موسكو – (رياليست عربي): بعد أن زار وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف كلاً من تركيا و إيران على الترتيب، وعقد هناك اجتماعات مع المسؤولين والقادة في أنقرة و طهران، وخاصةً تلك المباحثات الهامة التي عقدت مع وزيري الخارجية التركي (هاكان فادان) والإيراني (عباس عراقجي)، حيث بحث معهم سيرجي لافروف آفاق المباحثات (الروسية – الأمريكية) التي جرت في المملكة العربية السعودية، والتي من شأنها على ما يبدو أن تغيير وجه المنطقة برمتها:
- وصل الوزير (سيرجي لافروف) إلى العاصمة القطرية الدوحة يوم الأربعاء 26 فبراير 2025، حيث التقى هناك مع المسؤولين القطريين، وعلى رأسهم أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والذي رحب بالضيف الروسي مؤكداً له بأنه سيزور العاصمة الروسية موسكو بتاريخ 17 أبريل نيسان 2025، وذلك ليلتقي مع فخامة الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) ويجري معه جملةً من المحادثات الثنائية الهامة.
- وفي الدوحة، أعلن سيرجي لافروف، أن قطر وصندوق الإستثمار المباشر الروسي يدرسان عدة مشاريع مستقبلية تتجاوز قيمتها مبلغ المليار دولار، كما يجري النظر حالياً في إمكانية القيام بمشاريع أخرى أكبر بين البلدين مستقبلاً، ويتم النظر أيضاً في توقيع بعض الإتفاقيات الجديدة التي تستهدف العمل ضمن صيغ تعاون جديدة في مجال الطاقة.
وفيما يتعلق بنتائج المحادثات (الروسية – الأمريكية):
- أكد الوزير سيرجي لافروف أن دبلوماسيين من روسيا الإتحاية والولايات المتحدة الأمريكية سيجتمعون في إسطنبول يوم الخميس 27 فبراير 2025 لمناقشة عمل سفارتيهما في واشنطن و موسكو، حيث يأتي هذا الإجتماع الدبلوماسي بعد المحادثات (الروسية – الأمريكية) في المملكة العربية السعودية الأسبوع الماضي، والتي مثلت تحولاً غير عادي في السياسة الخارجية الأمريكية خلال الحقبة الثانية للرئيس الأمريكي (دونالد ترامب).
- وأضاف وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، أن هذا التحول الأمريكي، يعتبر تغييراً واضحاً في الجهود التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية لعزل روسيا الإتحادية بسبب حربها في أوكرانيا، حيث بدأ الجانبان العمل باتجاه إنهاء الحرب لتحسين العلاقات الدبلوماسية والإقتصادية بينهما، حيث يشمل هذا العمل من بين ما يشمل، إعادة موظفي السفارات التي تضررت بشدة في السنوات الأخيرة بسبب عمليات الطرد المتبادلة لأعداد كبيرة من الدبلوماسيين وغير ذلك من القيود.
من الجانب القطري:
أعلن أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني أنه يعتزم شخصياً زيارة روسيا الإتحادية بتاريخ 17 أبريل المقبل 2025، وذلك خلال اجتماعه مع وزير الخارجية الروسي لافروف الذي نقل له تحيات الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين). وأكد الأمير تميم نيته الوصول إلى روسيا الإتحادية في الموعد المحدد لعقد مباحثات هامة مع الرئيس بوتين حيث سيبحث معه التغييرات الإقليمية والدولية المتسارعة في أوكرانيا وكذلك في منطقة الشرق الأوسط.
آراء المراقبين والمحللين والخبراء في مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية الروسية والعالمية:
- يرى العديد من المراقبين والمحللين والخبراء في مجال العلاقات الدولية من المختصين بملف العلاقات (الروسية – القطرية) وتأثير هذه العلاقات الثنائية على منظومة العلاقات الدولية الإقتصادية، وكذلك على تجارة النفط والغاز العالمية، أن الروس يحاولون تحويل القطريين من المنافسين الرئيسيين لهم في تجارة النفط والغاز، ليصبحوا أحد الشركاء الداعمين للشركات الروسية في هذه الصناعة.
