هناك فرق هام بين حرب الشيشان الأولى وحرب الشيشان الثانية، فما هي العوامل التي أدت الى إلحاق الضرر بالجانب الروسي خلال فترة الحرب الأولى؟ وما هي العوامل التي أدت إلى نجاحها في الثانية؟
وما هي العوامل التي لم تسمح بالقتال بنجاح في العام 1995؟ لا نتحدث هنا عن تصرفات السياسيين المحبين للسلام ولا عن دور وسائل الإعلام الهستيرية، ولا عن تأييد المجتمع الدولي للرئيس الشيشاني الأسبق جوهر دوداييف، بالإضافة إلى الدعم الكبير من المتشددين من سكان أراضي إنغوشيا وداغستان للشيشان.
يبدو أن هناك عدد قليل من الناس ممن يتذكرون حادثة الإعتداء على أربع قوافل عسكرية من أصل سبعة. ففي 11سبتمبر/ أيلول عام 1995، أوقف السكان المحليين القوات الروسية، وحينها لم يتمكنوا من عبور الطريق إلى الشيشان، ولم يقتصر الأمر على قطع الطريق فقط، وتعطيل الإطارات بل تطور الأمر أيضاً إلى إشعال النيران في هذه المعدات العسكرية.
والشيء الرئيسي والملفت للإنتباه هو أن القوات الخاصة بالرئيس الشيشاني الأسبق دوداييف وعلى عكس القوات الروسية لم يكونوا بحاجة إلى أي دعم عسكري بل كل ما كان يحتاجونه، كان يتم توفيره له سواء من داخل مناطق روسية، أو من خارج الحدود الروسية.
بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لأحداث 11 ديسمبر/كانون الأول 1995 في شمال القوقاز تم إجراء العديد من المناقشات حول الموضوع، وتم نقاش كل شيء تقريباً عن الأحداث وأسباب الفشل، ولكن عدد قليل من المشاركين أولوا إهتماماً جديداً لأحد أهم المشاكل والتي يصعب تفسيرها، وهي لماذا الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين لم يقم بتوقيع قرار يفرض حالة الطوارئ على الأراضي الروسية التي إشتركت في الحرب الشيشانية بالرغم من كل الأحداث في هذه الفترة؟
للأسف الشديد المشكلة الكبيرة كانت هي مشكلة الحدود المفتوحة مع الشيشان و التي بداخلها يموت فيها آلاف الجنود الروس، و بسبب هذه الحدود المفتوحة كان يمكن للمقاتلين الشيشان شراء ما يريدونه وإدخاله من الجمهوريات الإسلامية الأخرى في منطقة شمال القوقاز بالرغم من المحاولات المستمرة لوزارة الداخلية الروسية تصحيح ذلك الوضع، لكن ذلك لم يسفر عن أي نتيجة.
بل خلال المواجهات مع قوات دوداييف واجهت القوات المسلحة الروسية حقيقة مؤلمة وهي تسليم أحدث أنظمة الاتصالات الروسية والمعدات العسكرية للرئيس الشيشاني دوداييف، من مصانع الأسلحة الروسية. ولم يقتصر الدعم فقط من روسيا بل من خارج الأراضي الروسية أيضاً، حيث تم تسليم المال والأسلحة والكثير من المعدات بالإضافة للمساعدات الإنسانية لدوداييف ولم تتمكن السلطات الفيدرالية من التحقق من الأمر، حيث تم تسليم جميع المعدات إلى الشيشان عبر أراضي إنغوشيا وداغستان.
كما أن عدم ضبط الحدود قد ساعد العديد من السياسيين والليبراليين والصحفيين والعديد من الناشطين الدخول إلى الشيشان دون الرجوع إلى الدولة الروسية من أجل طلب التأشيرات، لأنه عندما تكون الحدود مفتوحة يسمح لهم بالتنقل بحرية، لقد كان يمكن تجنب كل ذلك لو تم اتخاذ قرار سياسي.
لقد أدرك الجميع في ذلك الوقت أن الحرب الشيشانية الثانية سوف تكون مختلفة عن الأولى، وفي تلك الفترة تحديداً قام القائد العسكري اللواء ألكسندر فيكتوروفيتش بوتين، الذي قاد فرقة فلاديكافكاز للقوات الداخلية عام 1999، بمناورة فريدة من نوعها وهي إغلاق الحدود بين الشيشان وإنغوشيا بشكل كامل، إذ أغلق اللواء ألكسندر الحدود في ليلة واحدة وهذا ما أدى إلى تغير موازين القوى جذرياً.
وبعد إغلاق الحدود تقدم 62 صحفياً بطلب الحصول على إعتماد في المركز الصحفي الروسي في وقت واحد، حيث تضاعف عددهم مرتين، بعد أن كانوا في السابق ينتقلون بطرق غير مشروعة بالإعتماد على طرقهم الخاصة، وبعد إغلاق الحدود أصبح من الممكن سؤال الصحفيين، أين إعتماداتهم الصحفية؟
كما أن إغلاق الحدود أدى إلى توقف المساعدات الخارجية الضخمة، وساهم في تغيير السيناريو في شمال القوقاز بشكل مختلف كلياً.
فلاديمير فوروجتسوف- رجل دولة روسي متقاعد ،لواء في الخدمة الداخلية ، خاص لوكالة “رياليست”