موسكو – (رياليست عربي): بالتزامن مع العرض (الأمريكي – الأوكراني) لوقف الحرب والمعارك في جميع الجبهات بين الجانبين الروسي والأوكراني ولمدة 30 يوماً، وهو الأمر الذي سيناقشه الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) اليوم الثلاثاء 18 مارس 2025 في اتصال هاتفي مع فخامة الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين):
- ينتظر الجانب الأمريكي قائمة طويلة من الطلبات الروسية، إذ تشمل رفع جميع العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، وتأكيد السيطرة الروسية على منطقة حوض البحر الأسود، والمناطق التي استعادتها في كورسك، وفك تجميد الأصول المالية الروسية للبنك المركزي الروسي لدى الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي، والتي تقدر بنحو 300 مليار دولار أمريكي، علماً بأن النقاشات كانت تدور حول استخدام فوائد هذه الأموال الروسية المجمدة لتمويل أوكرانيا.
وتضم قائمة المطالب الروسية أيضاً تخلي أوكرانيا عن طموحاتها للإنضمام إلى حلف شمال الأطلسي الــــــــــــــــ(ناتو)، حيث قال نائب وزير الخارجية الروسي (ألكسندر غروشكو) مؤخراً:
- (إن روسيا الإتحادية ستسعى للحصول على ضمانات أمنية صارمة لضمان استبعاد كييف من حلف شمال الأطلسي في أي اتفاق سلام متوقع، كما ستصر روسيا الإتحادية على رفض نشر قوة حفظ سلام أوروبية في أوكرانيا بعد إنتهاء الصراع، علماً بأن بريطانيا وفرنسا أعلنتا استعدادهما لإرسال قوات لمراقبة وقف إطلاق النار). خاصةً وأنه سيكون مقرراً عقد اجتماع هام للغاية بين فرق المفاوضين الأمريكيين والأوكرانيين خلال الأسبوع الحالي، وذلك بعد أن صرح الكرملين بأن مفاوضين أمريكيين أيضاً سيسافرون إلى روسيا الإتحادية لإجراء الزيد من المحادثات المتاحة بشأن وقف القتال في أوكرانيا.
- وقد أبدت أوكرانيا مخاوف من هذه المحادثة الهاتفية التي ستجري اليوم بين فخامة الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) ونظيره الأمريكي (دونالد ترامب)، لكونها قد تؤدي إلى حدوث ميل أمريكي واسع النطاق للإستجابة للمطالب الروسية والمتمثلة بالإحتفاظ بكثير من الأراضي التي يسيطر عليها الجانب الروسي، ولذلك فإن نظام كييف يعيش حالة قلق من إمكانية حدوث أي محاولة روسية أخرى للسيطرة على أوكرانيا بأكملها بعد بضع سنوات.
- ووفقاً لتقرير عسكري نشره (معهد دراسات الحرب) في مقره الحالي الكائن في العاصمة الأمريكية واشنطن، فإن أوكرانيا فقدت السيطرة على نحو 11 بالمائة من أراضيها منذ بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، حيث تعد التنازلات عن الأراضي من بين أكثر القضايا حساسية، علماً بأن العديد من المسؤولين الأمريكيين قد صرحوا مراراً بأن أوكرانيا ستحتاج إلى التنازل عن بعض الأراضي لإنهاء الحرب مع روسيا الإتحادية، وهو ما يراه الرئيس الأوكراني (فولوديمير زيلينسكي) بأنه خيار سياسي غير مجد لأنه سيكون بمثابة (مكافأة) للرئيس بوتين على شن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
- وقد وافقت أوكرانيا على الشروط التي حددتها الولايات المتحدة الأمريكية لوقف إطلاق النار الكامل مع روسيا الإتحادية لمدة 30 يوماً، عقب محادثات مدينة جدة الساحلية في المملكة العربية السعودية لكن منذ موافقة كييف على الشروط، اشتعل القتال على امتداد مئات الأميال من خطوط المواجهة في شرق أوكرانيا، وفي منطقة (كورسك) الغربية الروسية. علماً بأن أوكرانيا قد شنت ذلك التوغل بكورسك في شهر أغسطس (آب) 2024، واحتفظت بجزء من الأراضي التي طالبت بها في هجومها الأولي، بينما صرحت روسيا الإتحادية بأنها استعادت (سودجا) وهي أكبر مدينة في مقاطعة كورسك، خلافاً لأوكرانيا التي تدعي بأنها ما زالت تسيطر على المدينة الإستراتيجية.