- وهنا يؤكد الخبير الإقتصادي العالمي التركي (فاتح بيرول) والذي يشغل منصب مدير وكالة الطاقة الدولية، أن الجانب الروسي قلق للغاية، لمعرفته المسبقة بأن الأروبيين يحاولون بشتى الوسائل والطرق استيراد شحنات الغاز الطبيعي المسال من قطر بدلاً من روسيا الإتحادية بحلول بداية العام 2027، وهو الأمر الذي كان طاغياً على محادثات وفعاليات أسبوع الطاقة الدولي في لندن، حيث ستحاول عواصم القارة الأوروبية جميعها وقف إستيراد تلك الكميات الكبيرة من الغاز الطبيعي المسال الروسي والذي تعتمد عليه في إقتصاداتها. ولهذا يسعى القادة الأوربيون لإقناع قطر من أجل أن تصبح المصدر البديل لهذا الغاز الروسي، إلى جانب بعض مصادر الغاز الأخرى مثل تركيا، وهو الملف الذي بات يطغى على المباحثات (الأوروبية – القطرية) من جهة، وعلى المباحثات (الروسية – القطرية) من جهة أخرى، لأنه سيحدد شكل العلاقات بين الدوحة وموسكو خلال الفترة القادمة.
- ويؤكد الخبير الإقتصادي العالمي التركي (فاتح بيرول) أن الخلاف الرئيسي حالياً بين موسكو والدوحة يتمثل بعدم توصل الجانبين إلى إتفاق جدي فيما يتعلق بحصصهما العالمية في مجال الغاز المسال، فمثلاً، ومن الجانب الروسي، تدرك موسكو أن المفوضية الأوروبية تريد التخلي عن اعتمادها الكبير على الغاز الطبيعي المسال الروسي، والذي تحاول أن تتنصل منه بحلول العام 2027، حيث سيكون من المتوقع أن يظل المعروض في سوق الغاز الطبيعي المسال العالمي أقل من الطلب حتى عام 2027، أي عندما تكون موجة من المشروعات الجديدة في قطر والولايات المتحدة الأمريكية وبلدان أخرى قادرة على إطلاق إمدادات جديدة.
- أما من الجانب القطري، فتدرك الدوحة بأنه يجب عليها أن تعمل بشكل أكبر من أجل زيادة طاقتها من الغاز الطبيعي المسال إلى 126 مليون طن سنوياً بحلول عام 2027 من 77 مليوناً سنوياً حالياً، وأن تعمل بشتى الوسائل كي تستهدف الوصول إلى 142 مليوناً سنوياً بحلول نهاية العقد الحالي، خاصةً وأن بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا، وهي إحدى أفضل دول الإتحاد الأوروبي تجهيزاً بمحطات الغاز الطبيعي المسال، قد قامت بزيادة وارداتها الروسية من الغاز المسال بنسبة 81% بين عامي 2023 و2024، ودفعت 2,68 مليار يورو لروسيا الإتحادية، على الرغم من العقوبات الإقتصادية (الأمريكية و الأوروبية)، حيث يصل 85% من واردات الغاز الطبيعي المسال الروسي إلى أوروبا عبر دول أوروبية مثل فرنسا وإسبانيا وبلجيكا.
- ويستشهد الخبير (فاتح بيرول) ببيانات معهد اقتصادات الطاقة والتحليل المالي التي نشرت الأسبوع الماضي والتي بينت كيف أن الإتحاد الأوروبي قد زاد من وارداته من الغاز الطبيعي المسال الروسي لتصل إلى نحو 20% من إجمالي واردات الغاز الطبيعي المسال، بزيادة قدرها 6% عن العام العامين الماضين ووفقاً لبيانات الاتحاد الأوروبي، حيث ظلت الولايات المتحدة الأمريكية أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال بتوريد 45% من واردات التكتل من الغاز الطبيعي المسال للعام الماضي 2024، خاصةً وأن دول الإتحاد الأوروبي قد لجأت إلى الغاز الطبيعي المسال بديلاً من الغاز الذي كان يتم نقله عبر خطوط الأنابيب التي تمَّ إغلاق معظمها بسبب الحرب (الروسية- الأوكرانية).
