هذه الجملة هي ما يقال دائماً عند انتهاء المباريات، وهي ما نحن بصدد نطقها، إذا أردنا الحديث عن الحالة السورية ..
GAME OVER هي ما قاله الرئيس الروسي للرئيس التركي في إجتماعهما في موسكو أخيراً، فالحالة السورية بدأت بنفس البدايات التي تناثرت في عدة دول عربية في آن واحد، كما لو كانت استنساخ لأحداث الثورات الملونة في دول شرق أوروبا، ودول المنطقة الغربية من الاتحاد السوفييتي السابق.
نفس السيناريو، وكما نرى في أفلام السينما، عندما يحقق أحد الأفلام نجاحاً كبيراً، نجد أن نسخاً منه تتوالى على المشاهد، آملة النجاح، استعانة بما حققته النسخة الأولى.
وإن كانت ثورة الجماهير المفاجئة والسريعة في نفس الوقت، تدفع بالرئيس – الدكتاتور، الطاغية، المجرم، وغيرها الكثير من المسميات، التي تم انتقائها بعناية شديدة – إلى التنحي عن الحكم، أو حتى قتله، والمفترض أن يتم هذا الأمر في فترة وجيزة، ليتغير وجه الدولة بعدها، إلا أن الحالة السورية اختلفت، فالرئيس السوري بشار الأسد لم يتنحى، ولم يكن بالإمكان قتله.
وحتى لا يفشل الاستنساخ العربي للثورات الملونة، تم إضافة “أوبشن” الجهاد إلى الثورة السورية، وبين ليلة وضحاها، تمت تنحية من ثاروا بحق من الشعب السوري على حكم بشار الأسد، ليحل محلهم من أسموهم بالمجاهدين، الذين استجلبوهم من كل أصقاع الأرض، ليجاهدوا على الأرض السورية.
وبالمناسبة فكرة الجهاد ليست بالجديدة، بل تم تطبيق هذا “الأوبشن” من قبل في أفغانستان مع الجيش السوفييتي، ثم في تفتيت يوغسلافيا، وثبت نجاحها.
وامتلأت الأرض السورية “بجاليات مجاهدة” من دول كثيرة، واشتعلت الأرض السورية بكاملها، وتمزقت أوصالها، وفي المقابل كان الدب الروسي يراقب ما يحدث في صمت، ما يقرب من الخمس سنوات، حتى تيقن بأن سورية هالكة لا محالة.
وكان السؤال الذي يتسائله الروس هو: ماذا بعد سورية؟
خاصة أن “جاليات مجاهدة” كثيرة، من التي تمزق الأرض السورية، قادمة من دول مثل الصين، وروسيا، ودول أواسط آسيا، فأين ستكون محطتهم التالية، بعد انتهاء الإجهاز على سورية؟
بلا شك الدور قادم على روسيا، فكان القرار الروسي: سوف نذهب إليهم في سورية، قبل أن يأتون هم إلينا، فإذا كانت المواجهة قادمة لا محالة، فلتكون المبادرة لنا، ونذهب إليهم، ولا ننتظر أن يأتوا هم إلينا.
بالقوة الغاشمة دخل الدب الروسي أرض سورية، وبمخالب قوية عمادها أحدث ما في الترسانة الروسية من سلاح تدميري، تم دك تحصينات المجاهدين الإرهابيين، وتدمير عتادهم، ومحو أفرادهم، في تحدي ومواجهة مع تحالف دولي كبير، تشكل لا للقضاء على نظام بشار الأسد فحسب، بل لمحو الدولة السورية من الخارطة، حتى كادت أن تندلع الحرب العالمية الثالثة، بعد أن أيقن الجميع أن روسيا لن تترك لهم سورية، مهما كان الثمن الذي سوف تدفعه في مقابل ذلك.
بعد أن بائت كل المحاولات لرد روسيا وإثنائها – فهي تدافع عن نفسها قبل أن تدافع عن سورية – بدأت الدول تنسحب من الحالة السورية الواحدة تلو الأخرى، بعد أن باتت الأرض السورية مستنقعاً يمكن أن يبتلع الكثير.
ورويداً انسحبت الدول بطريقة أو بأخرى، باستثناء تركيا ..
فالموقف التركي اختلف عن موقف الآخرين، تركيا أردوجان ومنذ بدء الربيع العربي، قدمت نفسها للغرب وللعرب، بصفتها عرّاب الثورات العربية، والنسخة المعدلة من الإسلام الحداثي، وباعثة الخلافة بمذاق يتقبله الغرب، ويكون أداته في مواجهة الشرق، سواء روسيا أو الصين، بعد أن يكتمل بنيانها، وضم الدول الإسلامية تحت لوائها، ويكون لديها جيش هائل من المجاهدين المنضوين تحت لوائها.
تركيا أردوغان بصفتها الجديدة – عرّاب الثورات – ولكونها تمتلك حدوداً مشتركة مع سورية، فتحت صندوق التبرعات سواء الخليجية أو الغربية، لشراء السلاح وتدريب المجاهدين، وترتيب استقدامهم ودخولهم إلى الداخل السوري، واشترت تركيا كل السلاح المتكدس في مخازن دول أوروبا الشرقية، منذ الحرب العالمية الثانية، بدراهم قليلة، وانتعش الاقتصاد التركي أيما انتعاش، فالمصانع والممتلكات السورية تفككت ونقلت إلى تركيا، والبترول السوري نقلته مئات الشاحنات التركية، والريالات والدينارات والدولارات تتدفق عليها من كل حدب وصوب، وكل من تفيض مشاعره الدينية، ييمم وجهه شطر تركيا، وتكاد سورية أن تسقط بكاملها.
