موسكو – (رياليست عربي): في أول تعليق روسي رسمي على ما ورد في الخطاب الذي ألقاه الرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون) مساء الأربعاء 5 مارس 2025، والذي وجه فيه ماكرون رسالة واضحة إلى الشعب الفرنسي بشأن وجود تهديدات روسية لدول القارة الأوروبية، حيث ذكر بأن هناك تحديات كبيرة بدأت تواجه فرنسا كدولة بسبب الإضطرابات الجيوسياسية التي حلت بقارة أوروبا منذ بدء الحرب (الروسية – الأوكرانية)، وأن هذه الإضطربات قد ازدادت توتراً بسبب التهديد الروسي والإنسحاب الأمريكي، الأمر الذي بات يفرض على الأوروبيين بشكل عام والفرنسين بشكل خاص، التدخل وعدم البقاء متفرجين بشأن ما يحدث:
- أعلن وزير الخارجية الروسي (سيرجي لافروف) أن نشر قوة عسكرية أوروبية في أوكرانيا، بات يعني حرباً مباشرة من قبل الدول الأوروبية ضدَّ روسيا الإتحادية، مشيراً إلى أن هناك بعض الدول الغربية من تلك التي ما زالت تعتقد وترى أن السلام في أوكرانيا هو أسوأ من الحرب، علماً بأن روسيا الإتحادية باتت مستعدة للحوار السياسي مع أوكرانيا ومناقشة الأسباب الأساسية للصراع.
- وأضاف الوزير لافروف إلى أن الأزمة في أوكرنيا يمكن حلها خلال أسابيع فقط، لو أوقفت دول الغرب عمليات إمداد نظام كييف بالأسلحة، مؤكداً بأن التصريحات الأخيرة للرئيس (إيمانويل ماكرون) بمواجهة موسكو واستخدام الأسلحة النووية ضدها يمثل تهديداً مباشراً من قبل فرنسا.
- ولهذا السبب انتقد الوزير لافروف، تصريحات الرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون) واتهمه بالكذب في البيت الأبيض، وذلك حين قال بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد نقض كل الإتفاقيات، معتبراً أن اتهامات ماكرون لروسيا الإتجادية بالإعداد لحرب كبيرة ضدَّ الدول الأوروبية هي (محض هراء تام).
- وتابع وزير الخارجية الروسي (سيرجي لافروف) بأنه وبالنسبة للكرملين الروسي، فإنه لا يوجد لديه أي إمكانية لتقبل إرسال قوات حفظ سلام أوروبية إلى أوكرانيا، وذلك لأن روسيا الإتحادية ستعتبر هذه القوات وتواجدها في أوكرانيا بأنه تواجد لقوات حلف (الناتو) في ذلك البلد، ولذلك السبب حذر الوزير سيرجي لافروف (بأن نشر أي وحدات لقوات عسكرية أوروبية في أوكرانيا سيعني حتماً حرباً مباشرةً) وستكون الحرب ضدَّ روسيا الإتحادية من قبل الدول الأوروبية بعضها أو جميعها، وهو الأمر الذي سترد عليه القوات العسكرية لروسيا الإتحادية بقوة تامة.
آراء المراقبين والمحللين والخبراء في مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية الروسية والعالمية:
- تحدث العديد من المراقبين والمحللين والخبراء في مجال العلاقات الدولية من المختصين بملف تطورات الحرب (الروسية – الأوكرانية) وتأثيرها على الأوضاع الأمنية والعسكرية واللوجيستية ليس فقط في بلدي طرفي النزاع، بل على دول القارة الأووبية ودول حلف شمال الأطلسي وعلى رأسها فرنسا، حيث أكد هؤلاء بما لا يدعو للشك بأن الأوروبيين يحاولون إطالة أمد الحرب قدر المستطاع بغض النظر عن الموقف الأمريكي الحالي الداعي لعقد مفاوضات سلام بين أوكرانيا وروسيا الإتحادية، وأن القيادة الفرنسية الحالية ممثلةً بالرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون) قد أخذت على عاتقها هذا الدور العدائي ولذلك دعت باريس إلى عقد مؤتمر لرؤساء هيئات الأركان العامة العسكرية ورؤساء الأجهزة الأمنية لدول القارة الأوروبية.
