باريس – (رياليست عربي): عُقدت السبت 16 يوليو/ تموز، قمة بمدينة جدة السعودية، الساحلية التي تقع علي البحر الأحمر، بحضور الرئيس الأمريكي جو بايدن، وبحضور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وملك البحرين والأردن، ورئيس وزراء العراق، تحت عنوان قمة الأمن والتنمية.
وقد وصل الرئيس الأمريكي إلى المملكة العربية السعودية، في اليوم السابق من انعقاد القمة قادماً من الدولة العبرية، وبعد مقابلة محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينة بمقرها في مدينة رام الله بالأراضي المحتلة، وكان في استقباله الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.
أحداث وتصريحات ما قبل القمة
ويأتي انعقاد هذه القمة في وقت غاية الصعوبة والشدة والحساسية على المنطقة وعلى العالم أجمع، والظروف التي تعصف بالعالم، من مشاكل وخلافات داخلية وإقليمية ودولية، سواء اقتصادية وسياسية أو اجتماعية، وبيئية ومناخية قاسية، وعلى وجه الخصوص أزمة الغذاء والطاقة الناجمة عن الحرب الأوكرانية – الروسية، والملف النووي الإيراني، والقضية الفلسطينة، والأزمة اليمنية، ولبنان وليبيا والسودان، العراق وتونس، والعلاقات المتوترة بين الجزائر والمملكة المغربية والتطبيع مع إسرائيل، ومشاكل الهجرة واللاجئين، والديون الداخلية والخارجية، والإرهاب، والفكر المتطرف، ومن ناحية أخرى، الصراع الجيو – سياسي المحتدم بين أميركا وحلفائها مع كل من الصين وروسيا، بالإضافة إلى الوضع المقلق للاقتصاد العالمي، كل ذلك ألقى بظلاله على دول المنطقة وقد كان من أبرز تلك الدلالات:
- عدم اليقين بقيام الرئيس الأمريكي بتلك الدولة فقد كانت محل تشكيك من المسؤولين الأمريكيين بين الحين والآخر، والتي أعلن عنها من فترة .
- هل سيقوم بايدن بزيارة إسرائيل والأراضي الفلسطينة؟ هل سيزور المملكة العربية السعودية أم لا؟ هل سيقابل الملك سلمان دون ولي العهد؟ أم سيقابل كليهما، في ظل التصريحات التي أدلى بها بايدن في حق المملكة وولي العهد .
- الضغوط التي يمارسها الديموقراطيون على قادة المنطقة، خاصة في قضايا حرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان .
- الإدارة الأمريكية تريد موقف معلن وصريح من دول المنطقة بالانضمام والوقوف إلى جانب أمريكا ضد كل من روسيا والصين.
وهي الأمور التي ألقت بظلالها على القمة، حيث اتجهت أنظار العالم نحو تلك القمة وترقب النتائج التي سوف تسفر عنها .
إجراءات وقرارات على أرض الواقع
وكان من أبرز القرارات التي اتخذت قبل وصول بايدن إلى الأراضي السعودية، الإعلان عن سماح سلطات المملكة لكافة شركات الطيران بالمرور وعبور أجوائها الجوية، وفي نفس الوقت الإعلان أيضاً عن انتهاء مهمة قوات حفظ السلام بجزيرتي تيران وصنافير، وهما الذي يمر بهم الممر الملاحي الرئيسي والمتحكم في عبور السفن والبواخر البحرية (المدنية والعسكرية) من وإلى خليج العقبة بالبحر الأحمر .
ومن المؤكد أن تلك الإجراءات سوف يكون لها مردود استراتيجي خلال الأيام القادمة .
