موسكو – (رياليست عربي): في ظل التطورات الاقتصادية والسياسية المتسارعة التي تشهدها الساحة الدولية، تبقى السياسات التجارية التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، محط جدل واسع، فقد اتخذت هذه الإدارة العديد من القرارات الجيوسياسية التي أثرت بشكل كبير على الاقتصاد العالمي.
ومن بين هذه القرارات كان فرض الرسوم الجمركية على العديد من الدول الكبرى، وهو ما أدى إلى تأزم الوضع الاقتصادي الدولي.
في البداية، لا يمكن تجاهل أن إدارة ترامب تبنت سياسة اقتصادية حمائية تهدف إلى تعزيز مصالح الولايات المتحدة الاقتصادية على حساب الاقتصادات الأخرى، وكان من بين أبرز قراراته فرض الرسوم الجمركية على الصين ودول أخرى، ما أدى إلى اهتزاز الأسواق العالمية، بينما حاولت بعض الدول اتخاذ إجراءات انتقامية بشكل تدريجي، فضل البعض الآخر التفاوض لمحاولة التقليل من تداعيات هذه الحرب التجارية.
فيما يخص التأثيرات الاقتصادية العالمية، فقد أثرت هذه السياسات بشكل مباشر على استقرار الأسواق المالية الدولية، حيث تراجعت أسواق الأسهم بشكل حاد، وتدهورت أسعار النفط، هذه التطورات كشفت هشاشة الاقتصاد العالمي في مواجهة صدمات تجارية، خاصة عندما أضيفت ضغوط سياسية وجيوسياسية أخرى مثل الصراعات العسكرية والتوترات بين القوى الكبرى.
كما تسببت الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب في تقليص النمو الاقتصادي في العديد من الدول الكبرى، حيث توقعت بعض التقارير أن الاقتصاد العالمي سيشهد تباطؤاً بنسبة 2% بحلول عام 2025.
وفيما يتعلق بالاقتصاد الروسي، ورغم أنه لم يكن من بين الدول التي فرضت عليها رسوماً جمركية مباشرة، فإن العقوبات الأمريكية ضد روسيا لعبت دوراً مهماً في دفع الاقتصاد الروسي نحو التكيف مع الأزمات الخارجية، حيث أضافت هذه العقوبات ضغوطاً إضافية على الاقتصاد الروسي الذي كان يعاني أساساً من صدمات تجارية متعددة، كما أدى تدهور الوضع المالي الدولي إلى تشديد الضغط على أسواق المال الروسية، ما تسبب في انخفاض سعر الروبل بشكل ملموس، وارتفاع التضخم إلى مستويات غير مسبوقة.
ومن خلال الفهم الجيوسياسي لهذه الحرب التجارية، يتضح أن روسيا كانت في وضع غير مريح في هذه المعادلة الاقتصادية، إذ لم تقتصر العقوبات الغربية على تصعيد التوترات مع الولايات المتحدة وحلفائها فقط، بل طالت أيضاً العديد من القطاعات الاقتصادية الروسية الاستراتيجية، مثل النفط والغاز والتكنولوجيا، فروسيا، على الرغم من أنها لم تواجه فرض رسوم جمركية مباشرة مثل الصين، إلا أن العقوبات الغربية ضدها حدّت من قدرتها على الوصول إلى الأسواق العالمية الكبرى، ومن ناحية أخرى، أدت هذه العقوبات إلى زيادة صعوبة الحصول على التكنولوجيا المتقدمة، وهو ما كان له تأثير بالغ على الصناعات الروسية.
بالإضافة إلى ذلك، على الرغم من أن أمريكا فرضت ضغوطاً اقتصادية على الصين من خلال الرسوم الجمركية المرتفعة، إلا أن الصين كانت تحاول تجاوز هذه الضغوط بتوسيع علاقاتها التجارية مع الدول الأخرى، بما في ذلك روسيا، وفي هذا السياق، لعبت روسيا دوراً متزايداً في الاستفادة من الفرص الناتجة عن هذه التحولات التجارية، ومع تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، قد تكون روسيا قد حصلت على مزيد من الفرص التجارية مع بكين، خاصة في قطاعات مثل الطاقة والموارد الطبيعية.
