البصرة – (رياليست عربي): بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024، من المتوقع أن تشهد السياسة العالمية، وخاصة الأزمة الروسية الأوكرانية، تحولات كبيرة. يُعرف ترامب بمواقفه غير التقليدية في السياسة الخارجية، وقد أثار فوزه مخاوف بشأن مستقبل الدعم الأمريكي لأوكرانيا وعلاقات واشنطن مع حلفائها، بما في ذلك حلف الناتو. هذا المقال يستعرض كيف سيؤثر فوز ترامب على السياسة العالمية بشكل عام، وعلى الصراع الروسي-الأوكراني بشكل خاص.
السياسة الخارجية الأمريكية تحت إدارة ترامب
أ. سياسة “أمريكا أولاً“
مع توليه الرئاسة للمرة الثانية، من المتوقع أن يعيد ترامب سياسة “أمريكا أولاً” التي ركزت خلال فترته السابقة على تقليص التدخلات العسكرية الأمريكية في الخارج والحد من الالتزامات الدولية. الآن، وبعد عودته إلى البيت الأبيض، يُرجح أن يتبع نفس النهج، مما يعني تقليص الدعم العسكري لأوكرانيا والتركيز على المصالح الوطنية الأمريكية، بما في ذلك تعزيز الاقتصاد المحلي. هذا النهج يختلف بشكل كبير عن السياسة التي تبناها الرئيس السابق جو بايدن، التي كانت تعتمد على دعم عسكري قوي لأوكرانيا وتعزيز التحالفات الدولية لمواجهة التحديات الروسية.
ب. العلاقات مع حلف الناتو
من المعروف أن ترامب انتقد حلف الناتو بشكل متكرر خلال فترته الأولى، مطالبًا الدول الأعضاء بزيادة إنفاقها الدفاعي. بعد فوزه، من المتوقع أن يواصل الضغط على الحلفاء الأوروبيين لتحمل مسؤولية أكبر في النزاع الأوكراني، مما قد يؤدي إلى توترات داخل الحلف. وقد يتعين على دول الناتو الأوروبية تقديم المزيد من الدعم لأوكرانيا لتعويض أي تقليص في المساعدات الأمريكية، وهو ما قد يزيد من التحديات التي تواجهها هذه الدول في ظل استمرار الصراع.
التأثير على العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا
أ. تقليص الدعم العسكري لأوكرانيا
بعد فوز ترامب، من المرجح أن تشهد أوكرانيا تقليصًا في الدعم العسكري الأمريكي. قد يتخذ ترامب خطوات لتقليل شحنات الأسلحة المتقدمة، مثل الدبابات والطائرات المقاتلة، وهو ما سيضع كييف في موقف صعب أمام التصعيد الروسي المستمر.
في ظل هذا التراجع المحتمل، قد تضطر أوكرانيا إلى البحث عن حلول دبلوماسية أو التفاوض على تسوية سياسية في ظل انخفاض الدعم الأمريكي.
ب. تغيير في الاستراتيجية الغربية تجاه الحرب
مع تقليص الدعم الأمريكي، قد تجد أوكرانيا نفسها معتمدة بشكل أكبر على الدعم الأوروبي. هذا قد يخلق انقسامات داخل حلف الناتو حول كيفية التعامل مع الحرب الروسية، خاصة في ظل ضغط ترامب على الحلفاء الأوروبيين لتحمل مزيد من الأعباء. وفي الوقت نفسه، قد تستغل روسيا هذا الوضع لمحاولة تحقيق تقدم عسكري سريع قبل أن تجد الدول الغربية نفسها مضطرة إلى إعادة النظر في استراتيجياتها.
ج. السياسة تجاه روسيا
فوز ترامب قد يؤدي إلى اتباع سياسة أكثر مرونة تجاه روسيا. خلال فترة رئاسته السابقة، أظهر ترامب احترامًا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومن المتوقع أن يحاول إعادة فتح قنوات التواصل مع موسكو. قد يسعى ترامب إلى تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، مما قد يساهم في تخفيف الضغط على الاقتصاد الروسي ويساعد في استمرار العملية العسكرية في أوكرانيا. مع ذلك، قد يواجه ترامب معارضة شديدة من داخل الولايات المتحدة ومن حلفائه الأوروبيين الذين يرون في تخفيف العقوبات تهديدًا لأمنهم واستقرارهم.
