موسكو – (رياليست عربي): هذه ليست حرب أوكرانية روسية، هي بالأساس حرب أمريكية غربية على روسيا وتمتد لعقود طويلة وبأشكال مختلفة وكان هدفها الأساسي والمعلن أصلاً هو إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا، لذا هنا علينا أن ننتبه بشكل دقيق إلى المصطلحات التي نرتكز عليها في طرح الأسئلة وعلى المصطلحات التي نستخدمها في الإجابة عن أي تساؤل بخصوص العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا مع الأخذ بعين الاعتبار الأسس والمسببات التي أدت إلى هذه الاوضاع وهنا يطول الحديث.
وبالنسبة لكورسك باعتبارها نقطة ارتكاز للتحول في العملية العسكرية الروسية الخاصة فهي بكل تأكيد تشكل نقطة تحول خطيرة جداً في العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، وقد بات من الصعب وصفها اصطلاحاً بعملية عسكرية خاصة رغم أن المبدأ الروسي ما زال قائماً على التعامل بهذا الأساس، وهذا واضح من سلوكه الميداني الملتزم، لم ينفذ الروسي حتى اللحظة حرباً ضد أوكرانيا، وهو ملتزم بجميع الحدود والخطوط الحمراء التي لم يسمح لنفسه يتخطاها على الرغم من كل التجاوزات التي بدرت من الجيش الأوكراني الذي يتكون مقاتليه وبأعداد كبيرة من المرتزقة الأجانب أرسلوا من الدول الغربية، ومن عسكر جيوش دول الناتو، وتم إثبات ذلك في معارك عديدة خاضها الجيش الروسي هناك، وأسلحتهم التي يحاربون بها روسيا هي أسلحة غربية يمدون بها على مدار الساعة حتى أنه من قبل بدء العملية العسكرية الخاصة منذ عام 2018 كان يتم التحضير للهجوم على هذه المناطق التي استمرت فيها الاعتداءات المتقطعة منذ عام 2014،و بالأساس كان هناك وفق معلومات استخبارية روسية مؤكدة مخططا للهجوم على روسيا وعلى الجمهوريات الروسية الجديدة في الثامن من آذار 2022 فاستبقها الجيش الروسي بعدة أيام في 24 شباط 2022. هذه المناطق هي بالأصل تاريخيا أراضي روسيا عادت إلى حضن الجغرافية والحدود الإدارية الروسية كما كانت من قبل “اذا قدمت كهدية فيها عشرة أقاليم ومدن من روسيا لأوكرانيا من أجل توسيع حدودها الإدارية وجعلها دولة كاملة بما فيها شبه جزيرة القرم بقرار من خروشوف عام 1954″،هنا تجدر الإشارة إلى أن منطقة القرم كانت جزءا من جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفيتية حتى 19 فبراير 1954، بعد ذلك وبمبادرة من الزعيم السوفيتي نيكيتا خروشوف أصدرت رئاسة مجلس السوفييت الأعلى للاتحاد السوفيتي مرسوما بشأن نقل المنطقة إلى جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفيتية وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ظلت شبه جزيرة القرم جزءا من أوكرانيا واستمرت كذلك حتى إجراء استفتاء هناك في مارس 2014، وصوت 96.77٪ من الناخبين في شبه جزيرة القرم، و95.6٪ من سكان سيفاستوبول والعودة إلى حضن الوطن الأم بعد كل أشكال التنكيل بالمواطنين من أصل روسي وإلغاء التعليم باللغة الروسية وحتى محاولات إلغاء الكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا، لكن هذه المناطق عادت باستفتاء شعبي ولم يكن لروسيا أن ترفض الدفاع عن المواطنين الروس في هذه المناطق”.
و حتى لا نغوص في السرد التاريخي على الرغم من أهميته لتأكيد حقيقة كنه ما حدث حتى اللحظة وأسبابه الحقيقة من نقض عهد دول الناتو لروسيا بعدم تعدي هذه المناطق أو السماح لتمدد الناتو فيها منعاً لأي خطر يهدد الأمن القومي الروسي بعد انهيار الإتحاد السوفييتي. وبالعودة الى فهم كنه التحول الخطير لما جرى في كورسك هو أن القوات الأوكرانية وبدعم من الولايات المتحدة والغرب يعون تماماً مدى خطورة هذا الاستفزاز وخاصة بخصوص المحطة النووية بكورسك ومحاولات السيطرة عليها لإجبار روسيا على فعل رد فعل يمكن أن يكلفها الكثير من الأثمان الباهظة ويضعها أمام مسائلة دولية وتاريخية ولكن فشلت مآربهم بقدرة روسيا على التحكم بالوضع واستدراك عواقبه بسرعة فائقة قطعت الطريق بشكل شبه كامل على هذا الفخ المحكم والذي لو نجح لكان الآن الوضع كارثي لانعدام خيارات التهدئة أو تقبل أي تغيير جيوسياسي في المنطقة من قبل الروسي ليس فقط روسيا بل أوكرانيا و عالمياً.
وحول تعرض روسيا على الجبهة الأوكرانية لعدة أفخاخ بمساعدة غربية للقوات الأوكرانية ومن بينها كان أخطر فخ وقع مؤخراً، لكن روسيا كانت متيقظة له ولم تتخذ إجراءات على أساس رد الفعل ولم تسحب قواتها، من شرق وجنوب أوكرانيا في لوغانسك ودونيتسك وخيرسون وزابوروجيا أفشل الفخ الأوكراني.
