في أعقاب صدور حكمها الذي يطالب بالإفراج عن المعارض الكردي صلاح الدين دميرطاش بعدما قضى أربع سنوات في السجن، تعرض موقع المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان “لهجوم إلكتروني واسع النطاق”، نفذه مجهولون، وقال مصدر في المكتب الصحفي للمحكمة: “إن الموقع تعرض لهجوم إلكتروني فور الإعلان عن الحكم المتعلق بالمعارض التركي ذي الأصول الكردية صلاح الدين دميرطاش، مما أدى إلى تعطل الوصول إليه لساعات”، طبقاً لموقع قناة “سكاي نيوز عربية“.
هل أصبحت الهجمات الإلكترونية سلاح العصر الجديد؟
على الرغم من أن المحكمة الأوروبية لم توجه إتهامها المباشر ضد تركيا، لكنها ألمحت إلى إمكانية ضلوعها بهذه الهجمات، وهي التي لها تاريخ عريق في محاولات إختراقات مواقع أمنية وحسابات “تويتر” وغير ذلك للمسؤولين الأوروبيين أثناء أو بعد أي خلاف أوروبي – تركي، موثق بالأدلة، وبصرف النظر عن المشكلة المتفاقمة بين المعتقل دميرطاش والحكومة التركية الحالية، أو غيره من المعارضين لسياسة حزب العدالة والتنمية الحاكم، فإن تركيا من وجهة نظر الغرب الأوروبي قد تعدت حدودها.
إنما اللافت هي الهجمات السيبرانية أو الإلكترونية والقرصنة وما إلى هنالك من تسميات كلها تهدف إلى تدمير ملفات تجرّم دول معينة، أو تعطل قرارات لدول أخرى، وبكافة الأحوال الهدف لا يمكن أن يعكس أي منحى إيجابي في ضوء الفوضى الدولية الحاصلة التي هي اليوم أشبه بغابة لا يحكمها قانون أو شريعة.
فلقد تطور مسار الحروب منذ قرنٍ وإلى الآن، فبعد أن كانت تعتمد الحرب العسكرية في شكلها على زحف جيوشٍ ضخمة ومن ثم تطورت لإستخدام الأسلحة الثقيلة والطيران، بدأت الحرب الإلكترونية تتطور شيئاً فشيئاً وأصبح الذكاء الإصطناعي والتكنولوجيا الرقمية هي السائدة لا بل المحركة للكثير من الملفات التي دمرت دولاً بعينها، ما لبثت أن أخذت الطائرات المسيرة مكان “الجواسيس”، للرصد وتجميع المعلومات الإستخباراتية، وأيضاً بديلاً عن الجيوش البشرية لقدرة مصنعيها على تذخيرها وإستخدامها في كثير من الصراعات، وبالتالي وفرت أموالاً طائلة في ضوء الميزانيات التي كانت تثقل كاهل الدول المبتدئة للحروب.
ما الحل الذي يقي خطر الهجمات الإلكترونية؟
إن التطور التكنولوجي كما هو نعمة جاء نقمة على الدول التي تسيء إستخدامه، أو تستخدمه في أعمال تخالف فيها القوانين والإتفاقيات الدولية المبرمة في هذا الإتجاه، وليس أسهل من إلقاء الإتهامات للخصوم عقب كل هجمة سيبرانية أو إلكترونية تحدث خللاً في منظومات حكومية خصصت لها دولها ميزانيات مرتفعة لتحصينها وحماية جدرانها من أي محاولة إختراق ممكنة.
الأمن القومي للدول أصبح اليوم مهدداً ليس من حدود دولة عدوة أو تحالف عدة دول، بل أصبحت هذه الهجمات تشكل خطراً محدقاً ما لم يتحد العالم اليوم في سن معاهدات حازمة شبيهة بمعاهدات الدفاع المشترك أو إتفاقيات تكنولوجيا المعلومات والفضاء الحاسوبي أو أياً كانت تسميتها.
لكن هذا الأمر قد لا يتحقق على النحو المأمول، نظراً للخلافات الكبيرة بين كبرى الدول وفي مقدمتها النزاع الامريكي – الصيني، أو الأمريكي – الروسي، أو كلهم معاً، فضلاً عن أن التجسس في هذا الحقل سلاح واشنطن الفعال، لمراقبة تحركات خصومها، ما يضع العالم اليوم أمام أخطار جمّة تحتاج إلى عقول فذة تهندس حماية أمنها القومي من الإختراقات التي تتطور يوماً بعد يوم.
أخيراً، قد تملك تركيا تكنولوجيا متقدمة، وقد تقوم بقرصنة وهجمات إلكترونية، لكن في ضوء تصريح الرئيس التركي الأخير، رجب طيب أردوغان الذي أعلن فيه عن أنه يريد فتح صفحة جديدة مع أوروبا، لن يحقق له هذا الهجوم مبتغاه، خاصة وأن خصمه “الكردي” المعتقل، لا يشكل عقبة أمام العقبات الأخرى التي تواجهها أنقرة، فلو كانت أوروبا متيقنة من ضلوع تركيا في هذا الأمر لما إمتنعت عن إتهامها، وإضافة ذريعة إضافية لتعزيز فرض عقوبات جديدة عليها، فضلاً عن أن تركيا لا يزال موعد إنتخاباتها الرئاسية مبكر قليلاً لتفتح النار على نفسها وتتخلص من خصومها، فالوقت لم يحن بعد، لكن مع كل الممارسات التركية أصبح كل شيء ممكناً فعله من جانبها في سبيل تحقيق مصالحها.
فريق عمل “رياليست”.