- أما من الناحية الميدانية فقد أطلقت القوات الأوكرانية هجوماً بالمسيّرات على روسيا الإتحادية أدى إلى اندلاع حريق في مصافي النفط الروسية، مما دفع موسكو لترد بإطلاق عشرات المسيّرات باتّجاه أوكرانيا، وقد قال الحاكم الإقليمي في منطقة أستراخان بجنوب روسيا (إيغور بابوشكين)، إنه تم إجلاء موظفي مجمع الوقود والطاقة، قبل الهجوم الذي أدى إلى اندلاع الحريق الكبير، متحدثاً عن إصابة شخص بجروح بالغة، فيما أكد سلاح الدفاع الجوي الأوكراني إسقاط أكثر من 90 مسيرة أوكرانية من أصل أكثر 174 مسيّرة أطلقتها موسكو باتجاه أوكرانيا، بما فيها مسيّرات إيرانية التصميم من طراز (شاهد)، فيما تحدث من الجانب الأوكراني حاكم منطقة أوديسا الجنوبية (أوليغ كيبر)، فأعلن بأن الطاقة الكهربائية قد انقطعت عن نحو 500 شخص جراء الهجوم الروسي وأصيب آخرون بجروح أيضاً.
آراء المراقبين والمحللين والخبراء في مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية الروسية والعالمية:
- تحدث العديد من المراقبين والمحللين والخبراء في مجال العلاقات الدولية من المختصين بملف تطورات الحرب (الروسية – الأوكرانية) وتأثيرها على الأوضاع الأمنية والعسكرية واللوجيستية ليس فقط في بلدي طرفي النزاع، وإنما تأثيرها على الصعيدين الإقليمي والدولي أيضاً، فأكد معظمهم بأن استعداد الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) لتقديم تنازلات إلى الكرملين الروسي حتى قبل بدء المحادثات الهامة مع الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) قد أدت إلى قلق حلفاء (الناتو) في أوروبا، الذين باتوا يتساءلون علناً عما إذا كان يمكن الإعتماد على عقود من الضمانات الأمنية الأمريكية للقارة الأوروبية من عدمها، ولهذا السبب يسارع الأوروبيون للتكيف مع النظام الدولي الجديد الذين لا يريدون فيه الإعتماد من الآن فصاعداً على الولايات المتحدة الأمريكية.
- وتخشى الدول الأوروبية من أي اتفاق سلام سيبرمه الرئيس الأمريكي ترامب مع الرئيس الروسي بوتين في حال أقر ذلك الإتفاق بسيادة روسيا الإتحادية على الأراضي الأوكرانية، حيث يؤكد الأوروبيون بأنهم لن يقبلوا ذلك، بسبب مخاوفهم من انتهاك الجانب الروسي لأي اتفاقيات والمضي في طموحات الكرملين الروسي لتهديد بولندا ودول البلطيق.
- وحول هذه النقطة بالذات، يقول (مايكل كلارك)، المحلل العسكري البريطاني والمدير السابق للمعهد الملكي للدراسات الإستراتيجية، والذي يتخذ من لندن مقراً له، إن العالم سيعدُّ روسيا الإتحادية هي المنتصرة في هذه الحرب إذا تمكنت من الخروج من هذا الصراع باستعادة السيطرة على الأراضي التي حصلت عليها، واستطاعت تخفيف التوترات مع الولايات المتحدة الأمريكية، ولذلك، وفي حال رفعت الولايات المتحدة الأمريكية العقوبات على روسيا الإتحادية، وكذلك في حال حصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على شراكة إستراتيجية مع واشنطن، وهو الأمر الذي تسعى إليه إدارة الرئيس الأمريكي (دونالد ترمب)، فإن بقية دول العالم ستجلس مكتوف الأيدي بلا أدنى شك لعجزها عن فعل أي شيء.
- ويتابع الخبير البريطاني (مايكل كلارك) قائلاً: (إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يريد الظهور بأنه حقق السلام، وإن كان على المدى القصير، وفي حال قام الرئيس بوتين بالهجوم على أوكرانيا مرة أخرى في العام 2029 أو 2030، فإن الرئيس ترامب سيتفاخر بأن الرئيس الروسي لم يستطِع غزو أوكرانيا مرة أخرى خلال فترة وجوده في البيت الأبيض، وهو الأمر الذي يرضي الفريق الرئاسي الروسي، تماماً كما يرضي الفريق الرئاسي الأمريكي، ولكن هذا الأمر سيغضب القارة الأوروبية كثيراً وليس فقط أوكرانيا.
