موسكو – (رياليست عربي): على الرغم من أن العديد من وكالات الأنباء والصحف العالمية قد نقلت معلومات بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد طلب من المرشد الإيراني علي خامنئي أن يكون ردَّ بلاده على الإغتيالات السياسية التي قامت بها إسرائيل مؤخراً، هو مجرد رد محدود، وأن الرئيس بوتين قد حثَّ المرشد من أجل تجنب استهداف المدنيين الإسرائيليين خلال الهجوم الإيراني المرتقب:
- ما زالت زيارة الأمين العام لمجلس الأمن القومي الروسي، الجنرال (سيرجي شويغو) إلى طهران خلال فترة يومي 5 و 6 أغسطس 2024، ولقائه مع كبار المسؤولين في طهران، تثير فضول عواصم الدول الغربية وإسرائيل، نتيجة بعض المعلومات التي سربت من طهران إلى أجهزة الأمن الغربية، والتي تفيد بأن القادة العسكريين الإيرانيين قد حاولوا بشدة إقناع القادة العسكريين الروس من أجل تزويد إيران بطائرات روسية قاذفة مقاتلة متطورة للغاية، في الوقت الذي حاولت فيه موسكو إقناع طهران بضرورة ضبط النفس لتجنب إندلاع حرب إقليمية، مع إدانتها في الوقت نفسه لحوادث الإغتيال الأخيرة التي يعتقد بأن إسرائيل نفذتها في إيران، تماماً كما أعلنت المسؤولية عن تنفيذها في لبنان.
- وتفيد المعلومات الأولية التي رشحت بعد اجتماع المبعوث الروسي إلى طهران الجنرال (سيرجي شويغو) مع المرشد الإيراني (علي خامنئي) أن الأخير أوضح لضيفه الروسي بأن منطقة الشرق الأوسط باتت على شفا حرب كبرى، وأن من قاموا بعمليات الإغتيال (أي إسرائيل) يحاولون إشعال فتيل هذا الصراع، وليس إيران هي من تقوم بالتصعيد، ولذلك يجب على روسيا دعم إيران في الحرب المقبلة.
- وعلى الرغم من أن زيارة المسؤول الروسي ظهرت وكأنها جرت من قبل الجانب الروسي لتخفيف حدة التصعيد المتنامي بين إيران وإسرائيل، إلا أن الزيارة كانت بدعوة من أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني (علي أكبر أحمديان) الذي أراد طرح العديد من الملفات على طاولة البحث مع الحلفاء الروس.
- ويعتقد أن أحد أبرز هذه الملفات كان طلب مباشر من قبل طهران إلى موسكو لكي تقوم الأخيرة بتزويدها بأنواع معينة من الأسلحة، إلى جانب الأسلحة الأخرى التي وصلت إلى إيران مثل نظام الحرب الإلكترونية (مورمانسك-بي إن) وغيرها من أنظمة الصواريخ الباليستية التكتيكية مثل صواريخ (إسكندر) ذات القدرة الإستراتيجية، وهو الأمر الذي أغضب إسرائيل كثيراً بعد وصول العديد من المعلومات إلى تؤكد بأن روسيا قد لا تحارب إلى جانب إيران، ولكنها لن تسمح في الوقت نفسه بأن تتعرض إيران لضربات جوية قوية قاصمة من قبل الإسرائيليين. وما أثار غضب قادة إسرائيل أكثر هو أن نظام (مورمانسك-بي إن)، إنما هو نظام حرب إلكتروني قصير الموجة مصمم لاعتراض الإشارات والتشويش عبر نطاق الموجات القصيرة، ويمتد تأثيره حتى مسافة 5000 كيلو متر، حيث يؤكد الخبراء الروس أن هذا النظام يمكن أن يلعب دوراً حاسماً في أي صراع مسلح قد ينشب بين إيران و إسرائيل.
