موسكو – (رياليست عربي): أجرى الرئيسان الروسي (فلاديمير بوتين) والبيلاروسي (ألكسندر لوكاشينكو) محادثات في الكرملين، مساء الخميس الموافق لتاريخ 13 مارس 2025 حيث وصل زعيم الدولة المجاورة لروسيا الإتحادية إلى موسكو في زيارة رسمية تستمر يومين، وتتمثل أهمية هذين اليومين بأنهما سيشهدان قيام الرئيس البيلاروسي يوم الجمعة 14 مارس 2025 بإلقاء كلمة في مجلس الفيدرالية للإتحاد الروسي، أو ما يعرف بــــــــــ(مجلس الشيوخ)، وهو الأمر الذي شدَّ انتباه المحللين والمراقبين والخبراء في مجال العلاقات الدولية.
- وتزامنت زيارة الرئيس البيلاروسي لوكاشينكو مع توقع صدور ردود رسمية من قبل القيادة الروسية في الكرملين على الإقتراح (الأمريكي – الأوكراني) بإعلان وقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً في أعقاب المحادثات التي جرت مؤخراً في المملكة العربية السعودية وتزامنت كذلك مع زيارة (ستيف ويتكوف) المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) إلى موسكو هو الآخر، بعد وصول الرئيس البيلاروسي لوكاشينكو بنحو ساعة، حيث لاحظت الجماهير الروسية وصول كلا الموكبين معاً، والذين عطلا حركة السير والمرور في جميع الشوارع المتوجهة إلى وسط العاصمة الروسية موسكو.
- وفي كلمته الإفتتاحية أمام الحضور خلال اجتماعه مع الضيف البيلاروسي أكد فخامة الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) بأن العلاقات بين روسيا الإتحادية وجمهورية بيلاروس هي علاقات (أخوية) بمجمل المعنى الحقيقي للكلمة، ولذلك فإن الرئيس لوكاشينكو سيكون أول المدعوين إلى موسكو في يوم التاسع من مايو/أيار 2025 للإحتفال بيوم النصر في الذكرى الثمانين للنصر على النازييين في الحرب الوطنية العظمى عام 1945، والتي سطر فيها الجيش الأحمر السوفييتي أروع صفحات النضال الإنساني.
- وأشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال العام الماضي 2024 والذي بلغ رقماً قياسياً قدره 50 مليار دولار أمريكي أي بزيادة قدرها (+5.7٪)، سيكون هو الدافع الرئيسي الذي سيحفز الشركات الروسية للقيام بالمزيد من عمليات التبادل التجاري والمزيد من العمليات التجارية والإقتصادية التي سترفع التبادل التجاري بين مينسك وموسكو.
- أما بالنسبة للرئيس البيلاروسي (ألكسندر لوكاشينكو) فقد كانت هذه الزيارة الحالية هي الأولى له إلى الخارج منذ إعادة انتخابه الرسمي في السابع من يناير/كانون الثاني الماضي 2025 (ولكن قبل تنصيبه). حيث اعتبر الأخير أن نتائج الإنتخابات البيلاروسية الأخيرة، كانت مؤشر على موقف البيلاروسيين تجاه روسيا الإتحادية لأن الشعب البيلاروسي قد أكد من خلال عمليات التصويت تلك بأن هناك قضايا في العلاقات بين مينسك وموسكو تحتاج إلى التحرك بسرعة أكبر بين الجانبين، خاصةً في ظل التغييرات الحاصلة ضمن الظروف الإقليمية والدولية حالياً والتي تسببت بها الحرب الحالية في أوكرانيا.
- وضمن التعاون الأمني والعسكري، أكد ألكسندر لوكاشينكو للصحفيين أن بلده بيلاروس تصنع حالياً منصات إطلاق لصواريخ (أوريشنيك) وتنتظر الحصول على هذه الصواريخ من روسيا الإتحادية، علماً بأن (أوريشنيك) هو صاروخ باليستي متوسط المدى (MRBM) روسي الصنع، حيث أصبح الأمر معروفاً عندما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتن في نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2024 أن أحدث صاروخ متوسط المدى (أوريشنيك) قد استخدم لضرب أوكرانيا. ولهذا السبب أوضح الرئيس لوكاشينكو بأنه يعول حالياً على التأثير الرادع لنشر منظومة (أوريشنيك) فوق أراضي جمهورية (بيلاروس)، فضلاً عن الأسلحة النووية التكتيكية التي تمَّ استيرادها مؤخراً من روسيا الإتحادية والتي ستم نشرها قريباً مع منصات الصواريخ التي ستطلقها في الأراضي البيلاروسية المحاذية لمدينة (سمولينسك) الروسية.