هذا كان جزءاً من الفخ المرسوم، وكان من المخطط لذلك أن يتم إجبار روسيا على سحب الكثير من قواتها من هذه المناطق الاستراتيجية التي لم تكن السيطرة عليها سهلة وكلفت أثمان كبيرة، لأن العقل المدبر اعتقد أن روسيا لن يكون أمامها الوقت الكافي من أجل أن ترسل قوات دعم وتعزيزات سريعة إلى منطقة كورسك ونظراً للبعد الجغرافي الذي يقاس بالمسافة صفر بالنسبة لهذه المناطق كان من المفروض أن تقوم القيادة العسكرية الروسية على الأقل بإرسال جزءا لا يستهان به من قواتها المتمركزة في هذه المناطق لصد الهجوم، وبالتالي تشتيت القوات الروسية على جبهات مختلفة ما يضعف الفعالية الميدانية ويتم بذلك تحقيق اختراقات لا يمكن تعويضها بسهولة في عدة محاور ومناطق تمت السيطرة عليها ودحرت منها القوات الأوكرانية، وهذا الهجوم كما أسلفنا كان بتدبير وتخطيط وأوامر غربية وبتنفيذ غربي وبأسلحة غربية وهذا ما جعل الرئيس بوتين يحذر من نشر قوات غربية في أوكرانيا مشيراً إلى أنه قد يقود العالم إلى شفا حرب عالمية ثالثة.
وحول تأخر تحرير كورسك، لو أرادت روسيا استعادة كورسك بالطريقة التي تريدها لكانت فعلت ذلك خلال 24 ساعة، ولكن ومع أننا لسنا محللون عسكريون، أو نقدر على استشعار الاستراتيجيات التكتيكية للجيش الروسي في الميدان، فهنا على أقل تقدير علينا أن نعي أن الحسابات الدقية على أساس الربح والخسارة تأخذ محطة مهمة من بعد النظر لجهة تحقيق الانتصار بأقل الخسائر الممكنة في وقت نحن نعلم فيه أن القوات الأوكرانية تحظى بدعم هائل من دول الناتو استخبارياً، ولوجستياً وحيوياً، وتقدين الخطط والتوجيه، ومتابعة الأقمار الصناعية وإلى ما هنالك، إذن نعود هنا إلى قضية أن الحرب هي ليست حرب روسية أوكرانية كما يصطلح عليها البعض، وإنما حرب غربية متكاملة جزء من أدواتها ومن واجهاتها هي القوات الأوكرانية.
وحقيقة أن روسيا لديها كل الخيارات لاستعادة كورسك في وقت قصير وبأقل الخسائر، روسيا هي من تحاصرهم في الفخ الذي نصبوه لها وتصطادهم بالتدريج وبطريقة القضم المتوسع ومن يتابع التقارير العسكرية لوزارة الدفاع المدعومة بالصور والفيديو يوميا يعي تماما مدى سيطرة الجانب الروسي على الأوضاع هناك، وحتى اللحظة لم تتعامل روسيا برد الفعل ولم تستخدم إلا أقل من 3 بالمئة من أسلحتها الإستراتيجية في أي من المعارك إلا في بعض الحالات التي حاولت فيها القيادات العسكرية الأوكرانية ضرب مناطق حيوية مثل جسر القرم وما حول نهر دنيبر وغيرها من المناطق المدنية الروسية الحدودية. روسيا ما زالت تتعامل بهدوء وتسير في الميدان وفق مخطط يتم الالتزام بتطبيقه بالكامل وهي راضية كل الرضى عن النتائج وهي غير مستعجلة، فعليا يعتبر هذا السلوك الروسي تكتيكا عسكرياً إستراتيجيا دقيقا، وهو يبعد إلى حد كبير خطر المواجهة مع الغرب بشكل مباشر وهذا ما تريده الولايات المتحدة بالذات لأنها ستكون أقل من يتضرر بسبب بعدها الجغرافي وقدرتها على التحكم بالريمونت كونترول فتكون أكبر الرابحين وأقل الخاسرين كما فعلت في الحربين العالميتين الأولى والثانية ،فلوا أرادت روسيا أن ترد بجزء من قوتها الحقيقية لمسحت أوكرانيا عن بكرة أبيها، لكن روسيا رغم كل البروباغندا والدعاية الغربية لم تقدم على تدمير البنى التحتية ولا المساكن المدنية ولا المناطق المأهولة ولا تقتل المدنيين في المدن والقرى الأوكرانية. العقيدة العسكرية الروسية تحكمها قوانين وقواعد أخلاقية وإنسانية يتم الالتزام بها حرفيا بأوامر من الرئيس فلاديمير بوتين، ولو حدث أن قررت روسيا إنهاء الحساب دفعة واحدة ما الذي سيكون بعده؟ قولاً واحداً الذهاب إلى المواجهة المباشرة مع الغرب وهذا غير وارد في قاموس روسيا حالياً لأسباب عديدة منها أنها لا تريد تحقيق رغبة الغرب ولا تريد توسيع الحرب على الرغم من كل التصريحات والتهديدات الحادة وغير الدبلوماسية التي تطلقها روسيا طبعاُ على لسان مسؤوليها ردا على وقاحة الغرب في أدائه السياسي والميداني غير اللائق بمستوى العلاقات الدولية، وعلى الرغم من كل الاستفزازات الغربية الحمقاء لدفع الروسي نحو ارتكاب خطأ لا يمكن العودة عنه ويخلق مبرراً لأي، روسيا تريد أن تحقق نصراً إستراتيجياً تاريخياً يسجل لها بشرف دون أن تسمح للغرب في أن يوصمها بالعار التاريخي على أساس أن هي من افتعلت الحرب العالمية الثالثة التي يريدها الغرب لقطع الطريق على مسار بناء عالم متعدد الأقطاب بات أمرا واقعا أمام تهرطق وترهل والانهيار التدريجي لعالم القطب الواحد، هنا ترد روسيا بقوة وبذكاء كبير من خلال جميع التحالفات التي بناها الرئيس بوتين مع جميع التحالفات والتكتلات والمنظمات الدولية الناشئة جماعة مثل منظمة “البريكس” ومنظمة “شنغهاي للتعاون” ومنظمة “التعاون والأمن الجماعي، وغيرها من الملتقيات والمنتديات الدولية الاقتصادية وغير الاقتصادية، وفرادة مع دول ذات ثقل دولي وإقليمي وازن في آسيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط والمحيط الهندي والهادئ.
