أعادت القوات الفرنسية إنتشارها في شمال شرق سوريا، بالتزامن مع إعادة تموضع القوات الأمريكية في المنطقة ذاتها، خصوصاً بالقرب من مناطق إنتشار حقول النفط، حيث تموضعت القوات الفرنسية في أربع نقاط، في ثلاث محافظات هي: دير الزور والحسكة والرقة، طبقاً لوكالة الأناضول التركية.
توزيع الحصص
إن إعادة إنتشار القوات الفرنسية يُعتبَر إستكمالاً للمخطط الرامي الإستحواذ على مقدرات سوريا، حتى الانسحاب الأخير منها، إذ لم تنكر الحكومة الفرنسية نيتها الانسحاب حين يحين موعد ذلك، بالإضافة إلى أنها من الرافضين للعملية العسكرية التركية “نبع السلام” شمال شرق البلاد.
فلقد إنضمت فرنسا إلى قوات التحالف الدولي المدعوم أمريكياً في العام 2014، وشاركت في العمليات ضد تنظيم داعش آنذاك، ومن جهةٍ أخرى، كان لها دوراً بارزاً في تدريب قوات “قسد” الكردية، لكن مع القضاء على التنظيم كما أعلنت واشنطن وقسد، من المفروض أن ينتهي دور فرنسا والقوات الأخرى، إلا أن عودة إنتشار هذه القوات في هذا التوقيت تشير إلى أن فرنسا إتفقت مع الولايات المتحدة في أن يكون لها دوراً أخيراً لجهة الضغط على تركيا أولاً، وثانياً، لقبض ثمن مشاركتها في الحرب على سوريا وتعوض خسائرها منذ العام 2014 إلى اليوم.
إنقلاب أوروبي
ومع إطلاق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان العملية العسكرية شرق الفرات وتهديده المتواصل لأوروبا لجهة الإلتزام بتعهداتها بما يتعلق بدفع المستحقات الخاصة باللاجئين المتواجدين على أرضه، إضافة إلى سحب وإلغاء ما ورد عنهم حول إعتبار التواجد التركي في سوريا، إحتلالاً، إلا أن أوروبا رفضت التهديد التركي، وما الوجود الفرنسي الآن والذي يبلغ قوامه 200 جندي فرنسي، ومساعدة قوات قسد في حربها على الأتراك، إلا إنقلاباً على النظام التركي، حيث أن الإدارة الأمريكية تعتبر فرنسا شريكاً في الحرب على داعش في تلك المنطقة، وبذات الوقت تخرج من معادلة المواجهة مع الرئيس أردوغان، ويكون الأخير في مواجهة مع القوات الفرنسية.
دور قسد
من هنا، وعلى الرغم من تسليم قوات سوريا الديمقراطية لبعض المناطق للقوات السورية الرسمية، إلا أن تحالفات قسد مع الولايات المتحدة الأمريكية من جهة وأوروبا من جهة ثانية، أيضاً يؤكد أن قسد تأمل في تغير الموقف الأمريكي والأوروبي من تركيا، وإعادة تقديم دعمها لها، من خلال إيقاف العملية العسكرية “نبع السلام”، فموافقتها على تلقي التدريبات مؤخرا من القوات الفرنسية يعتبر واجهة لا أكثر، لأن تلك القوات تموضعت أيضاً في المحافظات ذات المخزون النفطي، وتحديداً في مساكن جبسة جنوبي الحسكة، وقاعدة مصنع السكر العسكرية شمال الرقة، بالإضافة إلى حقلي العمر والتنك النفطيين في دير الزور، مما يوضح دور فرنسا الحالي والذي هو بمثابة الورقة الأخيرة لها في سوريا، بالتنسيق والتعاون مع الولايات المتحدة.
أخيراً، إن ما ترمي إليه فرنسا مؤخراً سواء في القارة الأفريقية وتحديداً ليبيا ومالي والتنافس الأوروبي – الأوروبي هناك، إضافة إلى دورها الحالي في الأزمة اللبنانية، والآن في سوريا، يؤكد ان شهية فرنسا لإحياء حقبة الإستعمار الفرنسي في أوائل القرن الماضي، وعودتها كلاعب دولي ومشاركة الولايات المتحدة ملفات الشرق الأوسط، دون إعتبار أي دور لتركيا، سيفتح باب الصراع على كافة الأصعدة، فمع تدفق اللاجئين لن تقوى أوروبا على تحمل هذا الملف، وبذات الوقت ستعيد حساباتها مع اللاعب الأقوى ما بعد الولايات المتحدة الأمريكية في شمال شرق سوريا، ليكون الأكراد هم كبش المحرقة الذين سيتم التضحية بهم في مقابل تقاسم الحصص والنفوذ حتى موعد الانسحاب الكامل، كآخر فصل من فصول الحرب السورية.
فريق عمل رياليست