وباء اجتاح العالم، كما سبق أن اجتاحته أوبئة ومجاعات كثيرة، حصرت من الأرواح ما لم تحصده الحروب، ولن نسرد سلاسل الأوبئة والمجاعات التي مرت بالبشرية، فالمجال هنا لا يتسع للسرد، ولكن كورونا أو كوفيد19 هل هو ما كانت البشرية بحاجة له؟
للإجابة على هذا السؤال، يجب أن نستعرض أوضاع العالم في هذا التوقيت، وهل استعد العالم لمثل هذا الوباء؟
العالم يسير ربما بتخطيط محكم، أو ربما بتخطيط عشوائي، أو لعله بدون أدنى تخطيط، وقد تحول البشر إلى نجوم في السماء ورمال في الصحراء، وسط رأسمالية متوحشة حاكمة ..
نجوم السماء هم، لاعبي كرة القدم، والممثلون، والمغنيون، والإعلاميون، والراقصون، يحصدون الملايين أجورًا لما يقومون به ويؤدونه، طبقاً لما تم غرسه في الوجدان الجمعي العالمي من إدمان لمنتجهم، وهم يحيون حياة الملوك والأمراء، ويتنقلون بين أرقى المنتجعات، ويشاركهم على استحياء تجار السياسة، وتجار الأديان، ويعيش أو يقتات باقي البشر من متعة مشاهدة أخبارهم، وتتبع حياتهم، وعلاقاتهم، وزيجاتهم، وطلاقاتهم، وكأن الكون كله تم تسخيره لهم هم فقط ..
وفي مقابل كل هذا، من نذر نفسه للعلم لا أحد يلتفت إليهم، أو حتى يفكر في أن يعرف عنهم أي شيء، وتتأفف وسائل الإعلام عن ذكرهم، فبات العلماء في عالم اليوم نكرات، يقتاتون على الفتات إن توفر لهم، وهم على كثرتهم قلة في مجتمع اليوم.
العالم من حولنا ببساطة، هو عالم الصراعات بين الدول والجماعات والأفراد، الكل يتناطح ويتصارع، وتعيش الشعوب التي تمثل رمال الصحراء في المنظومة العالمية، مترقبة لما يصدر عن القادة سواء ملوك أو رؤساء من قرارات مصيرية، يدفعون هم من أرواحهم نتائجها.
تشتعل حرب هنا أو هناك، ولا باستطاعة أحد وقفها، وتظل دائرة رحاها دائرة، لتطحن أرواحاً، وسلاحاً، ومقدرات شعوب بهدوء حتى المنتهى ..
مؤامرات في كل مكان، بدءًا من الأفراد وانتهاءً بالدول التي تتآمر على دول أخرى، فينتاب البشر شعور بأن الأرض قد ضاقت على أهلها، وأنهم في سبيلهم لتدميرها، والقضاء على كل الجنس البشري .. فجأة وبدون مقدمات، وسط هذا الخضم الهائل المتشابك بين البشر يطل كوفيد 19 برأسه على العالم، وفجأة أطل هذا الفيروس برأسه، وأمسك بسيفه، وطاح في رؤوس البشر يقتلعها من منابتها، بعد أن حمل لقب طائر الموت، وبكل جراءة يعلن بأنه قد جاء ليحصد من الأرواح قدر استطاعته، وتبدأ الأرقام في التناثر والتزايد هنا وهناك معلنة عن ضحايا هذا الوباء الجائح ..
وفي لمح البصر، يختفي كل نجوم السماء، الذين كانت أخبارهم ملئ السمع والإبصار، بل وتتوقف وسائل الإعلام عن ذكر أخبارهم، وتتبع أحوالهم، فقد انشقت الأرض، وابتلعتهم في جزرهم النائية، وقصورهم، ومنتجعاتهم، علها تخفيهم من الكوفيد 19 أو لا يعرف إليها سبيلاً، أما المليارات من رمال الصحراء أو شعوب الأرض، فلم يجدوا مهرب أو محتمى يحتمون به، فوقفوا يواجهون هذا الحاصد للأرواح بصدورهم العارية، والتي تعرت في مقابلها الحكومات، التي لم تجد الكثير منها ما يستر عوراتها أمام شعوبها، وهي من تدير أمورهم، وتوجه الانفاقات هنا وهناك، ولا تعطي العلم والعلماء حقهم، بل وحتى المجال الطبي تهالك من قلة المخصصات ..
واكتشف الناس، أن ما كانوا ينفقونه ويتبرعون به لبناء المعابد الفاخرة، لتكون بيوتاً لآلهتهم، لم تقدم لهم رعاية ولا عناية صحية وقت احتياجهم، وتمنوا لو كانوا قد وجهوا تبرعاتهم لبناء المستشفيات، فالصلاة للإله يمكن أن تكون في البيت، أو حتى على قارعة الطريق، ولن يغضب الإله ممن يصلي له على قارعة الطريق، بينما من أصابه الفيروس بحاجة إلى غرفة رعاية داخل مستشفى، بها كل الأدوات الطبية، ويعالجه فريق طبي متدرب، وهو ما لا يتوفر منه الكثير ..
هذا الفيروس ماذا فعل؟
سؤال تبدو إجابته واضحة للعيان .. توقفت الحروب بأمره، وانسحبت الجيوش بأمره، وتراجعت الميليشيات بأمره، وانكمشت الدول داخل حدودها وأغلقتها تماما بأمره، وحتى كتابة هذه السطور لم يتوصل العالم إلى علاج ناجع له، فبات العالم كله في خندق الدفاع فقط، والدفاع هنا يعني بذل كافة الجهود لوقف انتشاره، وحصاره في بؤر محددة، وهذا يعني إيقاف كل شيء، وحظر التجوال، وحجز الناس في مساكنهم، وهو الأمر الأشد خطورة من الفيروس نفسه، فهذا يعني توقف الإنتاج، وتعثر الاقتصاد، لتكون آثار الفيروس مؤلمة للعديد من الدول، وهنا نتوقف ونتسائل:
كيف سيكون العالم بعد الانتهاء من كوفيد 19؟
لن يكون عالم ما بعد الفيروس، هو هو نفس عالم ما قبل الفيروس بدون شك، وسوف تعيد دول كثيرة حساباتها من جديد، سواء في سياساتها الداخلية، أو في علاقاتها الخارجية، وسوف تنهار أحلاف، وتنشأ على أطلالها أحلاف جديدة، وسوف يتأجج الصراع الاقتصادي، كل يريد أن يستعيد ما فقده أو أنفقه خلال الأزمة، والأهم أن الشعوب رمال الصحراء، سوف تتغير مفاهيم البعض منها، وتتبدل الكثير من أولوياتها، بينما يستعد الكثير من التجار، لإمداد البعض منها بالمخدر، الذي سوف يغيبها من جديد، لتظل في دائرة العدم كما هي.
الأستاذ مجدي حليم المصري- خاص وكالة “رياليست”