- وبينما يراقب المسؤولون القطريون نتائج الصراع (الروسي الأوكراني) الإقتصادية هذه، فإنهم يتعاملون بحذر مع التداعيات الجيوسياسية، لأن قطر وبقية دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى لديها مصلحة في عدم إثارة العداء المفرط للغرب أو لروسيا الإتحادية، وهو ما يتفق مع أهداف السياسة الخارجية للدوحة في تعزيز العلاقات الإيجابية مع كل الجهات الفاعلة الرئيسية على الساحة الدولية تقريباً.
- وهنا يرى الخبير العالمي الأمريكي (كريستيان كوتس أولريشسن)، وهو باحث في مركز الشرق الأوسط في معهد بيكر بجامعة رايس في ولاية تكساس الأمريكية، أن روسيا الإتحادية قد تكون حالياً بحاجة لمساعدة قطر بالفعل، من الناحيتين الدبلوماسية في أوكرانيا والإستخباراتية في سوريا، من أجل تعزيز الجهود الدبلوماسية الدولية، ومن خلال قدرة الدوحة على التواصل مع الجانبين (الروسي والأوكراني) وقدرة الدوحة على التواصل مع الجانبين (الروسي و السوري) لتمرير الرسائل وتبادل الأفكار التي يمكن أن تساعد في تشكيل الأساس لخفض التصعيد في أوكرانيا واحتمال المشاركة الدبلوماسية لحل الصراع بشكل نهائي بين كييف وموسكو، وكذلك إمكانية حفظ ماء الوجه لروسيا الإتحادية في سوريا واحتمال الإبقاء على جزء من القواعد العسكرية الروسية في ذلك البلد.
- وعلى الرغم من هذا التفاؤل الروسي، إلا أن وزارة الخارجية الروسية تناست المواقف القطرية، على الأقل من الناحية الخطابية، عندما وقفت كلاً من قطر والكويت، وهما من بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي ضدَّ موسكو في أقوى دفاع عن سيادة كييف إقليمياً منذ بدء الهجوم الروسي، ففي حديثه أمام الدورة التاسعة والأربعين لمجلس حقوق الإنسان في جنيف في وقتٍ سابقٍ، شدد وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني على احترام قطر لسيادة أوكرانيا واستقلالها وسلامة أراضيها كدولةٍ، داخل حدودها المعترف بها دولياً، وكذلك الأمر حصل في وقتٍ سابقٍ عندما كان يتعلق الأمر بنظام (بشار الأسد) التي كانت قطر معادية له علناً، والذي كان إحدى نقاط الخلاف بين القيادات في كل من قطر و روسيا الإتحادية.
- وهذان المثالان، يشرحان كيف وقفت الدوحة في وجه موسكو باعتبارها جهة فاعلة مضادة للثورة في العالم العربي وخارجه، خاصةً وأن روسيا الإتحادية كان لديها مصالح في سوريا وليبيا وأماكن أخرى تتوافق في كثير من الأحيان مع مصالح الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وتتعارض جزئياً وليس كلياً، مع أجندة السياسة الخارجية القطرية، وهو الأمر الذي جعل روسيا الإتحادية وقطر طرفان متعارضان في العديد من الصراعات التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولهذا السبب لم يكن انحياز الدوحة إلى جانب كييف ضدَّ موسكو مفاجئاً، ولهذا السبب، فإن الوزير سيرجي لافروف، ومن خلال زيارته إلى العاصمة القطرية الدوحة، ولقائه مع أمير قطر حمد بن تميم قد أراد أن يوصل رسائل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وإلى أوكرانيا، وإلى إيران، وإلى تركيا، ومن بعدهم جميعاً إلى بقية دول الخليج العربية، بأن أي إتفاق (روسي – أمريكي) قد يبرم مؤخراً سيكون له تأثير إيجابي على جميع دول الخليج العربية، بما فيها دولة قطر، وبالذات في مجالات الطاقة والنفط وصناعة الغاز، والتي دائماً ما كانت الدوحة تعتبر فيها بأنها الخصم الأقوى لموسكو إقليمياً و دولياً.
