يتسائل الكاتب إيليا جراشينكوف حول إذا ما يمكن أن تكون روسيا صورة للمستقبل، لكن الأهم، هل يستحق هذا الأمر البحث في جوانبه؟
واقع مغاير
إذ أن صورة المستقبل هي صورة فنية، وسرد قوي مبني على سلسلة من الكلمات والصور، الذي من الصعب تحقيقه أو التنبؤ به، ففي الاتحاد السوفيتي على سبيل المثال، كانت هناك صورة لمستقبل مشرق، وهو الوصول إلى مرحلة تعايش الجميع في ظل الشيوعية. دون أن يدرك أحدا أي نوع من الشيوعية (الشيوعية التي كانت بالكاد تستطيع جذب انتباه من في الخارج)، فإن الصورة الفنية كانت مصممة، ولهذا السبب تحولت الواقعية الاجتماعية السوفيتية في نهاية المطاف إلى مجرد صورة اجتماعية سوفيتية خيالية، حيث توجد فقط في مخيلة الفنانين والسينمائيين، من خلال تصوير الصواريخ الفضية والمسارات والسفن الفضائية للكواكب البعيدة ورؤية رواد الفضاء من الشباب آنذاك.
ولكن من الواضح أن المستقبل الذي كانت مبنية عليه الشيوعية ليس أكثر من سراب، أو نسخة من الماركسية التي لم تكن موجودة في الأصل في طبيعتها، والسؤال الأهم هل كان الاتحاد السوفيتي راغباً حقاً في القيام بما كان يحلم به؟
بشكل جزئي نجح الاتحاد السوفيتي في انشاء جيل من الشباب صاحب مبدأ وخبرة في كافة المجالات، ولكن بعد عقدين من الزمان قد انصدموا بالواقع السوفيتي حيث خسروا حاضرهم ومستقبلهم.
خيبة أمل
يشعر الناس في روسيا اليوم بالإحباط، فالرغبات لا تتزامن مع الفرص، والدولة لا تستطيع إعطاء صورة عن المستقبل، بل تزيد من مخاوفهم إذا ما نظرنا للأمر من وجهة نظر السوق ومطالبها، وإذا قمنا بمقارنة الحاضر مع الزمن القديم، الأمور متشابهة حول ما كانت عليه في وقت الحرب، حيث لا شيء مستقر بالمقارنة مع الوقت الحالي، فالعيش بسلام، لا يوحي بأنك تعيش في دولة قوية، بل فقط إستمرارية في البقاء. لكن العدو لا يمكن أن يقف عند البوابة إلى الأبد. في الاتحاد السوفياتي، استغرقت فترة الحرب وما بعد الحرب حوالي 7-8 سنوات، ولكن بحلول نهاية الأربعينيات، بدأت ظروف البلاد تتحسن، ومع ذلك، لإنشاء “صورة للمستقبل” عالية الجودة، هناك حاجة إلى متخصصين جيدين. فلقد تمكن الاتحاد السوفياتي على الرغم من قمع أجهزته للكتّاب والفنانين، من تنمية جيل ذهبي حقًا من العمال المبدعين.
تكوين الهوية
من يستطيع أن يقوم بمهمة إنشاء جيل جديد قوي كجيل الاتحاد السوفيتي في روسيا الحديثة اليوم؟
الجواب لا أحد اليوم لديه القدرة على إنشاء جيل جديد متعلم ومتثقف. لا يملك أي من الطرفين الموارد أو الخيال لإنتاج صورة عالية الجودة للمستقبل. جميع الفنانين الموهوبين يجبرون على الخروج من المجال السياسي. من هنا، ما العمل، بحسب رأي الكاتب، الحل هو عدم البحث عن أي صور. بل تكوين هوية من نوع جديد، لن يكون فيها صور عامة. وبعد كل هذا، ما هي الحياة السياسية؟ هي مجموعة من العمليات الرسمية. فطوال القرن العشرين، قمنا بتشكيل الواقع كنوع من البيئة المثالية، في حين أن القدرة الأكثر أهمية هي القدرة على تكوين الظروف والأسباب المجردة لظهور البيئة. ببساطة، نحن نعيش، ونطيع القواعد، مسترشدين بالمثالية البعيدة المنال، وكسر هذه الفرص يؤدي إلى الإحباط، وبشكل عام إلى اللامبالاة.
تطبيق عملي
إن ما نحتاج إليه ليس “صورة للمستقبل”، بل نظام يتيح أجواء التنافس، استراتيجيات يمكن تطبيقها لتحقيق نتائج معينة. ببساطة، إن الليبراليون أخيرًا تمكنوا من تحديد النظام الأساسي للقيم واستطاعوا أيضا رسم وتحديد بعض الهياكل الملموسة للدولة المستقبلية (ما سيكون عليه، من وكيف وكيف سيخضع لها، على أي ظروف، وما إلى ذلك)، سيكون من السهل إنشاء عمل نموذج لتحقيق هذه الأهداف، ربما حتى بالوضع الحالي. على الأقل جزء من مؤسسات المجتمع المدني التي أنشأناها التي تحتاج إلى العمل الفعلي وليس مجرد كلام، وهذا يتم مع وجود متطلبات مفهومة، يمكن بث الحياة فيها بعيدا عن الدولة التي لا تهتم سوى بمصالحها الخاصة.
ايليا جراشينكوف – المدير العام لمركز تطوير السياسات الإقليمية، خاص لروكالة “رياليست” الروسية.