التأثيرات الاقتصادية على روسيا وأوكرانيا
أ. العقوبات الاقتصادية على روسيا
من المتوقع أن يسعى ترامب إلى تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، في محاولة لتحسين العلاقات بين البلدين. هذا التخفيض في العقوبات قد يؤدي إلى انتعاش الاقتصاد الروسي، مما يعزز قدرة موسكو على تمويل حملتها العسكرية في أوكرانيا. في المقابل، قد يواجه ترامب معارضة شديدة من الكونغرس الأمريكي ومن الدول الأوروبية التي تعتبر العقوبات جزءًا أساسيًا من الضغط على روسيا لوقف عدوانها.
ب. الأثر على الاقتصاد الأمريكي
على الصعيد الداخلي، قد يؤدي تقليص الدعم العسكري لأوكرانيا إلى تخفيف الأعباء المالية على الاقتصاد الأمريكي، وهو ما قد يعزز شعبية ترامب بين الناخبين الذين يفضلون توجيه الموارد نحو القضايا الداخلية. مع ذلك، قد يتسبب هذا التغيير في السياسة الخارجية في توتر مع بعض الأوساط السياسية الأمريكية والدول الأوروبية التي تدعم استمرار المساعدات لأوكرانيا.
سيناريوهات محتملة بعد فوز ترامب
أ. التصعيد العسكري الروسي
مع تقليص الدعم الأمريكي، قد تسارع روسيا إلى استغلال الفرصة لتكثيف عملياتها العسكرية في أوكرانيا. إذا شعرت موسكو بأن الغرب لم يعد يقدم نفس المستوى من الدعم لكييف، فقد تسعى لتحقيق انتصارات حاسمة على الأرض، مما يؤدي إلى تصعيد أكبر في الحرب وتفاقم الأوضاع الإنسانية في المنطقة.
ب. استئناف المفاوضات
في ظل فوز ترامب وتقليص الدعم العسكري لأوكرانيا، قد يحاول الرئيس الأمريكي إعادة فتح قنوات الحوار مع روسيا للتوصل إلى تسوية دبلوماسية. هذه التسوية قد تتضمن تنازلات من أوكرانيا بشأن أراضيها أو اتفاقًا على وقف إطلاق النار. ومع ذلك، فإن هذا الخيار قد يواجه رفضًا من كييف وبعض الحلفاء الأوروبيين الذين يرفضون تقديم أي تنازلات لموسكو.
ج. الجمود العسكري
في حال تراجع الدعم الأمريكي ببطء، قد تصل الحرب إلى حالة من الجمود العسكري، حيث لا تتمكن أي من الأطراف من تحقيق نصر حاسم. هذا السيناريو قد يفتح الباب لمفاوضات طويلة الأمد، ولكنها قد تكون صعبة ومعقدة نظرًا لتضارب المصالح بين الأطراف المختلفة، واستمرار السيطرة الروسية على أجزاء من الأراضي الأوكرانية.
وفي الختام إن فوز دونالد ترامب في انتخابات 2024 سيشكل نقطة تحول كبيرة في السياسة الأمريكية تجاه الحرب في أوكرانيا. من المحتمل أن يؤدي تقليص الدعم العسكري الأمريكي إلى زيادة الضغوط على الحلفاء الأوروبيين وتحفيز روسيا على تكثيف عملياتها العسكرية. في المقابل، قد يحاول ترامب تحسين العلاقات مع روسيا عبر تسوية دبلوماسية أو تخفيف العقوبات، مما سيعيد تشكيل المشهد الجيوسياسي العالمي. ومع ذلك، ستظل التحديات كبيرة أمام أي محاولات لحل الأزمة الأوكرانية، في ظل تباين مواقف الدول المعنية وتفاقم الأوضاع على الأرض.
خاص وكالة رياليست – عبدالله الصالح – كاتب وباحث ومحلل سياسي – خبير في العلاقات الثقافية الدولية – العراق.