ولكن في الوقت ذاته، يواجه الاقتصاد الروسي تحديات متعددة، أبرزها انخفاض أسعار السلع الأساسية مثل النفط والغاز، وهي المصادر الرئيسية لإيرادات الدولة، وفي ظل هذه التحديات، بدأت روسيا في إعادة تقييم سياساتها الاقتصادية، وركزت على تعزيز علاقاتها مع الصين، كما تراجعت التوقعات بشأن نمو الاقتصاد الروسي، حيث توقعت بعض التقارير أن الناتج المحلي الإجمالي لروسيا قد يتراجع بنسبة 3 إلى 4% في 2025، وبالإضافة إلى انخفاض العائدات من تصدير السلع الأساسية، تواجه روسيا أيضاً تهديداً متزايداً من منافسة السلع الصينية الرخيصة التي قد تؤدي إلى تدهور جودة الإنتاج المحلي في بعض الصناعات.
ومع تزايد الضغوط الاقتصادية العالمية، تبين أن هناك فرصاً أيضاً يمكن لروسيا الاستفادة منها، في حين أن تزايد تدفق السلع الصينية إلى السوق الروسية يمكن أن يؤدي إلى تخفيض الأسعار وتحسين جودة المنتجات، إلا أن هذا التحول قد يشكل تحدياً لبعض الصناعات الروسية التقليدية مثل صناعة السيارات والإلكترونيات، التي يمكن أن تتضرر بسبب الإغراق السلعي، بالمقابل، فإن التعاون التجاري بين روسيا والصين قد يؤدي إلى تعزيز تبادل المنتجات غير النفطية وتوسيع الخيارات أمام المستهلكين الروس.
وفي هذا السياق، يمكن للصين أن تقدم لروسيا شروطاً تجارية ملائمة، خاصة في القطاعات الاستراتيجية مثل التكنولوجيا والإلكترونيات، كما يمكن أن تساهم هذه التعاونات في تقوية الروابط الاقتصادية بين البلدين، مما يقلل من تأثير العقوبات الغربية على روسيا.
ويبدو أن سياسة دونالد ترامب التجارية قد هدفت إلى تطويع الاقتصاد العالمي وتحقيق هيمنة اقتصادية على الدول الكبرى من خلال فرض رسوم جمركية صارمة وعقوبات اقتصادية، ومن خلال استهداف اقتصادات كبرى مثل الصين، سعت الولايات المتحدة إلى تقويض هذه الاقتصادات وإجبارها على الخضوع لتوجهات السياسة الأمريكية، ومع تزايد الضغوط والتهديدات بين القوى الاقتصادية الكبرى، قد نجد أن هذه السياسات ليست فقط محاولات لإضعاف المنافسين، بل تهدف أيضاً إلى خلق خضوع اقتصادي يتيح للولايات المتحدة تعزيز مكانتها.
ورغم أن روسيا، لم تتأثر بشكل مباشر بالعقوبات الجمركية، فقد ظلت في عين العاصفة من حيث العقوبات الغربية الموجهة ضدها، ورغم محاولاتها لتعزيز التعاون مع الصين، فإنها لا تزال تواجه تحديات كبيرة نتيجة انخفاض عائدات النفط، الضغوط المتزايدة من العقوبات، والنقص في التكنولوجيات الحديثة.
وعلى المستوى العالمي، فإن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين قد تؤدي إلى إعادة تشكيل النظام التجاري العالمي، وهو ما يعني أن القوى الكبرى مثل روسيا ستحتاج إلى التكيف بشكل مستمر لمواكبة هذه التحولات.