وحول توجه الجانب الأوكراني نحو احتلال أجزاء من روسيا، هنا أول ما يجب أن يتبادر إلى الذهن هو البحث في ما يدور في رأس المشغل الغربي، نقصد هنا الولايات المتحدة الأمريكية ومن تحت إبطها الغرب الجماعي، الذي أيضا تستخدمه الولايات المتحدة الأمريكية ومعها بريطانيا لتحقيق الهزيمة الاستراتيجية بروسيا، وطبعا يمكننا تخمين بعض الأهداف لكن الهدف الأساس من نقل المعركة إلى داخل الأراضي الروسية هو غباء عسكري منقطع النظير، لأنه في حال تجنبت روسيا طوال المدة الفائتة مذ أن بدأت العملية العسكرية الروسية الخاصة، تجنبت أن تتخذ خطوات خطيرة في الحرب واستخدام أسلحة نوعية وإستراتيجية عالية الخطورة، وهنا على أرضها لا يمكن لأي قوة أو قانون أو منطق في العالم أن يمنعها أو يجد أساس لانتقادها في استخدام كل الوسائل من أجل تحرير أي جزء تمت السيطرة عليه بشكل أو بأخر، وهذه نقطة مهمة جدا ولكن مع ذلك روسيا لم تذهب إلى ذلك لأسباب لا يمكن الحديث عنها بدقة إلا من قبل القادة العسكريين الروس، لأنها فعلا يمكن أن تضعنا بعض الشيء في متاهة إيجاد الرد المنطقي لتصوير ما يجري.
بالتالي، إن أوكرانيا ليس لديها أي أهداف ولا تعرف ماذا تفعل وإلى أين هي ذاهبة، صاحب القوة وصاحب المصلحة وصاحب المخطط هو من له الأهداف، ونعني هنا الولايات المتحدة الأمريكية ومن معها من دول الناتو التي ارتهنت لها للآسف القيادة الأوكرانية الحالية وتنفذ لهم كل طلباتهم دون أي وعي وإدراك بما يمكن أن يدفعوه من ثمن قد يصل إلى إلغاء وجود الدولة الأوكرانية ومسحها عن الخارطة السياسية. الغرب الجماعي وبقيادة الولايات المتحدة جعلوا من أوكرانيا ساحة للهجوم على روسيا ونقطة تصفية الحساب معها على حساب الشعب الأوكراني والدولة الأوكرانية وعلى حساب جغرافيتها ووحدتها وسيادتها واستقلالها، والهدف الأساسي الذي تطمح إليه هذه الدول “الناتو” وهم اعترفوا به مرات عدة بأنهم يريدون الحاق هزيمة إستراتيجية بروسيا، حاولوا في كل المحيط الجيوسياسي الروسي من جورجيا إلى أرمينيا وأذربيجان وفخ قره باغ، الى منطقة القوقاز، ومرورا بقرقيزيا وكل بلدان رابطة الدول المستقلة وصولا لأفغانستان و في جميع مناطق النفوذ الروسي وتموضع المصالح الجيوسياسية والاقتصادية الروسية عبر سنوات عديدة لابل عقود منذ انتهاء الحرب الباردة ولم ينجح معهم أي من هذه المحاولات البائسة للنيل من روسيا، فكان الخيار على أوكرانيا لما لها من تداخل جغرافي وتاريخي وسياسي وديموغرافي وثقافي اجتماعي مع روسيا ولأنها هي بوابة استراتيجية لروسيا على الغرب الذي أرادت الولايات المتحدة في جزء من أهدافها ومخططاتها في الحرب الأوكرانية الروسية أن تنهك دول أوروبا وتستنفذها بشكل شبه كامل وتفقدها سيادتها واستقلالها وتجعلها مرهونة لسياساتها وأطماعها في كل العالم والأكثر من ذلك لدق أسفين لا يمكن التعامل معه في التواصل والترابط العضوي في العلاقة بين روسيا وأوروبا التي افتقدت في العصر الحالي للقادة المحنكين كما تعودنا عبر الزمن ليفهموا هذا الفخ الذي دفعوا وسيدفعون ثمنه غالياً على المدى البعيد من حساب بلدانهم وشعوبهم، وسيمنون بالخسارة الكبيرة كيفما انتهت هذه المواجهة.