أهم القضايا التي طرحت على طاولة القمة
لقد تناولت كلمات الزعماء من الملوك والرؤساء أهم القضايا التي يرونها استراتيجية ولها الأولوية والتي من أجلها عقدت هذه القمة تحت عنوان الأمن والتنمية، ويتضح من ذلك:
أهم ما جاء في كلمة الرئيس الأمريكي: إن أمريكا لن تترك الصين وروسيا والصين يملؤون أي فراغ في المنطقة، والجمع بين أمن إسرائيل ودول المنطقة كأولوية للولايات المتحدة، كونه رئيس للولايات المتحدة الأميركية ملتزم بحل الدولتين كأفضل وسيلة وتسوية سياسية لإنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي، وفي نفس التصريح يعلن أن تحقيق ذلك سوف يكون صعب المنال، وهو نفس الأمر الذي أكده محمود عباس في كلمته مع الرئيس الأمريكي، أن حل الدولتين قد يكون متاح اليوم، ولكنه قد يكون من الصعب تحقيق ذلك في المستقبل، واستكمالاً لأهم النقاط لكلمة جو بايدن، والتي توضح استراتيجية الإدارة الأميركية خلال الفترة القادمة، أنه قد انتهى عصر الحروب المباشرة للقوات الأمريكية، مع احتفاظها بقدراتها على التدخل السريع لقمع أي تهديدات إرهابية، أيضاً، التأكيد على الشراكة والتحالفات الجديدة مع الدول التي تحترم وتلتزم بالقانون الدولي (وليس معنى ذلك أن بيننا اتفاق علي جميع القضايا) ولمواجهة التحديات عالمنا المعاصر، خاصةً في قضايا الأمن الغذائي والطاقة والمناخ وأمن حرية الملاحة البحرية الدولية، خاصة في مضيق هرمز وباب المندب، ومواجهة التهديدات الإيرانية، والتعهد بعدم السماح لها بامتلاك سلاح نووي أو دمار شامل، والتعاون والاستثمار والبنية التحتية، الترحيب بالحل السياسي والدبلوماسي للأزمة في اليمن، وأخيراً التأكيد عن الدفاع عن حرية الرأي والتعبير والحقوق والتي هي مكون أساسي في تركيبة جينات الشعب الأمريكي، مع الاحترام الكامل لخصوصية الشعوب والدول.
أهم ما جاء في كلمة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي: أكد من خلال ترحيبه بالمشاركة والتعاون الثنائي والإقليمي والدولي مع الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك في إطار النقاط الخمسة، وهي :
- تسوية عادلة للقضية الفلسطينة، تكون قائمة على إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية بحدود الرابع من يونيو 1967.
- مكافحة ومحاربة ونبذ التطرف الفكري بكافة أشكاله .
- دعم وتأييد مفهوم الدولة المدنية الحديثة، القائم علي المواطنة والمساواة وحرية العقيدة بين جميع أبناء الوطن .
- محاربة ومكافحة الإرهاب والجماعات والمليشيات المتطرفه المسلحة.
- التأكيد على ضرورة تعزيز التعاون والتضامن الدولي لتحقيق الأمن الغذائي والمائي والمناخي وتشجيع الاستثمار في البنية التحتية والتكنولوجيا والإتصالات والمعلومات.
أهم ما جاء في كلمة ولي العهد السعودي: أهم النقاط التي أكد عليها الأمير محمد بن سلمان، هو الترحيب بالتعاون المشترك لتحقيق الأمن والتنمية والاستثمار في المنطقة لضمان الأمن والاستقرار للغذاء والطاقة لشعوب المنطقة حالياً، والأجيال القادمة، وأن المملكة سوف تزيد طاقتها الإنتاجية من النفط إلى 13 مليون برميل يومياً (كحد أقصى، أن تستطيع المملكة تخطي هذا الحد مستقبلاً) .
ومن ناحية أخرى جاءت كلمات باقي السادة الزعماء من الملوك والرؤساء مؤكدة لهذه النقاط المهمة: الحل العادل للقضية الفلسطينية وفقاً للقانون والشرعية الدولية، وتعزيز التعاون المشترك لضمان الأمن في الغذاء والطاقة .ومراعاة مصالح وخصوصية شعوب المنطقة وعدم التدخل في شؤونهم الداخلية، في إطار الاحترام المتبادل والشرعية الدولية .
التحليل والتعليق
أولاً، زيارة الرئيس الأمريكي، بعد العديد من زيارات المسؤولين الأميركيين للمنطقة طوال الفترة الماضية، وآخرهم اجتماع اتفاق النقب، والذي جمع وزراء خارجية مصر والأردن والإمارات والبحرين والمغرب .
