أربيل – (رياليست عربي): تم إنشاء الحشد الشعبي بفتوى “الجهاد الكفائي” التي أصدرها المرجع الشيعي الأعلى في العراق، علي السيستاني، في ١٣يونيو/حزيران ٢٠١٤ وذلك في أعقاب اجتياح تنظيم داعش لمساحات واسعة من العراق، بما في ذلك الموصل وأجزاء من الأنبار وصلاح الدين. كان الهدف المعلن للحشد الشعبي هو الدفاع عن الدولة العراقية وحماية المدن المقدسة مثل كربلاء والنجف من خطر السقوط بيد التنظيم الإرهابي. وقد لاقى هذا التشكيل دعمًا حكوميًا، حيث أصدر رؤساء الوزراء المتعاقبون – نوري المالكي، حيدر العبادي، عادل عبد المهدي، ومصطفى الكاظمي – قرارات رسمية تهدف إلى تنظيم هذه القوة وربطها بالمؤسسة العسكرية العراقية.
الحشد الشعبي اليوم: قوة عسكرية مستقلة أم جيش موازٍ؟
على الرغم من محاولات دمجه رسميًا في المنظومة الأمنية العراقية، إلا أن الحشد الشعبي لا يزال يتمتع بقدر كبير من الاستقلالية عن القوات المسلحة التقليدية. وفقًا للتقديرات، يضم الحشد الشعبي أكثر من 230 ألف مقاتل، معظمهم تقاعدوا بعد المشاركة في المعارك ضد داعش، إلا أنهم لا يزالون يتلقون رواتب وتمويلًا من الحكومة العراقية، حيث خصصت له ميزانية تبلغ نحو ثلاثة تريليونات دينار عراقي.
ورغم كونه قوة عراقية من الناحية القانونية، فإن العديد من قادته يبدون ولاءً أكبر لإيران، ويتبعون أيديولوجيًا المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، أكثر من الحكومة العراقية. وهذا يطرح تساؤلات جوهرية حول مدى استقلالية القرار العسكري والسياسي في العراق.
ما بعد داعش: هل انتهت الحاجة إلى الحشد؟
بعد هزيمة تنظيم داعش عسكريًا في العراق بحلول عام ٢٠١٩، تزايدت المطالب بحل الحشد الشعبي أو دمجه بالكامل ضمن القوات المسلحة العراقية. غير أن هذه المطالب اصطدمت بعقبات عدة:
الدعم السياسي القوي: يتمتع الحشد بغطاء سياسي من قوى شيعية نافذة، مثل تحالف الفتح بزعامة هادي العامري، مما يعزز موقفه داخل مؤسسات الدولة.
البنية الاقتصادية المستقلة: يسيطر الحشد على العديد من الموارد الاقتصادية، من المنافذ الحدودية إلى مشاريع استثمارية ضخمة، ما يضمن له تمويلًا ذاتيًا قويًا.
البعد الإقليمي والدولي: يعتبر الحشد جزءًا من محور المقاومة الذي تقوده إيران، مما يجعله لاعبًا مهمًا في الاستراتيجية الإيرانية بالمنطقة.
الحشد الشعبي والصراعات الإقليمية:
من العراق إلى غزة مع اندلاع الحرب بين حماس وإسرائيل في ٧أكتوبر/تشرين الأول ٢٠٢٣، والتي أطلق عليها اسم “عاصفة الأقصى”، أعلن الحشد الشعبي دعمه لحماس ونفذ عدة عمليات عسكرية استهدفت المصالح الإسرائيلية. جاءت هذه التحركات في سياق أوسع من التوترات الإقليمية، حيث شنت إسرائيل ضربات جوية على مواقع تابعة لحزب الله في لبنان، والنظام السوري، فضلًا عن تصعيدها ضد الحوثيين في اليمن.
في ظل هذا السياق، تصاعدت الضغوط الأمريكية لإخضاع الحشد الشعبي بالكامل لسيطرة القوات المسلحة العراقية، وهو ما ترفضه الفصائل المسلحة الموالية لإيران، التي تعتبر نفسها جزءًا من “الدفاع الإسلامي” الذي يتجاوز حدود الدولة العراقية.
الحكومة العراقية بين المطرقة والسندان
يواجه رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، معضلة معقدة، حيث يجد نفسه بين قوتين متنافستين:جمهوریة اسلامیة تسعى إلى الحفاظ على نفوذها في العراق، وترى في الحشد الشعبي أداة استراتيجية لضمان استمرار دورها في الساحة العراقية. الولايات المتحدة، ترغب في تقليص نفوذ الفصائل المسلحة الموالية لإيران، وتطالب بدمج الحشد الشعبي ضمن القوات الرسمية أو تفكيكه تدريجيًا. هذا الوضع يجعل من الصعب على أي رئيس وزراء عراقي اتخاذ قرارات حاسمة بشأن مستقبل الحشد، حيث أن الطبقة السياسية الشيعية نفسها توفر له الحماية السياسية.
المستقبل الغامض: هل يصبح العراق ساحة لصراعات الوكلاء؟
مع استمرار التوترات الإقليمية وتصاعد الصراع بين إسرائيل وإيران ووكلائها، يبدو أن العراق مرشح ليكون أحد الساحات الرئيسية للمواجهة غير المباشرة بين القوى الكبرى. إذا استمرت ازدواجية الولاء داخل المؤسسات العسكرية والأمنية العراقية، فقد يكون مستقبل العراق ككيان سياسي مهددًا، حيث ستزداد مخاطر تحوله إلى دولة هشة غير قادرة على حماية سيادتها واستقلال قرارها الوطني.
خاص وكالة رياليست – كاوه نادر قادر – كاتب سياسي – كردستان العراق