بالنسبة للدعم الغربي (الأمريكي – الأوروبي) لأوكرانيا مؤخراً، خاصة لجهة ما حصل مؤخراً حول أن الرئيس بايدن قبل نهاية ولايته بوقت قليل، أعطى الموافقة على استخدام أسلحة غربية طويلة المدى من قبل الأوكرانية ضد أهداف داخل روسيا، هذه الخطة ليست مفاجأة لأننا جميعا نعي تماما أن بايدن الفاقد للأهلية في قيادة مجموعة من الماعز حتى داخل حظيرة وليس في العراء ،فما بالك دولة مهيمنة على العالم لعقود طويلة بإمكانات ضخمة، جاء ليكون فخاً حقيقيا من قبل الجزء المتشدد من ما يسمى بالدولة العميقة، والذي يمثل فيه بايدن والحزب الديمقراطي الليبراليين المتشددين والمتعطشين للتغيير العالمي وفق ما يرونه لازماً وبشتى الوسائل بدءاً من تغيير القيم الإنسانية مروراً بالمثلية ومحو الحضارات والثقافات لشعوب وحضارات بأكملها عبر نشر الحروب والنزاعات والدمار وخدمة المال ومصالح المجمع الصناعي العسكري، أرادوا بأن يكون بايدن الطعم الأكبر لإعادة ترتيب مراكز قواهم على حساب نجاح ترامب الذي يمثل الطرف الأخر من الدولة العميقة وهم المحافظون في الحزب الجمهوري، طبعا هنا لا نقارن من هو أسوأ ومن هو أفضل ، الأثنين أسوأ من بعضهما ولكن نواة القيادة الخفية لهما هي من انشقت إلى شقين نعاصرهما حالياً. حتى أضحى بايدن طعم لإحداث تفجير عالمي ما باستفزاز روسيا إلى حد لم يعد مقبولاً، ومن بين بين أهداف هذا الجنون منقطع النظير بجر العالم إلى حرب نووية لن تتوانى عنها روسيا إذا ما فقدت كل سبل التملص من الانجرار إليها، هي تهدف أيضاً إلى تخريب المخطط الذي يعمل عليه ترامب والشق الذي يتبع له من الدولة العميقة من أجل إحداث تغيير عالمي يعاكس سياسة الديمقراطيين الفاشلة في استخدام القوة المفرطة في كل مكان لها فيه أهداف ومصالح ، نحو التكتيك لجهة رسم سياسات التفاوض وتحقيق التوافقات إن لم يكن سلاماً كما يجب أن يكون يحقق نفس الأهداف التي سعت إليها الإدارة الأمريكية الحالية ،لأن الأهداف والإستراتيجيات حكماً مهما بدر من تناقضات وخلافات لا تتغير أبدا لأنها نواة المصالح القومية، القضية المركزية تكمن في أسلوب وطريقة التنفيذ وهذا ما نراه حالياً من عدم اتفاق بيني واضح في هذا الاتجاه، ويبدو أن ترامب يريد أن يفاوض أو يساوم على الغرب وعلى أوكرانيا نفسها مع الرئيس بوتين، لكي يحصل بالمقابل على الأقل غض نظر ما بخصوص طرق وأساليب حل هذه النزاعات التي تسببت بها الولايات المتحدة عمداً، وحلها جميعها كسلة واحدة متعددة الجيوب بما فيها الصراع في منطقة الشرق الأوسط، مع الأخذ بعين الاعتبار أن ترامب ومن معه وخلفه من قوى قولاً واحداً لن يفاوضوا على تمرير ضرب إيران إلا في حال كانت المكاسب الناتجة عن المفاوضات مع روسيا والأحلاف الجديدة تعطي الولايات المتحدة مكاسب كبيرة وطويلة الأمدة ومكفولة، وهنا لا يمكن إلا أن نربط قرار محكمة الجنايات الدولية بملاحقة نتنياهو و غالانت ومحاكمتهم كمجرمي حرب إلا جزءاً من سياسة الخفاء لحل ما ترتب في الاوضاع القائمة خاصة في الشرق الأوسط، لأننا لا يمكن أن نصدق هؤلاء الذين أسسوا هذه المنظمات الدولية بالأساس لخدمة مصالحهم وحكم العالم كما يريدون تحت غطاء القانون الدولية والعدالة الدولية الكاذبة، ماهي إلا خطوة من نوع الفخ الصامت لتمرير الخسائر الفادحة التي لم تعد تحتملها الطغمة القائمة عليها في الكيان الصهيوني ومن خلفه الأمريكي والغرب بالعموم، وهي خطوة خبيثة من وجهة نظري لأجل الانتقال نحو محاكمة قيادات ورؤساء آخرين أسوة بأن الكيان قد تم محاكمة قادته فلا حصانة للآخرين، عملية ماكرة خبيثة منسقة ومتفق عليها ضمناً، وبالأصل هم قالوا أن هذه المحكمة هي أسست لأجل محاكمة قيادات دول العالم الثالث كما يحلوا لهم تسميته، وعلينا أن نعترف بأنه بالرغم من ذلك هي فرصة تاريخية وضرة كبيرة للكيان الذي يبدو أنه يلفظ أنفاسه الأخيرة “وهذا موضوع آخر صعب الخوض فيه حالياً”، هذا الفرصة يجب معرفة استثمارها.
