بكين – (رياليست عربي): خلال الأسابيع القليلة الماضية، وصلت التوترات بين فنزويلا وجويانا إلى نقطة الانهيار تقريباً، في الثالث من ديسمبر/كانون الأول، أجرى الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو “استفتاء تشاورياً” وطنياً حول مصير إيسيكويبو، تحتوي هذه المنطقة المتنازع عليها والتي تديرها جويانا على احتياطيات كبيرة من الذهب والماس والنفط والغاز الطبيعي، والتي تهتم بها الولايات المتحدة والصين على حد سواء.
وتقول جويانا، إن الحدود الحالية التي حددتها محكمة التحكيم الدولية في عام 1899 خلال حقبة الاستعمار البريطاني يجب أن تظل كما هي، حيث لم تعترف فنزويلا مطلقاً بهذا القرار، وتخلت مؤقتاً عن مطالبتها بإيسيكويبو في عام 1903، في أعقاب مفاوضات السلام بين الدول الأوروبية التي أعادت الاعتراف بالحدود الحالية وأنشأت سابقة قانونية قابلة للتطبيق.
ولم تنجح الجهود الدبلوماسية اللاحقة لحل النزاع، فقد تمت مناقشة النزاع الإقليمي في محكمة العدل الدولية منذ عام 2018، والتي قبل يومين من الاستفتاء المقرر منع كاراكاس من اتخاذ أي إجراء بشأن إيسيكويبو، ومع ذلك، ظل الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو يجري استفتاءً، وحصل على الموافقة على ضم إيسيكويبو من قبل أكثر من 95% من السكان.
بالإضافة إلى ذلك، وافق على خريطة جديدة للبلاد وعين قائداً واحداً للدولة الجديدة، وعارضت جويانا بدورها بشدة الاستفتاء وأي محاولات لضم إيسيكويبو، ويرى كلا البلدين فرصا اقتصادية ملحوظة في المنطقة المتنازع عليها.
منذ عام 2015، اكتشفت شركات النفط بما في ذلك إكسون موبيل 46 حقلاً نفطياً في جويانا، تم اكتشاف أربعة منها في عام 2023 وحده، مع الإعلان عن الاكتشاف الأخير علناً في أكتوبر من هذا العام، يمكن أن تمتلك جويانا احتياطيات نفطية تتجاوز 11 مليار برميل، وهو ما سيجعل شعبها، إذا تم تطويره، أكثر ثراءً من شعب الكويت أو الإمارات العربية المتحدة.
ومن الواضح بالفعل أن النزاع حول المنطقة الواعدة سيتم حله مرة أخرى على المستوى الدولي، وقد قامت البرازيل، وهي جارة لفنزويلا وجويانا، بحشد قواتها لحماية حدودها المشتركة مع البلدين، ولكنها تبذل قصارى جهدها لحل الصراع من خلال الدبلوماسية، والتزمت الولايات المتحدة، التي قامت مؤخراً بتطبيع العلاقات مع مادورو، الصمت إلى حد كبير لكنها أجرت مناورات عسكرية مع جويانا.
وقالت الحكومة الصينية إنها لا تزال “صديقة جيدة” لكلا البلدين.
وفي حالة فنزويلا، دعمت السلطات الصينية بشكل كامل مطالبة مادورو بالرئاسة وزودته بالمساعدة المالية والأمنية، ولدى الدولتين برنامج فضائي مشترك، و”شراكة تنمية استراتيجية” متبادلة، وتشارك فنزويلا في مبادرة الحزام والطريق وهي أيضاً إحدى الدول التي تقدمت بطلب للانضمام إلى البريكس، ومنذ عام 2010، أقرضت بكين فنزويلا 150 مليار دولار. ويعيش على أراضيها أكثر من 500 ألف مواطن صيني.
وتعد الصين أيضاً واحدة من أكبر المشترين للموارد الطبيعية لفنزويلا، بما في ذلك النفط والغاز والذهب، بالإضافة إلى ذلك، اشترت بكين النفط الفنزويلي، على الرغم من العقوبات الأمريكية، وبعد أن توقفت شركة CNPC الصينية الحكومية عن توريد النفط الفنزويلي في عام 2019 بسبب تشديد العقوبات، بدأت الصين في استلامه من خلال التجار الذين ظهروا على أنهم ماليزيين.
وبحسب شركة كبلر لتعقب الناقلات، اشترت الصين 110 ملايين برميل من النفط الفنزويلي في عام 2022 (حوالي 300 ألف برميل يومياً)، ويقدر متخصص آخر في عد الناقلات، فورتكسا، أن واردات الصين من النفط الفنزويلي المسمى بالنفط الماليزي أو خليط البيتومين بلغ متوسطها 430 ألف برميل يومياً خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2023.
بالتالي، ليس من المستغرب أن تصدر وزارة الخارجية الصينية على الفور بياناً يدعو إلى الهدوء ودعم الحل السلمي للنزاع الحدودي، وقال المتحدث باسم الوزارة وانغ وين بين إن “الصين تحترم دائماً سيادة جميع الدول ووحدة أراضيها”.
وتغطي وسائل الإعلام الحكومية الصينية أيضاً القضية باعتبارها “نزاعاً إقليمياً” وليس تأكيداً لسيادة فنزويلا على أراضي دولة أجنبية، علاوة على ذلك، فإن تغطية الأحداث، كما يلاحظ الخبراء، محايدة بشكل مدهش، وتلخص تقارير الحكومة الصينية مظالم كل من فنزويلا وجويانا، حتى أن الصين ذكرت حكم محكمة العدل الدولية وإدانة جويانا لاستفتاء إيسكويبو.
ويعكس هذا الحياد، بحسب المحللين، رغبة بكين في زيادة نفوذها في منطقة كانت تهيمن عليها الولايات المتحدة في السابق، لكنه يريد أن يفعل ذلك دون تنفير أي من شركائه ودون الإضرار بمصالحه.
ولدى الصين اهتمام عميق بالموارد الطبيعية في إيسيكويبو ولا تريد للخلافات الجيوسياسية أن تعرض احتياجاتها للخطر، لذلك، على الأرجح أنه سيستخدم كل الأدوات الممكنة لمنع الصراع من التطور إلى حرب شاملة، وسوف تضغط فقط على هذه الروافع بهدوء.