موسكو – (رياليست عربي): في وقت يشهد فيه قطاع غزة تحديات كبيرة ودماراً هائلًا نتيجة النزاع المستمر، تنعقد اليوم الثلاثاء، 4 مارس 2025، القمة الطارئة لجامعة الدول العربية في العاصمة المصرية القاهرة.
هذه القمة تأتي في ظل تصاعد الضغوط الدولية لتقديم حلول عاجلة لمعاناة الشعب الفلسطيني في غزة، وبحث آليات فعالة لإعادة إعمار القطاع المدمَّر نتيجة الحروب المتكررة والانتهاكات المستمرة، حيث أصبح المطلب الرئيسي في هذه القمة هو تقديم إطار عمل عربي متكامل لدعم غزة، بعيدًا عن أي تأثيرات خارجية قد تؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني والسياسي.
المقترح المصري.. خطوة نحو إعادة الإعمار
أبرز الموضوعات التي ستناقشها القمة هو المقترح المصري، الذي يهدف إلى تقديم خطة شاملة لإعادة إعمار غزة. هذا المقترح يتضمن تقديم دعم مالي وتنموي كبير، بما في ذلك بناء البنية التحتية المدمرة، وتحسين الأوضاع الإنسانية للمواطنين، وتوفير فرص العمل للشباب الذي يعاني من نسب بطالة مرتفعة جداً.
كما يتضمن المقترح تعزيز العلاقات بين الدول العربية والمؤسسات الدولية المانحة بهدف تجميع موارد كافية لإعادة إعمار القطاع بشكل شامل، ويأمل المفاوضون أن يُسهم هذا المقترح في استعادة استقرار القطاع على المدى الطويل، عبر منح غزة فرصاً جديدة للنمو والتنمية.
أهمية التمثيل العربي والتعاون
من المتوقع أن يشارك في القمة العديد من القادة العرب، والذين سيحضرون إما شخصيًا أو من خلال ممثلين رسميين. من أبرز الحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي وصل إلى القاهرة يوم الاثنين للمشاركة في القمة. كما سيمثل الكويت في القمة ولي العهد الشيخ صباح خالد الحمد الصباح، في حين سيترأس ملك البحرين حمد بن عيسى وفد بلاده، بينما يمثل رئيس جمهورية العراق عبد اللطيف جمال رشيد العراق في هذه القمة الهامة.
أما لبنان، فسيحضر الرئيس اللبناني جوزيف عون، الذي يزور السعودية حالياً، إلى القاهرة يوم الثلاثاء، في حين وصل رئيس الجمهورية الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني إلى القاهرة في وقت سابق استعدادًا للمشاركة. وبالنسبة لتونس، فقد قرر الرئيس قيس سعيد تكليف وزير الخارجية محمد علي النفطي بترؤس الوفد التونسي، بعد أن أعلن عن غيابه الشخصي. أما الجزائر، فقد قرر الرئيس عبد المجيد تبون عدم المشاركة في القمة شخصياً، وكلف وزير الخارجية أحمد عطاف بتمثيل الجزائر.
التركيز على الأبعاد الإنسانية والاقتصادية
بعيداً عن التركيز السياسي والتفاوضي حول الأبعاد الأمنية والحدود، فإن التحديات الاقتصادية والإنسانية تظل الأهم في هذه القمة. قطاع غزة يعاني من أزمة اقتصادية خانقة، حيث وصل معدل البطالة إلى مستويات غير مسبوقة، بالإضافة إلى انهيار معظم المنشآت الأساسية من مستشفيات، مدارس، وطرق رئيسية بسبب الحروب المتواصلة. إلى جانب ذلك، يعاني الفلسطينيون في غزة من نقص حاد في الموارد الأساسية مثل الكهرباء والمياه، مما يجعل الحياة اليومية أكثر صعوبة.
وتأمل الدول العربية أن تتمكن هذه القمة من صياغة خارطة طريق مشتركة لتحفيز المجتمع الدولي على المساهمة الفعالة في حل الأزمة، من خلال استثمارات كبيرة في البنية التحتية والقطاع الخاص. كما أن هناك دعوات لفتح خطوط إمداد بالطاقة، وأخرى لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية بشكل أكثر فاعلية.
تحديات وصعوبات في طريق الحلول
على الرغم من الأهمية الكبرى لهذه القمة، فإن هناك تحديات كثيرة قد تواجه الدول العربية في محاولة إيجاد حلول دائمة للأزمة في غزة. أول هذه التحديات هو الانقسام الفلسطيني الداخلي الذي لا يزال يؤثر بشكل كبير على قدرة القيادة الفلسطينية في تحقيق الوحدة السياسية، الأمر الذي قد يعرقل أي اتفاقات طويلة الأمد.
أما على الصعيد الإقليمي والدولي، فالأزمة الفلسطينية تواجه تدخلات خارجية قد تؤثر على أي محاولات لتحقيق تسوية شاملة. الخلافات السياسية بين القوى الكبرى، والتغيرات المستمرة في السياسات الأمريكية والأوروبية حيال القضية الفلسطينية، قد تزيد من تعقيد مهمة إعادة الإعمار.
ومن أجل تحقيق استقرار حقيقي في غزة، سيكون من الضروري أن تعمل الأطراف الفلسطينية على توحيد صفوفهم وتجاوز الانقسام الداخلي بين حركة “فتح” وحركة “حماس”. إذا نجحت المفاوضات الفلسطينية الداخلية، فمن الممكن أن يتشكل هيكل سياسي موحد قادر على اتخاذ قرارات استراتيجية تساهم في إعادة إعمار القطاع. وهذا بدوره سيجعل من السهل جذب الدعم المالي العربي والدولي، ويعزز من فعالية المشاريع التنموية.
خارطة الطريق المستقبلية
لتسريع عملية إعادة الإعمار، قد تحتاج الدول العربية إلى وضع آلية تمويل مشتركة تعزز التعاون بين الحكومات والشركات الخاصة. يمكن أن يتضمن هذا دعمًا أكبر للمشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم، بالإضافة إلى دعم المنظمات غير الحكومية التي تعمل على تحسين الظروف المعيشية في غزة. علاوة على ذلك، يجب أن يشمل الحل النهائي استراتيجيات لتطوير البنية التحتية، بما في ذلك إنشاء محطات للطاقة الشمسية وتوسيع شبكة المياه والصرف الصحي.
وبينما يحمل اجتماع اليوم آمالًا كبيرة في إحداث تغيير إيجابي في حياة الفلسطينيين في غزة، إلا أن النجاح في تطبيق أي من الحلول المطروحة يتطلب عملًا جادًا ومشتركًا بين جميع الأطراف العربية والدولية. ستكون الخطوات التالية حاسمة في تحديد ما إذا كانت هذه القمة ستسهم في إعادة بناء غزة بطرق تحقق العدالة الاجتماعية والاقتصادية لشعبها.
إلى جانب ذلك، تبقى الساحة الدولية بحاجة إلى تغييرات جذرية لضمان حل نهائي يحقق سلامًا دائمًا وشاملاً لجميع الأطراف المعنية. في النهاية، يتطلب هذا الجهد تعاونًا طويل الأمد ومرونة من جميع الأطراف المعنية لتحقيق نتائج ملموسة.