بالعودة إلى الخلف فليلا لابد هنا من التذكير بان الدعم الغربي للقوات الأوكرانية جنون ما بعده جنون وهو استفزاز لم تكن لأي دولة منهم تتحمله فيما لو قامت به دولة أخرى في محيطهم الجيوسياسي، يعني نحن نرى ونتابع يومياً جميع أشكال الدعم السياسي والدبلوماسي ونفخ البالون الشوفيني في رأس القيادة العسكرية والسياسية الأوكرانية وعلى رأسها زيلينسكي، كي يتهوروا ويتصرفوا بلا عقل وينفذوا كل ما يوجهون به دون أي مراجعة للنفس ودون أي حسابات تبقيهم على الأقل على قيد الحياة هم ودولته. نحن نرى حجم وكم الأموال التي تتدفق بأشكال مختلفة إلى أوكرانيا للدعم والتسليح وغيره علما أن هناك تقارير كثيرة تقول أن جزءا لا يستهان به يذهب إلى حسابات زيلينسكي وجيوب قادة ومسؤولين أوكرانيين اتهموا بالفساد وحتى من المسؤولين الغربيين، وقد نرى الأصول الأوكرانية يوما ما وعله قريب والتي هي جلها من هذه المساعدات قد تم تجميدها استعدادا لاستعادها ونهبها بعد أن يتم نفض اليدين من الأمل بالقيادات الأوكرانية الحالية وهذا بدأت تظهر بوادره بشكل كبير في ظل الحديث عن التغيير في التعيينات العسكرية والسياسية داخل البلاد من قبل زيلينسكي الذي يتم الحديث عنه نفسه بأن الغرب والولايات المتحدة ملت من مطالبه وملت من تلبيتها كونها لا يلبي واحد بالمية من ما يوعد به حتى أتت لحظات تدخلت جيوش وقوات الناتو بنفسها في المعارك بين صفوف القوات الأوكرانية، والحديث عن انتهاء صلاحيته وهو أصلا بعد عدم إجراء الانتخابات الرئيسية لا يعتبر رئيسا شرعيا منتخباً لكن تظلل بمظلة الأوضاع العسكرية في البلاد ، وهذا عدا عن مختلف أنواع الأسلحة الغربية والتي سمحت دول الغرب باستخدامها علنا في قصف أهداف في العمق الروسي وكل المدن الروسية والحدودية شاهد على ذلك، وشواهد أخرى لا يمكن نكرانها تتمثل بالأسلحة والمعدات الغربية التي استخدمت في محاولة اقتحام كورسك واحتلالها، وعشرات وبل مئات الطائرات المسيرة الغربية التي تقصف كل يوم مناطق ومدن وأقاليم روسية وصلت أحيانا الى موسكو وضواحيها ، وإحداهما كانت محاولة قصف الكرملين بطائرة مسيرة بعد تصريحات جهاز الاستخبارات الأوكراني بشأن محاولته اغتيال الرئيس فلاديمير بوتين عدة مرات علقت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا: محاولة اغتيال بوتين التي تحدثت عنها استخبارات كييف مموّلة أميركياً.
فما الذي يمكن أن نتحدث به هنا من الحماقة ومخالفة جميع المعاهدات والاتفاقات والأعراف والقوانين الدولية التي تحظر على الدول إتباع مثل هذا السلوك الفاضح الذي عرى الولايات المتحدة ودول الغرب الجماعي عن بكرة أبيهم، وانهم مجرد تجار حروب ودم ولا يريدون أن تقوم قائمة لأي دولة في العالم تدافع عن حقوق الدول والشعوب وتطبق القوانين الدولية التي تحكم العلاقات بين الدول وهذا هو أكبر ذنب لروسيا لأنها تريد عالم متعدد الأقطاب تسوده الندية في العلاقات ويقوم على أساس المصالح الوطنية المشتركة والاحترام المتبادل وسيادة واستقلال الدول . تصريحات كثيرة جاءت على لسان المسؤولين الروس بهذا الصدد وتصريحات نائب مجلس الأمن القومي الروسي ديمتري ميدفيديف النارية المليئة بالتهديد المباشر والوعيد بالرد بكل أشكاله، وكان أخرها ما قاله وزير الخارجية سيرغي لافروف حول الإمدادات الأميركية المحتملة للصواريخ بعيدة المدى إلى أوكرانيا إذ قال حرفيا : “لا داعي للمزاح بشأن خطوطنا الحمراء”.
بالتالي، لم يعد في هذه اللحظات لأي كان أن يستطع وضع تقدير ولو بشكل تقريبي إلى أين ستصل هذه الحرب، ولا متى يمكن أن نشهد نهايتها، نحن الى الآن، لم نصل إلى طريق مسدودة فحسب بل يقف العالم كله الآن على فوهة مجهولة الهوية بفتحة غوص ضيقة وبسرداب طويل مظلم مرعب يتوسع مع كل تقدم ولا أحد يعرف نهايته وإلى أين ستودي بالعالم، وفي أي اتجاه، وبأي حال تكتلي مصيره تمزق انشطاري خطير لن يسلم منه أحد. الوضع لم يعد يمكن القول عنه بأنه مرعب وخطير بل أصبح في عناية الله، وخاصة إذا ما تبع ذلك خطوات أكثر خطورة، على سبيل المثال لا الحصر القيام باغتيال دونالد ترامب كونه أفضل السيئين من بين قادة هذا الجنون ويريد على الأقل كما يعلن أن يحقق السلام وأن ينهي الحروب والنزاعات في العالم. هنا ستكون كارثة حقيقة لأن الطاسة لن تضيع فقط بل ستسكب زيتاً مغلياً على رأس وجسد العالم كله ولا يمكن تصور ما يخلف ذلك من تبعات لا حد ولا حدود لها ولا يمكن لأحد السيطرة عليها ونصل إلى مرحلة السير نحو الإبادة من قبل كل طرف من أجل البقاء، وهذا ما شهدنا جزءاً منه من رد الفعل الروسي على مختلف المستويات السياسية والعسكرية والشعبية في أن لا رجعة عن الرد بما لا يتوقعه أحد على خطوات بايدن الإجرامية بحق البشرية في دفعها إلى حرب نووية لا بقاء من بعدها إلا لمن رحم ربي من دول وشعوب.
