تشهد الحالة الليبية تغييرات مستمرة في الارتباط بين القاعدة الشعبية ، وبين الشخصيات التي تتحرك على رُكحْ الوضع الليبي، بحيث لا يُمكن لأي شخصية أو تيار، أن تأمن استمرار وجود اضواء التأييد الشعبي القوية لها، أو لخطها السياسي. وعندما نتأمل الشخصيات أو الكيانات الموجودة في تفاصيل الحالة الليبية، نجد اسماء وكيانات كثيرة، من ضمنها حكومة الوفاق، ومجلس الدولة الذي يعتبر جهتها التشريعية، وهما جسمان لا يسيطران سوى على مساحة لا تمثل أكثر من محيط مقراتهما في طرابلس.
أما بقية الغرب الليبي، فالسيطرة مقسمة، حسب المدن وقيادات المليشيات، حتى أن شوارع وأحياء مدن طرابلس ومصراته والزاوية ، كل منها له سيطرة وقيادة، وتتمثل علاقة هذه القيادات بحكومة الوفاق، بفرض سيطرتهم بالقوة على هذه الحكومة، لكسب التمويل المالي لهم ولجماعتهم المسلحة. أما الشخصيات على الساحة الليبية نجد شخصية كشخصية فائز السراج، والذي يعتبر في نظر أغلب الليبيين، بالشخصية التي ظهرت من المجهول، ويرون مسألة دعمه من قبل المجتمع الدولي، مجرد جواز مرور للسلطة، بمرتبة العمالة، لأن السراج في نظر الليبيين، لم يأت عن طريق أي توافق ليبي.
يضاف إلى ذلك شخصيات أخرى في بعض المؤسسات، كالبرلمان الليبي وحكومته في الشرق، وهما جسمان لا تأثير لهما دوليا، كما لم تستطع أي شخصية منهما، اعطاء الشعب الليبي مؤشرا قويا، على أي منهما بإمكانه قيادة وإدارة أي مؤسسة في الدولة، فالبرلمان يثبت في كل يوم عجزه، وانقسام رؤيته، أما الحكومة التي تتبعه، فهي حكومة قاصرة، تعتمد على الاستلاف والمديونية، في أغلب تحركاتها حتى في أبسط أمورها اليومية.
وتظل شخصية قائد الجيش الليبي، المشير خليفة حفتر، هي الشخصية الأكثر ابهارا لأغلب الليبيين، حتى في مناطق نفوذ المليشيات، ولا يمنع من ظهور هذه الشعبية لشخصية حفتر، سوى استعمال القوة والسلاح والسجن والقتل، ضد أي شخص يظهر حتى تعاطفا بسيطا مع هذه الشخصية. ومن أسباب التفاف الليبيون حول قيادة الجيش الليبي، وتأييدهم لشخص قائده المشير حفتر، التدخلات الخارجية والسياسات الدولية التي تدعم مليشيات جهوية، وشخصيات ذات أصول غير ليبية، لكي تتحكم في ليبيا، وهذه الأمور تمثل لدى الليبيين، تجاوزات لا يمكن القبول به، أو السكوت عنها.
وتظل ما قامت به أيطاليا من دعم لجماعات في مدينة مصراته، وارسال بعض من وحداتها دعما لمليشيات مصراته، وكذلك ما فعلته تركيا بعدها، من الأمور التي دفعت بالليبيين بالتمسك بالجيش وقيادته، وكدليل على تحسس الليبيين من كل الحلول الدولية والأممية، الصمت الدولي والأممي على ما تقوم به تركيا، والاكتفاء فقط ببيانات شجب واستنكار، حيال هذه التدخلات.
إن التغاضي الدولي والأممي عن التواجد التركي في ليبيا، والسماح لها بدعم عدة تيارات ارهابية وجهوية، بحجة دعمها الديني والعرقي، ووقوف تركيا مع جماعات الإسلام السياسي، استدعت هذه الأمور التفافا أكثر حول الجيش الليبي وقائده. ويبدو أن خطاب قائد الجيش الليبي ، هو الأقرب لما يعتمل في نفوس الليبيين، فالحماس الوطني لدي الشعب الليبي، هو الأكثر تأثيرا في تحريك مشاعرهم ، فحفتر دائم الحديث عن حماية حدود الدولة، والدفع باتجاه حماية السيادة الوطنية، والإشارة الدائمة لضرورة استفادة الليبيين من خيرات بلادهم، رافضا دائما لأي تواجد أجنبي يبسط سيطرته على تراب وخيرات ليبيا.
ونجد أن أغلب الليبيين، سواء في ملتقياتهم الاجتماعية، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يرون أن العالم يسعى لمزيد من الأزمات في ليبيا، فالبعثة الأممية، والمجتمع الدولي، لم يقدما أي حلولا تستثني الإسلام السياسي، والجماعات المسلحة خارج القانون، من التواجد في إدارة الدولة، ويتهم الليبيون المجتمع الدولي والبعثة الأممية، بمحاباة التيارات المتشددة، وكذلك المليشيات الجهوية، كون المجتمع الدولي يرى فيها جزء من الحل في ليبيا، بينما يعتبرها الليبيون السبب الرئيسي في كل مشاكل ليبيا.
ومن أكثر وأقوى الأسباب التي تجعل أغلبية ساحقة من الليبيين، تعتبر المشير حفتر هو الشخصية التي يمكن الاعتماد عليها، هو ما حدث خلال السنوات الأخيرة، فرغم أن العالم يعرف سيرة فائز السراج، ومدى ضعفه وعدم قدرته على الخروج، من دائرة محددة في طرابلس، إلا أن العالم والبعثة الأممية، لا يزلان يحاولان فرضه على المشهد الليبي.
ويرى الليبيون بأن اصول فائز السراج التركية ، تجعله شخصية مقربة من تركيا، ويعتبر رجلها في ليبيا، فهو ينتمي لعائلة ذات أصول تركية، حسب ما ورد في كتاب “ذكريات وخواطر” الذي ألفه مصطفى فوزي السراج، والد فائز السراج. ويشير السراج الأب إلى أن نسبه يرجع إلى جدّ تركي، عمل ضابطا في الجيش التركي، من مواليد مدينة تركية تقع شمال مدينة أزمير، وقدم إلى ليبيا مع القوات العثمانية عام 1840، وتزوج من سيدة ليبية، واستقر في مدينة طرابلس.
ومن الأسباب التي تجعل المواطن الليبي، يعتبر أن الجيش الليبي وقائده حفتر، هو السبيل الوحيد لعودة الاستقرار، تواجد عدة شخصيات قيادية مليشياوية عبثت في أكثر من مكان بغرب ليبيا ، وتهيمن على المشهد السياسي والعسكري في الغرب الليبي وموالية للنظام التركي، ومدرجة على قوائم الإرهاب، منها صلاح بادي الذي يقود مليشيا “لواء الصمود”، وهي أهم الميليشيات المسلحة في مصراتة والغرب الليبي، وهو مدرج كذلك على قائمة عقوبات مجلس الأمن الدولي، ورغم هذا لم تحاول البعثة الأممية، أو المجتمع الدولي ايقاف نزق بادي، وجرائمه في حق سكان الغرب الليبي.
خاص وكالة “رياليست” – عبد العزيز الرواف – كاتب وصحفي ليبي.