قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية: إن الوفود المشاركة في اجتماعات فيينا ستحتاج في وقت ما هذا الأسبوع للعودة إلى العواصم لإجراء مشاورات مع حكوماتها، وذكر المتحدث أنه على مدار الأسبوعين الماضيين، كان الوفد الأميركي بقيادة المبعوث الخاص روبرت مالي يستكشف مقاربات ملموسة فيما يتعلق بالخطوات التي سيتعين على كل من إيران والولايات المتحدة اتخاذها للعودة إلى الامتثال المتبادل، طبقاً لموقع “سكاي نيوز عربية”.
وأضاف أن “المناقشات بين الأطراف كانت شاملة ومدروسة حتى وإن كانت غير مباشرة”، كما أوضح أنه تم تبادل الأفكار بين الوفود الحاضرة حتى الآن دون حدوث اختراقات، مشيراً إلى أن الإدارة الأميركية تعي أن هذه العملية لن تكون سهلة أو سريعة، وتابع أن الولايات المتحدة وإيران أعلنتا هدفاً مشتركاً يتمثل في العودة إلى الامتثال المتبادل لخطة العمل الشاملة المشتركة، مبرزاً أن الإدارة الأميركية انخرطت بشكل بناء في عملية دبلوماسية لتحقيق هذا الهدف.
العوائق
هناك تصميم أمريكي جاد حول العودة إلى الاتفاق النووي، لجملة من الأسباب، بدايةً، يعمل الرئيس الأمريكي جو بادين على “تشويه” الفترة الرئاسية التي حظي بها سلفه دونالد ترامب، ولحد الآن يعمل بادين للعودة إلى كل الاتفاقيات التي انسحب منها ترامب، ويقوم بنقض كل الوعود “الترامبية” كمسألة الانسحاب من أفغانستان ونقض اتفاق الدوحة، كذلك العراق، وبالطبع سوريا، معللاً ذلك أنه لا يتفق والمصالح الأمريكية، حتى في العودة إلى الاتفاقية الأخيرة مع روسيا “نيو ستارت” المهددة أصلاً، لكنه فعل خلافاً لقرار ترامب وبصرف النظر عن الأهمية من عدمها، يتطابق ذلك مع اتفاقية باريس للمناخ.
هذه العودة للاتفاقيات كانت تمهيداً للخطوات الأكبر، والتي من خلالها حصد تأييد عالمي، ثم بدأ ينفذ المخططات الجدية والأكثر خطورة والتي يبدو أن كل ما سبق كان تمهيداً لها، أما مسألة العودة إلى الاتفاق النووي، هي مسألة من الممكن القول إنها بحكم المنتهية، وستعمل الولايات المتحدة على فك العقوبات عن إيران في القريب العاجل، لأن هذا الأمر شرط تتمسك به طهران، وهو حق لها، في ضوء جملة المكاسب التي ستحصدها الولايات المتحدة والدول الغربية بطبيعة الحال، لكن يريد بادين تفادي تقديم تنازلات علنية قد يخسر منها بعض الحلفاء مثل بعض دول الخليج خاصة السعودية والإمارات، لكن العمل الآن ليس حول مفاوضات العودة للاتفاق، بل إيجاد صيغة تحفظ ماء وجه واشنطن في حال رفعت العقوبات عن إيران، وهذا هو العائق الأكبر وكل ما دون ذلك ليس إلا أمور لوجستية، الأطراف جميعاً قادرة على ضبطها.
التنازلات
لأن تتم العودة للاتفاق النووي، رأينا أن الولايات المتحدة قدّمت بعض التنازلات وكان واضحاً أن النوايا هي طمأنة طهران وليس العكس، منها السماح لبعض الدول بدفع ما عليها لإيران كالعراق وكوريا الجنوبية، أيضاً، سلمت واشنطن ملف الأزمة اليمنية لطهران، وبصرف النظر عما إذا كان حقق نتائجه من عدمها لكنه باب إيجابي من قبل واشنطن، كما رفعت جماعة الحوثيين عن قائمة الإرهاب الدولي، ورحبت بوقف إطلاق النار من جانب العربية السعودية، كل هذه الأمور هي ما يشبه التنازلات، لكنها غير كافية لإيران التي شددت من موقفها وأصرت على أن إلغاء العقوبات شرط أساسي لا يمكن المفاوضات دون حله، والحل قريب، لأن النهاية واضحة، الغرب الأوروبي اليوم يعاني من ضائقة اقتصادية كبيرة كما أغلب دول العالم جراء الجائحة العالمية، وسياسية البيت الأبيض هي سياسة مالية بامتياز، وكل الحروب والتدخلات الأمريكية قوامها المكاسب الاقتصادية، وكلهم في النهاية سيضعون المصلحة العليا نصب أعينهم.
وبالتالي، إن مفاوضات فيينا قد لا تسفر عن شيء في الوقت الحالي، لكن في المستقبل القريب ستكون فترة حكم الرئيس الأمريكي جو بايدن هي فترة رخاء بالنسبة لإيران، وهذا ما يبدو عليه الوضع منذ أن استلم الأخير حتى اليوم.
أخيراً، إن المتابع يعتقد أن التصريحات السلبية للمسؤولين الأمريكيين والإيرانيين، تبين أنهما أعداء بعض، لكن الواقع عكس ذلك كلياً، العراق واليمن وسوريا ولبنان والخليج، وحتى أفغانستان كلها ملفات تشترك واشنطن وطهران فيها، فإن كان الوضع على شكل صراع، فهو مفتوح في أكثر من بقعة جغرافية، وأمريكا تعي جيداً أن فرص بقائها في العراق وأفغانستان على أقل تقدير، لطهران اليد الطولى في تمديد التواجد الأمريكي لأن ما تملكه إيران من قاعدة شعبية كبيرة في البلدين المذكورين كبير جداً، وبالتالي إن هذه المفاوضات هي عبارة عن كيفية تقديم التنازلات لتحقيق عودة للاتفاق النووي، والولايات المتحدة مرفوعة الرأس.
فريق عمل “رياليست”.