البصرة – (رياليست عربي): مع تسارع التحولات الاقتصادية والسياسية العالمية، تبرز مجموعة بريكس كقوة جديدة تسعى لإعادة تعريف ملامح النظام الدولي. تضم المجموعة خمس دول رئيسية هي البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب إفريقيا، حيث تتطلع هذه الدول إلى تقديم رؤية عالمية جديدة تُعزز التعددية وتعيد التوازن إلى العلاقات الدولية، بعيدًا عن الهيمنة الغربية التقليدية.
فعلى مدار عقود طويلة ، هيمنت الدول الغربية على النظام الدولي سياسيًا واقتصاديًا، إلا أن ظهور دول بريكس على الساحة العالمية بات يغير قواعد اللعبة. تمثل هذه الدول حوالي 42% من سكان العالم و24% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مما يخلق كتلة اقتصادية وسياسية مؤثرة. البرازيل تلعب دورًا محوريًا كمصدر رئيسي للزراعة، وروسيا تتصدر قائمة الدول المنتجة للطاقة، فيما تواصل الهند والصين النمو كقوى صناعية وتكنولوجية. أما جنوب إفريقيا، فتمثل بوابة إفريقيا بمواردها الطبيعية المتنوعة، مما يعزز تأثير المجموعة في القارة السمراء.
ومما لا يخفى على الجميع ان النظام المالي العالمي التقليدي، الذي تقوده مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، أحد الأدوات الرئيسية للهيمنة الغربية. تسعى مجموعة بريكس إلى تغيير هذا الواقع من خلال إطلاق مشاريع مثل “بنك التنمية الجديد” و”ترتيب الاحتياطي الطارئ”، وهي مؤسسات مالية تهدف إلى تمويل مشاريع البنية التحتية والتنمية في الدول الأعضاء. هذه الخطوات تُعد محاولة لكسر الاعتماد على المؤسسات المالية الغربية، وإيجاد بدائل تدعم النمو الاقتصادي المستقل لهذه الدول.
و مع تصاعد التوترات الجيوسياسية، خاصة في ظل الصراع بين القوى التقليدية والصاعدة، تسعى مجموعة بريكس إلى تعزيز مفهوم التعددية في النظام الدولي. الاجتماعات السنوية والمشاورات الدائمة بين الدول الأعضاء تُمكنها من تنسيق مواقفها إزاء القضايا الدولية الكبرى، ما يسهم في خلق توازن جديد في النظام الدولي. هذا التحالف لا يسعى فقط إلى تعزيز التعاون بين أعضائه، بل أيضًا إلى تقديم نموذج عالمي جديد يتحدى احتكار القوى التقليدية لعملية اتخاذ القرار الدولي.
طلبات العضوية: انعكاس للأهمية المتزايدة
مع زيادة تأثير بريكس، أعربت دول أخرى عن اهتمامها بالانضمام إلى المجموعة، من بينها تركيا، مصر، الأرجنتين، وإندونيسيا. هذه الطلبات تُبرز الطموح المتزايد للدول الأخرى في الاستفادة من الفرص الاقتصادية والسياسية التي توفرها مجموعة بريكس.
- تركيا: قد يسهم انضمام تركيا إلى المجموعة في تعزيز الروابط الاقتصادية بين آسيا، أوروبا، والشرق الأوسط، مما يفتح آفاقًا جديدة للتجارة والاستثمار كون الأخيرة ترى ان حلم الانضمام الى الاتحاد الأوربي أصبح شبه مستحيل فأصبحت تبحث عن البدائل الاقتصادية أكثر استقرارا واستقلال .
- مصر: يمكن لمصر أن تستفيد من عضويها في مجوعة بريكس في تحسين بنيتها التحتية ودفع عجلة التنمية الاقتصادية، إلى جانب تعزيز دور المجموعة في إفريقيا.
- الأرجنتين: عضوية الأرجنتين قد تعزز وجود بريكس في أمريكا اللاتينية، وتفتح مجالات جديدة للتعاون الاقتصادي في القارة الجنوبية .
- إندونيسيا: باعتبارها أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا، يمكن أن تضيف إندونيسيا ثقلًا اقتصاديًا جديداً إلى المجموعة، مما يدعم التعاون الإقليمي.
- إيران: برغم العقوبات الغربية، تواصل إيران تحقيق تقدم في علاقاتها التجارية مع جيرانها، وانضمامها إلى مجموعة بريكس قد يعزز نفوذ المجموعة في الشرق الأوسط.
التحديات والفرص أمام مجموعة بريكس
رغم النجاحات التي حققتها بريكس، تواجه المجموعة تحديات كبيرة قد تعيق تطورها. الفوارق الاقتصادية بين الدول الأعضاء تُعد من أبرز العقبات، إلى جانب التوترات السياسية مثل النزاع الحدودي بين الهند والصين. التغيرات السياسية الداخلية في كل دولة عضو قد تؤثر كذلك على التزامها المستمر بتحقيق أهداف المجموعة.
مع ذلك، تُعد الفرص المتاحة أمام بريكس هائلة إذا تمكنت من تجاوز هذه التحديات. فالمجموعة لديها القدرة على تشكيل نظام عالمي جديد يقوم على مبدأ الشراكة المتساوية بين الدول، بدلًا من الهيمنة الأحادية التي سيطرت على العالم لفترة طويلة وتلعب روسيا الاتحادية الدور الكبير في التقريب بين وجهات نظر الدول الأعضاء والدول الراغبة بالانضمام الى هذا التحالف الكبير.
مستقبل متعدد الأقطاب
النظام العالمي الذي تسعى مجموعة بريكس إلى بنائه يقوم على التعددية والشراكة العادلة بين الدول، وهو نظام يعكس تنوع الثقافات والمصالح السياسية حول العالم. من خلال تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي، والمساهمة في التنمية المستدامة، تمتلك بريكس فرصة كبيرة لإعادة تشكيل النظام الدولي نحو مزيد من التوازن والعدالة.
يبقى السؤال: كيف ستؤثر التغيرات المستقبلية في السياسة والاقتصاد العالميين على قدرة مجموعة البريكس على تحقيق أهدافها؟ الأيام المقبلة ستكون حاسمة في رسم ملامح هذا العالم الجديد وسنواصل متابعة الاحداث على الساحة الحالية فستكشف لنا الأيام القادمة الكثر من المفاجآت الكبيرة.
خاص وكالة رياليست – عبدالله الصالح – كاتب وباحث ومحلل سياسي – العراق.