موسكو – (رياليست عربي): بعد أجرى الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والبيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو محادثات في الكرملين، يوم الخميس الموافق لتاريخ 13 مارس 2025 عندما وصل زعيم الدولة المجاورة لروسيا الإتحادية إلى موسكو في زيارة رسمية استمرت يومين، وقام فيها بتاريخ 14 مارس 2025 بإلقاء كلمة هامة أمام نواب مجلس الفيدرالية للإتحاد الروسي، أو ما يعرف بــــــــــ(مجلس الشيوخ):
- أكد الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو أثناء كلمته تلك أمام أعضاء مجلس (الشيوخ) الروسي، أن بلاده بيلاروس لن تندمج رسمياً مع روسيا الإتحادية في المستقبل القريب، بعد وصول معلومات تفيد بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يعيد النظر في خطط ضم بيلاروس رسمياً بمجرد إنتهاء الحرب الحالية ضد أوكرانيا.
- وعلى الرغم من تأكيد ألكسندر لوكاشينكو على العلاقات الطيبة مع مجموعة من الجهات الفاعلة الدولية والعالمية بما في ذلك جمهورية الصين الشعبية ومنظمة شنغهاي للتعاون والإتحاد الأوروبي، إلا أن الرئيس لوكاشينكو أكد بأن مينسك (ستقف دائماً إلى جانب موسكو)، ومضيفاً بأنه لا يمكن أن يكون الأمر غير ذلك، لأن جمهورية بيلاروس لن تترك روسيا الإتحادية وحدها أبداً في حربها الحالية، تماماً كما أن روسيا الإتحادية لن تترك جمهورية بيلاروس أبداً.
- ولهذا السبب، وفي أعقاب محادثاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقع لوكاشينكو وبوتين بياناً مشتركاً تعهدا فيه بتوسيع التعاون الثنائي في مجالات الإقتصاد والإستثمار والتجارة، حيث أضاف هذا التعهد المشترك المزيد من الإلتزامات الأمنية والعسكرية بين الدولتين وهو الأمر الذي سيتيح لموسكو تسليج جارتها بصواريخ (أورشنيك) الإستراتيجية التي ستنصب قريباً فوق الأراضي البيلاروسية.
- كما وقع الرئيسان بوتين و لوكاشينكو على مجموعة تدابير تشريعية سيتم العمل بها قريباً بين الجانبين، إذ ستسمح هذه التدابير للروس في جمهورية بيلاروس وكذلك للبيلاروسيين في روسيا الإتحادية المشاركة في (الإنتخابات المحلية) في كلا البلدين، في الوقت الذي تستوعب فيه موسكو جارتها ببطء، في إشارة إلى التكامل المتزايد بين روسيا الإتحادية وجارتها بيلاروس الخاضعة لسيطرة مشددة، وهو القرار الذي أكد عليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتن خلال عطلة نهاية الأسبوع حينما أعلن أن البيلاروسيين المقيمين في روسيا الإتحادية ومواطنيه المقيمين في بيلاروس يمكنهم الآن المشاركة في انتخاباتهم المحلية.
أما فيما يتعلق بموقف مينسك وموسكو من الحرب الحالية في أوكرانيا وعرض الهدنة الأمريكي:
أكد الرئيس البيلاروسي (ألكسندر لوكاشينكو) أن جمهورية بيلاروس ليس لديها خطط لمهاجمة أوكرانيا الآن، علماً بأن الجانب البيلاروسي قد قام بحماية حدوده وتزويدها بأحدث وأفضل أنواع الأسلحة.
ورداً على اتهامات أوكرانيا بأن النظام البيلاروسي نظام معتدي نظراً لأن القوات الروسية دخلت إلى الأراضي الأوكرانية نزولاً من جمهورية بيلاروس:
- ردَّ الرئيس لوكاشينكو بأن الروس جاءوا من بيلاروس، ليس لأنه أراد أن يساعد روسيا الإتحادية، وإنما لأن أوكرانيا فرضت حالة حرب إقتصادية سيئة للغاية ضدَّ جمهورية بيلاروس، بعد أن تخطت أوكرانيا حتى على الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي في فرضها للعقوبات الإقتصادية ضدَّ بيلاروس.
- كما أعلن ألكسندر لوكاشينكو أن مينسك طلبت من روسيا الإتحادية بناء محطة طاقة كهروذرية ثانية في بلاده، وأنه تمت مناقشة هذه المسألة خلال اجتماعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن استهلاك الكهرباء في بلده بيلاروس ينمو كثيراً بما في ذلك بسبب بناء المساكن التي يتم تشغيل محطات تدفئتها بالكهرباء.
- وعن الجوانب الإيجابية لهذا المشروع، أفاد (ألكسندر لوكاشينكو) بأن المحطة الثانية في بيلاروس يمكن أن توفر الطاقة الكهربائية للمناطق الروسية الجديدة في حوض دونباس مثل، لوغانسك، ودونيتسك، وزابوروجيه، وخيرسون، مضيفاً بأن مينسك ستقوم ببناء المحطة بشكل أساسي بنفسها باستثناء المفاعل والتوربينات التي ستتولى روسيا الإتحادية تصنيعها.