فبعد تعرض عدد من المناطق الروسية لقصف صاروخي بصواريخ بعيدة المدى من طراز (أتاكمس)، جاء رد موسكو على وجه السرعة محذراً موافقة واشنطن الممنوحة لكييف من أجل استخدام صواريخ بعيدة المدى لضرب العمق الروسي تعتبر مشاركة مباشرة من قبل دول حلف الناتو في هذه الحرب وهذا ما سيدفع روسيا للدفاع عن نفسها باستخدام الأسلحة النووية رداً على أي استخدام لأسلحة الدمار الشامل ضدَّها أو ضدَّ أي من حلفاء الكرملين، وهذا مؤشر ينذر بدخول الصراع (الروسي – الأوكراني) إن سميناه تجاوزاً بصراع روسي أوكراني، في مرحلة متقدمة من التصعيد الخطير يقع خلالها تبادل الصد والرد الصاروخي بين كييف وموسكو رغم نفي كييف “وفق ما يتداول” لهذا السيناريو، بينما أكدت موسكو هذا الاحتمال في حال دفع الأمريكيون ومعهم دول الناتو بالوضع نحو الأسوأ.
باختصار إذا ما تمعنا في رد الرئيس بوتين الذي قال:
▪️روسيا ستعرض مسبقا على السكان المدنيين في أوكرانيا مغادرة المناطق الخطرة عند استخدام الصواريخ.
▪️روسيا ستقرر نشر المزيد من الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى اعتمادا على تحركات العدو في أوكرانيا.
▪️روسيا تفضل الطرق السلمية لكنها مستعدة لأي تطور في الأحداث “وسترد دائما” على أي اعتداء يطال مواطنيها.
▪️أحدث الصواريخ الروسية تهاجم الأهداف بسرعة 2-3 كم في الثانية ولا يمكن اعتراضها بواسطة أنظمة الدفاع الصاروخي للعدو المدعوم من قبل دول الناتو.
بناء عليه نعود إلى الوراء دون أن نستبق، لنذكر بالتساؤل الذي يطرح نفسه منذ بداية الخطة الأولى في هذا النزاع، وهو إلى أين يمكن أن تصل هذه الحرب ومتى يمكن أن نشهد نهايتها، من الصعب على أي منا أن يحدد ذلك، كل السيناريوهات محتملة مع التعنت الأمريكي والغربي الجماعي في مسار تحقيق هدفه بالحاق الهزيمة الإستراتيجية بروسيا وهذه مهمة شبه مستحيلة ولا يريد الغرب التعامل معها أو الاعتراف بها رغم كل ما لحق به من خسارات وهزائم وصلت إلى انهيارات الأوضاع الداخلية سياسيا واجتماعيا واقتصاديا في بعض دوله، فمن الواضح أن الغرب لا يريد أبداً ان يتراجع عن ما يفعله علما أن الأمل بتحقيق هذا المراد أبدا غير موجود، هذا من جهة ومن جهة أخرى لا يمكن لروسيا أن تقبل على نفسها الهزيمة ولا الرئيس بوتين يمكن أن ينهي حياته السياسية بالاستسلام للباطل ولومهما كلفه الأمر لأن روسيا وعلى لسان مسؤوليها بما فيهم الرئيس بوتين أكدوا مرارا أنه لا خيار إلا أن تنتصر روسيا لنفسها وتدافع عن وحدة أراضيها وشعبها لو مهما ما كان الثمن، وهي قضية وجود بالنسبة لروسيا كقيادة وكشعب وهذا الأمر بات مسلماً به كلياً وبوتين قالها ذات مرة “ما نفع هذا العالم دون روسيا” أو بمعنى أدق “لماذا نحتاج هذا العالم بدون روسيا” وهذا التعبير واضح كعين الشمس المقصود منه ، وبناء عليه يمكن أن تصل إلى أي موصول يخطر أو لا يخطر على بال أي منا في ظل هذا التعنت الغربي المجنون وفي ظل عدم قبول روسيا بالخسارة والهزيمة، ويمكن بالحقيقة أن تنتهي في لحظة واحدة إذا ما تخلى الغرب عن هذا السلوك العدواني والهمجي وتخلى عن دعم العدوان على روسيا في كل محيطها الجيوسياسي وفي مناطق نفوذها وبالدرجة الأولى في القضية الأوكرانية، والقبول بخسارة الرهان على حصان خاسر لهزيمة روسيا، والجلوس معها على طاولة المفاوضات ونقصد هنا جلوس الأصيل لا الوكيل يعني الولايات المتحدة للاتفاق او التوافق على كيفية إنها هذه الحرب بما يحفظ الدولة الأوكرانية سيدة مستقلة غير مرتهنة لأي طرف وخاصة الغرب وبما يضمن ويحفظ كل المصالح الوطنية لجميع الأطراف بغض النظر عن من المعتدي ومن اعتدي عليه وبوتين أشار إلى عدة اقتراحات على الدول الغربية والولايات المتحدة وأوكرانيا بأنه مازال هناك أمل من تحقيق السلام كان أخرها خلال كلمته في المنتدى الاقتصادي الدولي في فلاديفستوك الروسي “منتدى الشرق الأقصى الاقتصادي”، بغير مثل هذه التوجهات سيكون الوضع كارثيا وصعباً وأول من سيستمر في دفع الثمن هو الشعب الأوكراني. وقد يكون هناك نوع أخر من هذا التطور وهو في أن تذهب روسيا بالفعل نحو التعامل بالمثل مع الولايات المتحدة ودول الغرب الجماعي في مناطق نفوذها ، فقد قالها نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديميتري ميدفيديف في أن روسيا يمكن أن تفكر في الرد عليهم في مناطق أخرى من العالم، فاختاروا “المقصود من يهتم بالمتابعة” في أفريقيا، الرد قائم هناك ونتائجه ممتازة، في أمريكا اللاتينية قيد الإنجاز، في منطقة أسيا الوسطى تم الأمر تقريباً، في منطقة الشرق الأوسط هنا مربض الفرس ونقطة العلام، اختاروا من ترونه مناسباً لهذا الدعم لسحق الوجود الأمريكي ومن يلعب تحت رايته ويتحرك بشارته وصفارته، أظن أنها واضحة ولا تحتاج إلى تفنيد فيما إذا قررت روسيا فعلا الذهاب نحو ذلك ، لن تتحمل الولايات المتحدة قولا واحدا.
