موسكو – (رياليست عربي): لا شك بأن العام 2023، كان امتداداً للعام 2022، الذي شهد تحولات وغيّر الخارطة السياسية الدولية، ليس فقط على صعيد العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، بل امتد ليشمل دولاً وأقاليم وقارات حول العالم، أبرزها كان على صعيد هدم تحالفات وبناء أخرى، كان لها بطريقة أو أخرى تبعات جيو – سياسة رسمت ملامح عصر جديد من قوى ستهيمن أو ستكون شريكة في الهيمنة العالمية على المدى القريب والبعيد.
بدايةً، وكما هو معروف أن إفريقيا من أكثر القارات سخونة ليس فقط لارتفاع درجات الحرارة فيها، بل لتحطيمها الرقم القياسي في الانقلابات العسكرية وإسقاط حكومات وبناء أخرى، طبعاً وآخرها وليس أخيرها في النيجر، المميز في هذا الانقلاب وعلى عكس الانقلابات الأخرى، أنه حظي باهتمام دولي بالغ، ليس لأهمية النيجر كبلد فقير ربما أهم ما فيه “اليورانيوم” الذي كان مصدراً رئيساً لفرنسا لكن بنسبة قليلة، فخروج فرنسا على سبيل المثال لن يشكّل عقبة أمام هذا الأمر، إنما واقع الحال، أن القمة الروسية – الإفريقية الأخيرة، كشفت عن تحالفات جديدة بين موسكو وعدد من دول الاتحاد الإفريقي بما في ذلك النيجر، فضلاً عن النقطة الأخطر بالنسبة للغرب الجماعي، وهي تواجد شركة فاغنر في القارة السمراء، ليضع هذا الانقلاب على الأجندة الدولية وضمن أهم الأولويات، لعدة أسباب:
- تواجد قوات فاغنر في إفريقيا، يعني خروج القوات الفرنسية من المعادلة، وخلق مشكلة كبيرة للقواعد الأمريكية المنتشرة في المنطقة الإفريقية؛
- التوجه الروسي على المستويين السياسي والاقتصادي، هو طريقة للالتفاف على العقوبات الغربية، ما يفقدها زخمها، ويقوي من الاقتصاد الروسي؛
- أثبت الانقلاب هشاشة وضعف واضحين في القرار الأوروبي على الصعيدين السياسي والعسكري؛
- أخيراً، امتعاض الدول الإفريقية من الحالة الاستعمارية رغم الحصول على الاستقلال، لكن العقلية الاستعمارية لا تزال مسيطرة، والغرب يرفض الخروج من المشهد أو التعامل واعتبار دول القارة دولاً مستقلة.
وإن انتقلنا إلى الشرق الأوسط، الذي يعاني منذ العام 2011، فقد طغى بموجب الأحداث خلال العقد الأخير، خاصة في ظل إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، فقدت الولايات المتحدة إلى حد كبير زخمها المهيمن والذي كان يرعب الجميع، الأمر الذي استثمرته روسيا والصين جيداً، ودخلتا بقوة من البوابتين العسكرية والاقتصادية، وتعميق العلاقات خاصة مع دول الخليج العربي، كل هذه العوامل دفعت بواشنطن محاولة إعادة موقعها الريادي، فليس هناك أفضل من اختيار بلد منهك ضعيف عسكرياً واقتصادياً لإرعاب الدول الأخرى، ونقصد هنا سوريا، فمن جهة، تريد الولايات المتحدة، إعادة اعتبار تواجدها في الإقليم، ومن جهة أخرى تعمل على جر روسيا والمنطقة لصراع مفتعل، لعدة أسباب أيضاً:
- بعد جر روسيا إلى صراع محتمل في شرق الفرات، يخفف الضغط عن الجبهة الأوكرانية، بعد تأكيد فشل هجومها المضاد؛
- الإطباق على المثلث، الواقع بين سوريا وتركيا والعراق، للتحكم وبالأحرى، قطع طرق الحرير، أو ما يُعرف بمبادرة طريق واحد حزام واحد الصيني؛
- تحجيم الدور الإيراني في سوريا والعراق، وهذا بدوره سيقوض دورها في دعم حزب الله اللبناني؛
- أخيراً، محاولة خلق كيانات جديدة وحكومات ذاتية، تلزم الأطراف وعلى المستويين الدولي والإقليمي الجلوس على طاولة المفاوضات.
أما فيما يتعلق بأوكرانيا، فهذه أزمة لا يزال طريق الحل فيها طويل، ومن المعروف أن الزخم الكبير كان فيها، لكن مع ظهور أزمات جديدة في الشرق الأوسط وإفريقيا، سيتبع الغرب طريق الاستنزاف، ريثما تم إغلاق الملفات الأخرى، لكن في هذه الحالة، هذا عنصر مناسب لروسيا التي ستحاول إضعاف وإنهاك القوات الأوكرانية وتحقيق أكبر قدر من السيطرة، خاصة وأن البيت الداخلي الأمريكي الآن بتعرض لاهتزازات خطيرة قد تطيح بـ بايدن وإداراته، ويحتاج الوضع إلى عدة شهور للحصول على الاستقرار المنشود، وإلى أن يحدث ذلك هذه هي الفترة الحاسمة للاعبين الدوليين (روسيا والصين).
خلاصة القول، إن المشهد الحالي للخريطة العالمية، يشير إلى أنها فترة تحولات خطيرة، قد لا يكون هناك رابحون، لكن بكل تأكيد الخسارة الوحيدة هي تراجع دول على حساب دول أخرى، وصعود أخرى كما نلاحظ مؤخراً في دول العالم الجنوبي (أمريكا اللاتينية)، وإلى أن يحدث ذلك، ستبقى هذه الملفات ملتهبة على كافة الأصعدة.
خاص وكالة رياليست.