- لهذا السبب، يؤكد خبير سياسي ثالث، هو الخبير البريطاني العالمي (أندرياس كريج)، وهو الأستاذ المساعد في كلية (كينجز) في العاصمة البريطانية لندن، أن وزير الخارجية الروسي (سيرجي لافروف) قد قرأ العوامل الجيوسياسية والفكرية، وقرأ المصالح المرتبطة بالطاقة بشكل كبير، والتي يمكن أن تؤثر على وجهات نظر قطر بشأن الصراع في أوكرانيا قبل وصوله إلى الدوحة، حيث أدرك سيرجي لافروف بأن قطر، وباعتبارها دولة منتجة للغاز، قد تشهد مكاسب كبيرة بالنظر إلى أنها الدولة الخليجية العربية الصغيرة، والتي ما زالت تتنافس مع روسيا الإتحادية في هذا المجال، ولذلك سيكون من الأفضل لموسكو أن تتعاون مع الدوحة بدلاً من التنافس معها، خاصةً وأن نقطة الخلاف والصراع السياسي الرئيسية في سوريا، قد تمَّ حسمها بين الجانبين تقريباً.
- ويؤكد الخبير البريطاني العالمي (أندرياس كريج)، المعروف بانتقاده للسياسة الخارجية الروسية، أن الكرملين الروسي يدرك جيداً إصرار الأوروبيين على تنويع مصادر الغاز بعيداً عن روسيا الإتحادية التي تزود الإتحاد الأوروبي حالياً بنحو 40% من احتياجاته من الغاز، ويدرك أيضاً أن الإتحاد الأوروبي يحاول بشتى الوسائل إقناع قطر ودول أخرى غنية بالغاز، بما في ذلك الجزائر ، وأذربيجان ، والنرويج، والولايات المتحدة الأمريكية، من أجل تضييق الخناق على الغاز الروسي، ولذلك، فإن الكرملين الروسي يدرك جيداً بأنه وعلى الرغم من المحادثات الأخيرة (الروسية – الأمريكية) التي جرت في الرياض، إلا أن هذه الحرب تخدم المصالح القطرية في واقع الأمر، لأن الأوروبيين يبحثون عن بدائل لطاقة بلدانهم، وقطر هي واحدة من هذه البدائل في مجال الغاز الطبيعي المسال.
- ويتابع الخبير البريطاني العالمي (أندرياس كريج)، أنه من الناحية الواقعية، فإن روسيا الإتحادية، ورغم كل هذه المحاولات الأوروبية، فهي مطمئنة، لأن دولة قطر في الحقيقة لا تملك القدرة على استبدال الصادرات الروسية، ولكنها قادرة على مساعدة الدول الأوروبية في تنويع مصادر وارداتها من الغاز، ولذلك فإن موسكو تريد أن تصلح ذات البين مع الدوحة التي تبقى بالنسبة للعديد من الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي، إحدى الدول التي يمكن اللجوء إليها لتفادي معاناة بلدانها من نقص الغاز الروسي الذي هدد به الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين)، والذي قديؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي، وارتفاع أسعار الطاقة، وتعطيل تدفقات السلع الأساسية، ولذلك، أدرك الوزير سيرجي لافروف حالياً أن هذه الدول، ستلجأ حالياً بالذات إلى قطر وغيرها من الدول المصدرة للغاز في خضم هذه الأزمة الدولية، فما كان من الكرملين الروسي سوى أن يقوم بضربة إستباقية ضدَّ دول الإتحاد الأوروبي، حيث سيكون هناك مشروع كبير لصناعة النفط والغاز بين الدوحة و موسكو، وسيتم بحث تفاصيله الدقيقة خلال زيارة الأمير تميم بن حمد آل ثاني إلى موسكو في شهر أبريل نيسان المقبل كما أكدت الدوحة نفسها.
