لاهاي – (رياليست عربي): أصدر قضاة المحكمة الجنائية الدولية اليوم قراراً بشأن طلب تقديمه من قبل جنوب أفريقيا لفرض إجراءات طارئة ضد إسرائيل، حيث تتهم بريتوريا إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية نتيجة للعمليات العسكرية في قطاع غزة.
وجدير بالذكر أن المحكمة الدولية، هي أعلى هيئة قانونية تابعة للأمم المتحدة، تأسست في عام 1945 لحل النزاعات بين الدول، ويجب عدم الخلط بينها وبين المحكمة الجنائية الدولية التي تتخذ أيضاً لاهاي مقراً لها وتتعامل مع تهم جرائم الحرب ضد الأفراد، ويتكون فريق قضاة المحكمة الدولية، الذي يضم 15 قاضياً، بالإضافة إلى قاضٍ واحد من كل طرف في القضية، من أعضاء متخصصين في معالجة النزاعات الحدودية والشكاوى التي تقدمها الدول بتهم انتهاك التزامات معاهدة الأمم المتحدة.
قد وقعت جنوب إفريقيا وإسرائيل على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948، التي تمنح المحكمة الدولية الاختصاص القضائي لفحص النزاعات استناداً إلى هذه المعاهدة، وتلزم اتفاقية منع الإبادة الجماعية جميع الدول الموقعة بعدم ارتكاب الإبادة الجماعية ومنعها ومعاقبتها.
ومن المعروف أن جنوب إفريقيا بدعوى أمام المحكمة الدولية تتكون من 84 صفحة، تتهم فيها إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، حيث يزعم الدعوى أن العمليات العسكرية الإسرائيلية أسفرت عن قتل العديد من الفلسطينيين وتسببت في أذى جسدي ونفسي للسكان، مع اتهام إسرائيل بتقاعسها عن توفير الموارد الأساسية للحياة، وتجاوزها لاتفاقيات حقوق الإنسان.
الدعوى تشير أيضاً إلى حملة القصف التي دمرت أجزاء كبيرة من غزة، مما أدى إلى نزوح آلاف الفلسطينيين وخلق ظروف إنسانية صعبة. يُشير الدعوى إلى تورط إسرائيل في انتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية، وتطالب بتحميلها المسؤولية واتخاذ تدابير فورية لوقف الانتهاكات، ويتوقع أن تصدر المحكمة الدولية حكمها في هذه القضية، والتي يتوقع أن تكون جلسة الحكم استمرارية لنحو ساعة، وسيكون لها تأثير كبير على المشهد الدولي والمناقشات المستقبلية بشأن التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في المناطق المتنازع عليها.
ورداً على اتهام محكمة العدل الدولية، وصف الرئيس الإسرائيلي، إسحق هرتسوغ، الاتهام بأنه “بشع ومناف للمنطق”، حيث أكدت إسرائيل أنها تبذل جهودًا كبيرة لتجنب سقوط ضحايا من المدنيين في غزة.
جاء الهجوم الإسرائيلي رداً على الهجوم المباغت الذي شنه مقاتلو حماس في السابع من أكتوبر، حيث أسفر عن مقتل 1140 إسرائيلياً واحتجاز 240 أسيراً، وفقاً للإحصائيات الإسرائيلية، وأعلن هرتسوغ: “سنكون في محكمة العدل الدولية وسنقدم قضيتنا بفخر، مستندين إلى حقنا في الدفاع عن النفس بموجب القانون الدولي الإنساني”.
وجدير بالذكر أن أولى جلسات المحكمة عُقدت في 11 و12 يناير، حيث قدمت إفريقيا وإسرائيل حججهما لصالح أو ضد اتخاذ التدابير الطارئة، لكن لم يتم استدعاء شهود للإدلاء بشهاداتهم ولا استجوابهم خلال الجلسات، بالإضافة إلى ذلك، طلبت جنوب إفريقيا من المحكمة الإشارة إلى تدابير مؤقتة لحماية الفلسطينيين في غزة، وهي خطوة أولى في قضية قد تستغرق سنوات لاكتمالها، حيث يتعلق الطلب بتحديد تدابير مؤقتة لمنع تفاقم النزاع خلال فترة البحث الكامل في القضية.
بالتالي، لن تصدر المحكمة قراراً نهائياً بشأن اتهامات الإبادة الجماعية حتى يتم عقد جلسة للبحث في القضية بشكل كامل، ومن المرجح أن يستغرق ذلك سنوات، كما تمثل الإجراءات الاحترازية خطوة أولية حيث يقوم القضاء بتحديد ما إذا كانت المحكمة لديها الاختصاص لنظر القضية وإذا كانت الأفعال المُتهمة تنتهك اتفاقية الإبادة الجماعية، ويمكن أن تكون قرارات المحكمة مختلفة عن طلبات مقدم الشكوى.
وطلبت جنوب إفريقيا من المحكمة أن تأمر إسرائيل بتعليق عملياتها العسكرية في غزة ووقف أي أعمال إبادة جماعية واتخاذ إجراءات لمنعها، مع تقديم تقارير دورية إلى المحكمة حول تلك الإجراءات، لكن على الرغم من أن أحكام محكمة العدل الدولية نهائية وغير قابلة للطعن، إلا أنها لا تملك سلطة تنفيذ.
أما في حال قررت المحكمة أنها مخولة بالسلطة القضائية في المبدأ، ستتابع القضية حتى في حال عدم قرار القضاة باتخاذ تدابير طارئة، لتتاح لإسرائيل بعد ذلك، فرصة للدفاع عن نفسها والتأكيد على أن المحكمة ليس لديها أسس قانونية للاعتداء على الدعوى المقدمة من جنوب إفريقيا، حيث يُعرف هذا النوع من الاعتراض بالاعتراض المبدئي، والذي يُعنى بالاعتراض على جوانب الاختصاص القضائي.
أما في حال رفضت المحكمة هذا الاعتراض، سيكون بإمكان القضاة النظر في القضية خلال جلسات علنية إضافية.
وفي خلاصة كل ما سبق من الممكن أن نستنتج أن المحكمة قد تستخدم التدابير الطارئة لحماية الفلسطينيين، والتي قد تشمل تقديم أوامر تقييدية لمنع تفاقم النزاع، الأمر الذي سيصطدم بالاعتراض المبدئي المقدم من إسرائيل للتأكيد على عدم وجود أسس قانونية للقضية، ورغم ذلك التوقع الأكبر أن تستمر هذه القضية لسنوات خاصة وأن قضاة المحكمة ليس لديهم سلطة تنفيذية، ويتوقف تنفيذ القرارات على استعداد الدول الأعضاء للامتثال، الأمر الذي قد يفتر بالتقادم بطبيعة الحال.