- كما كشف لوكاشينكو بأن روسيا الإتحادية وبيلاروس تعملان على تطوير قمر استطلاع جديد يتمتع بدقة فائقة، ولفت النظر أيضاً إلى أن البلدين يدرسان إمكانية إنشاء مراكز وتقنيات نووية مشتركة. مشيراً في الوقت نفسه أن حجم التجارة المتبادلة بين البلدين قد ارتفع خلال العام الماضي بنحو 6 % وبلغ حوالي 50 مليار دولار أمريكي، وهو الأمر الذي يبشر بالمزيد من التعاون التجاري بين ميسنك وموسكو خاصةً خلال العام الجاري 2025.
آراء المراقبين والمحللين والخبراء في مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية الروسية والعالمية:
- تحدث العديد من المراقبين والمحللين والخبراء في مجال العلاقات الدولية من المختصين بملف العلاقات (الروسية – البيلاروسية) وتأثير هذه العلاقات على البلدين وعلى كلا النظامين الحاكمين في الكرملين الروسي وفي القصر الرئاسي البيلاروسي، فأكدوا لدى كلا الجانبين (الروسي والبيلاروسي) أن الوضع الحالي لجمهورية بيلاروس هو الذي يفرض عليها أن تتعامل مع روسيا الإتحادية بهذه الطريقة بعد أن ابتعدت مينسك كثيراً عن عواصم الغرب، والتي اتهمتها بالقيام بحملة القمع العنيفة التي شنها (ألكسندر لوكاشينكو) على الإحتجاجات الجماهيرية التي حدثت في عام 2020 ضد نتائج الإنتخابات الرئاسية البيلاروسية، حيث اعتبرتها عواصم الغرب بأنها انتخابات مزورة، كما اتهمت نظام لوكاشينكو بالعمل على تقييد الحريات السياسية بشكل أكبر وتعميق تحالفه مع موسكو، وتوفير الدعم اللوجستي والعسكري لحرب روسيا الإتحادية ضد أوكرانيا .
- كما يؤكد بعض الخبراء الروس المقربين من الإدارة الرئاسية الروسية في الكرملين الروسي، أنه حتى قبل بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، فقد أعلن الكرملين الروسي عن وضع شبه (خطة سرية) أطلق عليها قادة موسكو إسم (الضم السياسي الزاحف لجمهورية بيلاروس نحو روسيا الإتحادية بحلول عام 2030)، حيث تضمنت الخطة خطوات لتوحيد القوانين الروسية والبيلاروسية، وتنسيق السياسة الخارجية والدفاعية، والتكامل الإقتصادي على أساس المصالح الروسية.
- وهنا تتحدث الخبيرة السياسية الروسية في شؤون جمهورية بيلاروس، السياسية (فالنتينا ماتفيينكو) والتي تشغل حالياً منصب رئيسة مجلس الإتحاد الروسي (مجلس الشيوخ)، فتؤكد ماتفيينكو بأن بلادها روسيا الإتحادية قد كثفت بالفعل من جهودها مع جمهورية بيلاروس لمكافحة العقوبات الغربية، وكذلك من أجل سلوك مسار مشترك لتحقيق إستقلال جدي ضمن عمليات الإستيراد والتصدير المتنامية بين البلدين التي وصفتهما بالجارين والبلدين الشقيقين.
- كما أكدت الخبيرة والمسؤولة الروسية الكبيرة (فالنتينا ماتفيينكو) أن رئيسا الدولتين قد أعلنا مراراً وتكراراً عن رأيهما بأن مينسك وموسكو قادرتان على القيام بكل شيءٍ لتحقيق استقلالهما وتقليل اعتمادهما على الواردات الأجنبية ضمن الصناعات الحساسة، وهو الأمر الذي يبرر قيامها خلال مهمتها الأخيرة إلى بيلاروس، بزيارة عدد من الشركات البيلاروسية التي تُنتج إلكترونيات فائقة التطور.
- وأضافت فالنتينا ماتفيينكو بأن هذا الأمر سيفتح المجال لتحقيق نوع من السيادة التكنولوجية والسيادة الصناعية لروسيا الإتحادية، وبالذات من خلال الخطط المشتركة بين وزارات وحكومات البلدين لتنفيذ برامج دولة الإتحاد (الروسي – البيلاروسي)، والذي سيغطي قريباً جميع القطاعات السياسية والإقتصادية والتجارية والأمنية والعسكرية.
- والجدير بالذكر أن كلاً من قادة روسيا الإتحادية وجمهورية بيلاروس، قد وصفا في بيان مشترك مختلف تحركات حلف الناتو بشأن الأزمة الأوكرانية بأنها تحركات (عدائية ومزعزعة للإستقرار) ومحفوفة بمخاطر الصراع النووي، حيث أكد البلدان استعدادهما لاتخاذ إجراءات عسكرية وأمنية ودبلوماسية رداً على تحركات حلف الناتو، وهو الأمر الذي دفع الرئيس (ألكسندر لوكاشينكو) ليؤكد أن موقف بلاده يتسق مع موقف روسيا الإتحادية شكلاً وتفصيلاً في كل ما يخص القضية الأوكرانية، نظراً لأن أراضي البلدين قد باتت ساحة مقاومة عسكرية من أجل إيجاد نظام عالمي عادل متعدد الأقطاب، مضيفاً بأنه لأجل ذلك اتفق مع روسيا الإتحادية على حقوق متساوية بما يسمح لمواطني البلدين بالترشح والإنتخاب في أي منهما، للإندماج معاً ضمن دولة الإتحاد في المستقبل القريب.
خاص وكالة رياليست – حسام الدين سلوم – دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية – خبير في العلاقات الدولية الروسية.