موسكو – (رياليست عربي): بعد أن التقى الرئيس الأوكراني (فولوديمير زيلينسكي) في كييف مع (كيث كيلوج) الممثل الخاص للولايات المتحدة الأمريكية إلى أوكرانيا وروسيا الإتحادية، حيث أبلغ الأخير مستضيفه الأوكراني بأن إحدى نتائج اللقاء الذي عقد في المملكة العربية السعودية بين الروس والأمريكيين، كان الإتفاق على مرحلة أوكرانيا ما بعد الحرب، والتي ستكون فيها (أوكرانيا بدون فولوديمير زيلنكسي)، وهو ما بات يستدعي من الرئيس الأوكراني قيامه بتقديم استقالته، والقيام بعملية نقل للسلطة في نظام كييف، مما دفع بالرئيس زيلنكسي ليرفض حضور المؤتمر الصحفي الذي كان مقرراً له مع الضيف الأمريكي.
- وصل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الإثنين 24 فبراير إلى أنقرة، حيث ناقش هناك مع نظيره التركي (هاكان فيدان) الشروط التي ستكون موسكو مستعدة بموجبها لتوقيع إتفاق سلام مع كييف، حيث أعلن لافروف أن روسيا الإتحادية مستعدة للتفاوض مع أوكرانيا وأوروبا، لكن العمل العسكري لن يتوقف إلا عندما تسفر المحادثات عن نتيجة حازمة ومستدامة ترضي الكرملين. كما تحدث لافروف في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية التركي (هاكان فيدان) بمناسبة الذكرى الثالثة لبدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، فأكد بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستجري مع روسيا الإتحادية مشاورات كاملة بعد المحادثات الأخيرة، وناقش مع هاكان فيدان (تطبيع عمل السفارات) أيضاً في واشنطن و موسكو، بعد أن كان قد التقى مع وزير الخارجية الأمريكي (ماركو روبيو) في الرياض.
- من بعدها عقد الوزير (سيرجي لافروف) اجتماعاً مغلقاً في أنقرة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث حضر المحادثات أيضاً، كلاً من وزير الخارجية التركي (هاكان فيدان) ورئيس مكتب الإتصال في الإدارة الرئاسية التركية (فخر الدين ألتون)، والمستشار الخاص للرئيس التركي في شؤون السياسة الخارجية والأمن (عاكف كاغاتاي كيليتش).
- وأعلنت وزارة الخارجية الروسية أن وزير الخارجية (سيرجي لافروف) سيزور إيران في زيارة عمل اليوم الثلاثاء 25 فبراير 2025، تلبية لدعوة وزير خارجية إيران (عباس عراقجي)، حيث سيناقش لافروف مع عراقجي خلال الزيارة الأجندة الثنائية للعلاقات (الروسية – الإيرانية)، وأضافت الوزارة في بيان رسمي لها أنه سيكون من المقرر التركيز بشكل خاص على مواصلة توسيع التعاون التجاري والإقتصادي ذي المنفعة المتبادلة في سياق تنفيذ المشاريع المشتركة الرئيسية في مجالات الطاقة والنقل.
- وبالإضافة إلى ذلك، من المقرر تبادل وجهات النظر حول عدد من القضايا الدولية الراهنة، بما في ذلك الوضع الحالي في سوريا، ومنطقة القوقاز، وأفغانستان، واليمن، ومنطقة الخليج، وبحث موضوع التسوية في منطقة الشرق الأوسط، وقضية حوض بحر قزوين، والوضع العام حول خطة العمل الشاملة المشتركة بشأن البرنامج النووي الإيراني.
آراء المراقبين والمحللين و الخبراء في مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية الروسية والعالمية:
- يرى العديد من المراقبين والمحللين والخبراء في مجال العلاقات الدولية من المختصين بملف تطورات الحرب (الروسية – الأوكرانية) وتأثيرها على الأوضاع الأمنية والعسكرية واللوجيستية ليس فقط في بلدي طرفي النزاع، وإنما تأثيرها على الصعيدين الإقليمي والدولي أيضاً، مثل الخبير الأمريكي العالمي (ستيف ويتكوف)، والذي يشغل منصب مبعوث الرئيس الأميركي إلى دول منطقة الشرق الأوسط، أن واشنطن تدرس حالياً إمكانية الإستفادة من بيان إسطنبول (كأساس) لإبرام إتفاق السلام المزمع التوصل إليه بين أوكرانيا وروسيا الإتحادية، وهو الأمر الذي سيتطلب تنازلات من قبل الجانبين.
