فجأه وبدون مقدمات وجد النظام السياسي في طهران نفسه محاصرًا من بيئة اقليمية مضطربة في العراق وسوريا ولبنان امتدت تداعياتها بشكل سريع لتصل الى الداخل الإيراني، خروج الآلاف من الشعب الإيراني بكافة فئاته إلى الشوارع احتجاجًا على قرارات حكومية مدعومة من المرشد الأعلى- رأس النظام – ومباركة كافة مؤسسات الدولة الإيرانية التشريعية والتنفيذية، مظاهرات شعبية مطالبية تنادي بحكومة روحاني لإتخاذ ما من شأنه تخفيف حدة التداعيات التي وصلت لها أوضاع المعيشة الصعبة ومواجهة التضخم وارتفاع نسب الفقر والبطالة ومكافحة الفساد، إستهتار النظام بهذه الجموع الحاشدة التي امتدت في اكثر من ١٣ بؤرة ساخنة على امتداد الجغرافيا الايرانية لتصل الى اكثر من ١٠٠ مدينة إيرانية انتقلت من الهوامش الى المدن الكبرى.
دخول قوات الحرس الثوري الإيراني وقوات الباسيج على خط الأزمة القائمة في إيران جاء مسارًا سياسيًا للنظام الحاكم بتغليب الحل الأمني بمواجهة المطالب الشعبية والتصعيد المتعمد غير المسبوق، حيث تميزت هذه الاحتجاجات بأنها تظاهرات شعبية لا قيادة لها انتشرت بسرعة كبيرة على امتداد الجغرافيا الايرانية، مما يصعب على القيادة السياسية والأمنية الإيرانية القدرة على معالجة هذا الضغط الداخلي، خاصة بعد ارتفاع سقوف هذه الاحتجاجات لتتحول الى مطالب سياسة لتصل الى اسقاط النظام في اغلب المدن والاقاليم الايرانية.
هذا المأزق الذي وضع النظام نفسه به أربك قدرته على تفكيك الحشود ومواجهتها وامتصاص غضبها بعد ان قاوم النظام الإيراني المظاهرات في الجوار العراقي وطالب بقمع المحتجين خوفًا من انتقال العدوى إلى طهران، في اصرار وتصميم النظام الايراني على ان هذه الاحتجاجات هي مؤامرة خارجية وأعمال تخريبية، في مؤشر واضح على إنكار حجم الازمة الخانقة التي تعيشها البلاد جراء سياسات النظام في التعامل مع ملفات سياسته الخارجية سواء الفشل في معالجة تداعيات العقوبات الاقتصادية الأمريكية المشددة التي فرضت عليهم عقب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في حزيران ٢٠١٨م وحرمان ايران من عائدات تصدير النفط وتغيير سلوك النظام في الاستمرار بدعم الفصائل والميلشيات المسلحة في المنطقة على حساب الداخل الايراني الذي يعاني الفقر والجوع.
إيران وسلطاتها بدأت وفق مسار أمني موازي لمسارات أخرى في مواجهة الاحتجاجات الشعبية، المسار الأمني جاء بجملة اعتقالات والزج بقوات مكافحة الشغب للميادين والساحات وتنفيذ عمليات الإغتيال وإطلاق الرصاص الحي وتدخل مباشر لقوات الباسيج في رمزية هذا المسار لتأكيد اختيار النظام الحل الدموي والمواجهة في معالجة هذه الاحتجاجات، بينما المسار الثاني الذي بدأ النظام على تكريسه هو تسيير مظاهرات مضادة تجتاح أغلب المدن الإيرانية مؤيدة للنظام لخلق حالة إرباك وصدام مباشر بين هؤلاء وإيصال رسالة إيرانية للداخل والخارج بأن هناك مؤيدين لإجراءات الحكومة، وهم اكثرية بموازاة ذلك اظهار المحتجين على أنهم أقلية لا تعيرها السلطات أي إهتمام، رغم انهم ازدادوا واتسعت مساحات المشاركة لتشمل كافة فئات الشعب الذي أعلن كفره بالنظام الديني وممارساته، المسار الثالث للنظام الايراني في هذه المواجهه جاء بتعطيل شبكة الانترنت في البلاد كإجراء يخفي أي تغطية لواقع الاحداث ويمنع انتشار اي أخبار عن اعداد القتلى ومطالب الجماهير للرأي العام في الداخل والخارح وتحويل المدن الإيرانية لجزر معزولة، هذا يؤكد ان هناك فشل ذريع وسقوط اجتماعي ومأزق كبير يعيشه النظام في طهران نتيجة اجراءات مضطربة في المشهد السياسي، مما يصعب قراءة المستقبل في ضوء هذه المعطيات والمعلومات الشحيحة من الداخل الايراني.
اياد المجالي- مدير المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية (فرع الشرق الاوسط)، خاص لـ”رياليست” الروسية.