إن مواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إزاء إعلان أنقرة أنها أنهت الاستعدادات لعملية عسكرية في شرق سوريا “بمثابة خلاصة لحال التذبذب التي تعيشها الاستراتيجية الأمريكية في سوريا من جهة أولى، وكذلك من حيث تقدير العلاقة مع تركيا إجمالاً وبخصوص السياسات التركية في الملف السوري من جهة ثانية”، طبقاً لموقع القدس العربي اللندنية.
هل أضر الإنسحاب الأمريكي أنقرة أم عاد بالنفع عليها؟
إن قرار الرئيس ترامب المفاجئ من حيث التوقيت، جاء بنتائج مفيدة وضارة في آنٍ معاً، إذ يبدو أن هذا القرار كانت تركيا على علمٍ به، خاصة وأن العلاقة المستقبلية بين الرئيس الجديد جو بايدن عند إستلامه السلطة لن تكون جيدة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بالقدر الذي كانت عليه مع ترامب، على الرغم من أن بايدن من داعمي “الإسلام السياسي” في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي كما حلل الكثير من الخبراء، حول أن هذا القرار وغيره يهدف إلى إغراق الإدارة الأمريكية الجديدة بكثير من الملفات المتأزمة ومن ضمنها سوريا.
لكن الحقيقة، أن الإنسحاب الأمريكي من سوريا لا يبدو أنه إنسحاب حقيقي وإن بدا كذلك، بل هو إعادة توضع لا اكثر ولا أقل، فما تزال القاعدة الأمريكية الضخمة في التنف تراوح مكانها، وبالتالي الوجهة نحو العراق رافقها إخراج 50 صهريجاً من مادة النفط السوري وهذا يعني أن المنسحب لا يسحب معه خيرات البلد التي إحتلها ويريد تسليمها لمن حاربه طيلة هذه السنوات.
وقبيل هذا الإعلان بكثير عمدت تركيا إلى إدخال الكثير من العتاد العسكري إلى الشمال السوري، وحدثت معارك متفرقة ما بين الفصائل المدعومة من جانبها والقوات الإنفصالية الكردية، ولم تحرك القوات الأمريكية ساكناً، وبالتالي، عادت أنقرة للحديث عن إنشاء المنطقة الآمنة والتي هدفها في المقام الأول، الإجهاز على قوات قسد، إن لم يكن طردهم، إضافة إلى توسيع رقعة إحتلالها لمناطق جديدة شرق سوريا وشمالها، وتوسيع السيطرة بمباركة أمريكية، ليكون الإنسحاب “الجزئي” الأمريكي، هدية ترامب الوداعية لحليفه أردوغان الذي يعد العدة لعملية عسكرية واسعة جهز لها منذ بعض الوقت، قبيل إنتهاء ولايته مطلع العام المقبل “2021”.
ما حقيقة الإنسحاب الأمريكي من الشرق السوري؟
توقعت أوساط كثيرة أن ينهي الرئيس ترامب ولايته بشن هجمات على إيران وإستهداف مواقعها العسكرية أو حتى المواقع التي تضم حلفاؤها مثل الحوثيين في اليمن أو حزب الله اللبناني أو الحشد الشعبي العراقي، أو تكرار إغتيال شخصيات على غرار عملية إغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، ففي الحسابات الأمريكية كل شيء ممكن.
إنما الإنسحاب الأمريكي يهدف بأنه وإن حدث هذا السيناريو، يكون ترامب قد جنّب قواته خسائر في الأرواح، ليقينه بأن طهران ستقوم بالرد على المناطق التي يتواجد بها قوات أمريكية، وأخذت واشنطن إجراءات إحترازية مسبقة، ففي الخليج وكل ما يحويه من عتاد أمريكي متطور، وصل إلى الإمارات طائرات قتالية حديثة، وتم تخفيض عدد القوات الأمريكية في سوريا.
الجميع اليوم يتحدث عن إتجاه السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط ووسط وغرب آسيا، يتنبأون بها ويحللونها، وهي ذاتها لم تتغير، ولا تحتاج السياسة الخارجية الأمريكية إلى تحليل أو عناء البحث فيما تريد، فهي تصرح بحربها وبعدائها ضد أي جهة تريد نسفها، وإيران هي العدو الأوحد بالنسبة لها، في أي عهدٍ أمريكي كان، وبالتالي إن ضرب إيران يعني ضرب حلفائها، كزعزعة السوق الصيني على سبيل المثال لا الحصر الذي يعتبر المشتري الأكبر للنفط الإيراني، وبالتالي تكون واشنطن قد ضربت عصفورين بحجر واحد.
أخيراً، لن تستطيع إيران منفردة مواجهة الولايات المتحدة إذا ما قررت الأخيرة إستهدافها أو إستهداف جماعاتها في دول الإقليم، وتركيا بدأت بإقتناص الفرص وتوسيع مساحة وجودها العسكري في سوريا من خلال الإجهاز على الأكراد، وما إن تستقر الأمور، ستكون خارطة جديدة قد بدأت بالتشكل، والواضح منها وبحسب القراءات العسكرية، أن إيران خارج هذه الخارطة حتى وإن كان وجودها العسكري وصناعتها العسكرية قوية، لكن الحقيقة الوحيدة الثابتة أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تخرج صفر اليدين من أي معادلة منخرطة فيها.
فريق عمل “رياليست”.