موسكو – (رياليست عربي): بعد أن انتهى المفاوضون الأوكرانيون من محادثاتهم مع الأمريكيين، حيث أنهم ما زالوا ينتظرون في العاصمة السعودية الرياض في مكان قريب من المكان الذي عقدت فيه المحادثات (الروسية الأمريكية) يوم الأمس، أي بعد يوم فقط من جلوسهم مع الفريق الأمريكي، والذي التقى الوفد الروسي أيضاً في الرياض، وكان وقف إطلاق النار في حوض البحر الأسود على رأس جدول أعمال المحادثات التي استمرت لمدة 12 ساعة كاملة:
- انتهى اجتماع الأمس في الرياض بين المسؤولين الروس والأمريكيين بشأن تحقيق وقف جزئي لإطلاق النار في أوكرانيا، حيث استمر اللقاء لمدة 12 ساعة من المفاوضات في المملكة العربية السعودية حسبما ذكرت وسائل الإعلام الروسية الرسمية، والتي ما زالت تنتظر صدور البيان المشترك لهذا الإجتماع اليوم الثلاثاء الموافق لتاريخ 25 مارس 2025.
- وقد أكد الوفد الأمريكي للصحفيين بعد انتهاء المحادثات، إنهم سعوا لتجسيد رؤية الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) بشأن إنهاء الحرب المستمرة منذ 3 سنوات بسرعة، حيث يأمل المفاوضون الأمريكيون أن تمهد الجولة الأخيرة من المحادثات الطريق لتحقيق اختراق في مفاوضات السلام المتوقفة حالياً بين روسيا الإتحادية وأوكرانيا.
- وبالرغم من هذه الجهود، فقد أعلن الرئيس الأوكراني (فولوديمير زيلينسكي) أن نحو 90 شخصاً بينهم 17 طفلاً أصيبوا في هجوم صاروخي على مدينة (سومي) في شمال شرق أوكرانيا، بينما كانت المحادثات تجري في فندق فاخر في العاصمة السعودية الرياض، كما أفاد مكتب المدعي العام الإقليمي في أوكرانيا أن الهجوم على منطقة سكنية أوكرانية مكتظة بالسكان، قد ألحق أضراراً بشقق سكنية ومؤسسة تعليمية، وهو ما أكده أيضاً القائم بأعمال عمدة المدينة الذي أعلن بأن أحد المستشفيات قد تضرر.
- وقال مصدر ضمن فريق التفاوض الأوكراني بأنه كان يتوقع عقد اجتماع ثانٍ مع الوفد الأميركي مساء أمس الإثنين، في إشارة إلى احتمال تحقيق تقدم في المفاوضات (الروسية – الأمريكية) لكن الإجتماع بين ممثلي روسيا الإتحادية ونظرائهم من الولايات المتحدة الأمريكية انتهى بعد أكثر من 12 ساعة من المشاورات، حيث من المقرر أن يصدر الجانبان بياناً ختامياً اليوم، سيعلن عنه أمام وسائل الإعلام العالمية والسعودية والأمريكية والروسية.
- وقد بحث المسؤولون الأمريكيون والروس إمكانية استئناف مبادرة البحر الأسود، وهي الإتفاقية التي سمحت بشحن ملايين الأطنان من الحبوب وغيرها من الصادرات الغذائية من موانئ أوكرانيا، حيث أعلن المتحدث باسم الكرملين الروسي (دميتري بيسكوف) في إفادة صحفية اليوم الثلاثاء 25 مارس 2025 بأن قضية مبادرة البحر الأسود وجميع الجوانب المتعلقة بتجديد هذه المبادرة مدرجة على جدول الأعمال (الروسي – الأمريكي)، وأن هذه المبادرة كانت من اقتراح الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) وهو الإقتراح الذي وافق عليه الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) وبناءً على هذا التفويض سافر الوفد الروسي إلى الرياض لمقابلة الأمريكيين برعاية وتنسيق من قبل المملكة العربية السعودية.
- وقد كان من المقرر في الأصل أن تعقد هذه المحادثات بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوكرانيا ومن ثم تعقد بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الإتحادية في وقتٍ واحدٍ لتمكين الدبلوماسية المكوكية، مع تنقل الولايات المتحدة الأمريكية من العمل ذهاباً و إياباً بين الوفود، حيث أكد وزير الدفاع الأوكراني (رستم عمروف) الذي يرأس الفريق الأوكراني، بأن المحادثات التي جرت يوم الأحد بين أوكرانيا وممثلي الولايات المتحدة الأمريكية كانت مثمرة ومركزة، حيث أعرب (ستيف ويتكوف) المبعوث الأمريكي الشخصي للرئيس (دونالد ترامب) عن تفاؤله بأن أي إتفاق سيمهد الطريق لوقف إطلاق نار كامل بين الجانبين الروسي والأوكراني.