ثانياً، لماذا قام جو بايدن بهذه الزيارة الآن، وهو يعلم أن الحكومة في إسرائيل حكومة مؤقتة، وأن الانتخابات سوف تقام في الخريف القادم من هذا العام، كيف يهدف إلى تعاون وتحالف مشترك مع دول المنطقة لمواجهة الصين وروسيا وإيران:
- كيف تقوم دول المنطقة بالتحالف مع أمريكا ومعاداة روسيا والصين، واللتين يرتبطان بعلاقات سياسية واقتصادية وتجارية وتاريخية ومصالح مشتركة قوية “أول من اعترف بقيام المملكة السعودية هي روسيا”.
- كيف توضع ايران في مصافي الصين وروسيا ؟ وهي دولة إقليمية نعم، ولكنها محدودة القوة والنفوذ، ولا يمكن مساواتها ومقارنتها بدول وقوى عالمية مثل الصين وروسيا، أم أن الهدف هو تحقيق مصالح أطراف أخرى حليفة للولايات المتحدة؟
- هل تقترب الولايات المتحدة الأمريكية من توقيع الاتفاق النووي مع إيران، وتجدها فرصة ومبرر لفرض التطبيع مع دول المنطقة بعينها مع إسرائيل، واستغلال تلك الفرصة والظروف العالمية، واستخدام إيران كفزاعة لدول المنطقة ؟
- لم تتضمن كلمة الرئيس الأمريكي، أية إشارة إلى الوضع في سوريا، أو ليبيا أو السودان أو تونس أو لبنان، أو تدخلات تركيا في سوريا والعراق وليبيا وتونس، ولما لا تعامل مثل إيران؟ ولماذا يغفل ذكرها؟ فهي مصدر تهديد وقلق لدول المنطقة، أم لأنها في الناتو ؟
بكل الأحوال، يُجمع كثير من المحللين والخبراء والباحثين، أن الإدارة الحالية للبيت الأبيض، غير جادة في حل القضية الفلسطينية، كما هو الحال للإدارات السابقة، وأنها تستغل الوضع العالمي لتحقيق مصالحها ومصالح حليفها الرئيس في المنطقة إسرائيل، والسعي إلى تحقيق مصادر الطاقة تحت مسمى أمن الطاقة لصالحها وصالح حلفائها الأوروبيين، على حساب دول المنطقة، وأن تحقيق الأمن الغذائي ليس له الأولوية المهمة لديهم، والدليل على ذلك تخصيص مبلغ مليار دولار لدول المنطقة لمواجهة أزمة الغذاء، والتي تحتاج إلى مئات المليارات، وأن الإدارة الأمريكية ودول أخرى يقدمون مساعدات مالية وعسكرية لاوكرانيا بعشرات المليارات منذ بداية الحرب في فبراير/ شباط الماضي.
كما أن الإدارة الأمريكية الحالية، تستخدم عبارات فضفاضة، وليست محددة وواضحة تؤكد مصداقيتها في تحقيق الأمن والتنمية، ليتوافق مع عنوان وشعار قمة جدة، ويؤكد معظم الخبراء والمحللين والمهتمين، أن ما جاء في كلمات فخامة الملوك والرؤساء والأمراء الحاضرين بالقمة، أكدت إلى حد كبير أنهم في انتظار هذه المرة خطوات جادة وملموسة على أرض الواقع من الإدارة الأميركية الحالية، لتعيد بناء الثقة معها والتي تأثرت كثيراً خلال الأعوام الماضية بسبب موقف الإدارات السابقة، والمتحيزة لأطراف أخرى على حساب شعوب وطموحات شعوب ودول المنطقة، وهو الأمر الذي سوف يتضح خلال الأيام القادمة، فقد يفلح الأمريكان هذه المرة إن صدقوا … علينا الانتظار والترقب لما قادم من تطورات وأحداث إقليمياً ودولياً.
خاص وكالة رياليست – د. خالد عمر.