- وقد انتقد العديد من المسؤولين والأمنيين الروس ما نشرته صحيفة معاريف الإسرائيلية، والتي أعلنت بأن عدة طائرات نقل عسكرية روسية من طراز (إل – 76) قد هبطت في طهران خلال الـــــ48 ساعة الماضية بالتزامن مع وصول (سيرجي شويغو) إلى طهران، حيث يعتقد خبراء جهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد) بأن عملية إمدادات الأسلحة الروسية إلى إيران قد بدأت بالفعل، وهو ما اعتبره الإسرائيليون انحيازاً من قبل الروس إلى جانب الإيرانيين في هذا الصراع، خاصةً وأن الروس والإسرائيليين كانوا قد اتفقوا سابقاً على عدم حصول طهران على منظومات صواريخ (إسكندر) المعروفة بقدراتها الصاروخية التكتيكية المتقدمة، والتي تتيح لطهران ضرب بعض المواقع العسكرية فوق الأراضي الإسرائيلية.
- وعلى الرغم من أن العديد من وسائل الإعلام الروسية قد نشرت بأن (سيرجي شويغو) قد طلب من الإيرانيين التروي وضبط النفس، والقيام برد محدود ومعقول، وعدم التعرض للمدنيين في إسرائيل نظراً لأن إسرائيل لم تتعرض للمدنيين في مدن إيران، وإنما قامت بضرب مواقع عسكرية إيرانية بحتة، إلا أن كل هذه المعلومات لم تخفف من استياء الجانب الإسرائيلي الذي بات يعتقد وفق وسائل الإعلام الإسرائيلية الرسمية، بأن موسكو قد أوصلت منظومات دفاع جوي معينة إلى طهران، وأن سلاح الجو الإسرائيلي كان عليه القيام بضربة إستباقية ضدَّ بعض الأهداف العسكرية فوق الأراضي الإيرانية، وهو الأمر الذي بدأ يحرك العديد من أذرع اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية لإقناع واشنطن بأن روسيا قد اتخذت موقفها بشأن (الصدام العسكري المقبل) في منطقة الشرق الأوسط، وأن الموقف الأمريكي إلى جانب إسرائيل يجب أن يكون واضحاً، وأن لا يقتصر على التنديد بتصرفات إيران ودعمها للجماعات الموالية لها في لبنان والعراق وسوريا واليمن وإنما يجب أن يتعدى ذلك.
- من الجانب الروسي: حاول المسؤولون الروس التخفيف من حدة ما تنشره وسائل الإعلام العالمية والإسرائيلية بشأن زيارة الجنرال (سيرجي شويغو)، حيث قام الأخير نفسه بالإعلان أن هذه الزيارة إلى طهران كانت مقررة سابقاً، وأن التصعيد الحالي بين إيران وإسرائيل ليس سبباً لحصولها، نظراً لأن موسكو قد أعلنت سابقاً في بداية شهر مايو 2024، أي عندما كان (سيرجي شويغو) حينها وزيراً للدفاع بأنه سيقوم شخصياً بزيارة إلى طهران لبحث التعاون العسكري بين الجانبين الروسي والإيراني، خاصةً وأن هذا التعاون الأمني والعسكري بين طهران وموسكو يجري على قدم وساق، وهو الأمر الذي يؤكده معظم الخبراء العسكريين الروس من الذين يعترفون علناً بأن التعاون العسكري الروسي الإيراني قد ظهر واضحاً خلال الفترة الأولى للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، عندما قامت طهران بتزويد موسكو بالعديد من المسيرات الإيرانية، والتي باتت موسكو فيما بعد تصنعها بالتعاون مع طهران في مصانع خاصة فوق الأراضي الروسية، ولهذا السبب فقد كانت الزيارة ضرورية لبحث مجموعة من الملفات الأمنية والعسكرية، وكذلك لوضع الخطوط السياسية الرئيسية لإبرام معاهدة إستراتيجية كبرى بين موسكو وطهران يتم التجهيز لها حالياً لدى هيئات الأركان العسكرية في كلا البلدين.