- ولهذا السبب، استبق (ستيف ويتكوف) البيان الرسمي (الأمريكي الروسي) المنتظر وأعلن بأن العالم سيشهد في المملكة العربية السعودية بعض التقدم الحقيقي، خاصة فيما يتعلق بوقف إطلاق النار في البحر الأسود على السفن بين البلدين، وهو الأمر الذي سيدفع بلا أدنى شك نحو وقف إطلاق النار الكامل بين البلدين، لكن الكرملين الروسي قلل من حجم هذه التوقعات مشيراً إلى أن التوصل إلى حل شامل يتطلب المزيد من المفاوضات، وأن المحادثات مع الأمريكيين ما زالت في بدايتها فقط، لأن الجانبين الروسي والأوكراني ما زالوا يناقشون في المملكة العربية السعودية مبادرة حوض البحر الأسود التي توسطت فيها تركيا ومنظمة الأمم المتحدة في الأصل في العام 2022.
- وأكد دميتري بيسكوف في إحاطته الإعلامية بشأن المحادثات (الروسية – الأمريكية) ومن خلفها المفاوضات (الروسية – الأوكرانية) أن موسكو قد انسحبت من ذلك الإتفاق في العام 2023، لأن الدول الغربية قد فشلت في الوفاء بالتزاماتها بتخفيف العقوبات على صادرات روسيا الإتحادية من المنتجات الزراعية والأسمدة، مضيفاً بأن الأمر مختلف حالياً بين محادثات الرئيسين بوتين وترامب حيث برزت بالفعل فرص حقيقية وإمكانيات للتعاون المتبادل المنفعة في مجموعة واسعة من المجالات بين البلدين وهو أمر لا يمكن المبالغة فيه.
أما من جانب ردة الفعل الأوروبية على المحادثات (الأمريكية الروسية) التي استمرت 12 ساعة بالأمس:
فقد التقى رؤساء أركان الدفاع البريطاني والفرنسي في لندن يوم أمس الإثنين لمناقشة خطط الدول المتحالفة لحماية أي إتفاق لوقف إطلاق النار كجزء مما يسمى (تحالف الراغبين) الذي يرأسه حالياً رئيس الوزراء البريطاني (كير ستارمر)، حيث لا تزال هناك تساؤلات حول الشكل الذي قد تتخذه هذه المبادرة، لكن (كير ستارمر) ومعه الرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون) أعربا معاً في وقتٍ سابقٍ عن استعدادهما لنشر قوات بريطانية وفرنسية على الأرض في أوكرانيا، بحجة أن وجود أي إتفاق يستلزم وجود قوات للدفاع عنه من أجل تنفيذه واستمراريته.
آراء المراقبين والمحللين والخبراء في مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية الروسية والعالمية:
- تحدث العديد من المراقبين والمحللين والخبراء في مجال العلاقات الدولية من المختصين بملف تطورات الحرب (الروسية – الأوكرانية) وتأثيرها على الأوضاع الأمنية والعسكرية واللوجيستية ليس فقط في بلدي طرفي النزاع، وإنما تأثيرها على الصعيدين الإقليمي والدولي أيضاً، أنه وبالتزامن مع العملية التفاوضية التي قام بها الجانبين الروسي والأمريكي أمس واستمرت لمدة 12 ساعة كاملة من التفاوض، فإن الجانب الأمريكي ما زال يسابق الوقت من أجل تحقيق وقف للحرب الحالية في أوكرانيا، لتحقيق ذلك قبل تاريخ 20 أبريل نيسان 2025 والذي يتزامن مع يوم عيد الفصح المبارك لهذا العام 2025.
- وعن إمكانية ضمان وقف إطلاق النار في أوكرانيا، تحدث رئيس تحرير صحيفة (Military Russia)، الخبير الروسي السياسي والعسكري (دميتري كورنييف) فكتب مقالاً له في صحيفة “إزفيستيا” الروسية الرسمية الحكومية، فأكد فيه أن المفاوضات بين رئيسي روسيا الإتحادية والولايات المتحدة الأمريكية ما زالت جارية، ولكن السؤال حالياً هو كيف ستجري مراقبة عملية وقف إطلاق النار بين الجانبين.