- أما فيما يتعلق بما تمَّ بحثه من جوانب سياسية، خلال زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى العاصمة القطرية الدوحة، فهنا، تؤكد الخبيرة العالمية الأمريكية (آنا جاكوبس)، الباحثة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، أنه على الرغم من التوترات بين الدوحة و موسكو الناجمة عن أجندات روسيا الإتحادية المضادة للثورات في المنطقة العربية، فقد وجدت الدولتان سبل التعاون العملي، وخاصة في مجالات الرياضة والسياحة والبنية التحتية والإستثمار، حيث أثرت الإستثمارات الضخمة التي ضختها هيئة قطر للإستثمار في شركة النفط الروسية العملاقة (روسنفت) على وجهة نظر الدوحة بشأن كيفية الرد على هذا الصراع والجهود الغربية للضغط على روسيا الإتحادية اقتصادياً.
- وفي هذا السياق، وكما تضيف الخبيرة (آنا جاكوبس)، فقد حرصت الدوحة على تجنب الرد على هذا الصراع بطرق تثير غضب حكومة الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) حيث نجحت الدوحة بدبلوماسية في أن تلتزم بمبادئها في الدفاع عن كرامة أوكرانيا الإقليمية وحقوقها السيادية، وهو الموقف الذي قد ساعد قطر كثيراً بأن تثبت للمسؤولين الأمريكيين والغربيين، وخاصةً لمؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية أن تصنيفها كـــــــ (حليف رئيسي غير عضو في حلف شمال الأطلسي) كان مستحقاً عن جدارة، ومع ذلك، فقد امتنعت دولة قطر عن دعم الحرب المالية التي يشنها الغرب ضد روسيا الإتحادية، وهو الأمر الذي نظر إليه الكرملين الروسي على أنه بادرة حسن نية من قبل القطريين.
- ويؤكد الخبراء الإقتصاديون الروس، أنه وعلى الرغم من أن قيمة استثمارات هيئة الإستثمار القطرية في روسيا الإتحادية انخفضت بشدة بسبب العقوبات الغربية، ورغم حظر الرحلات الجوية سابقاً، وانخفاض قيمة الروبل الروسي، إلا أن صندوق الثروة السيادية القطري لم يقم بأي عمليات سحب كبيرة من الإقتصاد الروسي، وهو موقف إيجابي للغاية يسجل للقطريين في روسيا الإتحادية، الذين تعاونوا مع مجموعة من الإقتصاديين الروس، من الذين أقنعوا قادة الدوحة الماليين بأن الإنسحاب القطري من روسيا الإتحادية سيعني البيع بخسارة كبيرة، فضلاً عن أن الروس سيرون في أي إنسحاب قطري من روسيا الإتحادية بأنه إنحياز من جانب قطر إلى العقوبات الغربية، وهو الأمر الذي تفادته العائلة الحاكمة في دولة قطر بذكاء حاد للغاية.
- وهنا، تختم الخبيرة الأمريكية (آنا جاكوبس) قائلةً: إن دولة قطر، وخلال زيارة وزير الخارجية الروسي (سيرجي لافروف)، قد باتت مثل العديد من دول الخليج العربية، أي في موقفٍ صعبٍ للغاية، لأن الأمر بتعلق بجهة مع مصالحها الإستراتيجية الأمنية والعسكرية المشتركة مع الولايات المتحدة الأمريكية، ومن جهة أخرى فإن الأمر يتعلق بمصالحها الإقتصادية والمالية مع روسيا الإتحادية.