وهنا يتبادر سؤال مهم، بدأنا نسمعه ونراه حالياً خاصة بعد تحديث العقيدة النووية الروسية، هل من الممكن أن يتحول الوضع إلى حرب نووية وتكون حرباً عالمية ثالثة؟
بشكل كبير حاولنا آنفاً الإجابة على مثل هذا التساؤل الذي يأتي بمكانه أكثر من أي مرة خلت في ظل هذا التسارع القائم للتصعيد بدون ضوابط أو حساب خط الرجعة من قبل الغرب الجماعي عموما وعلى رأسه الولايات المتحدة التي لم يعد يفهم أحد من يقودها الى من مشتقات ما يسمى بالدولة العميقة، وبكل بساطة يمكن أن تتحول هذه الحرب إلى حرب نووية كارثية كما قلنا آنفا في ظل استمرار تعنت وغي الولايات المتحدة والغرب الجماعي وفي ظل عدم قبول روسيا الرضوخ مهما كانت الأثمان، وخاصة نحن نرى أن الغرب الجماعي يسيطر سيطرة كاملة على القيادة الأوكرانية الحالية التي تفقد كل أشكال الاستشعار عن بعد والقدرة على التبصر بما يمكن أن تؤل إليه الأمور في ظل هذا الارتهان غير المحدود لما ترغب به الولايات المتحدة من تصعيد مستدام دون أن يرف لها جفن لأن الأرض ليست أرضها لا في روسيا وفي اوكرانيا والشعب ليس شعبها وحتى الجنود الذين يقتلون في المعارك ليسوا جنودها ولى ما يتعدى اوكرانيا ايضا كما في الشرق الاوسط، وحتى التكاليف والأموال والدفع والتسليح كله أو معظمه على حساب غيرها، وهذا ما يدعوها لأن تستمر في ذلك إلى أن تصل الأمور في لحظة خطأ فادح أو حماقة تضطر فيها روسيا إلى رد حازم يخرج عن كل أطر التحمل والقدرة على الصبر أكثر من ذلك خاصة عندما يظهر تهديد حقيقي لوجود وبقاء الدولة الروسية، وعملية اقتحام كورسك هي أقرب أخر خطوة غبية التي اعتبرها مسؤولون ومحللون وخبراء غربيون على أنها خطوة انتحارية ومغامرة مجنونة ، كانت قد تودي إلى وقوع ذلك فيما لو تمت السيطرة على المحطة النووية التي تعد من أكبر وأضخم المحطات النووية في العالم وتشكل نقطة عار على روسيا وتضع الرئيس بوتين على محك الثقة أمام الشعب في روسيا أولاً وفي المناطق والجمهوريات الروسية الجديدة وعلى مستوى الدول والحلفاء الذين يعلقون وينون أمالاً كبرى في مستقبلهم بالاستناد على روسيا، وهنا في حال لو خسرتها روسيا لأي سبب كان حينها لم يكن ليبقى خيار أمام روسيا إلا استخدام أقصى ما عندها من حد للسلاح بما فيه النووي سواء تكتيكي أو نووي كامل لكن أين نقطة البداية فهذه تحكمها الأحداث لا العقل ولا الاسترشاد به، هنا في مثل هذه المواقف الرهيبة لا مكان للعقل ولا ينفع العقل أمام خسارة النفس، اذا بهذا السلوك تدفع الولايات المتحدة روسيا نحو الجنون والخطأ الكارثي وبحكمة القيادة الروسية وعلى رأسها بوتين هذا من المستحيل أن يحصل ببساطة حاليا رغم توقعه لكنه قد يحدث فعلا مستقبلا . وهنا نقول وبكل وضوح انطلاق على إسقاطات الواقع أن الرئيس بوتين قد يتخذ اجراءً تاريخيا حازما يعتبر مغامرة تاريخية كبرى من شأنه لجم عالم القطب الواحد إن لم يكن اسقاطه بالضربة ما تحت القاضية لأن الكيل طفح في كل أرجاء المعمورة، الصراع الحقيقي حاليا هو بين الحكومات العالمية الظاهرة وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا من جهة وبين رأس المال العالمي “الشركات العابرة للقارات، البنوك، المجمع الصناعي العسكري”، والعالم كله من دول وبشر هو من كان وسيكون ضحية هذا الصراع كما نرى. يعني الحرب الحقيقية الدائرة حاليا هي حرب المال العالمي مع من يريدون قيادة العالم وكل ما يجري في كل شبر من العالم من نزاعات وحروب وتوترات هي من ضمن هذه الحرب الكبرى وروسيا بريئة من الاثنين لأنها لا تريد السيطرة على العالم بل تريد عالماً مشتركاً يعيش فيه الجميع بسلام هناك من يريد تغيير العالم كله والسيطرة عليه وهذا ما لن يسمح به.
