باريس – (رياليست عربي): يجتمع مفاوضون من 196 دولة حتى 20 مايو/ أيار في العاصمة الإيفوارية أبيدجان لحضور “مؤتمر Cop 15″، وسيحدد مؤتمر الأمم المتحدة هذا المخصص للتصحر أهدافاً طموحة في مكافحة تدهور الأراضي، وهو آفة تؤثر في المقام الأول على القارة الأفريقية، بالنسبة للمناخ والتنوع البيولوجي، لكنها ليست أقل حسماً في وقت تقدر فيه الأمم المتحدة أن 40٪ من الأراضي تدهورت في العالم.
يُعقد المؤتمر الخامس عشر للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (UNCCD)، في أبيدجان، كوت ديفوار، حتى 20 مايو/ أيار.
التصحر: هو ظاهرة عالمية من تدهور الأراضي تقلل من الإمكانات الطبيعية للنظم الإيكولوجية وتجعل سكان الريف عرضة لنقص الأغذية وتقلبات الطقس والكوارث الطبيعية، ويجب أن تشكل مكافحة التصحر جزءاً لا يتجزأ من برامج التنمية الاجتماعية والاقتصادية، مع مراعاة الاحتياجات قصيرة الأجل وتطلعات السكان المتأثرين بها على المدى الطويل.
اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر: اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (بالإنجليزية: United Nations Convention to Combat Desertification) ويشار إليها اختصاراً بـ(UNCCD)، وهي اتفاقية دولية تمت الدعوة إليها من قبل منظمة الأمم المتحدة عام 1994، وهي اتفاقية دولية ملزمة من الناحية القانونية، حيث تنظم أمور تتعلق بالبيئة والتنمية.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الاتفاقية تتناول مواضيع تتعلق بتنظيم جميع شؤون المناطق الجافة (القاحلة وشبه القاحلة) لمكافحة التصحر ومنع المزيد من التدهور في النظم البيئية في هذه المناطق من العالم، كما تهدف إلى استعادة إنتاجية بعض الأراضي التي ساءت ظروف الإنتاج فيها، والحد من آثار الجفاف وتحسين سبل العيش الكريم لكثير من البشر.
متى دخلت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر حيّز التنفيذ؟
من الجدير بالذكر أن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر دخلت حيز النفاذ في عام 1996، حيث تمت المصادقة عليها من قبل 33 دولة في أمريكا اللاتينية وكذلك منطقة البحر الكاريبي، أما الآن فتضم الاتفاقية ما يقارب 197 دولة طرف جميعها تعمل على تحسين ظروف الحياة والعيش في الأراضي الجافة.
والجدير بالذكر أن هذه هي المرة الأولى التي تستضيف فيها دولة أفريقية هذا المؤتمر، وهو رمز قوي للقارة، على خط المواجهة في مواجهة هذه الكارثة البيئية، ورداً على سؤال من المهتمين والباحثين، أشار وزير البيئة الإيفواري، جان لوك عاصي، إلى أن “319 مليون هكتار في إفريقيا مهددة بالتصحر”.
إن التصحر بعيداً عن كونه مقصوراً على زحف الصحراء، فهو عملية معقدة مرتبطة بالاحترار العالمي والأنشطة البشرية، “إنها ظاهرة يصعب قياسها بدقة والتي تلعب فيها الاختلافات المناخية والأسباب البشرية المرتبطة باستخدام الأراضي، وخاصة الزراعة والثروة الحيوانية”، كما يوضح الباحثين في منظمة مركز التعاون في البحث الزراعي من أجل التنمية ( كيراد).
غالباً ما يتم تمييز استنفاد الموارد المائية، وتدهور الأراضي، وإزالة الغابات، والزراعة المكثفة لدورها في تسريع التصحر، على هذا النحو، فإن كوت ديفوار وزراعة الكاكاو فيها معنية في المقام الأول، منذ عام 1900، انخفضت مساحة غاباتها بنسبة 80٪، من 16 مليون هكتار إلى 2.9 مليون في عام 2021.
كوت ديفوار: زراعة الكاكاو مهددة بإزالة الغابات
حذر رئيس الدولة الإيفواري، الحسن واتارا، في افتتاح المؤتمر الذي يجب أن يشارك فيه 5000 ممثل من المجتمع المدني ورجال الأعمال وحتى العلماء، “بالمعدل الحالي، يمكن أن تختفي غاباتنا تماماً بحلول عام 2050”.
الاعتناء بالأرض والناس
بالنسبة للبلدان الأفريقية، فإن عواقب التصحر وتدهور التربة عديدة بقدر ما هي كارثية، كالعواصف الرملية، والجفاف، وانعدام الأمن الغذائي والهجرة، والفقر، في مذكرة بشأن التكاليف الاجتماعية – الاقتصادية وعواقب التصحر، أكد الباحثون أن الفقر يميل حتى إلى زيادة العملية في حلقة مفرغة يغذيها “نقص رأس المال والفرص الاقتصادية”.