- والجدير بالذكر أن الوفد الروسي للمفاوضات مع الوفد البيلاروسي الضيف، قد ضمَّ أيضاً كلاً من وزير المالية الروسي (أنطون سيلوانوف)، ونائب رئيس ديوان الإدارة الرئاسية (ماكسيم أوريشكين)، ورئيسة هيئة حماية المستهلك (آنا بوبوفا)، ورئيس شركة روس آتوم (أليكسي ليخاتشوف)، حيث أكد الإعلان الرسمي الذي صدر مساء الخميس 13 مارس 2025 بأن المحادثات الرسمية بين كلا الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والبيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، قد ناقشت العلاقات الثنائية وآفاق تحقيق المزيد من التكامل داخل دولة الإتحاد (الروسي – البيلاروسي)، ولذلك فقد تمَّ تخصيص بند منفصل ضمن المحادثات التي جرت اليوم تحت عنوان (الموضوعات الدولية الحالية) والتي من شأنها أن تؤدي إلى صدور بعض القرارات السياسية، بغض النظر عن الوثائق الثنائية التي ستوقع بين الجانبين.
آراء المراقبين والمحللين والخبراء في مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية الروسية والعالمية:
- تحدث العديد من المراقبين والمحللين والخبراء في مجال العلاقات الدولية من المختصين بملف العلاقات (الروسية – البيلاروسية) وتأثير هذه العلاقات على البلدين وعلى كلا النظامين الحاكمين في الكرملين الروسي وفي القصر الرئاسي البيلاروسي، أن هذه الزيارة تكتسب أهمية كبيرة وخصوصية إستراتيجية نظراً لأن الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) أراد أن يرسل رسالة سياسية وأمنية وعسكرية للداخل والخارج الروسي، بأن الكرملين الروسي لا يتخلى عن حلفائه المخلصين مثل جمهورية بيلاروس أو جمهورية الصين الشعبية أو جمهورية صربيا، وذلك بسبب اللغط الكبير الذي يدور بشأن إمكانية قيام موسكو بغض الطرف عن أي عملية عسكرية إسرائيلية كبرى قد تقوم بها واشنطن ضدَّ إيران كما غضت موسكو النظر عن تغيير النظام الحاكم سابقاً في الجمهورية العربية السورية.
- ولهذا السبب، يؤكد الخبير الروسي العالمي، السياسي المخضرم (يوري أوشاكوف)، والذي يشغل حالياً منصب المساعد الأول والأقرب للرئيس (فلاديمير بوتين) ضمن الإدارة الرئاسية في الكرملين الروسي، بأن الرئيس بوتين نفسه أراد أن يستغل وجود الضيف البيلاروسي (ألكسندر لوكاشينكو) والمعروف بأنه يعادي بصرامة وشدة دول الغرب وحلف الناتو من أجل بحث قضية الرد الروسي المتوقع والمنتظر على العرض الأخير من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وأوكرانيا.
- ويضيف الخبير والسياسي الروسي المخضرم (يوري أوشاكوف) بصفته أيضاً مساعداً للرئيس بوتين وعضو فريق التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية، أن الجانب الروسي وحتى الجانب البيلاروسي يعتقدان معاً بأن قضية وقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً، وفي هذا الوقت بالذات الذي يتزامن مع تقدم القوات الروسية وإستعادتها لجميع المناطق الإستراتيجية في مقاطعة (كورسك)، يبدو في حقيقة الأمر (عمل متسرع لن يخدم السلام الذي تنشده روسيا الإتحادية على المدى الطويل).
- ومع ذلك، فقد أبدى (يوري أوشاكوف) بأن هذا كان رأيه الشخصي فقط، وأن القرار النهائي يعود لمجلس الأمن القومي الروسي برئاسة فخامة الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) الذي سيناقش في موسكو مع الرئيس البيلاروسي (ألكسندر لوكاشينكو) كامل نطاق العلاقات المتجددة بين روسيا الإتحادية والولايات المتحدة الأمريكية، علماً بأن الرئيس لوكاشينكو قد أكد للرئيس بوتين اليوم بأن اقتراح وقف إطلاق النار المؤقت في أوكرانيا (ليس خدعة) في هذه المرة لسببين رئيسيين:
- السبب الأول: هو أن الأوكرانيين باتوا في موقف عسكري وأمني وسياسي صعب للغاية بعد خلافهم مع الأمريكيين، وبعد خسارتهم للعديد من المواقع العسكرية في مقاطعة (كورسك) وتقهقر قواتهم في مختلف المواقع العسكرية على طول خطوط الجبهة (الروسية – الأوكرانية).