خمس سنوات والأمور تسير كما هو مخطط لها، ثم فجأة يهبط الروس بقوة غاشمة، ليطيحوا بكل شيء، ولأن الروس يملكون ليس فقط قوة غاشمة، بل ومعها أيضاً فريقاً سياسياً، هو الأكثر حنكة من الجميع، تمكن من عرض روسيا كمن يحمل العصا والجزرة، والوسيط بين كل من لا يجد وسيطاً، لتعود مدن وبلدات كثيرة إلى حضن الدولة الأم، سواء بالقتال أو بدون قتال، وبضمانة روسية، تحت لافتة “مركز حميميم للمصالحات”.
يوماً بعد يوم يتراجع الباقون، ويتبقى التركي، فهو يغوص حتى أذنيه في المستنقع السوري، ناهيك عن الأحلام والطموحات، التي تداعب أحلام الرئيس التركي، في إعادة إحياء أمجاد الدولة العثمانية، فكل من دخل “يجاهد” في سورية تحت لواءه، ومن انشق من الجيش السوري عن دولته تحت لواءه، حتى الجهاديون السوريون تحت لواءه، وبالتالي تنعدم أي فرصة من أمامه للتراجع، فتناطح مع روسيا!
تناطح وهو يعلم أن لا قبل له بروسيا، ولكنه كان يستند بظهره إلى أمريكا وحلف الناتو، محاولاً استدراج روسيا للصدام معهم، ولكن كما قلنا أن لدى روسيا فريق سياسي محنك، لم يكن بالغباء الذي توقعه أردوجان، فكان القرار السياسي الروسي هو “خطة الدب والكلب”.
وهي استراتيجية تتبعها الدببة الروسية، عندما تخرج من الغابة إلى القرى القريبة، باحثة عن طعام، فيجذبها نباح كلاب الحراسة، ولكنها لا تهاجمها في أماكنها، بل تستدرجها بعيداً إلى داخل الغابة، وتصطادها هناك، حيث يصاب الكلب بالخرس عندما يجد نفسه وحيداً، وينعدم نباحه تماماً، بل يضع ذيله بين ساقيه، ويطلقهما للريح محاولاً النجاة.
أردوغان شره للمال، لديه طموح قاتل، اعتاد على الأخذ فقط وبالابتزاز، فبدأت روسيا بمحاصرته بالعقوبات الاقتصادية التي آلمته، ولم يعوضه أحد لا من العرب أو الغرب، عما فقده في روسيا، فيمم وجهه شطر روسيا لمصالحتها، فأغوته بمكاسب كثيرة، أهمها أن تكون لديه مفاتيح الغاز الروسي لشرق وجنوب أوروبا، ويكون المتحكم فيه، وعقدت معه اتفاقات في استانا وسوتشي بعيداً عن الغرب، وأشعرته روسيا كما لو كان هو فقط من يمنح ويمنع في سورية، وابتلع الطعم، وابتعد عن المنزل، بل والقرية كلها، ودخل الغابة وراء الدب الروسي، بعد أن حاول ابتزاز أوروبا كلها ومعها أمريكا، وفرض شروطه عليهم، كما كان يفعل العثماني قديماً.
أما مع الدب الروسي في الغابة، فعاد لمناطحتها مجدداً، ولكن من خلال إطلاق الهجمات الإرهابية على الروس والسوريين على حد سواء، متوهماً أن تطرق روسية بابه، طالبة منه أن يحول بين الإرهابيين وبينها، لكنه تفاجأ بالجيش السوري، ومن فوقه الطيران الروسي، يكتسح تمركزات الإرهابيين، ويذرهم كالريح، ويستعيد مناطق شاسعة من بين أيديهم.
عاد أردوغان لعنترياته، وأرسل بالآلاف من جنوده وآلياته، لترهيب سورية وروسيا، وبات يرسل عشرات التهديدات كل يوم، وهو لا يدري أن الأوضاع اختلفت، وهو الآن في قلب الغابة، لا أمريكا ولا ناتو في ظهره، وسوف يتواجه مباشرة مع الدب الروسي، الذي سوف يسحق عظامة، وجائته أول ضربة من مخلب الدب، قتلت العشرات من جنوده، وأعطبت الكثير من آلياته.
ضربة حطمت كبرياءه، وأهانت جيشه، ووضعته على المحك أمام شعبه، تلفت أردوغان يستغيث بالحلفاء، فجائته الاستجابة السريعة في جملة واحدة، “قلوبنا معكم”.
حاول أردوجان بعنترياته التهديد والوعيد، إن لم ينسحب الجيش السوري، إلى ما كان عليه، فجاءه الرد الروسي: “لا عودة للوراء”، حاول أن يلعب سياسة الحافة مع روسيا، لكن أدرك في النهاية أن استمراره يعني نهايته، فذهب طائعاً إلى موسكو، ليجد الرئيس الروسي ممسكا بقلم، وأمامه مجموعة أوراق، ويقول له: وقع هنا ..
GAME OVER
وهنا يتبقى السؤال: هل قبل أردوغان بنهاية الجيم، أم أنه يتفادى غضبة شعبه التي حذره منها بوتين ثم يعود بعد أن تهدأ أمور الداخل، ويكون قد نجح في ابتزاز مليارات اليوروهات الأوروبية؟
الأستاذ مجدي حليم المصري- خاص وكالة “رياليست”