آراء المراقبين والمحللين والخبراء في مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية الروسية والعالمية:
- يرى العديد من المحللين والمراقبين والخبراء في مجال العلاقات الدولية من المختصين بملف تطورات الصراع (الإيراني – الإسرائيلي) وانعكاس هذه التطورات على السياسة الخارجية الروسية مثل الخبير الإسرائيلي (رون بن يشاي) الذي نشر مقالاً له في صحيفة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيلية، أكد فيه أن موسكو تحاول بالفعل إقناع طهران تجنب إيقاع خسائر فادحة أو دمار في الجبهة الداخلية والبنية التحتية المدنية في إسرائيل،وذلك كي لا تثير (رد فعل مدمر) من قبل الجيش الإسرائيلي الذي يعد العدة حالياً هو الآخر الآن لحرب طويلة الأمد ضدَّ إيران، معتبراً أن وقوف الولايات المتحدة الأمريكية وما يعرف بإسم (التحالف الدولي) إلى جانب إسرائيل سيشكل عامل ردع وتقييد كبير لحجم الرد الإيراني.
- فيما يعتبر الخبراء في معهد دراسة الحرب، والذي يقع مقره في الولايات المتحدة الأمريكية، مثل الخبير العالمي الأمريكي (بريان كارتر) إلى أن مساعدة روسيا لإيران قد تدفع طهران حالياً لإيصال مثل هذه الصواريخ إلى الجماعات الموالية لإيران مثل الحوثيين في اليمن على سبيل المثال، مما سيجعل العديد من دول الإقليم تقع في نطاق تهديد هذه الصواريخ الروسية، وأولها دول الخليج العربية مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة التي تعاني من هجمات الحوثيين في منطقة الخليج، فضلاً عن تهديد الحوثيين للسفن الأمريكية في حوض البحر الأحمر و مضيق باب المندب.
- وتؤكد التقارير الإستخباراتية التي أعلنت إسرائيل بأنها تزودت بها من المخابرات المركزية الأمريكية أنه لربما يكون من المرجح أن تستخدم إيران ومحور المقاومة الموجة الأولى من الهجمات على إسرائيل لتقييم قدرة الدفاعات الجوية الإسرائيلية استعداداً للموجة الثانية من الهجوم الإيراني المرتقب، وخلافاً للهجوم الأول الذي قامت به طهران خلال شهر أبريل 2024 باستخدام وابل كبير من الطائرات بدون طيار والصواريخ التي أطلقت من إيران مباشرةً، فإن الإيرانيين يفكرون حالياً بهجمات متعددة تستهدف إسرائيل لملاحظة مدى تعامل منظومة (القبة الحديدية الإسرائيلية) ومنظومة (مقلاع داود) الصاروخية مع نوع المقذوفات الإيرانية التي سيتم إطلاقها على إسرائيل، وعلى الأهداف الحيوية والعسكرية التي قد تفكر إيران بمهاجمتها.
- ولهذا السبب، يعتقد الجانب الإسرائيلي أن ما نشرته صحيفة (وول ستريت جورنال) نقلاً عن مسؤولين أميركيين لم تحدد هويتهم، أن إيران قد بدأت بالفعل بتحريك منصات إطلاق الصواريخ وإجراء تدريبات عسكرية، لربما يكون فعلاً استعداداً للهجوم الإيراني المتوقع، لأن هذه التدريبات تهدف إلى تحريك القوات وبطاريات الصواريخ إلى مواقعها استعداداً للضربة الانتقامية الإيرانية ضدَّ إسرائيل، حيث يعتقد الخبراء الأمريكيون بأن هدف التدريبات العسكرية الإيرانية يتجسد بممارسة وتقييم المهام الموصوفة وإعداد القوات الإيرانية للقتال.
- وتؤكد المعلومات الأمنية والإستخباراتية التي وصلت إلى جهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد) نقلاً عن عملاء لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ونشرتها (يدعوت أحرنوت) أن طهران خلال هذه الفترة، ومنذ مطلع شهر آب أغسطس ولغاية منتصف الشهر تقريباً، تحاول أن تستخدام التدريبات العسكرية الإيرانية كغطاء لتحريك القوات والذخائر إلى مواقعها الحقيقية استعداداً للعملية العسكرية الإيرانية الجدية، حيث ستعمل إيران من خلال عمليات النقل والتمويه هذه، إلى تمويه المواقع الحقيقية التي ستتمركز فيها الصواريخ الإيرانية خشية أن يقوم سلاح الجو الإسرائيلي بضربها ومسحها بالأرض.