- ولهذا السبب، طار وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى تركيا لمناقشة إنهاء الحرب في أوكرانيا والدور المحتمل لأنقرة في هذه العملية مع ممثلي الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تستعد تركيا للتوسط مرة أخرى، كما فعلت في بداية الحرب (الروسية – الأوكرانية)، ولهذا السبب، صرح الوزير سيرجي لافروف في تركيا، بأن روسيا الإتحادية لن توقف القتال في أوكرانيا، إلا عندما تكون راضية عن نتيجة محادثات السلام.
- وقد أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن استعداد بلاده للدخول في المفاوضات، وفي المقابل، أكد الرئيس الأوكراني (فولوديمير زيلينسكي) أن أوكرانيا وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وكذلك روسيا الإتحادية يجب أن يكونوا على طاولة المفاوضات لإنهاء الصراع (الروسي – الأوكراني).
- ويؤكد الخبراء الروس، أنه بالنسبة لأنقرة، فإن أوكرانيا ليست صراعاً معزولاً، والروس مدركين لهذا الأمر، لأن أنقرة تعتبر مصير كييف جزء من المنافسة الجيوسياسية الأوسع مع موسكو، بعد أن اشتبكت تركيا مع روسيا الإتحادية في جبهات متعددة بدءاً من ليبيا ومروراً بسوريا ووصولاً إلى القوقاز، والآن يتوسع التنافس بين الدولتين إلى إفريقيا، حيث تسعى روسيا الإتحادية إلى ترسيخ بصمتها شبه العسكرية مع قيام تركيا بتوسيع نطاقها السياسي والعسكري والإقتصادي في القارة. إذ يعمل هناك المرتزقة المرتبطون بشركة (فاغنر) العسكرية الخاصة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، بينما تشارك تركيا في شراكات بين الدول وعقود دفاع وصفقات البنية التحتية في منطقة الساحل، وتقدم أنقرة هناك ما لا يستطيع نموذج موسكو الذي يقوده المرتزقة تقديمه. أما في حوض البحر الأحمر، فتعمل أنقرة على تعميق وجودها في السودان بينما تتطلع روسيا الإتحادية إلى إنشاء قاعدة بحرية في البلاد.
- إن الديناميكية الحالية بين أنقرة وموسكو هي بمثابة عمل توازني متعدد المسارات، فأحياناً يسود التعاون عندما يكون ذلك مناسباً، وأحياناً أخرى يسود القتال عندما يتطلب الأمر ذلك، ودائماً ما يكون مدفوعاً بحساباتٍ إستراتيجية، ولكن في سوريا وليبيا على وجه الخصوص، كشفت تركيا بشكل دراماتيكي عن نقاط ضعف روسيا الإتحادية. ففي سوريا، اشتبكت تركيا مراراً وتكراراً مع القوات العسكرية المدعومة من قبل روسيا الإتحادية، فعلى سبيل المثال، خلال الحرب الأهلية السورية صدت القوات التركية هجوماً روسياً داعماً لقوات بشار الأسد في إدلب، لكن موقف الجيش الروسي في سوريا أصبح مكشوفاً بشكل متزايد بعد فشل موسكو في إنقاذ نظام بشار الأسد واستخفاف الكرملين بالضربات الإسرائيلية على منظمة (حزب الله) ووكلاء إيران، والتي كانت ضرورية لسيطرة موسكو.