- ويضيف الخبير الروسي السياسي والعسكري (دميتري كورنييف)، أن الطريقة الأبسط هي فصل قوات الطرفين وإدخال مراقبين بينهما، حيث يمكن افتراض أن تكون قوات (الخوذ الزرقاء) التابعة لمنظمة الأمم المتحدة أو افتراض وجود وحدات عسكرية من الهند أو جمهورية الصين الشعبية مناسبة للغاية للقيام بهذا الدور، لأنه سيكون من غير المرجح أن تقبل روسيا الإتحادية بالإقتصار فقط على قوات حفظ سلام من دول حلف شمال الأطلسي.
- ويؤكد (دميتري كورنييف) أن المشكلة التالية ستكون مشكلة المراقبين، حيث يتمثل الخطر في أن تقع المعلومات التي يجري رصدها في أيدي أحد طرفي الصراع، وبناء على ذلك، فإنه سيتعين على المسؤولين الأمنيين والعسكريين في الولايات المتحدة الأمريكية (التوقف كلياً) عن تبادل بيانات المراقبة مع دول حلف شمال الأطلسي، حيث يتعين على الحلف التوقف عن تبادل البيانات مع كييف، على الأقل طيلة مدة وقف إطلاق النار، ونظراً للزخم الكبير الذي يحققه الرئيس (دونالد ترامب) في عملية السلام، فإن هذه مهمة قابلة للحل تماماً، ولكن المشكلة هو أنه لم تعد هناك دول محايدة في أوروبا، وبالتالي، يبقى من الممكن إيجاد مراقبين محايدين، إما من دول آسيا، أو من دول إفريقيا، أو لنقل من أمريكا اللاتينية.
- ويختم (دميتري كورنييف) أنه يمكن لجمهورية الصين الشعبية حل هذه القضايا كلها، ولكن من غير المرجح أن توافق واشنطن على احتكار بكين لعملية مراقبة وقف إطلاق النار في أوكرانيا، وبالتالي، فإن البديل الوحيد للولايات المتحدة الأمريكية، لا يمكن أن يكون سوى بتبني قوة مراقبة دولية من نوع ما، حيث سيعرف خلال الأيام القليلة المقبلة ما هو القرار النهائي الذي سيُتخذ بشأن مراقبة وقف إطلاق النار، لأنه من حيث المبدأ، يمكن حل هذه المسألة إذا توفرت الإرادة لدى جميع الأطراف.
- فيما يرى محلل آخر، هو المحلل والخبير البريطاني (ألكسندر ميركوريس) أن الوفد الأوكراني الذي وصل إلى الرياض، قد وصل إلى المملكة العربية السعودية بهدف تعطيل الإتفاقات بين واشنطن وموسكو، وفرض مبادرة (فولوديمير زيلينسكي) والرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون)، حيث أوضح ميركوريس في حديثه أن الأوكرانيين قد أرسلوا وفداً رفيع المستوى برئاسة وزير الدفاع (رستم عميروف). أي أنهم قد سافروا إلى الرياض للمشاركة في اجتماع للخبراء الأمنيين والعسكريين، وليس لمناقشة استئناف إتفاقية الحبوب بل لتحويل التركيز إلى قضايا أخرى، لأن وزير الدفاع في أي بلدٍ كان، وخاصةً في أوكرانيا حالياً، أي في وضع أمني وعسكري كهذا الذي تعيشه البلاد حالياً، لا يرسل عادة لحضور أي مفاوضات تقنية، ولكنهم أرسلوه إلى الرياض لأنهم كانوا يحاولون عرقلة وإفشال الإتفاقات الحالية (الروسية الأمريكية) التي تمَّ التوصل إليها خلال المكالمة الهاتفية بين الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب.
- وأشار المحلل والخبير البريطاني (ألكسندر ميركوريس) إلى أن نظام كييف لا يرغب في التوصل إلى إتفاق لوقف إطلاق النار بشأن منشآت البنية التحتية للطاقة، لأنه لا يخدم مصالحهم، بل يريدون تنفيذ خطة زيلينسكي و ماكرون، التي تتضمن وقفاً كاملاً للعمليات القتالية وإنشاء منطقة حظر طيران تحت سيطرة القوات الجوية الأوروبية، ولهذا السبب، رأينا أنه بعدالمفاوضات (الأوكرانية – الأمريكية) لم يقم الوفد الأوكراني بالتصريح أو الإعلان عن أي شيء محدد، ولم يصدر أي تصريحات صاخبة، لأن الوفد الأوكراني لم ينجح في تحقيق أي شيء، نظراً لأن الوفد الأمريكي الذي تواجد في الرياض، لم يكن بالمستوى الذي يمكن أن يسمح بمناقشة القضايا التي أراد الأوكرانيون أن يناقشونها في الرياض.
خاص وكالة رياليست – حسام الدين سلوم – دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية – خبير في العلاقات الدولية الروسية.