- وما يقلق الأمريكيين حالياً وحلفائهم من دول الخليج العربية حالياً، ويقلق روسيا معهم أيضاً، هو أن إيران قد أصدرت حتى الآن ثمانية إشعارات (بإطلاق الصواريخ الموجهة أو المدافع أو القذائف) لمنع التحليق في بعض المناطق، حيث تغطي اثنتان من هذه الإشعارات مناطق قريبة من مسارات الطيران المدني في غرب إيران، والتي يبدو أن إيران تقوم بمنع عمليات التحليق فيها، تجهيزاً للقيام بأي هجوم انتقامي ضدَّ إسرائيل، حيث تشمل هذه الإشعارات المجال الجوي على ارتفاع 12000 قدم، ورغم أنه أقل بكثير من ارتفاع تحليق الطائرات المدنية، لكنه أجبر العديد من شركات الطيران المدنية لتجنب تلك المناطق الجوية، حيث بدأت تتحاشى التحليق هناك تحسباً لانفجار الوضع في أي لحظة.
- ونظراً لأن تجنب هذه المناطق وعدم التحليق فيها قد تمَّ التشديد عليه خاصةً خلال الفترة الممتدة من السادس ولغاية الثامن (6 إلى 8) من أغسطس 2024، فقد تكون هذه الأيام الثلاثة حافلة بالأحداث العسكرية بين إيران وإسرائيل، حيث أن إيران، وحتى إن لم تقم بالهجوم مع محور المقاومة التابع لها لتنفيذ الضربات الإنتقامية ضد إسرائيل، فإنها على الأقل ستحدد شكل الرد العسكري الإيراني الذي سيحصل، والذي يمكن أن يكون على شكل ضرب أهداف إسرائيلية بصواريخ تصل مسافتها إلى 500 كيلو متر بدقة عالية، مما يجعلها أداة فعالة للغاية لضرب بعض الأهداف داخل إسرائيل.
- هذا الوضع الأمني والعسكري، هو في حقيقة الأمر الذي أغضب إسرائيل من روسيا مؤخراً، حيث تعتقد تل أبيب بأن موسكو لا يجب عليها بأي شكل من الأشكال تسليم مثل هذه الأسلحة المتطورة إلى طهران، لأن إيران بدورها يمكن أن تقوم بتسليم هذه الأسلحة إلى جهات إقليمية أخرى، ولأن هذا الأمر سيغير بشكل كبير في توازن القوى الإقليمي، خاصةً وأن منظومة صواريخ (إسكندر) الروسية تشكل تهديداً كبيراً للبنية التحتية العسكرية، وأن قيام روسيا بتسليم هذا النوع المتقدم من الصواريخ لإيران (إن صحت المعلومات التي نشرتها مختلف وسائل الإعلام الأمريكية والإسرائيلية) إنما يؤكد بما لا يدعو للشك استعداد روسيا المتزايد لدعم إيران ووكلائها في مختلف مناطق ودول الشرق الأوسط، من أجل استخدامهم لاحقاً ضمن المواجهة غير المباشرة ، سواءً ضدَّ إسرائيل التي دعمت قوات نظام كييف في أوكرانيا، أو ضدَّ الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الأمر الذي بات يدفع الإسرائيليين للتفكير بأن محاولات موسكو الدبلوماسية لتقديم سياستها في الشرق الأوسط على أنها سياسات متوازنة، باتت تصطدم بالموقف الروسي البراغماتي الداعم لإيران، والذي يمكن أن يزيد من تدهور العلاقات مع الدول الغربية القلقة من التعاون (الروسي – الإيراني)، حيث يمكن لهذا الموقف الروسي أن يعطي الولايات المتحدة الأمريكية الذريعة المناسبة للوقوف إلى جانب إسرائيل أكثر، وهو الأمر الذي سيعقد المشهد أكثر فأكثر في منطقة الشرق الأوسط المضطربة، والتي باتت قاب قوسين أوأدنى من الإنفجار الكلي.
حسام الدين سلوم – دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية – خبير في العلاقات الدولية الروسية.