موسكو – (رياليست عربي): تناقش وسائل الإعلام الروسية والتركية بنشاط الزيارة الرسمية المستقبلية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تركيا، خاصة وأن أنقرة تنتظره في 12 فبراير، وكما أكد مساعد الرئيس الروسي للشؤون الدولية، يوري أوشاكوف، المعلومات المتعلقة بالتحضير لهذه الرحلة في فبراير، لكنه لم يذكر موعداً محدداً.
إن الإثارة التي أحاطت بالزيارة تبررها حقيقة أن الرئيس بوتين كان ينتظره منذ فترة طويلة في تركيا، وكانت آخر مرة زارها هناك في عام 2018، فيما زار رجب طيب أردوغان روسيا عدة مرات بعد ذلك، وبالإضافة إلى ذلك، وبعد بدء عملية عسكرية خاصة لروسيا الاتحادية في أوكرانيا والمواجهة مع حلف شمال الأطلسي، ستكون هذه أول زيارة يقوم بها زعيم روسي إلى إحدى دول حلف شمال الأطلسي.
ومن المتوقع تقليدياً أن يجتمع رؤساء الدول “بنفاد صبر كبير”، لأن الحوار الشخصي والسري بين بوتين وأردوغان له تأثير إيجابي للغاية على الشراكة الاستراتيجية بين بلدينا، ويغطي مختلف مجالات التعاون.
وتتشابك القضايا السياسية على المستويين الإقليمي والعالمي بشكل وثيق مع التعاون الثنائي بين موسكو وأنقرة. وتؤكد ذلك عمليات حل الصراع في سوريا وليبيا وجنوب القوقاز، وكذلك وساطة تركيا في الأزمة الأوكرانية، ويظل الاقتصاد أحد المجالات الرئيسية في جدول الأعمال الثنائي، وزاد حجم التجارة بين البلدين بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة ووصل إلى أرقام مثيرة للإعجاب. وتستثمر الشركات الروسية الكبيرة في مختلف قطاعات الاقتصاد التركي، بما في ذلك الطاقة والسياحة والبناء وغيرها الكثير، كما تعمل الشركات التركية على توسيع تواجدها في سوقنا بعد فرض العقوبات وانسحاب الشركات الغربية منه.
كل هذا سيشكل جدول أعمال اللقاء بين بوتين وأردوغان، ولكن تم التركيز بشكل خاص على كلمات المساعد الرئاسي يوري أوشاكوف، الذي قال، رداً على أسئلة وسائل الإعلام الروسية: “أستطيع أن أقول إن القضايا الأوكرانية ستكون على الأرجح واحدة من الموضوعات الرئيسية للمفاوضات”، كما يؤكد الخبراء ووسائل الإعلام التركية أن هذه الأزمة ستكون نقطة أساسية في اللقاء، إذ شكلت المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا في إسطنبول عام 2022 خطوة مهمة في حل الصراع، حيث أبدى الجانبان استعدادهما للتوصل إلى تسوية.
والواقع أن أردوغان هو واحد من السياسيين القلائل الذين لديهم حوار مباشر مع كل من الغرب والسلطات في كييف، ومع موسكو، وعلى خلفية إخفاقات القوات المسلحة الأوكرانية في الصيف والخريف خلال هجومها المضاد، والأزمة في صفوف المؤسسة العسكرية السياسية في كييف، فضلاً عن الانخفاض الكبير في المساعدات المالية والعسكرية التقنية الغربية، فإن احتمال “الإقامة” من قبل السلطات الأوكرانية يصبح أكبر، حيث ترى أنقرة كل هذا وتدرك أن موسكو كانت دائماً منفتحة على الأدوات الدبلوماسية للتسوية، ووصف المسؤولون الأتراك مراراً وتكراراً موقف الغرب تجاه روسيا بأنه غير صحيح على أعلى المستويات.
لذلك، فمن المرجح أن تصبح أنقرة الوسيط القادر على استئناف “صيغة اسطنبول” والبدء في عملية حل الأزمة الأوكرانية، بالتالي، إن الوساطة في صراع بهذا المستوى ستسمح لأردوغان بتعزيز موقفه داخل الدولة وخارجها، تريد تركيا، مثل العديد من الدول الأخرى ذات الأغلبية العالمية، تغييرات في النظام السياسي العالمي الذي تتحدث عنه موسكو، إن النظام العالمي القديم ينهار، ولكن في طريقها إلى إنشاء نظام جديد، لا تستطيع تركيا الاستغناء عن شريك مثل روسيا.
لا شك أن القضايا العالمية مهمة، ولكن لدى موسكو وأنقرة عدد من القضايا الثنائية التي تحتاج أيضاً إلى حل، بسبب العقوبات الغربية، تنشأ صعوبات في العلاقات التجارية بشكل دوري، وبشكل خاص، كانت المشاكل الأخيرة المتعلقة بتقييد المعاملات المالية سبباً في إثارة قلق مجتمعات الأعمال على الجانبين إلى حد كبير.
كما يعد “مركز الغاز” مشروعاً يحتمل أن يكون مفيداً للطرفين ولم يتم إطلاقه بعد بسبب الخلافات حول قضايا “الإدارة”، ومن المحتمل أن يناقش الزعماء أيضًا القضية السورية، وعملية تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، التي توقفت، والأحداث في جنوب القوقاز وأفريقيا، فضلاً عن الصراع في غزة، حيث تتخذ البلدان مواقف متشابهة تماماً في كثير من النواحي، أما بالنسبة لموافقة تركيا على انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فلم يكن لدى موسكو أي أوهام في هذا الشأن قط، وأدركت أن أنقرة ستوافق على ذلك بشروط مواتية.
بشكل عام، تظل العلاقات بين روسيا وتركيا معقدة ومتعددة الأوجه، وتتحدد طبيعتها إلى حد كبير من خلال مصالح واستراتيجيات السياسة الخارجية لكلا البلدين، ويلتزم البلدان بالتعاون في مختلف المجالات وتعزيز العلاقات متبادلة المنفعة على أساس الاحترام والتفاهم المتبادلين، ومن ثم فإن زيارة بوتين إلى تركيا ولقائه بأردوغان ستعطي زخماً إيجابياً لتطوير الحوار بين البلدين.