وهو ما يقود الفقراء إلى “الإفراط في استغلال مواردها المحدودة لتلبية الاحتياجات الملحة”، لذلك يجب أن يؤكد مؤتمر الأطراف الجديد هذا على الحاجة إلى إعادة توجيه الزراعة نحو ممارسات أكثر استدامة من خلال إشراك سكان الريف الذين يعيشون في المناطق القاحلة، لأنه إذا كانت الزراعة هي سبب المشكلة جزئياً، فيمكنها أيضاً أن تكون مصدراً للحلول “بشرط اعتماد مبادئ الزراعة البيئية”، وفي بيان صحفي، أكد علماء CIRAD الموجودين في أبيدجان “إنها إدارة إقليمية تتمثل في محاولة إيجاد أفضل حل وسط بين الحفاظ على الغطاء النباتي الطبيعي وتوفير الغذاء للجميع”.
ووفقاً لتقرير نُشر قبل الدورة الخامسة عشرة لمؤتمر الأطراف، فإن المجتمع الدولي يعتمد على استعادة مليار هكتار من الأراضي المتدهورة بحلول عام 2030.
“الجدار الأخضر العظيم”
من جانبها، قدمت كوت ديفوار “مبادرة أبيدجان”، وهو برنامج مدته خمس سنوات بميزانية قدرها 1.5 مليار دولار لاستعادة “النظم الإيكولوجية للغابات المتدهورة” وتعزيز “نهج الإدارة المستدامة للتربة”، يعد بنك التنمية الأفريقي والاتحاد الأوروبي من بين المانحين الرئيسيين، وتشمل هذه استعادة 20٪ من الغطاء الحرجي في ساحل العاج بنهاية العقد.
سيكون مؤتمر الأطراف هذا أيضاً فرصة لدراسة التقدم المحرز في “السور الأخضر العظيم”، وهو مشروع أفريقي رمزي لمكافحة التصحر يمتد لمسافة تزيد عن 8000 كيلومتر، من السنغال إلى إثيوبيا.
جدار أخضر هش في إفريقيا
بدأ هذا الجدار منذ حوالي خمسة عشر عاماً، وهو في الواقع أقرب إلى فسيفساء من المشاريع الزراعية الصديقة للبيئة، والتي تهدف إلى توفير وظائف مستدامة للسكان المحليين، ومنذ إطلاقه، أتاح المشروع استعادة ما يقرب من 20 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة في منطقة الساحل وخلق 350 ألف فرصة عمل، كما تؤكد وكالة التنمية الفرنسية.
ولكن على الرغم من التعبئة الدولية والتمويل الجديد الذي تم الإعلان عنه في النسخة الرابعة من قمة كوكب واحد في عام 2021، فإن هذا المشروع المهم، يكافح من أجل الانطلاق، اليوم، تقدر الأمم المتحدة أنه تم الوصول بالكاد إلى 4٪ من الهدف المحدد لعام 2030، أي 4 ملايين هكتار من الأراضي المطورة من أصل 100 مليون من البرنامج.
التصحر وعالمنا العربي
تُعتبر معظم أراضي الدول العربية متصحّرة أو مهدّدة بالتصحّر، بفعل عوامل بعضها بشري وبعضها الآخر مناخي، مما يؤدّي إلى الإخلال بالتوازن الطبيعي وإلى الإضرار بالغطاء النباتي، ونتيجة لزحف التصحّر، تتراجع الطاقة الإنتاجية للمساحات الزراعية وتتّـسع الفجوة الغذائية في الدول العربية، التي يتزايد مع الوقت، اعتمادها على الإستيراد لسدّ احتياجاتها الأساسية من الغذاء.
من أهمّ هذه البلدان، نجد الأردن ومصر والعراق وليبيا وتونس وقطر واليمن والسودان والكويت والإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى ذلك أيضاً، البلدان الإفريقية، خاصة الواقعة في شمال القارة، وبلدان القرن الإفريقي، وحتى البلدان التي لا تشتكي من ندرة المياه، فإن إدارة هذه الثروة فيها سيئة للغاية.
لذا، من الضروري والحتمي أن يولي المسؤولين الاهتمام الكامل بالسياسات الحكومية لمكافحة التصحر سواء على النطاق المحلي والإقليمي والدولي، وخاصة في ظل الظروف التي يمر بها العالم والمعاناة من مصاعب ومشاكل وأزمات إقتصادية وغذائية بسبب جائحة كورونا أو الحروب الإقليمية والنزاعات المسلحة التي لها أبعاد وآثار عالمية كالحرب الأوكرانية الروسية، من أجل توفير الأمن الغذائي الذاتي لشعوبها، و تقليل مخاطر إستيراد احتياجاتها الغذائية من العالم الخارجي التي يعاني في الأساس من شح ونقص في بعض المحاصيل المهمة والاستراتيجية وعلى رأسها القمح والذرة وزيت الطعام، بالإضافة الي أزمة النفط والغاز، وارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاجية والأولية والخدمات والنقل والشحن، وصعوبة تدبير العملات الأجنبية لشراء وسداد تكلفة تلك الاحتياجات والخدمات.
خاص وكالة رياليست – د. خالد عمر.