أعطى الرئيس فلاديمير بوتين تعليماته لرئيس شركة غاز بروم أليكس ميلر للنظر في إمكانية إستخدام الأراضي المنغولية لتوصيل الغاز الروسي إلى الصين. و ذلك طبقا لوكالة تاس الروسية. و أشار بوتين إلى أن يجب التأكد من إحتياطاتنا من الغاز في أقاليم إركوتسك، يامال و كراسنويارسك من أجل ضمان وجود إحتياطيات تضمن إمدادات الغاز عن طريق منغوليا. و أضاف الرئيس الروسي أن الطريق ليس سهلاً ، لكن التحليلات الأولية أظهرت واقعيته.
و من الجدير بالذكر أن في الأول من ديسمبر المقبل، سيتم توصيل أول شحنة غاز عبر خط أنابيب (Power of Siberia) إلى الصين، حيث سيبدأ تنفيذ عقد توريد الغاز الروسي إليها و الذي سيمتد إلى 30 عامًا و سيتم من خلاله تسليم تريليون متر مكعب من الغاز. و هذا بالطبع سيكون حدث مهم في سوق الغاز العالمية- حيث ستبدأ عمليات تسليم الغاز من أكبر مصدر في العالم إلى أكبر مستورد.
إذن ما حاجة روسيا و الرئيس بوتين في العمل على إقامة طريق آخر لنقل الغاز إلى الصين عبر أراضي منغوليا؟
منغوليا هي دولة تصل مساحتها إلى 1566000 كيلو متر مربع و تتوسط روسيا و الصين، في الفترة الأخيرة زاد الإهتمام الأميركي بالأهمية الإستراتيجية لموقع هذه الجمهورية. فمنذ عام 2007 و هناك تعاون وثيق بين الولايات المتحدة الأمريكية و منغوليا في مجالات عديدة، و أيضا هناك زيارات متبادلة تتم بشكل مستمر بين مسئولي البلدين. و قد زار الرئيس المنغولي واشنطن في نهاية شهر يوليو الماضي و عقد لقاء مع دونالد ترامب. و خلال هذه الزيارة تم الإعلان عن وثيقة التعاون الإستراتيجي بين البلدين و التي ركزت على التعاون الأمني و العسكري، زيادة فرص التعاون الإقتصادي، تيسيير إجراءات سفر المواطنون المنغوليين إلى الولايات المتحدة و التعاون في تعزيز الأمن والاستقرار في جميع أنحاء منطقة المحيط الهادئ الهندية.
في المقابل تعمل روسيا أيضا على عدم السماح بتوطيد العلاقات المنغولية-الأمريكية، لأن ذلك يمثل تهديد محتمل للأمن القومي الروسي. ففي بداية سبتمبر الحالي زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منغوليا، و تم التوقيع على معاهدة للصداقة والشراكة الاستراتيجية الشاملة، إضافة إلى اتفاق بين الحكومتين في مجال مكافحة الإرهاب ودعم التعاون بين أقاليم البلدين والمناطق الحدودية، وبروتوكولات لاستئناف العمل باتفاق عام 2004 لتقديم الدعم المجاني من روسيا لمنغوليا في المجال العسكري التقني. و لعل إشراك الجيش المنغولي في المناورات العسكرية التاريخية “الشرق 2018” أهم شاهد على رغبة موسكو في تطوير العلاقات المشتركة مع منغوليا و إبعادها قدر الإمكان عن التقارب مع واشنطن.
من هنا يظهر السبب الحقيقي لرغبة فلاديمير بوتين في إنشاء خط أنابيب ليس له أي جدوى إقتصادية عبر أراضي منغوليا و يصل إلى الصين، فبوتين ما زال مقتنع بأن الدخول في مشاريع إستراتيجية كبيرة مع دول الجوار هو ضمان لإستمرار التعاون. لكن نرى نحن أن ذلك غير كافي و يجب العمل على كافة مستويات التعاون الأخرى، خصوصا و أن الإقتصاد الروسي غير قادر على تحمل تكلفة مشاريع كبرى ليس لها جدوى إقتصادية سوى التنافس مع الولايات المتحدة.