- ولهذا السبب، كما تضيف الخبيرة العالمية الأمريكية (آنا جاكوبس)، فإن الجانب الروسي، ومن خلال محادثات وزير الخارجية (سيرجي لافروف) مع أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، قد انطلق في هذه المحادثات من مبدأ التعاون (الروسي – القطري) المتبادل المنفعة، والذي كان يستند دائماً على السياسة الخارجية التقليدية المتمثلة في التحوط والتوازن بين القوى الإقليمية والعالمية، ومع ذلك، وفيما يتعلق بقضية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، فإن الدوحة ما زالت تميل إلى جانب كييف أكثر من ميولها إلى جانب موسكو، وهو الأمر الذي بات الروس يتقبلونه على مضض.
- ويعود السبب في تقبل الجانب الروسي لهذه الحقيقة، لمعرفتهم بأن الدوحة، وإن كانت لا تميل إلى جانب روسيا الإتحادية، إلا أنها لا تدعم الحرب المالية ضدها، ولذلك لم تكن الدوحة في يوم من الأيام مورداً للأسلحة إلى أوكرانيا كما فعلت بعض الدول الأوروبية، نظراً لأن التجربة المثيرة للجدل التي خاضتها قطر في سوريا بعد وقت قصير من اندلاع الحرب الأهلية في البلاد، فضلاً عن مصالح الدوحة في لعب دور دبلوماسي في الجهود الرامية إلى إنهاء الصراع (الروسي – الأوكراني) قد فرض على قطر من حيث المبدأ، أن لا تنضم إلى تحالف الدول الغربية التي قامت بتسليح أوكرانيا، وهو الأمر الذي ثمنه الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) عالياً، وقدره كجميلٍ كبيرٍ من قبل أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني.
- وهنا في موسكو، يعتقد الخبراء الروس في وزارة الخارجية الروسية، أن المحادثات (الروسية – الأمريكية) التي جرت في المملكة العربية السعودية، سترجح بأن تبقى قطر طرفاً وسيطاً ومتكاملاً، بدلاً من أن تكون قطر طرفاً متدخلاً، لأن خيار (الوساطة القطرية العالمية) هو الأكثر ربحية وأكثر أماناً لدولة قطر التي لن تنجح في لعب دور الوسيط في الحرب (الروسية – الأوكرانية) لوحدها، ولكنها قد تنجح بالتنسيق مع بلدان أخرى تعمل على تحقيق هذه الغاية، حيث من الممكن لقطر تقديم مساهمة قيمة في مثل هذه الجهود، وهو الأمر الذي أكد عليه وزير الخارجية الروسي (سيرجي لافروف) مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والدليل على ذلك، أنه خلال الساعات الأولى من دخول الدبابات الروسية إلى الأراضي الأوكرانية بتاريخ 24 فبراير 2022، اتصل الرئيس الأوكراني (فولوديمير زيلينسكي) بالشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر، طالباً منه المساعدة، كما تحدث وزير الخارجية القطري حينها من الدوحة مع نظيريه الروسي و الأوكراني، أي أن دولة قطر قد قدمت نفسها منذ الساعات الأولى لهذا الصراع على أنها دولة قادرة على المساهمة بشكل هادف في الجهود الرامية إلى حل الأزمة الحالية بين روسيا الإتحادية وأوكرانيا، وهو الأمر الذي أعاده الوزير (سيرجي لافروف) إلى الأذهان خلال زيارته الأخيرة للدوحة، التي على ما يبدو قد حصلت على (الضوء الأخضر) من قبل الجانب الروسي للتدخل، كي تدعم المبادرات الدبلوماسية الحالية ضمن المحادثات (الروسية الأمريكية) لإحداث فرق إيجابي.
حسام الدين سلوم – دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية – خبير في العلاقات الدولية الروسية.