- السبب الثاني: هو أن الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى الرغم من أنها هي من صاغت هذا الإقتراح بوقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً، إلا أنها لا تملك خطة للتسوية في أوكرانيا، خاصةً وأنها لا تزال في مرحلة اختبار المياه، وفي الوقت نفسه، فإن واشنطن تدرك جيداً بأنها لن تكون قادرة على ممارسة الضغوط على قادة موسكو، كما مارست ضغوطها على قادة كييف في المملكة العربية السعودية.
- لكن خبيراً سياسياً ثانياً من الجانب البيلاروسي هذه المرة، هو الخبير والمحلل السياسي والأمني العالمي (إيغار تشيكيفيتش) يرى بأن هناك حاجة ماسة في مينسك لحل القضايا (الروسية – البيلاروسية) العالقة منذ مدة، والتي تأجلت بسبب الحرب (الروسية – الأوكرانية) مثل توقيع الوثائق التي من شأنها أن تربط بشكل أكبر بين الإقتصاد البيلاروسي والإقتصاد الروسي، لأن الرئيس (ألكسندر لوكاشينكو) يعتقد بأن هذا القرار سيعزز الأمل في الحفاظ على حجم الطلب بشأن البضائع البيلاروسية داخل السوق الروسية في سياق سياسة الإدخار المتبعة من قبل حكومة مينسك في الميزانية الروسية نفسها.
- ويضيف الخبير البيلاروسي (إيغار تشيكيفيتش) والذي عمل سابقاً، وما زال يعتبر خبيراً رسمياً في مركز الدراسات السياسية والأمنية الإستراتيجية في العاصمة البيلاروسية (مينسك) بأن قضايا سياسة الموظفين الأمنيين في جمهورية (بيلاروس)، كانت إحدى أهم الملفات السرية التي نوقشت بين الجانبين في موسكو، لأن هناك عدداً من التعيينات الحكومية البيلاروسية الأخيرة التي لا تثير الإعجاب كثيراً لدى الكرملين الروسي، لأنها قد تسببت بفقدان (كتلة القوة الروسية) في داخل الحكومة البيلاروسية لكثير من نفوذها ضمن العمليات السياسية والعسكرية والأمنية داخل البلاد. ولذلك، وبناء على ذلك الأمر، فمن المنطقي أن يمارس الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) بغض الضغط اللطيف والناعم على ضيفه وشريكه الإستراتيجي (ألكسندر لوكاشينكو) لتعديل التعيينات التي حصلت مؤخراً في بعض المناصب الحكومية البيلاروسية، وبالذات (المناصب الإستخباراتية) بما يتوافق مع رؤية الرئيس (فلاديمير بوتين) وتوجهات الكرملين الروسي الإقليمية والثنائية ضمن دولة الإتحاد (الروسي – البيلاروسي).
- ويضيف الخبير (إيغار تشيكيفيتش) أنه بالنسبة للكرملين فإن الهدف الرئيسي لهذه المباحثات هو إظهار أن بيلاروس قد باتت بشكل لا رجعة فيه ضمن مدار النفوذ الروسي، وأن الأمر لا يتعلق بالنسبة لقادة مينسك بإيجاد حلول مستقلة في الإتجاهين (البيلاروسي – الأمريكي) و (البيلاروسي – الصيني).
- ومن الجدير بالذكر أن المرة الأخيرة التي أجرى فيها كلا الزعيمان الروسي (فلاديمير بوتين) ونظيره البيلاروسي (ألكسندر لوكاشينكو) محادثات سياسية وأمنية كانت بتاريخ 6 ديسمبر/كانون الأول من العام المنصرم 2024، وذلك خلال الزيارة الخاطفة التي قام بها الرئيس (فلاديمير بوتين) إلى مينسك، والتي تزامنت مع الذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس دولة الإتحاد (الروسي – البيلاروسي) حيث طلب حينها الرئيس البيلاروسي (ألكسندر لوكاشينكو) من نظيره الروسي (فلاديمير بوتين) تزويد بلاده بأحدث مجمع من صواريخ (أوريشنيك) الروسية الإستراتيجية، حيث حصل الجانب البيلاروسي وقتها بالفعل على موافقة رسمية من قبل الجانب الروسي ولكن عملية تسليم منظومات هذه الصواريخ الإستراتيجية لم تتم حتى الآن، على أمل أن يتخذ القرار النهائي بتسليمها خلال هذه الزيارة الهامة في توقيتها وأهدافها.
خاص وكالة رياليست – حسام الدين سلوم – دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية – خبير في العلاقات الدولية الروسية.