بذل الاتحاد الروسي جهوداً كبيرة لتحقيق مصالحة واسعة في الجنوب السوري، عقب المعارك الأخيرة وسيطرة الجيش السوري عليها، مصالحة بدأت شكلياً في العام 2019، لكن تخللها عراقيل كثيرة، ما دفع بموسكو إعادة العمل لتحقيقها مجدداً، رغم ذلك فشلت إلى حدٍّ ما في بعض مناطق ريف درعا جنوب البلاد.
حرب بالوكالة
ما يتبادر إلى الأذهان مباشرةً، أن هناك ترابط ما بين الاعتداءات الإسرائيلية وما بين محاولات إشعال الجنوب السوري، فبالأمس أحبطت القوات السورية تفجيرين كانا يستهدفان عناصرها من القوات السورية المرابطة في منطقة طفس بريف درعا، إضافة إلى زرع عبوات ناسفة أدت إلى مقتل قيادي سابق في “جيش الأبابيل”، الحامل لبطاقة تسوية بموجب الوساطة الروسية، في منطقة جاسم بريف المدينة، الأمر الذي يبدو وكأنه عملية إنتقام منه، لكن المعلومات الأكثر عمقاً والتي لم تصدر رسمياً، أن مواقع القوات الإيرانية في الجنوب تم تسليمها للقوات الروسية وعلى ضوء ذلك اكتملت شروط المصالحة (الهشّة).
إلا أن القصف الإسرائيلي جنوباً يستهدف المناطق المتاخمة للجولان السوري المحتل، وتحديداً القنيطرة ومحيطها، والجدير بالذكر أنه قبيل إتمام المصالحة، كانت هجمات جبهة النصرة متركزة على مواقع الجيش السوري إضافة إلى محيط مدينة القنيطرة خاصة مدينة البعث التي تم استهدافها عشرات المرات، أما الفوضى الجديدة فهي مقدمة لإشعال الجنوب السوري، أسوةً بشرقه ووسط البلاد، الظروف اليوم مؤاتية لجهة أن تنظيم داعش هو الآخر بدأ يعيد تشكيل نفسه ويبدو أنه تم دعمه بالسلاح اللازم، فبات يضرب أهدافاً مزدوجة في سوريا والعراق، وسط معلومات تتحدث عن نقل قياديين من التنظيم من منطقة التنف إلى العراق، إضافة إلى الاعتداءات الإسرائيلية، وكأنها إحياء للسياسات الخارجية الأمريكية القديمة بما يخص الحرب بالوكالة التي تم تفعيلها إبان فترة حكم الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، حتى تبت الإدارة الجديدة بشكل وطريقة التعامل مع الملف السوري بشكله الأخير.
تهديد ناري
على وقع تلك الظروف، هددت قوات الجيش العربي السوري الإرهابيين في مناطق ريف درعا خاصة مدينة طفس، بإقتحام المدينة إذا لم يتم تسليم كامل الأسلحة التي بحوزة الإرهابيين، أو ترحيب من يرفض منهم إلى الشمال السوري، أي إلى إدلب، فالقيادات في الجيش السوري والروسي يعلمان جيداً أهمية منطقة الجنوب السوري، خاصة وأن تلك المنطقة حظيت بمصالحات شكلية كانت تنتظر إعطاء فرصة جديدة، فإذا ما اتحد ريف درعا مع الجزء الذي يحوي إرهابيين في ريف السويداء فذلك سيعيد مشهد المعارك إلى بدايته، وسيؤثر على دول الجوار كالأردن، خاصة وأن حركة الشاحنات التجارية عادت للانطلاق بعد موافقة المملكة العربية السعودية، وبالتالي لهذه المنطقة أهمية خاصة، أما مسألة الاقتحام فهي مسألة شبه مؤكدة، لأن لا مصلحة لأحد سوى إسرائيل بإشعال الجنوب، وبالتالي لا يمكن السماح بهذا الأمر بعد سنوات من المعارك الدامية هناك.
أخيراً، إن الوضع السوري بات دقيقاً اليوم، ويتسم بالخطورة أكثر من السابق، مع تنامي تنظيمات وعودتها إلى المشهد بقوة كداعش والنصرة وغيرهما، ما يعني أن القوات السورية والروسية ستعود لتموضع التمهيد الناري قبل القصف، فمؤخراً وصلت تعزيزات عسكرية روسية إلى منطقة البادية، ومن المؤكد ستتموضع في الجنوب، وحتى يتوضح المشهد، يبدو أن إقتحام مدينة طفس ومحيطها مسألة وقت سيترافق حتماً مع غارات إسرائيلية تؤكد أنها المسؤول عن إشعال الجنوب السوري.
خاص – فريق عمل “رياليست”.