في نفس الوقت حددت القيادة الروسية في أي حال يمكنها استخدام السلاح النووي دون تردد وهو محاولة اغتيال القادة الروس بما فيهم الرئيس أو كبار المسؤولين، أو في حالة الاعتداء على المراكز القيادية والحيوية الاستراتيجية الرسمية الحكومية والعسكرية الروسية وبالمجمل عندما تشعر روسيا بأي تهديد حقيقي داهم على بقاءها ووجودها وعلى أمنها القومي ووحدة أراضيها. وما جرى في كورسك نكرر أنها خطوة مجنونة من قبل الغرب كادت أن تكون نقطة انفجار الصبر الروسي فيما لو تمت السيطرة على أي من المحطات النووية سواء في زابوروجيا أو كورسك أو ضربهما.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا إذا لم يعد هناك خيارا هل يفعلها الرئيس بوتين!؟
الجواب نعم، لكن كيف! هذا ما لا نستطيع الإجابة عنه ولو توفرت القدرة على التقدير، لكن من غير الجيد أن نرمي تقديرات شيح بريح لأن واقع الأحداث وتطورها المفاجىء في هذا الاتجاه هو الوحيد الذي يحدد قيام ذلك من عدمه وبالحقيقة يعتمد كليا على التمادي الغربي وتجاوزه ما تبقى من خطوط ما بعد الحمراء في التعدي على روسيا ووجودها .
الرد الروسي الظاهر مستمر بالعموم على مختلف المستويات وفي كافة الاتجاهات ومنها مثلاً الاستمرار بالتوازي في نسج التحالفات الاستراتيجية والتي نراها مع كوريا الشمالية ومع الصين ومع ايران ومع دول العالم العربي والإسلامي عموما ودول آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، قيد الترتب أو التنفيذ، أصلاً هذا ايضا رد مهم، وتحركات أخرى جاءت في إطار عدد من اللقاءات الدولية منها قمة دول بريكس مؤخراً في قازان الروسية، طرح قضية إلغاء الدولرة والتعامل في العملات الوطنية الذي تحدث عنه بوتين خلال افتتاح فعاليات منتدى الشرق الاقصى الاقتصادي مؤخرا في فلاديفستوك الروسية، وغيرها الكثير، طبعا هذه أسباب مضافة لتوسيع هذا التصعيد من جهة أوكرانيا، لكن ما حضرت له روسيا في كل مكان يلزم الرد فيه ويخدم التفوق الروسي في حماية بقاء الدولة والشعب، وفي كافة الأشكال وبمختلف الإمكانات لن يخطر على بال أحد، بحيث يمكن لروسيا أن تنهي فعلياً كل هذه الصراعات وبالضربة القاضية المتفرعة والمخطط لها ببراعة خبرات الحروب على التاريخ وأصلا دون أن تضطر فعليا لأن تبدأ هي باستخدام السلاح النووي.
روسيا طوال الفترة الماضية وخاصة العقد الأخير تتبع استراتيجية البقاء والحفاظ على بقاء العالم والتخلص بنفس الوقت من الطغمة العالمية الحاكمة بظاهرها وباطنها وفي كافة الساحات، والتي يظن البعض أنها غائبة عنها أو لا تقدر الخوض فيها، وبكافة الإمكانات التي عملت على تدعيمها منذ أن قرر الرئيس بوتين عام 2007 في مؤتمر ميونخ للأمن بأن يقول للعالم كله إن عالم القطب الواحد قد انتهى عصره، ولم تكن روسيا لتذهب للعمل في هذا الاتجاه رغم قدرتها لو لا أن الغرب تمادى أكثر فأكثر ولم يقبل هذا الطرح الذي أصلا أرادت منه روسيا إصلاح نظام حكم العالم على أساس احترام الكل للكل ومصالح الجميع.
في الختام قد يرى البعض أن ما أتينا عليه ضرب من الخيال، لكن سوف تكشف الأيام بأن العقل والمنطق يقبل فعلياً الكثير من هذه التصورات التي لم تأتِ من فراغ ، ولا يسعنا هنا إلا أن نقول اللهم لا نسألك رد القضاء وإنما اللطف فيه.
خاص وكالة رياليست – د. نواف إبراهيم كاتب وإعلامي متخصص بالشؤون الدولية – روسيا.