- والأمر الحاسم هنا، هو أن انهيار نظام منع الوصول إلى إسرائيل (نظام بشار الأسد)، قد منع الجميع بالفعل من دخول المنطقة (A2/AD) الروسية في سوريا، والذي كان مصمماً لردع عمليات حلف شمال الأطلسي، وهو الأمر الذي غير المشهد العملياتي. ومع عدم قدرة روسيا الإتحادية الحفاظ على تغطية دفاعية جوية قوية، باتت تركيا تتمتع بحرية عملياتية أكبر من روسيا الإتحادية بكثير في سوريا. وفي الوقت نفسه، منح نفوذ تركيا على الحكومة السورية الحالية المزيد من مساحات النفوذ الإضافية لأنقرة ضدَّ موسكو، وخاصة بعد سحب روسيا الإتحادية لوجودها العسكري من قاعدة (حميميم) الجوية، ومن موطئ قدمها الرئيسي في قاعدة (طرطوس) البحرية على حوض البحر الأبيض المتوسط.
- أما في ليبيا، فقد أثبت التدخل العسكري التركي أنه حاسم، لأنه من خلال دعم حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من منظمة الأمم المتحدة ضد الجيش الوطني الليبي المدعوم من روسيا الإتحادية، أجبرت تركيا الميليشيات المدعومة من روسيا الإتحادية على التراجع، وتفكيك معقل (فاغنر) العملياتي هناك.
- وقد كان لهذا التصرف التركي في ليبيا، أن يحدَّ من تحول النفوذ الروسي في شمال إفريقيا، وأن يعزز الوجود التركي الطويل الأمد في المنطقة. وكدليل على هذا النفوذ المتزايد، أعلن الإتحاد الأفريقي مؤخراً أن ليبيا ستستضيف القمة (الأفريقية – التركية) في مطلع العام القادم 2026، وهي الخطوة التي تؤكد على تعميق تركيا لموطئ قدمها الإستراتيجي على حساب موسكو.
- ناهيك عن هذا وذاك فإن تركيا تحاول الإنخراط بعرض القوة، بدءاً من حوض البحر الأبيض المتوسط وصولاً إلى حوض بحر قزوين، ولا تكتفي تركيا بذلك، بل إنها تنفذ عملية إعادة تنظيم إستراتيجي، وتعطل الحسابات العملياتية الروسية، وتجبر الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) على إتخاذ موقف يتمثل بقرارات ردات الفعل، ففي هذا السياق، ساعدت إستضافة تركيا مؤخراً للرئيس الأوكراني (فولوديمير زيلينسكي) على تعظيم نفوذها في مناطق الشرق والغرب، ولعدة أسباب هي:
- 1- أولاً – لأن إنفصال تركيا الإستراتيجي عن الشؤون الأوروبية سيساعد على تعزيز أنقرة لموقفها مع موسكو، حيث تنظر روسيا الإتحادية إلى تركيا، والتي لا تعوقها قيود الإتحاد الأوروبي كلاعب محايد يمكنها التعامل معه.
- 2- ثانياً – لأن استقلال تركيا العسكري، وخاصة في حرب الطائرات بدون طيار وإنتاج الأسلحة، يتماشى مع جهود الرئيس (دونالد ترامب) لتحقيق الإعتماد على الذات داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ولهذا السبب، أشاد الرئيس ترامب علناً بتركيا بعد نجاحاتها العسكرية في الجمهورية العربية السورية.
- 3- ثالثاً – لأنه وعلى الرغم من تعاملاتها مع روسيا الإتحادية، تظل تركيا واحدة من أقوى الداعمين لأوكرانيا، وهي ثابتة في الدفاع عن سلامة أراضي كييف ومواجهة التوسع الروسي في ذلك البلد.
ولهذه الأسباب مجتمعة، فإن دعم أوكرانيا يقيد التوسع الروسي في حوض البحر الأسود ويعزز الموقف الإستراتيجي لتركيا، لأنه ومن منظور أنقرة، فإن أوكرانيا المرنة ذات السيادة تشكل رقابة حاسمة ضد الهيمنة الروسية في المنطقة. وعلى النقيض من العديد من الدول الأوروبية التي ترددت في دعم كييف، فقد تحركت أنقرة بشكل حاسم، لأنه وبعد أيام من دخول القوات الروسية لأوكرانيا، استشهدت تركيا بإتفاقية (مونترو)، فأغلقت مضيقي (البوسفور والدردنيل) أمام السفن الحربية الروسية وهي الخطوة التي قيدت بشدة قدرة موسكو على تعزيز أسطولها في حوض البحر الأسود، على الرغم من أنها اعتبرت في إطار الحياد.
