecell، المملوكة لشركة تركسل التركية، القريبة من عائلة أردوغان، وأحد المساهمين في توركسيل هو ألكسندر ماموت ، وهو شريك تجاري قديم لرومان أبراموفيتش، كما يُطلق على عمروف أحياناً لقب مهندس مفاوضات العام الماضي بين أوكرانيا وروسيا في بيلاروسيا وإسطنبول، وبطريقة مبسطة، كان على الأقل، جزءاً من جميع وفود كييف في ذلك الوقت، بالإضافة إلى ذلك، شارك في الإعداد وإجراء عملية تبادل الأسرى بوساطة المملكة العربية السعودية.
بالتالي، إن تعيين عمروف هو بمثابة إشارة إلى تركيا والولايات المتحدة، حيث يبدو أن زيلينسكي يتجه لزيارة قريبة، وفي كييف، يعملون الآن بنشاط على الترويج للنجاحات التي حققتها القوات المسلحة الأوكرانية في منطقة قرية رابوتينو ويتحدثون عن اختراق في الهجوم المضاد، قابله تصريحات وزارة الدفاع الروسية “في قطاع زابوروجيا، عن صد العديد من الهجمات الأوكرانية..”.
الآن وتحديداً في الغرب، وعلى خلفية التصريحات الرسمية حول الدعم اللامتناهي لأوكرانيا، يتحدثون بشكل متزايد عن الخطوط العريضة لخطة لإنهاء الصراع، على سبيل المثال، هناك عدد من التصريحات التي تتحدث عن أن جوهر الهجوم المضاد الأوكراني لم يؤد إلى شيء، والصراع مصدر متاعب ومعاناة لآلاف الأشخاص، والتغييرات الإيجابية ممكنة في روسيا، التوقعات الغربية تشير إلى أنه بعد بداية عام 2024 مباشرة من الضروري الانتقال إلى المفاوضات، لكن حتى ذلك الوقت، سيكون من الضروري تنظيم اجتماع لممثلين – من روسيا والولايات المتحدة (الأخيرة ستضمن موافقة أوكرانيا)، وسيكون هذا الاجتماع، بمثابة “تفاعل ما قبل التفاوض” بين الجانبين، والذي من شأنه أن يضع الأسس لتسوية مستقبلية.
وهذا يقود إلى أن زيارة أردوغان، واجتماع وزيري خارجية تركيا وإيران، وتغيير وزير الدفاع الأوكراني، رغم طرح العديد من الملفات التي تستوجب الحل، ما هي إلا واجهة للحدث الأبرز والأهم، أي وضع الأرضية المناسبة لمسألة إنهاء الصراع الأوكراني ليس مع أوكرانيا بل مع اللاعبين الكبار، وقد يتبادر نتيجة لذلك سؤال مهم، هل تحققت الشروط الروسية لتخطو هذه الخطوة؟
ببساطة، يبدو أن العائق الأكبر بالنسبة للغرب كان شركة فاغنر العسكرية، ومع حلّها، وبصرف النظر عن ملابسات أحداث 24 أغسطس التي أودت بحياة مؤسس الشركة، ورجل الأعمال يفغيني بريغوزين، يبدو أن هذا بادرة حسن نية من الجانب الروسي وإذا صح القول، إنه تنازل باهظ الثمن، لكن بعد مضي عام على العملية العسكرية الخاصة، أصبح ضرورة لا بد من تقديمها.
وانطلاقاً من مبدأ أنه لا يوجد دخان بلا نار، فإن المفاوضات في سوتشي عشية قمة مجموعة العشرين المقبلة في نيودلهي يمكن أن يكون لها تداعيات إيجابية أو سلبية أوسع بكثير من تطور العلاقات الثنائية وحتى مصير اتفاق الحبوب.
خاص وكالة رياليست – سمر رضوان – نائب رئيس تحرير وكالة رياليست.