- فيما يرى خبير ثاني، هو الخبير الأمريكي العالمي (ستيف ويتكوف) والذي يشغل حالياً منصب مبعوث الرئيس الأمريكي إلى روسيا الإتحادية وأوكرانيا، أن هناك اتفاقاً مطروحاً على طاولة محادثات وقف إطلاق النار، موضحاً أن الروس يركزون على أن تتناول المحادثات مناطق المفاعلات النووية، والوصول إلى الموانئ البحرية الهامة، وتوقيع إتفاقية محتملة بشأن البحر الأسود، وجملة هذه التفاهات مرضية نوعاً ما لجميع الأطراف المعنية، بمن فيهم الأوروبيون، الذين باتوا ملتزمين ببذل كل ما في وسعهم للتوصل إلى حل ناجح، خاصةً بعد أن التقى (ستيف ويتكوف) مع الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) في موسكو وطرح عليه المبادرة التي اقترحها البيت الأبيض لوقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً.
- ويتحدث هنا خبير ثالث، هو الخبير العالمي (نيل مالفين) والذي يشغل مكتب مدير الأمن الدولي في المعهد الملكي للخدمات المتحدة ، ويعمل على دراسة ديناميكيات الأمن الدولي، ولا سيما في أوروبا وأوراسيا، والخليج والشرق الأوسط، ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، فيؤكد نيل مالفين أن منطقة البحر الأسود مهمة جداً لروسيا الإتحادية، وتعدُّ أحد الأهداف الرئيسية للترويج لروسيا الإتحادية كقوة عظمى من خلال سيطرة الرئيس بوتين على هذه المنطقة، والسعي للإحتفاظ بها منذ عام 2014، عندما استولت روسيا الإتحادية على شبه جزيرة القرم، ثم انخرطت في العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في 2022 لتوسيع القوة العسكرية عبر جنوب القوقاز، بعد أن أنشأت روسيا الإتحادية قواعد عسكرية لها في جورجيا وأرمينيا، لكن مع زيادة قدرات حلف شمال الأطلسي العسكرية الدفاعية وانضمام السويد وفنلندا للحلف، لم تعد روسيا الإتحادية قادرة على الوصول إلى منطقة البلطيق بشكل فعال، لذا أصبحت منطقة حوض البحر الأسود أكثر أهمية للرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) وهو الآن لا يستطيع تحمل خسارة هذه المنطقة، ولذلك سيعمل على ضمها بالكامل سلماً أو حرباً.
- فيما يؤكد خبير رابع، هو الخبير الروسي العالمي (دميتري ترينين) الرئيس السابق لمعهد (كارنيغي) في العاصمة الروسية موسكو، أن الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) سيحاول من خلال المحادثة الهاتفية التي سيجريها اليوم مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، طرح عدة سبل لإنهاء حرب أوكرانيا، ومن بين هذه السبل، قد يطرح الرئيس الأمريكي على الرئيس الروسي إمكانية (تبادل الأراضي) بين الجانبين من أجل تجاوز عقبة الهدنة المقترحة من قبل الجانب الأمريكي، وهو الأمر الذي قد يـأخذه الرئيس بوتين على محمل الجد، ولكنه لن يوافق عليه في النهاية، لأنه ليس مضطراً للقيام بذلك في الوقت الحالي، خاصةً بعد أن استعادت القوات الروسية كافة أراضي مقاطعة (كورسك) حالياً، وباتت تجهز للتقدم في داخل أراضي أوكرانيا بالتزامن مع بدء فصل الربيع وتغيير المناخ الذي سيسمح بالمزيد من العمليات العسكرية من قبل القوات العسكرية الروسية المنتشية بتقدمها العسكري حالياً.
- ويضيف الخبير الروسي (دميتري ترينين) أن الرئيس ترامب قد أخبر الصحفيين على متن طائرة الرئاسة الأمريكية مساء يوم الأحد 16 مارس 2025، بأن جدول الأعمال الذي سيبحثه مع فخامة الرئيس بوتين سيشمل (عمليات تبادل الأراضي) إضافة إلى وضع محطات الطاقة، خاصةً وأن كييف قد وافقت على الشروط التي حددتها واشنطن لوقف إطلاق النار الكامل مع موسكو لمدة 30 يوماً، عقب المحادثات التي جرت برعاية سعودية في مدينة جدة، وهو الأمر الذي سيجعل كلمة الفصل الأولى والأخيرة في هذه المحادثات بيد الكرملين الروسي وليس بيد الأمريكيين، وهو الأمر الذي يقلق الأوكرانيين والأوروبيين، من الذين باتوا يعلمون جيداً بأن الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) سيتقن حالياً استخدام هذه الفرصة لفرض شروطه، بما يرضي الأصدقاء الجدد الأمريكيين، ويغضب الأوكرانيين والأوروبيين.
خاص وكالة رياليست – حسام الدين سلوم – دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية – خبير في العلاقات الدولية الروسية.