أما في ساحة المعركة، فقد سلَّحت تركيا أوكرانيا بأحد أكثر أنظمة الأسلحة فعالية، أي طائرات بدون طيار من طراز (Bayraktar TB2)، والتي أثبتت أيضاً أنها حاسمة في ليبيا، حيث ساعدت هذه الطائرات أوكرانيا في تدمير الأرتال المدرعة والأصول البحرية الروسية، مما أدى إلى ترجيح كفة الميزان في المعارك الرئيسية والسماح لتركيا بالتأثير على الحرب بدون أي إشتباك عسكري مباشر.
- وهكذا، ومن خلال تسليح أوكرانيا بيد والتعامل مع روسيا الإتحادية باليد الأخرى، فقد استخدمت تركيا نفوذها الإستراتيجي بفعالية كبيرة، وفي حين تناقش الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا خطوتهما التالية، وهما تعملان على ضبط حزم المساعدات، فقد أبقت تركيا روسيا الإتحادية منهكة على جبهات متعددة، وهو التكتيك الذي لا تستطيع العواصم الغربية استخدامه أو لا ترغب في إستخدامه حتى، لأن قادتها يخافون من ردة فعل الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) ضدَّ بلدانهم.
- ولكن النقطة الأهم، التي حاول وزير الخارجية الروسي (سيرجي لافروف) الإستفادة منها في أنقرة حالياً، هي الإستفادة من سوء التصرف الأخير الذي قام به الرئيس الفرنسي (مانويل ماكرون) والذي تصرف بسوء تقديرٍ إستراتيجي، عندما لم يقم بتقدير دور تركيا في مواجهة روسيا الإتحادية، وخاصة في الجوار الجنوبي لحلف شمال الأطلسي، حيث قام بتهميش الدور التركي بشكل كبير، ولم يقم بإشراك أنقرة في (قمة باريس الأوروبية المصغرة) الأخيرة بشكل فعال وضروري.
- هذا الخطأ الأوروبي، هو الخطأ الذي استغلته موسكو فوراً ضدَّ باريس لكونها كانت تحاول أن تلعب على ورقة (الوحدة الأوروبية)، لأنه لو كانت دول أوروبا جادة بشأن تعزيز أوكرانيا كدولة جارة لها، وإبقاء روسيا الإتحادية تحت السيطرة، فكان يجب عليها التعامل مع تركيا كشريك إستراتيجي رئيسي، ولكن هذا لم يحدث على الرغم من مواصلة أنقرة استغلالها للثغرات في الموقف (الجيو إستراتيجي) الحالي لروسيا الإتحادية بما يتماشى مع مصالحها الخاصة، وهو الأمر الذي كان وما زال وسيبقى يكتسب أهمية إستراتيجية لدى أنقرة، والتي ستحاول أن تغتنم الفرصة للتعاون مع موسكو من أجل الإستفادة من الأولويات المشتركة بين (الروس و الأتراك) بمعزلٍ عن الأوروبيين الذي فتحوا لأنفسهم ثغرة جديدة مع الأتراك، تماماً مثل الثغرة التي فتحها الأوروبيون مع الأمريكيين.
- وكما أفلح الكرملين الروسي بحنكةٍ كبيرةٍ، في استثمار الثغرة السياسية والدبلوماسية الحالية التي ظهرت واضحة بين (الأوروبيين والأمريكيين)، واستثمرها بشكل جيدٍ للغاية، فإنه سينجح حالياً في استثمار الثغرة السياسية والدبلوماسية الجديدة التي ظهرت بشكل واضح بين (الأوروبيين و الأتراك) بعد (قمة باريس الأوروبية المصغرة)، والتي عقدت في العاصمة الفرنسية باريس بغض النظر عن الموقف التركي من الحرب (الروسية – الأوكرانية).
خاص وكالة رياليست – حسام الدين سلوم – دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية – خبير في العلاقات الدولية الروسية.