كان التصريح المتشنج الذي أدلى به رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد موخراً حول قضية سد النهضة أبرز حدث شغل وسائل الإعلام العالمية والإقليمية لمدة أسبوع، حيث صرح الرجل بأن إثيوبيا في أتم الجاهزية لخوض الحرب في حال إضطرت الى خوضها من أجل حماية سدة النهضة والذي ترى فيه أهم أعمدة نهضتها التي تصبو اليها منذ عقود. إن تصريحات آبي أحمد أثارت الكثير من الدهشة والإستغراب لدى بعض الباحثين والمتابعين لانه كان قد تشرف بنيل جائزة نوبل للسلام قبل إسبوع وذلك لجهوده المقدرة التي بذلها من اجل إيجاد حلول لأزمات منطقة القرن الإفريقي فضلاً عن إسهامه في جمع شمل البيت الإثيوبي من خلال تبنيه لمبادرات تسوية داخلية بين المكونات الإثيوبية المتناحرة.
بينما تعتبر اديس أبابا مشروع سد النهضة أمر سيادي ترى فيه القاهرة مهدد لحياة الملايين من المصريين، وفي ظل هذه المعادلة المعقدة تحاول العاصمتان إيجاد حلول تسوية مرضية للطرفيين دون الدخول في أتون حروب لا رابح فيها. وتتشارك قيادة البلدين بأن الإعلام هو من وراء التصعيد الذي شهدته علاقة البلدين، بالرغم من المساعي التي تبذلها القيادات السياسية لحل الأزمة بالطرق الدبلوماسية.
التصعيد وفرص القفز على الأزمات الداخلية
من المؤكد ان النظام المصري يعاني من مشاكل داخلية اقتصادية، وكذلك الأمر في إثيوبيا إذ يلاحظ المراقبون تراجعاً ملحوظاً في شعبية رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الحائز على جائزة نوبل للسلام خصوصاً بين أبناء قوميته الأورومو الذين وضعوا آملاً كبيرة عليه من أجل حماية حقوقهم السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي كثيراً من هضمتها الأنظمة المتعاقبة على حكم إثيوبيا. وتقود بعض الشخصيات والناشطيين السياسيين من امثال جوهر محمد لتظاهرات ضد آبي أحمد في إقليم أروميا قتل فيها هذا الأسبوع 67 شخصاً حسب قائد الشرطة في الإقليم كيفيالو تيفيرا.
وفي ظل الأوضاع المتازمة التي يعاني منها النظاميين داخلياً ربما تكون تصريحات كالتي أدلى آبي أحمد فرصة للقفز على الأزمات الداخلية المذكورة. ولكن بالرغم من هذه الفرصة السانحة إلا أن الشعبيين المصري وجزء كبير من الإثيوبي مصران على تغييرات جذرية في بنية النظاميين مهما جرت محاولات إلهاء من طرف النظاميين.
دلالات والرسائل
يعتقد البعض بأن آبي أحمد رجل مسالم لذلك منح جائزة نوبل للسلام مؤخراً، والسلمية التي يتميز بها آبي أدت الى هواجز لدى بعض القوى الإثيوبية الداخلية، بمعنى أنها تخشى أن يساوم الرجل بسد النهضة مقابل تلميع شخصيته السلمية. بالتالي هناك رسائل تحملها هذه التصريحات في طياتها يريد إيصالها آبي أحمد إلى بريد القوى الداخلية من أجل أن يظهر بأنه الزعيم المحافظ على تمساك الدولة الإثيوبية وفي الوقت عينيه الحامي للنهضة الإثيوبية من خلال إطلاقة لتصريحات من هذا القبيل.
واخيراً بالرغم من التصريحات المتشدده التي أطلقها رئيس الوزراء الإثيوبي والتصعيد الإعلامي المصري المقابل حول ملف سد النهضة الا أن سناريو الحرب يكون مستبعد في كل الأحوال وذلك لإعتبارات عديدة. من أهمها عدم جاهزية مصر لخوض حرب خارجية فضلاً عن القوى الدولية الراسمة للسياسات الدولية لن تقبل على أن تندلع حرب في منطقة تعد أهم المناطق للامن العالمي.
إبراهيم ناصر- باحث بمركز أنقرة لدراسة الأزمات والسياسيات (أنكاسام)، خاص لوكالة أنباء “رياليست”.