- وحول هذا التوتر (الروسي – الفرنسي) الذي تسبب فيه خطاب الرئيس (إيمانويل ماكرون) وما سبق هذا الخطاب من توترات سياسية (روسية – أوروبية)، يرى الخبراء الروس بأن الكرملين الروسي قد نجح بالفعل في إقناع البيت الأبيض الأمريكي بتعليق المساعدات العسكرية لأوكرانيا، خاصةً وأن القرار الأمريكي سيظل ساري المفعول حتى تقتنع الولايات المتحدة الأمريكية برغبة كييف في المساعدة بإنهاء هذا الصراع، وهو ما سيسبب مشكلة كبيرة للأوكرانيين لأن قرار إنهاء الحرب من عدمه ليس بأيديهم.
- وفي هذا الصدد، يؤكد الباحث الروسي في مركز دراسات الأمن التابع لأكاديمية العلوم الروسية، (قسطنطين بلوخين)، أن هناك تقارير تفيد بأن إدارة الرئيس (دونالد ترمب) قد علقت المساعدات العسكرية للجيش الأوكراني، وأنه لا يمكن للقيادة الأوكرانية إلا أن تأمل في دعم دول القارة الأوروبية، على الرغم من أن الأمريكيين يملكون العديد من الأدوات التي تسمح لهم بإجبار السياسيين الأوروبيين على اتباع المسار الذي تتبعه الولايات المتحدة الأمريكية رغماً عنهم.
- وبحسب الخبير الروسي (قسطنطين بلوخين) فإن دول العالم القديم (أي دول القارة العجوز) سوف يغير موقفه من تقديم المساعدة لأوكرانيا في ظل ظروف معينة، لأنه في الوقت الذي تواصل فيه جمهورية الصين الشعبية وروسيا الإتحادية والولايات المتحدة الأمريكية عمليات النمو الإقتصادي في بلدانها، نرى كيف تعاني دول الإتحاد الأوروبي وبريطانيا من الركود التام، وقد بدأت الأمور تزاداد سوءاً بالنسبة لهم، وعندما يدرك الأوروبيون أن السبب وراء ذلك هو سياستهم المالية والإقتصادية على المسار الأوكراني، فعندها فقط سيعيدون النظر في الأمر، وهو ما سيؤدي إلى سخونة الصراع السياسي الداخلي بين دول القارة الأوروبية، بسبب موقفها المتعلق بمساعدة أوكرانيا من عدمه، رغم الجهود الفرنسية والألمانية وكذلك البريطانية التي تبذل حالياً لتقديم كافة أشكال الدعم لأوكرانيا.
- ويختم الخبير الروسي (قسطنطين بلوخين) تصريحاته، بأن أسوأ ما تسبب به الأوروبيون، هو ظهورهم سياسياً وكأنهم يحاولون تنظيم (حملة صليبية جديدة ضدَّ روسيا الإتحادية)، نظراً لأن حملة صليبية كهذه كانت قد نظمت في وقت سابقٍ من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة (جو بايدن)، لكن الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة الرئيس (دونالد ترامب) تريد أن تنأى بنفسها عن حملاتٍ بهذا الشكل، لأنها تريد أن تركّز جهودها حالياً على جمهورية الصين الشعبية، وانطلاقاً من هذا التوجه الأمريكي الجديد، الواضح سياسياً وإقتصادياً للعيان، سيكون من غير المرجح أن تكون دول القارة الأوروبية كتلة سياسية وعسكرية موحدة، بل ستشهد تكثيفاً للمنافسة التاريخية بين بريطانيا وألمانيا وفرنسا، لأن كل من هذه الدول، ورغم إتفاقها التاريخي بالعداء الأزلي لروسيا الإتحادية، إلا أن لكل منها توجهاتها التاريخية وأهدافها السياسية والإقتصادية الخاصة، مما سيعرقل توحدها ضدَّ الكرملين الروسي.
حسام الدين سلوم – دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية – خبير في العلاقات الدولية الروسية.